صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" العدد 91 من فصلية "قضايا إسرائيلية"، يضم محورًا تحت عنوان "ثلاثون عامًا على أوسلو: من إعلان المبادئ (1993) إلى مظاهرات تل أبيب (2023)"، يشتمل على مراجعات لسياق التوصل للاتفاقيات على المستويات الأمنية والاقتصادية والدولية، وصيرورة هذا الاتفاقيات ومآلاتها، وارتباط الجدل حول جوهرها بالتطورات الإسرائيلية وموقعها من حركة الاحتجاج الإسرائيلية الراهنة.
يكتب جمال زحالقة تحت عنوان "التأثير السياسي لاتفاق أوسلو على فلسطينيي الداخل" حول التحولات الجوهرية التي طالت العمل السياسي-الحزبي الفلسطيني في إسرائيل. فالاتفاق ألقى بظلاله على الخارطة الحزبية الفلسطينية في إسرائيل، وأعاد فرز الخطاب، والممارسة السياسية، والمطالب القومية-الوطنية لدى فلسطينيي الداخل وفق مفردات جديدة. أما مقالة إمطانس شحادة، فتقدم لنا تحليلًا اقتصاديًا سياسيًا حول "دور النخب الاقتصادية في صناعة القرار السياسي في إسرائيل"، إلى جانب المستوى السياسي الذي عادة ما يكون مدخلًا لفهم اتفاق أوسلو وتبعاته، فالجانب الاقتصادي، ودور رجال الأعمال الإسرائيليين في الدفع تجاه "شروط سياسية" يعتبرونها حاضنة لأعمالهم الربحية، عادة ما ظل غائبًا عن التحليل. من هنا، توفر مقالة شحادة مونولوجًا لفهم هذه الدور ابتداء من اتفاق أوسلو وصولًا إلى المظاهرات السياسية التي تقسم الشارع الإسرائيلي حول خطط اليمين الصهيوني لتغيير دور السلطة القضائية في إسرائيل.
وفي مقالة تحت عنوان: اتّفاق أوسلو بين التقسيم «المدنيّ» و«العرقيّ» يشير يائير والاخ إلى أنّ هناك نتيجتين محتملتين لتقسيم البلاد نتيجة لاتّفاقيّات أوسلو: نموذج "التقسيم المدنيّ" مقابل نموذج "التقسيم العرقيّ". لقد تمّ بناء نموذج "التقسيم المدنيّ" في ظلّ حكومة رابين (1996-1994) على دعم الأحزاب العربية في الكنيست، وشمل إضفاء الشرعية على مشاركة عرب الـ 48 في النظام السياسيّ الإسرائيليّ. وقد قدّم هذا "التقسيم المدنيّ" أفقًا دوليًّا وسياسيًّا ممكنًا للتقسيم الإقليميّ، بموازاة الانتقال إلى نظام مدنيّ داخل إسرائيل.
المقالة الرابعة التي تأتي تحت عنوان "بروتوكول جلسة الحكومة الإسرائيلية لإقرار اتفاق إعلان المبادئ عام 1993"، عبارة عن ترجمة وقراءة من "مدار" في مجريات جلسة الحكومة تلك والتي تعكس بعض المواقف الإسرائيلية السياسية، الحزبية والأمنية التي سادت عشية توقيع الاتفاق. وقد سمح الأرشيف الإسرائيلي بالكشف عن هذه الوثيقة بموجب قرارات الرقابة الإسرائيلية التي تتيح للجمهور الاطلاع على العديد من الأوراق السرية بعد مرور ثلاثين عامًا على حجبها. أما عبد القادر البدوي، فيقدم قراءة في أحد منشورات معهد الأمن القومي الإسرائيلي، التي حملت عنوان "محاربة تهديد الدولة ثنائية القومية: اتفاقيات أوسلو 1993-1995 في ضوء النظرية الأمنية (الأمننة)".
ولجعل محور العدد ذي صلة بالتحولات الراهنة في إسرائيل، خصوصًا الانقسام الإسرائيلي المتعلق بخطة الإصلاح القضائي اليمينية، يقدم العدد الحالي من مجلة قضايا أربعة مقالات. تكمن أهمية هذه المقالات في ربطها بين حركة الاحتجاج الإسرائيلية التي باتت تعرف باسم احتجاجات كابلين (نسبة الى شارع كابلين الذي يحتضن المظاهرات المركزية للمحتجين على "انقلاب" نتنياهو على "الديمقراطية" الإسرائيلية) وضرورة التخلص من احتلال العام 1967. من هنا، ثمة خيط واصل بين الانقسام السياسي في إسرائيل واتفاق أوسلو على اعتبار أن انهاء الاحتلال باتت مطلبًا، وإن كان في شكله الحالي لا يزال مطلبًا خجولًا وغير جامع.
في هذا الإطار مقالة تحت عنوان "اللحظة وتاريخها: قراءات في التصدعات الإسرائيلية الحاضرة في الاحتجاجات" لأبراهام بورغ، خلاصتها أن "أغنية السلام ملطخة بالدماء، وأن معسكره السياسي تخلى ببساطة عن المشهد. بين هذه اللحظات الماضية وهذا الحاضر، تغير نظام التشغيل داخل معمل السياسة الإسرائيلي. تم طرد النخبة، وزاد العجز الديمقراطي بشكل كبير، واليهودية ابتلعت الإسرائيلية".
وتحلل مقالة ليف غرينبرغ مصالح الجيش في التمييز بين سلطته السيادية في المناطق المحتلة والنظام الديمقراطي داخل حدود 1967. وتبيّن المقالة كيف أن هجمات المستوطنين في حوارة قد جسّدت فقدان سيطرة الجيش على المستوطنين وساهمت في توسيع الحملة الاحتجاجية ضد الحكومة. أما مقالة أفيرام تسوريف فتحاول أن تبحث في التناقض الجوهري الذي يراه الكاتب بين الاحتجاج ضد هيمنة اليمينة الصهيوني التي تهدف الى تقليم أظافر "الديمقراطية" الإسرائيلية، وقبول المحتجين صيغة "الديمقراطية" لليهود فقط، متناسين أن هذه النظام الذي "يناضلون" لأجله، ويحاولون استعادته، هو الذي حبس الفلسطينيين داخل بنية استعمارية عدوانية.
تكتب ياعيل بردا تحت عنوان "حول وجهتي الانقلاب النظاميّ: الكولونياليّ والسّلطويّ". في هذه المقالة، تشير بيردا إلى أن النضال للوصول إلى مواطنة ليبراليّة خاصّة باليهود يجري في الوقت الذي يتم فيه نزع مواطنة الفلسطينيّين، وهذا بذاته يُجسّد كيف كان بوسع إسرائيل الكولونياليّة أن تعيش إلى جانب تلك الليبراليّة، وذلك بوساطة سلطة القانون التي فصلت طيلة الوقت بين هذيْن النظاميْن.
بالإضافة إلى ذلك، يضم العدد دراسات تحت عنوان: "إسرائيل ومسألة الأقليات: الأكراد وجنوب السودان نموذجًا" لأحمد عز، و"العقدة": لبنان في النظرة الإسرائيلية لعبد كناعنة، إلى جانب زاوية الأرشيف وقراءات الكتب.