تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

احتلت إدانة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لسياسة الاستيطان التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، عناوين رئيسة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس الأحد وأول من أمس السبت.

وتراوحت هذه العناوين ما بين تفهم ميركل لدوافع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار بإدانة الاستيطان، وبين ادعاء حكومة نتنياهو بأن تسريب أقوال المستشارة إلى مجلة "دير شبيغل" ليس إلا محاولة ألمانية داخلية ترمي إلى مناكفة ميركل على خلفية علاقاتها المتينة مع نتنياهو.

وكانت ميركل أطلقت تصريحاتها خلال لقائها مع عباس في برلين، في 19 نيسان 2016، لكن هذه التصريحات لم تنشر بشكل واسع ولم تحظَ باهتمام كبير في إسرائيل.

ووفقا لتقرير نشرته "دير شبيغل" تحت عنوان "تزايد الشكوك في برلين حيال الصداقة مع إسرائيل"، في نهاية الأسبوع الماضي، قالت ميركل بعد لقائها مع الرئيس الفلسطيني، إنها "تفهم لماذا يريد عباس طوال الوقت التوجه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

وقالت المجلة الألمانية إن ميركل قلقة جدا من سياسة الاستيطان التي تمارسها حكومة إسرائيل في الأراضي المحتلة، والتي تجعل حل الدولتين غير قابل للتطبيق، وإن ميركل ووزير خارجيتها، فرانك فولتر شتاينماير، يعتقدان أن أي حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني غير حل الدولتين سيحول إسرائيل إلى دولة أبارتهايد.

وأضافت المجلة أن مسؤولين في الحكومة الألمانية ليسوا مستعدين لتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل في أي موضوع، مثلما كان الوضع في الماضي، ويعتقدون أن حكومة إسرائيل جعلت حل الدولتين مستحيلا وهم قلقون من محاولة نتنياهو أن "يستغل لاحتياجاته" صداقة ألمانيا.

وقال عضو البرلمان الألماني، رولف موتسنيتش، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحكومي ووزير الخارجية شتاينماير أحد قادته، إنه "يوجد مفهوم أخذ يترسخ في الحكومة الألمانية، مفاده أن نتنياهو يستغل صداقتنا لاحتياجاته" السياسية.

وأضاف موتسنيتش أنه إذا أعادت وزارة الخارجية في برلين أو مكتب المستشارة تقييم العلاقات مع إسرائيل، فإن هذا سيكون أمرا مرحبا به.

ووفقا للمجلة، توجد مؤشرات حول تغيير في توجه وزارة الخارجية الألمانية حيال الدعم الدبلوماسي لإسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي.
وأوردت المجلة مثالا على هذه المؤشرات، قيام نتنياهو بالاتصال بشتاينماير والطلب منه العمل على تليين صيغة بيان اعتزم وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إصداره في كانون الثاني الماضي حول الاستيطان وتأثيره السلبي على حل الدولتين، لكن الوزير الألماني تجاهل طلب نتنياهو.

وأضافت المجلة أن العديد من المسؤولين في الخارجية الألمانية، الذين يعتبرون مؤيدين كبارا لإسرائيل، يغيرون توجهاتهم على ضوء سياسة حكومة نتنياهو.

وفي هذا السياق، نقلت المجلة عن السفير الألماني السابق في تل أبيب، أندرياس ميخائيليس، الذي يشغل حاليا منصب المدير العام السياسي لوزارة الخارجية، قوله في مداولات داخلية إنه ينصح بعدم الاستجابة لطلبات عديدة تقدمها إسرائيل.

وشددت المجلة على أن مستشاري ميركل فقدوا الأمل بتقدم عملية السلام طالما بقي نتنياهو في منصبه، وأن لا أحد في مكتب ميركل اقتنع بادعاءات نتنياهو بأن وسم منتجات المستوطنات في الأسواق الأوروبية هو مقاطعة ضد اليهود.

وأكدت المجلة أن مستشار ميركل لشؤون الأمن القومي، كريستوف هويسغن، يؤيد سياسة الاتحاد الأوروبي الجديدة القاضية بوسم منتجات المستوطنات.

مقربون من نتنياهو: علاقات وثيقة مع ألمانيا

تعتبر تصريحات ميركل في أعقاب لقائها مع الرئيس الفلسطيني، قبل أسبوعين، غير مألوفة، إذ أنها دأبت خلال السنوات الماضية على التصريح بأن أي حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ينبغي تحقيقه من خلال مفاوضات مباشرة بين الجانبين.

رغم ذلك، فإن ألمانيا صوتت في مجلس الأمن الدولي، في شباط العام 2011، على مشروع قرار ضد الاستيطان، لكن المجلس لم يصادق حينذاك على مشروع القرار بسبب الفيتو الأميركي.
ورغم أن ألمانيا ليست عضوا في مجلس الأمن حاليا، لكن هناك من يعتقد في إسرائيل أن للموقف الذي عبرت عنه ميركل الآن، تأثيرا كبيرا على دول أخرى وزعماء آخرين في أوروبا والعالم.

وعقبت إسرائيل بصورة غير رسمية على تقرير "دير شبيغل" معتبرة أن دوافعه سياسية داخلية ضد ميركل.

وقالت مصادر سياسية إسرائيلية مقربة من نتنياهو إنه "على ما يبدو أن هذه الأقوال في تقرير دير شبيغل هي محاولة ألمانية داخلية لمناكفة ميركل بسبب علاقاتها القريبة مع رئيس الحكومة، نتنياهو"، مضيفة أن "العلاقات بين إسرائيل وألمانيا وثيقة وجيدة".

ولفتت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس، إلى أن أكثر ما يقلق إسرائيل هو الشعور المتزايد في صفوف الكثيرين من أعضاء الحكومة في برلين بأنه حان الوقت، على ضوء استمرار سياسة الاستيطان، "لإعادة البحث" في العلاقة مع إسرائيل، وحتى دراسة بدائل محتملة لإقامة دولة فلسطينية، مثل ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ومنح حقوق مواطنة كاملة للسكان الفلسطينيين.

"ليس كل انتقاد لإسرائيل هو عداء للسامية"

نقل الموقع الالكتروني لصحيفة "معاريف"، أمس، عن دبلوماسي أوروبي قوله إن "الحكومة الإسرائيلية تعتقد على ما يبدو أن العالم غبي".

وأضاف الدبلوماسي الأوروبي ردا على أقوال مقربين من نتنياهو بأن تقرير "دير شبيغل" يهدف إلى مناكفة ميركل، أن "هذه ليست محاولة مناكفة ألمانية داخلية، وإنما هي بمثابة صرخة لكي تدرك إسرائيل أن حليفاتها يفقدن صبرهن".

وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس البرلمان الألماني، نوربت لامرت، قال في خطاب خلال مؤتمر لحاخامي أوروبا عُقد في برلين في آذار الماضي، إن "حكومة إسرائيل لا تعرف تقبّل الانتقاد، وليس كل انتقاد هو عداء للسامية".

وشدد لامرت على أنه "ليس كل انتقاد ضد الحكومة الإسرائيلية هو عداء للسامية. ينبغي التمييز (بين العداء للسامية وانتقاد سياسة إسرائيل) وهو أمر لا يحدث دائما. برغم ذلك، يوجد في انتقادات كهذه أحيانا عداء خفي للسامية، لكن ينبغي أن ندقق في كل حالة على حدة وليس كل انتقاد شرعي هو عداء للسامية".

كذلك نقلت "معاريف" عن صحافي ألماني شارك في مؤتمر الحاخامين في برلين قوله إن "ألمانيا لم تعد مستعدة لأن توافق تلقائيا على أنها ملتزمة بأمن إسرائيل. ولدى ألمانيا ما يكفي من المصائب، مثل موجة المهاجرين وأمور كثيرة يتعين عليها الانشغال بها عدا الغرق في هذا الصراع (الإسرائيلي – الفلسطيني) الذي نحن لسنا طرفا فيه".

وأضافت الصحيفة أن الانتقادات الألمانية الواردة في تقرير "دير شبيغل" تضاف إلى الأزمة في العلاقات بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وإلى إعلان نتنياهو رسميا، يوم الخميس الماضي، عن رفض إسرائيل رسميا لمبادرة السلام الفرنسية، الرامية إلى عقد مؤتمر دولي من أجل استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفي هذا السياق، تعرض نتنياهو لانتقادات دولية، في أعقاب تصريحه قبل أسبوعين، بأن هضبة الجولان السورية المحتلة هي "خط أحمر" وأنها "ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد". وردت الإدارة الأميركية على ذلك بالتأكيد أن "هضبة الجولان ليست أرضا إسرائيلية".

"خطوة دبلوماسية أوسع قادمة لا محالة"

لفت المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس"، باراك رافيد، إلى وجود تراجع في العلاقات بين الحكومتين الإسرائيلية والألمانية، وإلى أن هذا التراجع حاصل منذ العام 2009 وحتى اليوم، ورأى أن هذا التراجع "يبدو مشابها جدا للعملية التي حصلت بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية. وكان أوباما سيوقع على كل واحد من ادعاءات ميركل ضد نتنياهو".

إلا أن رافيد أشار إلى أن تراجع العلاقات وانتقادات ميركل لسياسة نتنياهو ليسا بالأمر الجديد. "والسؤال هو لماذا الآن؟ ما هي المصلحة التي يخدمها النشر (في "دير شبيغل") في التوقيت الحالي".

وأضاف رافيد أن دبلوماسيين إسرائيليين كثيرين حاولوا الإجابة عن هذه الأسئلة، لكن لم يتوصل أي منهم إلى إجابات واضحة.
وتابع أن أحد التقديرات هو أن "التقرير غايته أن يكون جزءا من خطوة دبلوماسية أوسع. وخطوة كهذه يمكن أن تكون دعما ألمانيا لمبادرة السلام الفرنسية، أو لتقرير ستنشره بعد عدة أسابيع الرباعية الدولية، المؤلفة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، حول جمود العملية السياسية، أو تشجيع خطوة سياسية أميركية تشكل جزءا من تراث الرئيس أوباما".

يشار إلى أن إعلان نتنياهو عن رفض إسرائيل لمبادرة السلام الفرنسية جاء قبل انعقاد مؤتمر لوزراء خارجية ثلاثين دولة في باريس في نهاية أيار الحالي، من دون مشاركة إسرائيل والفلسطينيين، وسيشكل هذا المؤتمر تمهيدا لمؤتمر أكبر تسعى فرنسا إلى عقده في نهاية العام الحالي، من أجل تحريك عملية السلام.

وادعى نتنياهو في بيان أن "إسرائيل متمسكة بموقفها بأن المفاوضات المباشرة هي الطريق الأفضل لحل الصراع، وأنها مستعدة للعودة فورا إلى طاولة المفاوضات ومن دون شروط مسبقة".
وكرر نتنياهو الادعاء أن "أي مبادرة سياسية أخرى تُبعد الفلسطينيين عن طاولة المفاوضات المباشرة".

ووفقا لرافيد فإنه "يصعب التصديق أن أحدا ما في باريس أو في العواصم المركزية في العالم فوجئ من رد الفعل الإسرائيلي" على المبادرة، في إشارة إلى تعنت نتنياهو.