مدرسة عبرية أقيمت في العام 1905 في يافا، حيث تكون تجمع يهودي صغير فيها قبل تأسيس مدينة تل أبيب. أما الدوافع لإنشاء هذه المدرسة فهي رغبة الحركة الصهيونية في روسيا في إقامة مدرسة ثانوية تدأب على تربية الشباب اليهودي على اللغة اليهودية حسب أصولها، وازدياد مطالب السكان اليهود في يافا بإقامة مدرسة لأولادهم تكون في الحي كي لا يضطروا إلى مغادرته يوميا والوصول إلى أقرب مدرسة خارجه. وتأثر الداعون إلى إقامة هذه المدرسة بفكر آحاد هعام واوسيشكين، وهما من أبرز مفكري الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع العشرين.
وقبل إنشاء هذه المدرسة كان أحد أتباع آحاد هعام واسمه د.مطمان ـ كوهين حاول أن يقيم مدرسة في مستعمرة ريشون لتسيون في العام 1904 إلا أن مزارعي هذه المستعمرة من قدامى المهاجرين اليهود اعتقدوا انه يحاول بث الفكر القومي الصهيوني أكثر من الضرورة في أوساط الشباب، لذا رفضوا المشروع، فتوجه بعدها إلى يافا.
وساهم عدد من آباء الفكر الصهيوني في وضع وصياغة أهداف هذه المدرسة، ومن بينهم إضافة إلى مطمان ـ كوهين كل من بوغراشوف وموسينزون. ورأى هؤلاء ضرورة إقامة مدرسة ثانوية متقدمة وفق معايير المدارس الثانوية في أوروبا مع ملاءمة بينها ـ أي بين المدرسة ـ وبين الظروف الحياتية التي تميز فلسطين واحتياجات المجتمع اليهودي فيها. وقرر مؤسسو المدرسة أن تكون المدرسة مستقلة وعامة، وأن تكون لغة التدريس العبرية، وأن تسود المدرسة الروح الوطنية اليهودية الرافضة للشتات، وان تكون المدرسة علمانية تُدرس فيها مواضيع التوراة والتلمود والصلوات والطقوس والشرائع الدينية اليهودية، ولكن كمجال أدبي فقط وليس ديني. وان تكون المدرسة مختلطة للبنين والبنات ولا يفصل بينهما. وتعرضت هذه المدرسة في سنواتها الأولى إلى معارضة قاسية من أطراف مختلفة في المجتمع اليهودي في فلسطين وخارجه لما أعلنته من أهداف. وجدير ذكره أنه لم يكن هناك منهاج تعليمي مقترح أو موضوع من قبل جهة ما، ولم يمتلك معلمو هذه المدرسة في البداية أية شهادة تؤهلهم للتعليم، ولم تتوفر كتب التدريس في المدرسة، والموارد المالية كانت شحيحة للغاية. وبالرغم من كل هذه النواقص ازدحمت صفوف المدرسة بالطلاب اليهود الذين رأوا فيها انطلاقة نحو تعليم علماني مغاير للتعليم الديني الذي كان سائدا في معظم قطاعات المجتمع اليهودي في فلسطين.
وانتقلت المدرسة في العام 1911 إلى مبنى جديد في شارع هرتسل في تل ابيب، وسرعان ما ازدهرت المدرسة وجذبت مئات من الطلاب اليهود من فلسطين وخارجها، خاصة من اليهود الروس في روسيا. وبلغ عدد طلابها في العام 1914 حوالي 720 طالبا، علما أن عدد الطلاب في السنة الأولى لتأسيسها بلغ 18 طالبا. وحظيت هذه المدرسة باعتراف من جامعات أوروبا واعترفت وزارة التعليم التركية في استنبول بالشهادة التي كانت المدرسة تمنحها لطلابها في نهاية تعليمهم الثانوي. وأغلقت الحكومة التركية المدرسة في منتصف الحرب العالمية الأولى، ما دفع المسئولين عنها إلى نقلها إلى مستعمرة شفيا بالقرب من زخرون يعقوب إلى الجنوب من حيفا بحوالي 30 كيلومترا.
وما يميز هذه المدرسة إلى يومنا هذا أنها تعتبر بؤرة حركات الشبيبة اليهودية. واعتنت إدارة المدرسة وطواقم المعلمين فيها بالتنظيمات الطلابية وشجعتهم على تعميق وتطبيق فكر التطوع الوطني من أجل بناء أسس المجتمع اليهودي السائر في طريق إقامة دولة يهودية في فلسطين. وأولت المدرسة اهتماما واسعا بالتعليم الفني كالرسم والموسيقى والتمثيل المسرحي. وكتب معلمو الأدب العبري مسرحيات ذات روح ورسالة يهودية وطنية مثلها طلاب المدرسة على خشبة مسرح المدرسة وأحيانا في الحارات والمستعمرات اليهودية في مختلف أنحاء فلسطين. وتأسست جوقة للغناء وفرقة عزف موسيقية تدربت على المعزوفات والمقطوعات الأوروبية وقامت بتأديتها أمام جمهور الطلاب والأهالي والضيوف.
وانتقلت المدرسة في العام 1957 إلى مبناها الجديد في شارع جابوتنسكي في تل أبيب. وكان في المدرسة قسم داخلي ارتبط مع هيئة التعليم في الجيش الإسرائيلي لفترة طويلة إلى أن أغلق في منتصف الثمانينيات.
تعتبر هذه المدرسة من المدارس ذات المستوى الرفيع في مسارات التعليم في إسرائيل، وتحقق نتائج عالية جدا في امتحانات البجروت (التوجيهي) في كل عام. وتبرز المدرسة في فترة الدعايات الانتخابية حيث يقصدها عدد من كبار رجال السياسة في إسرائيل لإلقاء محاضرات أمام طلبتها وإجراء انتخابات نموذجية تتناقل نتائجها الصحافة ووسائل الإعلام لكونها ـ أي هذه الانتخابات ـ تعبر عن توجهات الشارع العام في إسرائيل إلى درجة كبيرة.