تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2716
  • مريم فرح

كشفت تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة النقاب عما هو أبعد من العنصرية ضد الفلسطينيين، حيث يمكن القول إن الفلسطيني في الداخل أصبح متهماً بدعمه للإرهاب حتى يثبت براءته.  بالإضافة إلى ذلك، تحولت أماكن العمل والمؤسسات الأكاديمية والثقافية ومنصات التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه مقصلات اجتماعية وسياسية تستهدف أي فلسطيني يعبر عن تضامنه مع أهالي غزة.  

لطالما مارست إسرائيل سياستها العنصرية تجاه الفلسطينيين في الداخل بأشكال متعددة وخلال حقبات زمنية مختلفة، بدءاً من النكبة مروراً بفترة الحكم العسكري والانتفاضتين والحروب المتعددة التي خاضتها. ولم تنجح اللجان المختلفة والخطط الاقتصادية التي حاولت تعزيز المواطنة الإسرائيلية على حساب الهوية الوطنية للفلسطينيين في عملها حتى الآن. وازدادت في السنوات الأخيرة قوة المستوطنين واليمين المتطرف، خاصة في سدّة الحكم، وبدت العنصرية محدودة للمستوطنين المتواجدين في الأطراف، مثل "شباب التلال" وآخرين، الذين تسللوا أيضاً إلى المدن الساحلية المختلطة عبر "مشروع استيطان القلوب". وبفضل دعم من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، نجح قادتهم في دخول الحكومة، سعياً منهم أيضاً لتغيير هياكل النخب التقليدية في إسرائيل. ولكن هؤلاء ليسوا "الجنود الحقيقيين"  في إسرائيل،  فهم ليسوا عسكريين وليسوا جزءا من  الجيش في إسرائيل،  وبعضهم حتى لا يخدمون فيه. وهم أيضاً ليسوا ضمن  النخب الأكاديمية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية والطبية والهايتك الذين يلاحقون الفلسطينيين في إسرائيل اليوم ويحاربون في غزة بل على العكس تنحوا جانباً وقت الحرب وأبعدوا من الكابينيت المقلّص.


وأشارت صحيفة "هآرتس" يوم الاثنين الماضي إلى أن الفلسطينيين في الداخل يتعرضون للانتقام بسبب هويتهم المركبة. وأضافت أن هناك الآن في أروقة الحكومة شركاء للوزير إيتمار بن غفير من الذين تمنوا وقوع نكبة ثانية للشعب الفلسطيني.[1] 

الطلاب والمحاضرون العرب في مواجهة العنصرية 

في يوم  السبت الماضي هاجمت مجموعة من اليهود المتطرفين الطلاب العرب في سكن كلية نتانيا وفقا لوسائل إعلام مختلفة، ورفعت شعار "الموت للعرب". وقد طلبت إدارة السكن من الطلاب العرب الصعود للطابق العلوي لانتظار وصول الشرطة. وتم احتجاز الطلاب داخل السكن بعد الاقتحام، ولم يتمكنوا من مغادرة المكان خوفاً من التعرض للاعتداء. وأشار موقع "واللا" إلى أن أحد منظمي الهجوم هو مدير ثلاثة فرق تأهب مسلحة تابعة للبلدية، مما يشير إلى أنهم ليسوا مجرد مستوطنين متطرفين[2].

سبقت هذا الاعتداء مضايقات من قبل المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية ضد الطلاب العرب. وقد رصد "مركز عدالة" 99 حالات اضطهاد للطلاب العرب حتى تاريخ 27 تشرين الأول 2023، حيث تم تجميد تعليم 48 طالباً.[3] وأشارت الهيئة المشتركة للكتل الطلابية إلى أن هناك أكثر من 100 طالب تمّ تحويلهم لـ "لجان الطاعة" في مختلف المعاهد العليا حتى تاريخ 29 تشرين الأول 2023. ويعود سبب هذه الملاحقات إلى مشاركتهم في محتويات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. وامتدت هذه المضايقات أيضاً لتشمل المحاضرين العرب في الجامعات. فقد أرسل رئيس الجامعة العبرية في القدس، آشير كوهين، رسالة إلى البروفسور نادرة شلهوب كفوركيان متهماً إياها بالتحريض ضد دولة إسرائيل بناءً على تصريحها على صفحتها على فيسبوك بأن إسرائيل تقوم بأعمال إبادة جماعية في غزة. وأضاف أنه يمكن للجامعة ملاحقتها قضائياً بسبب هذه التصريحات، ونصحها بالاستقالة من منصبها في الجامعة. كما قامت كلية التربية في بئر السبع باقالة د. وردة سعدة من منصبها كمحاضرة في الكلية بعد 28 عاماً لأنها نشرت مناشير ضد الاحتلال والحرب.  

وتقوم الهيئة الطلابية المشتركة التي تعمل تحت مظلة الهيئة العربية للطوارئ وتضمّ 26 كتلة طلّابيّة عربية من مختلف جامعات البلاد، بإرسال رسائل إلى جامعات شريكة للجامعات الإسرائيلية في العالم وممولين وسفراء تحثهم على التدخّل ومساعدة الطلّاب الفلسطينيّين في الجامعات الإسرائيليّة، وطالبت الاتّحاد الأوروبّيّ بمراجعة الاتّفاقيّات الأكاديميّة مع وزارة التربية والتعليم الإسرائيليّة والمؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة. 

طرد من العمل  ولوائح اتهام

لم تنحصر المضايقات في الطلاب فقط، حيث أشارت الهيئة العربية للطوارئ وائتلاف المجتمع المدني للطوارئ في المجتمع العربي إلى وقوع 54 حالة إقالة من العمل بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث مثلاً مع د. عبد سمارة، مدير وحدة العناية المركزة للقلب في مستشفى هشارون في بيتح تكفا، حيث تعرض لإيقاف عمله بسبب منشور نشره على صفحته على فيسبوك واعتبر أنه يظهر دعماً للإرهاب. وجاء هذا القرار بناءً على شكاوى تلقتها إدارةا لمستشفى تتعلق بتلك المنشورات. 

وأشار الائتلاف والهيئة إلى وقوع 161 حالة اعتقال تم الإبلاغ عنها، بما في ذلك نحو 30 لائحة اتهام تم تقديمها حتى الآن. وأحدث هذه اللوائح تتعلق بالممثلة ميساء عبد الهادي، حيث وُجهت ثلاث لوائح اتهام لها تهم "نشر تحريض وتأييد الإرهاب" بناءً على مشاركتها صورة في يوم 7 تشرين الأول على منصات التواصل الاجتماعي. وحدث أمرٌ مشابه مع الفنانة دلال أبو آمنة، التي نشرت  على  صفحتها على فيسبوك جملة "لا غالب إلا الله" ولاقت انتقاداً وهجوماً لاذعين مما أجبرها على تقديم شكوى، ولكنها وجدت نفسها في النهاية معتقلة بسبب هذا المنشور.

ولا تتوقف الملاحقة القانونية هنا بل ترافقها أيضاً محاولات إذلال كما حدث مع ميساء عبد  الهادي والناشط اليساري يوآف بار، حيث تقوم الشرطة بتصويرهم وهم مكبلو الأيدي ويقفون أمام العلم الاسرائيلي ونشر الصور على شبكات التواصل الاجتماعي.  ويعتبر هذا السلوك انتهاكاً لحق المعتقل في إجراء عادل والحق في الكرامة وبالطبع يعتبر مساساً بالخصوصية.  

وما يجدر ذكره أيضاً أن الحكومة الإسرائيلية قامت مؤخراً بتعديل "قانون مكافحة الإرهاب" بما في ذلك توسيع نطاق هذا القانون الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية في العام 2006، ويتيح التعديل الأخير لوزير الدفاع بإعلان أفراد بأنهم إرهابيون.
كما طالب وزير الداخلية، موشيه أربيل، بفحص إمكانية سحب الجنسية من عبد الهادي بعد تقديم لوائح اتهام ضدها. وبالتعاون مع وزير العدل، ياريف ليفين، يعملون على تشريعات جديدة تهدف إلى سحب الجنسية من المواطنين الذين يحرضون ويدعمون الإرهاب.[4] يُذكر أن المحكمة العليا في إسرائيل أقرّت في العام 2022 أن الحكومة لديها الصلاحية لسحب الجنسية من الأفراد الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية وفقاً للتشريعات المعمول بها منذ العام 2011.

وفي بداية العام 2023، تمت الموافقة على قانون يسمح بسحب الجنسية وطرد الأفراد الذين تلقوا تعويضاً من السلطة الوطنية الفلسطينية في مقابل تنفيذ "أعمال إرهابية"، وذلك بأغلبية أصوات تضمنت 94 عضواً في الكنيست. ويعتبر هذا القانون تصعيداً كبيراً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.

هجوم في شبكات التواصل الاجتماعي 

رافق هذه الأحداث تحريض شديد على شبكات التواصل الاجتماعي. وفقاً لهيئة الطوارئ العربية، تم رصد 163 تحريضاً على شبكات التواصل الاجتماعي ضد الفلسطينيين في الداخل. ومن جهة أخرى، رصد مركز حملة- المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي أكثر من 103 ألف محتوى عنيف باللغة العبرية ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، من بين مجمل 120 ألف محتوى تم رصدها منذ 7 تشرين الأول وحتى 18 تشرين الأول. وتعود غالبية هذه الخطابات إلى منصة "إكس".

وكمثال أيضاً على ما يجري في القطاع  الثقافي في إٍسرائيل، هاجمت صفحة "يسرائيل بيدور" والتي يتابعها 1.4 مليون متابع، الممثلة عبد الهادي بسبب منشور ودعت إلى مقاطعة جميع الممثلين  والمؤثرين العرب في إسرائيل الذي لا يستنكرون أحداث 7 تشرين الأول.  وأضافت "هارتس" أنه بالنسبة لهؤلاء فإن الصمت حتى هو تضامن مع حماس! فقد تمت مهاجمة الإعلامية لوسي أيوب من قبل مؤثرة في شبكات التواصل بسبب صمتها، كما  تمت مهاجمة الممثلين لونا منصور وأمير خوري ومطالبتهما بالاستنكا.ر[5] 

وهذا الهجوم على المثقفين والفنانين العرب من قبل قطاعات في الثقافة وعالم الترفيه الإسرائيلي هو مؤشر إلى سياسة تكميم أفواه تمارس في القطاع الترفيهي والثقافي لم يكن لها مثيل حادّ كهذا في السابق. 

وطاولت الهجمات كذلك القضاة العرب في المحاكم الاسرائيلية، حيث هاجمت صفحة "يسرائيل بيدور" القاضي عرفات طه الذي أرسل عبد الهادي إلى حبس منزلي فقط، كما هاجم بن غفير على صفحته على فيسبوك  القاضي إحسان كنعان الذي أطلق سراح الناشط الحيفاوي يوآف بار.

أما على صعيد الحراك الجماهيري ضد الحرب، فقد قامت إسرائيل بقمع تظاهرات في مدن مثل حيفا وأم الفحم، حيث تم اعتقال ناشطين من التظاهرات، وبعضهم ما زالوا محتجزين حتى اللحظة. وبجانب ذلك، تدرس الحكومة الإسرائيلية بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إدخال تعديل على تعليمات الشرطة، بهدف السماح بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين تحت ذريعة تهديدهم للنظام العام. وفقاً لبن غفير، في حالة وقوع حدث أو حرب متعددة الجبهات، يمكن تعديل تعليمات إطلاق النار لتصبح أمر طوارئ سارياً طوال فترة الحرب. وهذا القرار يثير مخاوف من أنه يمكن للشرطة استخدامه للقتل بذريعة الحرب وحالة الطوارئ.

مواجهة تحديات الوضع الراهن 

فرض هذا الوضع الراهن على المؤسسات الفاعلة في المجتمع العربي في الداخل مواجهة هذه التحديات، حيث انبثقت عن لجنة المتابعة العليا الهيئة العربية للطوارئ والتي تهدف إلى تلبية الحاجات الملحة للمجتمع الفلسطيني في الداخل خلال فترة الحرب. وقامت الهيئة بمسح الحاجات الحالية للمجتمع العربي وتفعيل وبناء قدرات وكوادر محلية وبناء لجان متخصصة إلى جانب العمل مع السلطات والمجالس المحلية.  ويتم تفعيل هذه اللجان إما من خلال أفراد أو مؤسسات  فاعلة في المجال، وهي اللجنة الإعلامية ولجنة السلطات المحلية ولجان الدعم النفسي والصحة والتعليم والمدن المختلطة والاقتصاد والمرافعة والحقوق والإحصاء والتنسيق مع المؤسسات الرسمية والكتل الطلابية وغيرها. وتعمل إلى جانب الهيئة  العربية للطوارئ غرفتا طوارئ في حورة في النقب وفي كفرقاسم. وتعمل غرفة الطوارئ في النقب على تلبية حاجات السكان في النقب، خاصة مع عدم وجود الحاجات الأساسية في قرى النقب ومنها الملاجئ. 

بالإضافة إلى اللجنة العربية للطوارئ انطلق ائتلاف المجتمع المدني للطوارئ في المجتمع العربي الذي تشكل في بداية هذا العام ويضم عشرات المؤسسات العربية والعربية- اليهودية ونشطاء عرب، ويعمل على تنسيق العمل في حالات الطوارئ، ويقدم مساعدات واستشارات للأفراد والمؤسسات في حالات الطوارئ. ويعمل الائتلاف بالتعاون مع الهيئات التمثيلية في المجتمع العربي وبالأساس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية.

 

[1] https://www.haaretz.co.il/opinions/editorial-articles/2023-10-31/ty-article-opinion/0000018b-8191-d72d-adab-9d97b1270000?utm_source=App_Share&utm_medium=iOS_Native

[2] https://news.walla.co.il/item/3619053

[3] https://www.adalah.org/ar/content/view/10939

[4] https://www.ynet.co.il/news/article/rkp8ex00m6

[5] https://www.haaretz.co.il/gallery/social/2023-10-30/ty-article-magazine/.premium/0000018b-802d-d1da-a1bb-edbde7750000?gift=f7e08c36a1cf4104afc9fb73d30da1bd