تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

أعطى حدثان مستجدان في إسرائيل انطباعًا قويًا بأن نشاط حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها (BDS)، أفلحت في إلقاء حجر كبير في مياه حلبة السياسة الإسرائيلية حيال القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة التي حركتها الهبّة الشعبية الفلسطينية كذلك.

الحدث الأول، قيام صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كبرى الصحف الإسرائيلية، في نهاية آذار/ مارس 2016 بعقد مؤتمر هو الأول من نوعه يرمي إلى محاربة حملة مقاطعة إسرائيل، بمشاركة عدد من الوزراء الإسرائيليين وشخصيات أمنية وسياسية واقتصادية وأكاديمية. كما شارك في المؤتمر سفير الاتحاد الأوروبي في تل أبيب لارس فابورغ أندرسن، وممثلون عن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

 

وورد في الدعوة إلى المؤتمر أنه يهدف إلى إيجاد آلية عمل لمحاربة حركة المقاطعة والحدّ من تأثيرها على إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. وأشير فيها، من ضمن أمور أخرى، إلى أن الفترة القليلة الماضية شهدت تصاعدًا ملحوظًا في دعوات المقاطعة الدولية لإسرائيل وخصوصًا في أوروبا، وسط توقعات بأن تخسر إسرائيل بضع مليارات من الدولارات سنويًا بسبب المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات.

الحدث الثاني، تخصيص قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة حركة المقاطعة هذه بخمسة تقارير جرى بثها خلال الأسبوع الثاني من شهر نيسان/ أبريل الحالي (2016) ضمن نشرتها الإخبارية المسائية المركزية. وتناولت التقارير بشكل رئيس نشاط هذه الحركة في الولايات المتحدة، ولفتت إلى أنه بموازاة التصاعد الملحوظ لذلك النشاط في أوروبا تشهد دعوات مقاطعة إسرائيل اتساعًا في شتى أنحاء الولايات المتحدة ولا سيما بين صفوف أبناء الجالية اليهودية، وتواجه إسرائيل مشكلة عسيرة في مكافحة هذه الدعوات والحدّ منها.

بطبيعة الحال، لا يجوز إغفال أن الذين يقفون وراء الحدثين لديهم أجندة سياسية داخلية تتمثل باستبدال الحُكم القائم، وأن تركيزهم على تبعات حركة المقاطعة يهدف أولًا وقبل أي شيء إلى الدفع قدمًا بهذه الأجندة، لكن في الوقت عينه لا يمكن الاستهانة بما تسببه تلك التبعات من "إحراج" للسياسة الإسرائيلية الرسمية.

هنا عرض لمترتبات نشاط حركة المقاطعة على الجدل السياسي الداخلي في إسرائيل، يؤكد في التحصيل الأخير أن هذا الجدل لم يتجاوز سقف الدعوة إلى مواجهة حركة المقاطعة لا من خلال تغيير السياسة وإنما من خلال استخدام أدوات القوة والدعاية والقدرات الأمنية ولا سيما في المجال الاستخباراتي.

صراع داخلي

تقاطع الحدثان المستجدان السالفان مع صراع داخلي بين الحكومة وأحزاب المعارضة تشهده إسرائيل حول نشاط حركة المقاطعة.

وفي خضم هذا الصراع هاجم قادة الأحزاب الصهيونية في المعارضة رئيس الحكومة ووزير الخارجية بنيامين نتنياهو، واتهموه بأنه لا يفعل شيئًا من أجل محاربة حركة المقاطعة العالمية وأنه دمر الديبلوماسية الإسرائيلية.

ولا بُدّ من التنويه بشأن هذا الصراع، بالمؤتمر الذي عقده رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، في الكنيست يوم 29 شباط/ فبراير 2016، ووُصف بأنه "مؤتمر طارئ"، تحت العنوان "لنحارب من أجل مكانة إسرائيل الدولية"، وأطلق الدعوة إلى محاربة حركة BDS، ووجه انتقادات شديدة إلى نتنياهو.

ومما قاله ليبرمان، وزير الخارجية السابق، إن نتنياهو يحاول أن يدمّر الديبلوماسية الإسرائيلية. وتطرق إلى إغلاق سفارات وممثليات دبلوماسية إسرائيلية في العالم خلال الشهور الأخيرة، ووصف ذلك بأنه جنون. وأردف أنه لا توجد سياسة خارجية للحكومة وهذا بمثابة استباحة مطلقة.

وتحدث لبيد أيضًا عن مساس خطر ليس بالديبلوماسية والعلاقات الخارجية فقط وإنما أيضًا بالأمن القومي. وقال إن التدهور الحاصل دراماتيكي، وحركة BDS تراكم القوة وتأييد المؤسسات الدولية وبضمنها الأمم المتحدة التي تتبع خطًا معاديًا لإسرائيل. وهناك أزمة مع الإدارة الأميركية، وأزمة مع الاتحاد الأوروبي، ووسائل الإعلام العالمية تتبع خطًا معاديًا بشدّة لإسرائيل وتشوّه سمعتها بمساعدة منظمات معادية لإسرائيل.

وينبغي الانتباه إلى تشديد لبيد على أن وضع إسرائيل الدولي لم يكن على مرّ كل تاريخ الدولة منذ العام 1948 وحتى اليوم سيئًا إلى هذه الدرجة، وتشديده على أن ما يزيد الوضع سوءًا هو أن حكومة إسرائيل لا تعترف بذلك وتحاول التظاهر بأن كل شيء على ما يُرام.

وبرأي لبيد أن الإنجازات التي حققتها إسرائيل في الماضي، وبينها إقامة مفاعل ديمونا النووي بمساعدة فرنسا والحصول على غواصات نووية بمساعدة ألمانيا والمساعدات العسكرية الأميركية، ما كانت ستحصل عليها الآن بسبب تردي مكانتها في الحلبة الدولية.

وبالوسع رؤية أن هذه التحركات تقصد بث رسائل فحواها أن حركة المقاطعة انتقلت إلى مرحلة جديدة.

ويجري تحديد نقطة بدايتها في "أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلي" في بريطانيا في شباط/ فبراير الفائت، والذي في إطاره تمّ تعليق منشورات تدعو إلى مقاطعة إسرائيل في قرابة 500 من محطات قطارات الأنفاق، وتضمنت شعارات تدين الممارسات الإسرائيلية خلال الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية.

ردة الفعل الإسرائيلية- ردف الدعاية بالهجوم والجهد الاستخباراتي!

تخصص السياسة الخارجية الإسرائيلية للدعاية على المستوى الدولي أهمية ومكانة كبيرين في الأعوام الأخيرة، وذلك من جرّاء ازدياد حركات المقاطعة لإسرائيل اقتصاديًا وحتى نزع الشرعية عنها.

وكما ورد في "تقرير مدار الإستراتيجي 2016" الصادر أخيرًا، فإن معنى "نزع الشرعية" بحسب المفهوم الإسرائيلي قد يشمل الكثير من الحركات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وتصنفها الدعاية الإسرائيلية كنزع شرعية عنها وليس عن احتلالها فقط، ولذلك يحب الحذر في استعمال المصطلح الإسرائيلي "نزع الشرعية"، برغم أنه لا تغيب حركات مناهضة لشرعية إسرائيل.

ويؤكد التقرير أن إسرائيل لا تخشى من الأبعاد الاقتصادية للمقاطعة، وإنما من أبعادها السياسية والرمزية، وخاصة فيما يتعلق بنزع الشرعية الدولية عن المستوطنات واقتصادها، ووضع المستوطنات في مكانها الصحيح كعقبة أمام حل الدولتين. ففي تقرير أعدته شعبة العلاقات الدولية في وزارة المالية الإسرائيلية، قلّلت من التأثيرات الاقتصادية السلبية لمقاطعة المستوطنات على الاقتصاد الإسرائيلي عمومًا، حيث أشار التقرير إلى أنه في حال مقاطعة المنتجات الاستيطانية المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي (والحديث ليس عن مقاطعة بل وسم منتجات المستوطنات)، فان ذلك لن يسبب ضررًا للاقتصاد الإسرائيلي وصادراته إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تُشكل منتجات المستوطنات 1.4% من مجمل الصادرات الإسرائيلية للاتحاد الأوروبي، و0.4% من مجمل الصادرات للعالم، كما تُشكل الصادرات الزراعية للمستوطنات حوالي 2.4% من مجمل الصادرات للاتحاد الأوروبي، و1.5% من مجمل الصادرات للعالم. لذلك فإن الحساسية والعصبيّة الإسرائيلية من حركة المقاطعة لا تنبع من اعتبارات اقتصادية، وإنما من اعتبارات سياسية ورمزية، تسم إسرائيل كدولة احتلال، وتؤكد على عدم شرعية المستوطنات، وتضرب الخطاب والرواية الإسرائيليين حول الموضوع الفلسطيني.

كما تبذل إسرائيل جهودًا كبيرة في مواجهة حركة المقاطعة، وتحسين صورتها الدولية. ففي تقرير أعده مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست حول منظومة الدعاية الدولية لإسرائيل، أشير إلى وجود ثمانية أجسام حكومية إسرائيلية تعمل في مجال الدعاية الدولية لإسرائيل.

وخلال مؤتمر "يديعوت أحرونوت" كشف وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون النقاب عن أن موازنة إسرائيل للعام 2016 خصصت 128 مليون شيكل لمحاربة حركة المقاطعة.

لكن ما قد يهمّ هو أن مواجهة إسرائيل بدأت تردف الدعاية بالهجوم المضاد.

وهذا ما أكده رون بروسور، سفير إسرائيل سابقًا في بريطانيا والأمم المتحدة، في عدة مقالات جديدة وأثناء مشاركته في مؤتمر "يديعوت أحرونوت".

وبحسب ما يقول بروسور، فإن النظرية السائدة في إسرائيل حتى الآن ومفادها أنه من الأفضل تجاهل الـ BDS كي لا نساعد حركة المقاطعة في التمتع بالشهرة التي تتجاوز كثيرًا وزنها الحالي، آخذة بالانهيار. ولا يوجد خيار آخر، يجب أن نخلع القفازات ونتعاطى مع هذه الظاهرة كما نتعامل مع عدو، وساحة المعركة هي الدعاية.

وبرأيه جميع محطات مترو الأنفاق في لندن مزودة بكاميرات مراقبة ضمن دائرة مغلقة، وشرطة السكوتلانديارد تستطيع أن تعرف من علّق الإعلانات ومتى وكيف. ولذا يجب أن نوضح أننا نعرف من يفعل ذلك وأن نقول أيضًا للجمهور البريطاني من يقف وراء الحملة.

ويجب جمع معلومات استخباراتية، فهذا أمر أساس لكشف من يقود هذه الحملات، وأين التواصل المالي، ومن أين يأتي التمويل. إن دولة إسرائيل تعرف جيدًا كيف تحدد عدوًا وكيف تعالجه بطريقة منهجية. يجب معرفة من هي الجهات المؤثرة، وحينها سنكتشف أنهم ليسوا كثيرين كما اعتقدنا، على الرغم من أنهم يحدثون تأثيرًا جديًا.

وتابع أنه يجب القيام بما يسمى "Name and shame"، أي نشر أسماء الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الحركة، وتبيان للجمهور البريطاني أنهم على علاقة بعناصر إشكالية.

وقال: لقد سبقت دولة إسرائيل العالم الحر بسنوات في مواجهتها لظواهر لم تواجهها الديمقراطيات الغربية. وقبل 20 عامًا كنا نفتش أشخاصًا في المطارات، فقالوا لنا إننا ننتهك حقوق الإنسان. واليوم كل العالم يفعل ذلك. ويجب اليوم أن نظهر مثل هذا الإصرار في حربنا ضد الـBDS، ففي نهاية الأمر سوف تضطر دول العالم الغربي إلى مواجهة مجموعات هامشية تحاول تغيير تكوين الديمقراطية.
وختم:

أعتقد أننا على الطريق الصحيح في نضالنا في هذا الموضوع، لأننا أدركنا أخيرًا المشكلة. هناك وزارة محددة يُفترض أن تقوم بالمعالجة وتُخصص لها موارد ويُعطى لها اهتمام وهذا هو الطريق نحو الحل.

وسار في عقبيه تسفي هازور، وهو سكرتير سابق للحكومة الإسرائيلية، الذي دعا في مطلع نيسان/ أبريل الحالي إلى إنشاء وحدة جديدة للدعاية الإسرائيلية (وحدة 8300).

يرى هاوزر أنه في سنة 2009 غيّر الجانب الفلسطيني إستراتيجية نضاله ضد إسرائيل، من إستراتيجية اعتبرت نقطة انطلاقها أن مفاوضات مباشرة تخدم المصلحة الفلسطينية بصورة أفضل، إلى إستراتيجية جديدة تقوم على نزع الشرعية عن إسرائيل، وفي الوقت عينه اتخاذ خطوات أحادية الجانب بهدف إنشاء "توازن رعب" قانوني - ديبلوماسي في مواجهتها.

وبحسب قراءته بنى الفلسطينيون بصورة مخطط لها ومنظمة معركةً الغرض منها محاربة وجود إسرائيل بشتى الوسائل، بما في ذلك المقاطعة والعزل من خلال حركة BDS، ومن خلال طرح سرديات بديلة للسردية الإسرائيلية. وفي المقابل عملت السلطة الفلسطينية من أجل الحصول على اعتراف دولي من طرف واحد بالدولة الفلسطينية، وتجنبت المفاوضات التي تفرض تنازلات متبادلة. وفي ذروة هذا المسار الإستراتيجي نجحت السلطة الفلسطينية في الحصول على منصب عضو في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وغيّرت للمرة الأولى "قواعد اللعبة" مع إسرائيل من خلال هامش ردع مهم في مواجهة متخذي القرارات الإسرائيليين.

وهو يعتقد أن إسرائيل، التي ركزت في السنوات العشر الأخيرة على الخطر النووي الإيراني، لم تستعد لمواجهة التهديد المهم الذي بدأ يبرز أمام أعينها. وانقسم متخذو القرارات بين وجهتي نظر خاطئتين: فقد كان هناك الذين اعتقدوا أن حلًا سياسيًا وحده يزيل الخطر الجديد عن جدول الأعمال وليس "التفكير بمسار جديد" حتى عندما بدا أن احتمال التوصل إلى صيغة تسوية مع الفلسطينيين يضمحل وسط الفوضى الشرق – أوسطية. وفي المقابل كان هناك الذين لاقوا صعوبة في التخلي عن الصيغ القديمة واستمروا في تحديد الأمن الإسرائيلي وفق مصطلحات مأخوذة من تحديات القرن الماضي، أي التشديد على أنظمة السلاح وقوة النار.

ومن وجهة نظره، فشلت المجموعتان في تحديث مفهوم "الأمن القومي" وفي إدخال مكونات جديدة عليه تتعلق بالقوة الديبلوماسية، وقوة الدعاية، وإقناع الرأي العام. وبناء على ذلك تستثمر إسرائيل نحو 60 مليار شيكل في السلاح، ونحو 60 مليون شيكل فقط في الدعاية. والزيادة التي أعطيت سنة 2016 لميزانية وزارة الدفاع والبالغة نحو ستة مليارات شيكل وجّهت كلها نحو التسلح الذي احتمال استخدامه الفعلي آخذ في التقلص، بدلًا من تحديث تحديات الأمن القومي، وخصصت ثلاثة مليارات شيكل لميزانية الدعاية، وثلاثة مليارات أخرى لتعزيز العلاقة بالجاليات اليهودية في الشتات.

وليست التحضيرات المالية وحدها هي التي أخفقت في فهم المستقبل، بل كذلك التحضيرات التنظيمية في مجال الدعاية المستمدة من ثوابت الماضي. فإسرائيل اليوم في خضم معركة دولية على الوعي وفي مواجهة حرب استنزاف تهدد أمنها وأرصدتها الإستراتيجية، وبدلًا من محاولة استخدام عشرات المنظمات ومئات الأفراد من ذوي النيات الطيبة الذين يعملون في الدعاية وفي الحرب المضادة ضد منظمات المقاطعة، كان يتعين على إسرائيل إلقاء المهمة على عاتق الجيش الإسرائيلي وتجنيده لمواجهة هذا التحدي الجديد.

كما يعتقد هاوزر أنه على مثال الجهاز الاستخباراتي في فرقة 8200 (وحدة استخبارات في الجيش الإسرائيلي متخصصة في التجسس الإلكتروني)، كان يتعين على إسرائيل أن تنشئ وحدة تضم آلاف الأشخاص ("وحدة 8300") تعمل في الحرب على الوعي بمختلف اللغات وعلى مختلف الجبهات، وتعرض أمام العالم بصورة منهجية ومحترفة النتائج الواسعة النطاق الناتجة عن انهيار الشرق الأوسط. فمواجهة الإسلام الراديكالي يجب ألا تكون بواسطة القدرة العسكرية فقط، بل كذلك بوسائل متعددة المجالات، ووحده الجيش الإسرائيلي قادر على تنفيذ مشروع كهذا. فالجيش وحده لديه القدرة على الوصول إلى اليد العاملة للجيل القادر على القيام بمثل هذه المهمة. ووحده الجيش قادر على أن يدفع لمن هم الأفضل في هذا المجال، مئات قليلة من الشيكلات في الشهر فقط واستخدام الآلاف في جهاز فعال ومفيد.

ويشير هاوزر إلى أنه بواسطة خطوة من هذا النوع يبني الجيش الإسرائيلي بنية تحتية مدنية تكنولوجية جديدة، مما سيسمح مستقبلًا للقطاع الخاص الإسرائيلي أن يصبح رائدًا في مجال وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات، بصورة تشبه القدرات السيبرانية للصناعة التكنولوجيا الإسرائيلية العالية (الهاي تك). ويمكن أن تضم هذه الوحدة نساء وحريديم (يهود متدينين)، كما أنه بواسطة التعبئة الصحيحة يمكن زيادة القدرة على التجنيد وسط السكان العرب.

قبل بروسور وهاوزر، أكد أحد الباحثين في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب (أفنير غولوب) في ورقة موقف جديدة نشرت في شباط/ فبراير الفائت، أنه قبل الانطلاق إلى المعركة ضد حركة المقاطعة من المهم فهم من هو العدو.
وجاء في هذه الورقة:

"أنشأت دولة إسرائيل جهازًا هدفه محاربة حملة نزع الشرعية عن إسرائيل- هذا ما صرّح به أخيرًا وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان، المسؤول أيضًا عن موضوع الدعاية الإسرائيلية. إن هذا تطور إيجابي بعد أعوام تجاهلت خلالها دولة إسرائيل الخطر الذي تنطوي عليه هذه التحركات ضدها. وعلى الرغم من أن هذا الخطر حاليًا ذو قدرة محدودة على إلحاق الضرر بالمصالح الإسرائيلية، إلا أن ما يجري الحديث عنه هو خطر إستراتيجي يمكن أن يؤدي مستقبلًا إلى عزلة دولية وأن يجبي من إسرائيل ومواطنيها ثمنًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا.

"المقاطعات الدولية والهجمات المعادية لإسرائيل ليست قدرًا من السماء، بل إنها نتيجة نجاح إستراتيجي من جانب منظمات متطرفة في فرض قواعد اللعبة بهدف استغلال ضعف دولة إسرائيل وعزلها. ويجب على دولة إسرائيل تغيير الديناميكية الحالية من خلال تغيير قواعد اللعبة، وعزل المنظمات المتطرفة التي تقف وراء النشاطات المعادية لإسرائيل. ويجب أن تتضمن هذه الإستراتيجية حربًا ضد هذه المنظمات، كما أعلن الوزير المسؤول عن هذه المعركة إردان. وما لا يقل أهمية هو بدء حوار مع أشخاص ومنظمات لديها قواسم مشتركة مع إسرائيل، وهي اليوم تشارك في نشاطات معادية لها. إن إعلان الحرب على هذه المنظمات جرّاء دعمها نشاطات معادية لإسرائيل سيشكل إنجازًا لأعداء دولة إسرائيل، وسوف يؤدي إلى استمرار علاقات القوة الحالية التي تعمل ضد إسرائيل إلى ما لا نهاية".


وتابعت:

"في إسرائيل مشغولون بصورة خاصة بالمنظمات التي تدعو إلى مقاطعة دولة إسرائيل وإدانتها، ومن أشهر هذه المنظمات منظمة BDS. لكن الخطر الأساس لنزع الشرعية عن إسرائيل لا ينبع مباشرة من منظمات كهذه، فغالبًا تكون مجموعة الناشطين الدائمين فيها صغيرة ومؤلفة بصورة أساسية من أشخاص ذوي أفكار متطرفة معادية للغرب، ومن بين أمور أخرى معادية لإسرائيل. إن الخطر الأساس لنزع الشرعية هو نجاح النشاطات المتطرفة ضد إسرائيل في الحصول على دعم جماعات لديها أفكار أكثر اعتدالًا، وخاصة مجموعات ليبرالية ودينية غربية. وغالبًا تؤيد هذه المجموعات أفكارًا مستنيرة وقيمًا غربية، وتعتقد أنها تشجع هذه الأفكار من خلال النشاطات المعادية لإسرائيل. وجزء من هذه المجموعات، خاصة داخل الجالية اليهودية الأميركية، يعتقد أنه يعمل لمصلحة دولة إسرائيل.

"لا تمتلك إسرائيل ردًا إستراتيجيًا شاملًا على هذا التهديد الإستراتيجي، لذا من المهم تطوير هذا الرد في إطار الجهاز الجديد الذي أقيم. ومن أجل أن نحارب بفاعلية حملة نزع الشرعية، يتعين على دولة إسرائيل بلورة إستراتيجية مضادة تميز بين النواة المتطرفة والداعمين غير الطبيعيين الذين تضمهم الحملة حاليًا. ويجب عليها تقويض الشرعية التي تحظى بها منظمات معادية لإسرائيل وعزلها عن المنظمات الليبرالية.

"بدايةً، يتعين على دولة إسرائيل أن تشن حملة استخباراتية لكشف المنظمات المعادية لإسرائيل وإحباط تحويل الأموال التي تستخدمها تلك المنظمات في الحملات المعادية لإسرائيل في أنحاء العالم. هناك غموض في الوقت الراهن بشأن المصادر التي تمول المنظمات المعادية لإسرائيل، ويشير عدد من التحقيقات إلى صلة لذلك بدول الخليج التي لا علاقة لها على الإطلاق بحقوق الإنسان، أو إلى صلة بمنظمات أوروبية ذات أجندة سياسية معادية للسامية بوضوح. فإذا كانت هذه هي حقيقة الأمر، فالكشف عن المنظمات التي تقف وراء النشاطات المعادية لإسرائيل يمكن أن يقلص بصورة كبيرة من الدعم الذي تحظى به في الغرب.

"يجب على دولة إسرائيل استخدام الأدوات الديبلوماسية الرسمية وغير الرسمية من أجل بدء حوار مع أوساط ليبرالية ومعتدلة من الرأي العام الغربي. كما يتعين عليها البدء بنشاطات موجهة نحو جاليات يهودية كبيرة ما تزال تنتقد إسرائيل علنًا، وكنائس مهمة تتعاطف مع قيم ليبرالية، وكذلك مع أطر أكاديمية مهمة في أوروبا وفي الولايات المتحدة. إن فتح قنوات مثل تشجيع تعاون أكاديمي- رسمي، وحوار غير رسمي، أو إرسال ممثلين إسرائيليين غير رسميين إلى نقاشات مغلقة، يمكن أن يغير الديناميكية الحالية ويولد ديناميكية حوار جديدة.

"ومن أجل القيام بذلك، على إسرائيل تشجيع خطاب جديد يتيح انتقاد السياسة الإسرائيلية من دون المس بحق الدولة في الوجود. وفقًا للخطاب الإسرائيلي السائد اليوم، فإن الخيار هو بين دعم إسرائيل أو معارضتها. وهذا الخطاب يعمل لمصلحة مؤيدي مقاطعة إسرائيل وضد المصالح الإسرائيلية. ووفقًا لهذا الخطاب، فالذين تصدمهم صور الأطفال القتلى في غزة، والمعارضون للبناء في المستوطنات، وللحواجز في الضفة الغربية أو للعمليات العسكرية في قطاع غزة، يُصنفون كمنظمات متطرفة معادية لإسرائيل حتى لو لم يكونوا ضد وجود دولة إسرائيل. إن حصر الخيار بين هذين الأمرين يدفع الناشطين الذين ليست لديهم آراء متطرفة إلى أحضان حركة المقاطعة والعزل".

إجمــال

واضح من العرض أعلاه أن النجاحات التي أحرزتها حركة المقاطعة تدفع المزيد من القوى السياسية في إسرائيل إلى "تبصّر" أن الدعوات إلى ممارسة الضغط والعقوبات على إسرائيل بسبب سياستها حيال القضية الفلسطينية والاحتلال والاستيطان تكسب مناطق جديدة في العالم وخصوصًا الغربي، وتصبح شرعية أكثر فأكثر. مع ذلك فإن الأصوات التي تحتج على هذه الدعوات لا تنطلق من ضرورة تغيير السياسة العامة للحكومة بقدر انطلاقها من تجييش الأمر لمصالحها الداخلية الضيقة.

فضلًا عن ذلك فإن المقاربة الأكثر رواجًا للتعامل مع المقاطعة هي تلك المستندة إلى المنظور الأمني، بما يعيد التذكير أن الأمن ما يزال جوهر السياسة الإسرائيلية إزاء محيطها سواء لدى أحزاب الائتلاف الحاكم أو لدى أحزاب المعارضة الرئيسة.

هذه الورقة بالتعاون مع دائرة شؤون المفاوضات