المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 15521

رئيس الحكومة الايطالي السابق، ماسيمو دالما، قام خلال زيارته لاسرائيل قبل اسبوعين باستضافة مجموعة صغيرة من الاسرائيليين، من الشخصيات العامة والدبلوماسيين السابقين، لتناول مأدبة العشاء معه. المحادثة سرعان ما دارت حول مقابلات شارون التي أجراها عشية العيد. أحد الاسرائيليين من اولئك الذين تحولت دعاية اسرائيل واعلامها الي عملة اخري له، بغض النظر عن سياسة الحكومة التي تخدم في اسرائيل، عبر عن ثقته التامة بأن شارون يقصد ما يقوله حول السلام وانه يدرك ان حل الصراع هو اقامة دولة فلسطينية الي جانب اسرائيل. رجل اليسار الايطالي البارز قال انه كان قد التقي مع شارون مطولا قبل 3 ـ 4 سنوات خلال زيارة الاخير لروما.

شارون أوضح له مطولا لماذا يعتقد ان نموذج البانتوستان هو الحل الأكثر ملاءمة للصراع في نظره. ماسيمو دالما أكد للحضور انه نقل لهم ما قاله له شارون بالحرف الواحد من دون تأويل ولا تفسير. نظرية شارون حول البانتوستانات مأخوذة من تجربة جنوب افريقيا لدرجة ان العدد متماثل في الحالتين، حيث كانت في جنوب افريقيا عشر دويلات مبتورة ومعزولة. وخطة شارون كما تحدث عنها زعيم موليدت، بيني ألون، في كتابه توجهات للسلام تتحدث هي الاخري عن عشرة في الضفة وواحد في غزة. الدكتور ألون ليئال، سفير اسرائيل في جنوب افريقيا سابقا، يقول ان الجنوب افريقيين استطاعوا انشاء اربعة فقط من خطة العشرة بانتوستانات في الستينيات.
ليئال يقول ان طريقة البانتوستان هي الحيلة الأكثر بشاعة لتكريس نظام التفرقة العنصرية، مناطق خاصة وهي في العادة الاماكن الأقل خصبا من جنوب افريقيا خصصت للسود وللملونين وحدهم. سكان هذه الدويلات التابعة تمتعوا بحكم ذاتي محدود وكل وجودهم كان مرتبطا بإحسان وحسن نية الحاكم الابيض. مليونا أسود و600 ألف ملون و40 ألف ابيض رحلوا جماعيا الي مناطق مختلفة في الدولة وفقا لجنسهم. أما كل من واصل السكن خارج مناطقه فقد حصل علي مكانة عامل اجنبي وجرد من حقوق المواطنة.

زعامة السود رفضت التعاون مع خطة البانتوستانات وواصلت كفاحها من اجل فرض حكم الاغلبية علي البلاد كلها. الهيجان في الدويلات التابعة امتد في عام 1986 في موجة ارهاب وقلاقل وأدي الي تدخل جيش جنوب افريقيا، وهكذا فشلت الخطة وعادت تلك الجيوب الذاتية في عام 1994 الي جزء من جنوب افريقيا الموحدة تحت حكم الاغلبية السوداء.

ولم تعترف أي دولة بالدويلات الصغيرة تلك، ولم تغير دول العالم سياسة الحصار التي فرضت علي النظام العنصري. وقدامي الزعامة السوداء في جنوب افريقيا يذكرون ان رجال اعمال من اسرائيل وتايوان هم الوحيدون الذين طوروا علاقاتهم مع الدويلات الصغيرة تلك. التصريح الذي أعطي للدويلة الأكبر من بينها بوتسوانا حتي تفتح لها سفارة في تل ابيب أثار غضب قادة الكفاح ضد النظام العنصري في الولايات المتحدة ومنهم السناتور تيد كنيدي واعضاء كونغرس يهود آخرين.

باول في دور اوريا

من الممكن الافتراض ان الـ سي.آي.ايه تعرف بأمر التعليمات الاعلامية التي وزعتها وزارة الخارجية الاسرائيلية علي ممثلياتها في الخارج تحت عنوان الشرق الاوسط بعد صدام . الوثيقة حظيت بسرية محدودة، ويمكن لكولين باول ان يجد فيها الجواب الذي كان بانتظاره في ديوان رئيس الوزراء في القدس: اسرائيل تقبل مباديء خطاب بوش المركزية وتري فيها أساسا لمواصلة العملية السياسية. اسرائيل ترحب بكل (خريطة طريق) تتوافق مع رؤية بوش وتؤدي الي تطبيقها علي أساس زعامة جديدة ومغايرة في السلطة الفلسطينية وتطبيق الاصلاحات هناك ، كما جاء في الوثيقة ان كل التعهدات مشروطة باختبار ومحك التنفيذ الفلسطيني في الكفاح ضد الارهاب.

هذا كان مضمون ما قاله شارون لباول تقريبا. وبين الاثنين نشأ جدل غريب حول تفسير تصور بوش للحل كما ورد في خطابه. شارون ادعي ان خريطة الطريق ليست ترجمة دقيقة للخطاب الذي يتضمن خطة السلام الوحيدة التي يوافق عليها شارون. وباول الذي يحصل علي راتبه من الادارة الامريكية الذي عين علي يد بوش قال انه يعتقد ان خريطة الطريق هي تفسير موثوق لتصور بوش. والآن لم يتبق إلا سؤال بوش عن سبب ارساله لسفيره في اسرائيل، دان كيرتسر، منذ اسبوعين لتسليم شارون خطة سلام لا تتوافق مع رؤيته، كما يقول شارون.

بين السطور يمكن ان نقرأ الامور التي كان من المفترض ان تكون مهينة جدا لزعيم العالم الحر. رئيس الحكومة يلمح في الواقع الي ان بوش لم ينتبه بأن اعضاء الرباعية الدولية ومنهم باول نفسه قد باعوه خريطة طريق تؤدي الي اتجاه مغاير للاتجاه الذي حدده هو. روبي ريفلين قال كما نشرنا هنا سابقا لاعضاء مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الامريكية بأن طوني بلير قد أغري بوش بمداهنته ونفاقه ودفعه لتبني خريطة الطريق الرباعية. ريفلين رد علي دعوة كوليت ابيطال لريفلين بأن يتراجع عن اهانته لبلير قائلا انه لا ينوي الاحجام عن التعبير عن رأيه في المسائل الوطنية الملحة. رئيس الكنيست لم يبتدع الموقف القائل بأن بوش قد سقط في شرك بلير. وقد كان قد التقط هذه الفكرة من النوافذ العالية جدا في المستويات السياسية، وقد فهم منها ان أهم شيء في مهمته التي أرسل بها الي واشنطن هو قتل خريطة الطريق.

في معرض استخلاصات التحليلات الواردة بعد وفاة مهمة باول، سجلت في وزارة الخارجية في القدس الأفكار التالية: باول هو اوريا الحتي الذي أرسله الملك الي ارض المعركة. ولكن الجنرال المحنك ليس أحمقا وأدرك ان الخريطة قد تحوله الي كبش فداء لمجموعة المحافظين الجدد المسيحيين والنشطاء اليهود الانتهازيين. والتقدير هو ان باول سيؤكد لرئيسه مع عودته ان تدخله هام جدا في دفع العملية الي الأمام، وسيقترح عليه تعيين مبعوث رئاسي خاص لذلك.

التأكيد علي هذا التوقع يمكن ايجاده من خلال قرار باول تعيين موظف من وزارته، وهو ريتشارد اردمان، كرئيس لطاقم المراقبين علي تنفيذ خريطة الطريق. الفلسطينيون سخروا من الخطوة عندما تبين لهم ان كل طاقم المراقبين هو خمسة اشخاص فقط.

الصيغة غير الحكومية

قبل رحيل كولين باول من البلاد وقف طابور من الشخصيات الفلسطينية والاسرائيلية في المطار وفي جيوبهم بيان سلام نادر يحمل توقيع شخصيات بارزة في الطرفين.

تحت اسم التحالف الدولي للسلام العربي ـ الاسرائيلي (مجموعة كوبنهاغن) التقت شخصيات مرموقة ومؤثرة من الفلسطينيين والاسرائيليين والاردنيين والمصريين لصياغة خطة سلام قصيرة وبسيطة لحكوماتهم: اتفاق سلام قائم علي قرارات الامم المتحدة 242 و1397 وعلي المبادرة السعودية. أي انسحاب اسرائيلي كامل من اراضي حزيران (يونيو) 1967 وعلاقات مع ترتيبات أمنية واخلاء كل المستوطنات باستثناء ما ينص عليه تبادل المناطق والقدس عاصمة للدولتين. أما لغم حق العودة فقد تحدث عنه البيان بالدعوة لايجاد حل عادل ومتفق عليه للمشكلة وفقا للاصرار الفلسطيني علي تطبيق كل بيانات الامم المتحدة ذات العلاقة، ووفقا للاصرار الاسرائيلي في الحفاظ علي طابع الدولة اليهودي من دون المس بالسكان العرب في اسرائيل.

المجموعة اتفقت علي ان السلام أهم من ان يودع في يد الحكومات. وعودة باول من دون موافقة اسرائيل علي الخريطة يؤكد عدم امكانية الاعتماد علي الحكومة الأقوي في العالم ايضا. أزمة ميرتس والعمل وصمت حزب شينوي يؤكد عدم امكانية ايداع المسألة بيد الاحزاب السياسية. في الجانب الفلسطيني يؤثر التوتر بين أبو مازن وعرفات بصورة سيئة علي جهود الحوار بين مجموعات الســـلام من الطرفين. عرفات يعرقل الاعلان عن مبادرة نسيبة ـ ايلون حتي يذكر الجميع بأنه هو رب البيت. ولنفس الاسباب ايضا يعاني اتفاق عبد ربه ـ بيلين، الذي يتمتع بدعم أبو مازن، من مشكلة التحليق.

 

(هآرتس) 13/5/2003

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات