عبارة عن جهاز التعليم التابع للأحزاب الصهيونية- الدينية في فلسطين (همزراحي وهبوعيل همزراحي) في فترة الانتداب البريطاني والسنوات الأولى بعد إقامة إسرائيل. وعكس جهاز التعليم الخاص بهذا التيار استقلالية سياسية ليس فقط في مجال الاختلاف العقائدي في المفاهيم والممارسات السياسية، إنما في طرق التعليم والأهداف التي يراها هذا التيار بالنسبة للتعليم اليهودي.
وكانت التيارات عبارة عن تنظيمات أيديولوجية، ومذاهب تربوية، وهيئات إدارية وخدمات تعليمية متنوعة وفرتها الأحزاب. هذه الأطر منحت أعضاء هذه الأحزاب ضمانة تعليم وتربية أبنائهم وفق الأهداف والأيديولوجية الخاصة بالحزب الذي ينتمون إليه. الاعتراف بهذه التيارات كرس الانقسام داخل التعليم الصهيوني واليهودي، ولكن أبرز خصوصية التيارات على مختلف توجهاتها العقائدية. وضمن إطار تيار التعليم "همزراحي" تمت بلورة جهاز التعليم الديني الرسمي في إسرائيل فور الإعلان عن إقامة إسرائيل في العام 1948. هذا الجهاز، ما زال قائما حتى اليوم، يتمتع باستقلالية إدارية وتنظيمية ومنهجية، باعتراف السلطات الرسمية في إسرائيل وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم.
ولقد وضع تيار همزراحي نصب عينه أهمية تعميق انتماء الطلاب للتراث التقليدي اليهودي وفي مقدمته المبادئ والقيم والرموز ومنهج الحياة والسلوكيات التي من الواجب أن يسلكها كل يهودي، باعتبارها جميعا جزءا لا يتجزأ من الميراث اليهودي التاريخي. والى جانب إصرار وتشديد همزراحي على التمسك بأهداب الشرائع الدينية اليهودية فإن هذا التيار، كما يعلن واضعوه، يحترم مواقف وآراء الآخرين المختلفة عنه. وأن أعضاء هذا التيار يُظهرون انفتاحا واسعا تجاه الآخرين الذين لا يسيرون وفق مبادئهم وتطلعاتهم. ومن هذه المنطلقات طور تيار همزراحي في أوساط طلابه الشراكة الواسعة والعميقة في المشروع الصهيوني، بكونهم شركاء وفعالين في بنائه. وفور الإعلان عن إقامة إسرائيل تبنى أعضاء همزراحي فكر ونهج الحاخام كوك وأتباعه.
نهج هذا الحاخام جعل من الصهيونية ظاهرة ذات دلالات لاهوتية (في أساسها الخلاص)، وصادر علمانية المجتمع واعتبره طفلا في بدايات تدربه على المشي، وأحاط نفسه بتفسيرات لاهوتية يهودية مقنعة لأبناء هذا التيار. ومجموعة أخرى رأت في نهج هذا التيار ليس في باب اللاهوت وتفاسيره إنما في مجال تأسيس سياسة تربوية توزع هوية الطالب على عالمين: عالم التمسك بالتقاليد المؤسس على الأنماط التقليدية، وعالم العلمانية الحيادي البعيد عن العالم الأول.
لهذا سعى تيار همزراحي في بدايات انطلاقته بعد إقامة إسرائيل إلى العمل في المدارس الثانوية، وليس في إقامة معاهد دينية صرفة. ولكن في أعقاب إلغاء التيارات التعليمية والإعلان عن قانون التعليم الرسمي في العام 1953 تم إنشاء جهاز التعليم الديني الرسمي في إسرائيل بدعم سياسي ومالي من المؤسسات الحكومية الإسرائيلية وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم. ويعتبر هذا الجهاز استمرارية لتيار همزراحي مع تعديلات وتغييرات في بعض الأسس التربوية لما يتناسب والعصر والأحوال السياسية التي حصلت بعد العام 1948.
