في الأول من تشرين الثاني الحالي، تم تعيين المستوطن المتطرف عضو الكنيست تسفي سوكوت رئيسا لـ "لجنة يهودا والسامرة" المتفرعة عن لجنة الخارجية والأمن، وهي لجنة أساسية قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالضفة الغربية. هذا التعيين يشكل خطوة أساسية في استكمال سيطرة التيارات الأكثر تطرفا في الصهيونية الدينية على الضفة الغربية ومستقبلها السياسي. هذه المقالة تقدم قراءة في بروفايل سوكوت الذي يعتبر متطرفاً وصاحب سوابق جنائية، كما تستعرض ماهية اللجنة التي بات يترأسها، ومهماتها ومجال صلاحياتها.
من هو تسفي سوكوت؟
يعيش تسفي سوكوت (من مواليد العام 1990) في مستوطنة يتسهار العقائدية ويعتبر ناشطاً في مجال الاستيطان، وإقامة البؤر الاستيطانية العشوائية، وكان عضواً سابقاً في مجموعات "شبيبة التلال". ينتمي سوكوت إلى التيار الحردلي، وهو التيار الأكثر تطرفا من الناحية السياسية والأكثر عدوانية من حيث العلاقة مع الفلسطينيين. في السابق، شغل سوكوت منصب المدير التنفيذي لحزب "قوة يهودية" (الذي يترأسه حاليا الوزير إيتمار بن غفير)، ثم انتقل إلى صفوف حزب الصهيونية الدينية (الذي يترأسه حاليا الوزير بتسلئيل سموتريتش)، وتم إدراجه في المكان رقم 16 على قائمة الصهيونية الدينية في انتخابات تشرين الثاني 2022 (حصلت القائمة على 14 مقعدا فقط). بعد تعيين وزراء من داخل القائمة في الائتلاف الحكومي، فإن ما يعرف بـ "القانون النرويجي" يتيح إخراج هؤلاء الوزراء من عضوية الكنيست ويسمح بأعضاء جدد بالدخول كبديل لهم. من هنا، صار ترتيب سوكوت 13 على القائمة وبالتالي انضم إلى الكنيست في شباط 2022.
ما هي خلفية سوكوت المعادية للفلسطينيين؟
ينتمي سوكوت إلى الجيل الشاب من التيار الحردلي، والذي نشط وتلقى تربيته السياسية داخل صفوف "شبيبة التلال". والحردلية، كما أشرنا في كتاب مركز مدار "اليمين الجديد في إسرائيل" الصادر في بداية 2023، هي التيار السياسي الأكثر تطرفا داخل الصهيونية الدينية، والملتزم عقائديا بالاستيطان خصوصا داخل الضفة الغربية والقدس (ولهذا بُعد توراتي مقدس لدى هذا التيار)، ويعتبر محافظاً ثقافياً وفكرياً، ويضم العديد من المنظمات والجمعيات التي تنشط في تنفيذ هذا التوجه.[1] وبعد أن ازداد هذا التيار تطرفا في أعقاب خطة الانسحاب من قطاع غزة في العام 2005 (بسبب رفضه تسليم أراض تسيطر عليها إسرائيل الى "الغرباء"- أي الفلسطينيين)، تم اعتقال سوكوت أو إيقافه بتهم ارتكاب العديد من الاعتداءات "الإرهابية" بحق الفلسطينيين، على حد تعبير الشرطة الإسرائيلية، وأهمها:
- في العام 2010، تم اعتقال سوكوت من قبل المخابرات الإسرائيلية بتهمة إحراق مسجد في قرية ياسوف بالقرب من سلفيت بعد أن قررت الحكومة الإسرائيلية تجميدا مؤقتا للبناء الاستيطاني.[2]
- في العام 2012، أصدر قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي أمر إبعاد بحق سوكوت، بحيث تم منعه من دخول الضفة الغربية لمدة 9 أشهر باعتباره يشكل خطرا على "الأمن في الضفة الغربية".[3]
- في العام 2015، وهو بعمر 25 عاما، كان أحد قادة منظمة "التمرد" والتي نفذت الهجوم على عائلة دوابشة في قرية دوما. وبعد أن تم اعتقال رفاقه بتهم "الأعمال الإرهابية"، نظم مظاهرة ضد رجال الشاباك.
- في العام 2017، تم إلقاء القبض عليه لتورطه في أعمال إرهابية قام بها المستوطنون في ما بات يعرف بهجمات "تدفيع الثمن".
- في العام 2017، تم إلقاء القبض عليه بتهمة إقامة بؤر استيطانية ومعارضة قرارات الحكومة الإسرائيلية التي أمرت بإخلاء بعضها.
- في العام 2018، نظم حملة لجمع تبرعات لشراء طيارات بدون طيار لتصوير الفلسطينيين الذي يلقون الحجارة.[4]
- يعتبر سوكوت من أبرز النشطاء المستوطنين الذي أعادوا إقامة بؤرة "أفيتار" بالقرب من بيتا في قضاء نابلس.
- حتى بعد أن اتضح أنه سينضم إلى الكنيست في بداية 2023، شارك في الاعتداء على حوارة، وغرد قائلا: "يجب معالجة أعشاش الفلسطينيين في حوارة بشكل جدي"، ونشر صورة له مع مستوطنين آخرين على مدخل حوارة، قبيل الهجوم.[5]
لماذا يعتبر تعيين سوكوت في "لجنة يهودا والسامرة" المتفرعة عن لجنة الخارجية والأمن قضية إشكالية بالنسبة للإسرائيليين؟
قبل تعريف عمل اللجنة، أهميتها، لا بد من التنويه بأن لجنة الخارجية والأمن تعتبر لجنة حساسة تربط ما بين الأمن (بمفهومه الشمولي) وما بين سياسات إسرائيل المتعلقة بما هو خارج حدودها (والضفة الغربية هي حيز جغرافي خارج حدود إسرائيل). إحدى أهم الإشكاليات، هي أن سوكوت لم يخدم في السابق داخل الجيش الإسرائيلي، وبالتالي ليست له خلفية عسكرية- أمنية ليشغل هذا المنصب. بيد أن الأهم، هو سبب عدم خدمته في الجيش: فعند استدعائه للتجنيد بسن 18 عاما، أعلن سوكوت أنه "لا يثق في الجيش" لأن الجيش قام بإخلاء مستوطنات قطاع غزة. وبالتالي، تم اعتبار سوكوت خطرا على الجيش الإسرائيلي وقد يقوم بعمليات تحريض داخلية.
يضاف إلى ذلك، وهذا هو الأهم، أن سوكوت قام باستمرار بتوجيه انتقادات لاذعة بحق قائد المنطقة الوسطى في الجيش (وهو المسؤول عن الضفة الغربية والإدارة المدنية). وبالتالي، لن يكون هناك انسجام وتوافق (وهو أمر ضروري من الناحية الأمنية) ما بين قيادة الجيش، المخابرات، ولجنة الخارجة والأمن.
ما هي لجنة الخارجية والأمن التي أصبح سوكوت رئيسا لإحدى لجانها الفرعية؟
لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست هي واحدة من لجان الكنيست الدائمة وتعتبر واحدة من أهملجنتين داخل الكنيست والتي عادة ما تعتبر بمثابة "حقيبة سيادة" تتنافس الكتل على رئاستها (اللجنة الثانية هي اللجنة المالية). ومهمة لجنة الخارجية والأمن تتحدد في كل ما يخص السياسة الخارجية لدولة إسرائيلوقواتها المسلحة وأمنها، بحيث أن كل تشريع، أو مشروع قانون، يتم تقديمه إلى الكنيست ويتعلق بهذه القضايا الخارجية- الأمنية، عليه أن يمر من خلال هذه اللجنة والتي تعتبر المرجعية المهنية والتي تصادق على استمرار مسار التشريع وتقوم بتعديله حسب الاعتبارات الأمنية التي يراها أعضاء هذه اللجنة. ومن هنا، فإن أعضاء هذه اللجنة يعتبرون أشخاصاً مفتاحيين في تحديد العديد من القضايا الأمنية التي تقع ضمن صلاحيات اللجنة. أخيرا، تشرف اللجنة على الوزارات الحكومية التي تتعلق أجنداتها بمسائل الخارجية والأمن. ويعتبر رئيس اللجنة أحد كبار الشخصيات في مؤسسة الأمن الإسرائيلية، وأحد المناصبالمرموقة في الكنيست. وتتسم مداولات اللجنة بكامل هيئتها بالسرية.
داخل لجنة الخارجية والأمن، ثمة العديد من اللجان الفرعية التخصصية، أهمها: 1) لجنة فرعية لشؤون الاستخبارات والعمليات السرية؛ 2) لجنة فرعية لشؤون الهسبراه الأمنية؛ 3) لجنة فرعية لشؤون الاستعداد في الجبهة الداخلية؛ 4) لجنة فرعية لشؤون الطاقة النووية؛ 5) لجنة فرعية لشؤون "يهودا والسامرة" (أي الضفة الغربية).
ما هي اللجنة الفرعية لشؤون "يهودا والسامرة" المتفرعة عن لجنة الخارجية والأمن؟
يتعلق عمل هذه اللجنة بكل ما يخص الحياة المدنية والأمنية داخل المنطقة "ج" في الضفة الغربية. والمقصود بالحياة المدنية هو كل ما يتعلق بمنظومة القوانين الإسرائيلية التي تسري بشكل حصري على المستوطنين وتضمن المساواة بينهم وبين باقي الإسرائيليين من حيث تلقي الخدمات القانونية، الاجتماعية، والحياتية، وكيف يمكن لهذه المنظومة أن تستثني الفلسطينيين. أما الشؤون الأمنية داخل المناطق "ج"، فإنها تتعلق بحماية أمن المستوطنات وضمان استمرار المشروع التوسعي، وهذا يشمل تخطيط البنى التحتية، انتشار قوات الأمن، لجان التأهب وهي مجموعات مسلحة من المستوطنين المدنيين، وغيرها.
وبالنظر إلى أهم الجلسات التي عقدتها هذه اللجنة الفرعية (أنظر الرابط أدناه[6])، نرى تدخلها في قضايا تتعلق بعمل المعابر وكيف يمكن أن تعيد تشكيل حياة الفلسطينيين، توريد المياه للمستوطنين والفلسطينيين، تسوية الأراضي لخدمة الاستيطان، تشريع بؤر استيطانية، مد شبكات الطرق والأهمية الأمنية لهندستها، نظافة البيئة (وهو العنوان الذي تحمله مشاريع توسيع السيطرة الاستيطانية على المناطق الخضراء والمواقع الأثرية اليهودية)، وغيرها.
كيف نفهم تعيين سوكوت مسؤولا عن "لجنة يهودا والسامرة"؟
هناك العديد من المؤشرات التي تدفع إلى الاعتقاد بأن الاتفاقيات الائتلافية لحكومة نتنياهو السادسة (تشكلت في كانون الأول 2022) تقوم على تفاهم ضمني بأن كل ما يخص الضفة الغربية سيتم منحه لنواب كنيست، أو وزراء، تابعين لتيار الصهيونية الدينية الاستيطاني. هذه تحول هام جدا، وكنا قد حللناه في أكثر من مناسبة في منشورات مدار: أولا، وزير الدفاع الثاني المسؤول عن الإدارة المدنية وأراضي منطقة "ج" هو بتسلئيل سموتريتش؛ 2) وزارة المهمات القومية وشؤون الاستيطان تم تسليمها إلى أوريت ستروك؛ 3) وزارة شؤون الآثار (والتي تركز في معظم نشاطاتها على حماية المواقع الدينية التوراتية في الضفة الغربية) تم تسليمها إلى عميحاي إلياهو من حزب "قوة يهودية". وإن تعيين سوكوت لرئاسة "لجنة يهودا والسامرة" يأتي ضمن هذا السياق لاستكمال سيطرة التيار الاستيطاني على الأرض المحتلة. يخلق هذا تناقضات جوهرية ما بين تطلعات المستوطنين، وأجنداتهم التي لا تعير كبير اهتمام للمجتمع الدولي أو حتى لجهاز الأمن الإسرائيلي، وما بين المستوى الأمني (خصوصا الجيش الإسرائيلي).
[1] أنظر/ي فصل الحردلية في كتاب: "اليمين الجديد في إسرائيل: مشروع الهيمنة الشاملة"، تحرير: هنيدة غانم (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، 2023).
[2] علي واكد وإفرات فايس، "اشتباه، مستوطنون يضرمون النيران في مسجد بسبب تجميد الاستيطان"، يديعوت أحرونوت، 11 كانون الأول 2009. أنظر/ي: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3818438,00.html
[3]See: “IDF expels 12 Jewish extremists from West Bank”, published in Jewish World News. Jan 2015. See: https://jerusalemworldnews.com/israel/idf-expels-12-jewish-extremists-from-west-bank/
[4] أنظر/ي الرابط التالي: https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5070668,00.html
[5] أنظر/ي تقرير السي إن إن حول الأمر. حيث يظهر الفيديو عدم تدخل الجنود أيضا في منع المستوطنين من القيام بأعمال إرهابية، على حد تعبير الجيش نفسه. أنظر/ي: https://edition.cnn.com/2023/06/15/middleeast/huwara-west-bank-settler-attack-cmd-intl/index.html
[6] https://oknesset.org/committees/991.html
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, بتسلئيل, يديعوت أحرونوت, اللجنة المالية, لجنة الخارجية والأمن, الإدارة المدنية, الكنيست