تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1590

رغم أن ميزانية الأمن الإسرائيلية، للعامين 2013 – 2014، التي تمّ إقرارها منذ شهور قليلة، شملت تقليصًا بمبلغ ثلاثة مليارات شيكل، إلاّ أنّ وسائل الإعلام شكّكت في احتمال إجراء هذا التقليص فعليًّا على ضوء تعهُّد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بزيادة ميزانية الأمن "بصورة سخيّة" في الأعوام المقبلة، من أجل تمويل "خطة عوز"، التي وضعها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، وترمي إلى تغيير وجه الجيش ومفهومه العسكري.

 


وتأتي "خطة عوز"، وفقًا لتصريحات قيادة الجيش الإسرائيلي، استجابة لتغيّر طابع الحرب في العقدين الماضيين من حرب بين جيوش نظامية إلى حرب بين جيش نظامي وميليشيات مسلّحة؛ ولاعتماد الحرب الجديدة أكثر فأكثر على إطلاق النار عن بُعد، من خلال استخدام الصواريخ والقذائف والطيران الحربي، وبالتالي تحوُّل الجبهة الداخلية إلى جبهة قتال. ويشير محلّلون عسكريون إسرائيليون إلى أنه حالَ تطبيق "خطة عوز" سيصبح الجيش الإسرائيلي سيصبح بحلول العام 2018 "جيشًا أصغر ومزوّدًا بأسلحة متطوّرة ودقيقة أكثر بكثير من ذي قبل". 

تقليص قوات الجيش وعدد الدبابات والطائرات والبوارج

تقضي "خطة عوز"، وفقًا لصحيفة "هآرتس"، بأن يغيّر الجيش الإسرائيلي مفهومه العسكري، ويقلص حجمه بشكل ملموس من حيث الأدوات القتالية، بتقليص عدد الدبابات والمدافع والبوارج والطائرات الحربية، وأيضًا من حيث عدد المجنّدين في الخدمة الدائمة. وسوف ينعكس التغيير على الفرق العسكرية النظامية وفرق الاحتياط، من حيث تركيبتها وطبيعة أنشطتها.

وفي أعقاب مداولات أجريت في قيادة سلاح الجو الإسرائيلي تقرّر إغلاق سربَي طائرات. ووفقا للخطة، سيندمج معظم أفراد طاقمهما الجوّي النظامي في أسراب أخرى، وتوكَلُ إلى الباقين مهمّات أخرى في قيادة أركان سلاح الجو أو التدريب. وسيتوقف سلاح الجو عن استدعاء طياري الاحتياط.

إضافة إلى ذلك، وفي إطار الخطّة نفسها، ستُغلَق وحدات أخرى في سلاح الجوّ الإسرائيلي بعد تقليص نحو ألف جنديّ في الخدمة الدائمة. وتثير هذه التقليصات الكبيرة تخوّفات لدى البعض، إذ قال ضابط في سلاح الجو إنه "أشكّ في أن من قرّر هذا التقليص يدرك جميع تبعاته. فحجم التقليص كبير جدًا".

وفي موازاة ذلك، سيُجري الجيش الإسرائيلي تقليصات كبيرة جدًا في المنظومة العسكرية البرية. بحيث يوقف سلاح المدرّعات استخدام دبابات قديمة يستخدمها الجيش منذ سنوات الستين. وهي دبابات محرك نفاث بوقود، تقتضي الخطة إخراجها من الاستخدام تدريجيًّا على مدار السنوات الخمس المقبلة. وتستخدم هذه الدبابات قوات الاحتياط في سلاح المدرعات، بينما يخدم الجنود النظاميون في وحدات تستخدم دبابات من طراز "ميركافاه". وكان ضابط المدرّعات الرئيس قد قرّر قبل نحو عام ونصف العام تحويل عشرات المدرّعات المجنزرة في لوائَي المدرّعات 7 و188 إلى دبابات تستبدلُ الدبابات القديمة التي سيتمّ وقف استخدامها.

كذلك سيُجرى في سلاح المدفعية تقليص عديد القوات وإدماج وحدات مدفعية. وفي سلاح البحرية سيتمّ وقف استخدام بوارج ومراكب حربية قديمة.

وتفيد تقارير إعلامية إسرائيلية بأن إغلاق وحدات يستدعي خفض عدد التدريبات العسكرية، حيث تقرّر وقف تدريبات الوحدات العسكرية التي سيتمّ إغلاقها، وبدأ فعلًّا خفض الطلعات الجوية المنتظمة لقسم من سربَي الطائرات اللذَين سيتمّ إغلاقهما.

وعلى ضوء إقرار "خطة عوز" قرّر الجيش الإسرائيلي تسريح 3000 إلى 5000 آلاف جندي في الخدمة الدائمة.

صفقات وتحايلات وتكاليف هائلة

في شهر آب 2011، اجتمعت هيئة الأركان العامّة للجيش الإسرائيلي في بيت الضيافة في "نافيه إيلان" شماليّ القدس الغربية، من أجل بلورة خطة متعدّدة السنوات أطلق عليها اسم "حَلَميش"، لتحلّ مكان خطة "تيفن" الخماسية التي وصلت إلى نهايتها في ذلك العام. لكن اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل في تلك الفترة استدعى من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تقليص ثلاثة مليارات شيكل من ميزانية الأمن، وتمّ بالتالي تجميد المداولات حول خطة "حَلَميش" المذكورة.

وكتب المحلل العسكري لصحيفة "معاريف"، عمير ربابورت، أن "خطة عوز" جرت بلورتُها في العام 2012 كخطة عسكرية خُماسيّة للسنوات 2013 – 2017؛ ولكن لم يتمّ إقرارُها في حينه، بسبب تقديم موعد الانتخابات العامّة في نهاية العام الماضي ، والتي جرت في كانون الثاني الماضي.

ووفقًا لربابورت، فإنه "في هذه المرحلة بدأت التحايلات: فقد عقد نائب رئيس أركان الجيش في حينه، اللواء يائير نافيه، مع رؤساء الصناعات الأمنية في إسرائيل صفقات مشاريع بقيمة عشرات مليارات الشواقل، بحيث يتمّ تسديد معظم المبلغ في النصف الثاني من العقد الحالي، وابتداءً من العام 2016".

وأضاف ربابورت أن "الجيش الإسرائيلي كان معنيًّا بإخراج هذه المشاريع إلى حيّز التنفيذ. وبالنسبة للصناعات الأمنية، تتيح الطلبات طويلة الأمد استغلال القوى البشرية إلى أقصى حد، وتضمن عملاً لفترة طويلة. كما أن وزارة المالية، التي شنت حملة في وسائل الإعلام ضد ميزانية الأمن، دعمت الصفقة. وحصل جهاز الأمن على المصادقة للالتزام بالمشاريع الضخمة. واتُّفقَ أنه في حال لم تصدّق الحكومة في المستقبل على جزءٍ من المشاريع، يمكن لوزارة الدفاع التراجع عنها، مقابل دفع غرامة منخفضة نسبيًّا".

وتتوقع التقارير الإسرائيلية زيادة ميزانية الأمن بشكل كبير خلال الأعوام المقبلة. ويشار إلى أن ثلاثة مليارات دولار، أي حوالي 11 مليار شيكل، من ميزانية الأمن هي عبارة عن مساعدات أميركية، يمكن صَرفها فقط في شراء عتاد عسكري من الولايات المتحدة.

ولفت ربابورت إلى أنه "من أجل تحريكه اليوميّ، أي دفع الرواتب وتوفير الطعام والوقود، يحتاج الجيش الإسرائيلي كلّ صباح إلى 22 مليار شيكل سنويًّا. كذلك تدفع وزارة الدفاع أكثر من 10 مليارات شيكل سنويًّا، رواتب تقاعد ومخصّصات لمُقعدي الجيش الإسرائيلي والعائلات الثكلى. وهكذا فإن المبلغ الذي بالإمكان ’التلاعب’ فيه لا يتجاوز 10% من الميزانية بالشيكل [أي باستثناء المساعدات الأميركية]".

إضافة إلى ذلك، فإن جهاز الأمن يوظّف 4.5 مليار شيكل سنويًّا في الأبحاث والتطوير. وقد قرر وزير الدفاع، موشيه يعلون، أن هذا الجزء من ميزانية الأمن لن يطاله التقليص أبدًا. وأشار الصحفي ربابورت إلى أن "معظم المشاريع سرّية للغاية، بحيث لا يمكن الكتابة عنها ولو كلمة واحدة".

ويدير جهاز الأمن مشاريعه هذه من خلال ثلاث سلال ميزانية أساسية: المشاريع الكبرى بإشراف وزارة الدفاع، مثل مديرية "حوماه" التي تُعنَى بتطوير منظومات الدفاع ضدّ الصواريخ أو "مديرية الفضاء والأقمار الاصطناعية"؛ الجيش الإسرائيلي نفسه يدير بواسطة ميزانية مركزية التزوّد بالأسلحة الثمينة جدًا، مثل شراء الطائرات والغواصات؛ والسلة الثالثة توزّع على الأذرع العسكرية المختلفة لتستخدمها كما ترتأي في تعزيز قوّاتها الخاصة.

وأشار ربابورت إلى أن عملية بناء خطة متعدّدة السنوات في الجيش الإسرائيلي تبدأ عادة بتحديد التهديد وما إذا سيخوض الحرب على جبهة واحدة أو على عدّة جبهات في الوقت نفسه. ومن هذه الناحية طرأت تغيّرات دراماتيكيّة، إذ لدى بدْء العمل على إعداد خطة "حَلَميش"، التي لم تخرج إلى حيّز التنفيذ، كان مازال قائمًا في مصر نظام حسني مبارك، كما أنه اليوم تجري تغيّرات تمسّ فرضيات الخطة، إذ كان يفترض في "خطة عوز" أن الجيش السوري يشكّل تهديدًا مركزيًا، لكن هذا الجيش منشغل الآن في حرب داخلية، وترى التقديرات الإسرائيلية أن قدراته كجيش نظاميّ قد تراجعت. 

وحيث أنّ المنطقة تعتبر غير مستقرّة حاليًا، يرى الجيش الإسرائيلي أنّ عليه أن يُعدّ نفسه لمواجهة تحدّيات عديدة ومتنوّعة، بدءًا من حرب كبرى ضدّ إيران وصولاً إلى مواجهات مع تنظيمات الجهاد العالمي الموجودة مباشرة خلف حدود إسرائيل، في مصر وسورية.

ويعتبر الجيش الإسرائيلي أنّ التهديد المركزيّ الذي يواجهه هو الصواريخ الموجَّهة نحو إسرائيل. ويؤكد ضبّاط وخبراء ومحلّلون في إسرائيل أن منظومة "القبّة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى ناجعة في حال المواجهة مع حماس، لكنها لن تكون كذلك في حال نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله أو إيران أو سورية، وأن جلّ استخدامها سيكون في محاولة حماية المنشآت الإستراتيجية وقواعد سلاح الجو في أفضل الأحوال. 

الاعتماد على الاستخبارات والطيران الحربي

المرة الأخيرة التي أجرى فيها الجيش الإسرائيلي تغييرات كُبرى في حجم قوّاته كانت في سنوات الثمانين، عقب توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر. حينئذ تمّ إغلاق العديد من الوحدات الميدانية، التي كانت معدة للقتال ضدّ مصر. وفي بداية العقد الحالي تم إغلاق عدّة تشكيلات مدرّعة.

ورأى ربابورت أن "خطة عوز" تحمل مخاطر محسوبة، وأنه "على الرغم من خشية انهيار اتفاقية السلام مع مصر في السنوات المقبلة، لن تتمّ العودة إلى الجيش الكبير في هذه المرحلة وإنما هو سيصغر باستمرار. وداخل الجيش الإسرائيلي، تتعالى في السنوات الأخيرة أصوات كثيرة تدعو إلى ثورة: تقليص دراماتيكي في إنفاق منظومة الجيش البرّي، على ضوء تغيّر التهديد وغياب أيّ جيش نظامي يقف على امتداد حدودنا".

وأضاف المحلل أن "’خطة عوز’ بعيدة عن وصف الخطة الثورية، لكنها تسير على وقْع الأصوات المتعالية داخل الجيش الإسرائيلي، الذي سيبقى محافظًا على قدرات مناورة أساسية. وهو مطالَب بأن يضمّن هذه الخطة التوازن بين القدرات الدفاعية والهجومية. والتزوّد بعناصر دفاعيّة فعّالة ستكلف مليارات كثيرة، مثل بطاريات ’القبة الحديدية’ و’العصا السحري’ [لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى] و’حيتس 2’ و’حيتس 3’ [لاعتراض الصواريخ طويلة المدى]، لكن على ما يبدو أنه لن يتزوّد بأكثر من 9 بطاريات ’القبة الحديدية’".

ورجّح ربابورت أن الجيش الإسرائيلي سيركّز في الأعوام المقبلة على التزوّد بأسلحة دقيقة لأسلحة البرّ والبحر والجوّ. وسيستغلّ سلاح الجو معظم المساعدات الأميركية من أجل شراء الطائرة المقاتلة الأكثر تطورًا في العالم، "اف-35"، والتي سيبدأ الجيش تسلُّم سربها الأول في عام 2016. ويتوقع شراء سرب طائرات آخر في نهاية مدّة الخطة الخماسية الحالية. كذلك سيتزوّد سلاح الجو بالطائرة المروحية "في – 22" وبطائرات تزويد الوقود في الجو "كي – 35".

وسيتزوّد سلاح البحرية بثلاث غواصات ألمانية من طراز "دولفين" خلال فترة "خطة عوز". وهي غواصات قادرة على حمل صواريخ نوويّة، وتبلغ تكلفة الواحدة منها نصف مليار يورو، وتموّل ألمانيا ثلث تكلفتها.

وتؤكّد التقارير والتحليلات في إسرائيل على أنه خلال فترة "خطة عوز" سيستمرّ الجيش الإسرائيلي في إعطاء الأفضلية العليا للاستخبارات ولسلاح الجو، مثلما في الخطة الخماسية السابقة.

وأضافت التقارير أنه في مجال الاستخبارات، سيوظّف الجيش الإسرائيلي مبالغ طائلة في أجهزة متطورة تعمل على تنظيم وترتيب المعلومات الاستخبارية التي تصل من كافّة مناطق الشرق الأوسط، والتي تمّ نشرها في السنوات الأخيرة، ونقلها كمعلومات واضحة وتصل إلى القوات الميدانية. وتقضي الخطة برصد موارد كبيرة لتطوير قدرات الجيش الإسرائيلي على القتال الالكتروني – "السايبر" – في الناحيتين الهجومية والدفاعية. وهذه ساحة قتال حديثة نسبيًّا، وتشير التطورات إلى أنها ستكون واحدة من أهمّ ساحات الحرب.

       

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

 

"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"