موسوعة المصطلحات

مدار - بيديا موسوعة مصطلحات تحوي أكثر من 5000 مصطلح اسرائيلي

 

المرتل في اليهودية شخص ذو مكانة مهمة ومركزية في تأدية الصلوات. الحاجة إلى مرتل في الكنس

اليهودية أصبحت مهمة للغاية في القرنين الأخيرين بسبب ميل المصلين أو الجماعات التي تحضر الصلوات والطقوس الدينية إلى سماع صلوات ملحنة تلحينا موسيقيا. ومنهم من يرى في المرتل ذي الصوت الشجي عاملا جاذبا لجمهور المصلين ليبعدهم عن مظاهر الملل، وبالتالي يثير في نفوس المصلين ميلا إلى مزيد من الزهد والابتعاد عن أجواء الحياة اليومية المادية.

وكان المرتل يقوم بتأدية الصلوات ملحنة بإيقاعات موسيقية مختلفة في الكنس فقط، أما في عصرنا الحاضر فإن عددا من المرتلين اليهود أصحاب شهرة عالمية يقيمون حفلات تراتيل في قاعات كبرى يحضرها مئات من اليهود من المتدينين وغيرهم من الجماعات اليهودية محبي التراتيل الدينية ذات الإيقاع الموسيقي الجميل والجذاب.

وكان المرتل في العصور اليهودية القديمة يتلو صلوات مقتبسة من التوراة وفي مقدمتها من المزامير، ثم لاحقا بدأ التوجه نحو تلحين مقاطع من كتب دينية أخرى أو وضعت قصائد وصلوات دينية خاصة لمناسبات يهودية كالأعياد أو المواسم.

وأخذت الجاليات اليهودية في مختلف مناطق انتشار اليهود في العالم تتبنى وجود مرتل في كنسها، وكانت الجاليات تهتم بعملية اختيار المرتل وتخصص له راتبا شهريا، وكذلك مكانا مرتفعا داخل الكنيس ليكون على مرآى من المصلين والحضور، وأيضا للدلالة على أهمية دوره في تسيير وإدارة الصلوات في الكنيس أو في الاحتفالات الدينية.

وهناك من الباحثين اليهود من يعتقد أن التراتيل والمرتل ظهروا في بلاد الشرق، خاصة في اسبانيا وسورية والعراق وتركيا والمغرب، أي أنها كانت من نصيب اليهود الشرقيين (السفاراديم) قبل أن تكون في أوساط اليهود الغربيين (الاشكنازيم).

وتستند التراتيل في الجاليات اليهودية الشرقية على السلم الموسيقي الشرقي الذي يُعرف بـ "المقامات". والمقامات هي أساس الموسيقى العربية والتركية وبعض الفارسية. ووفق المقامات تتم عملية ترتيل الصلوات، فالصلوات التي تختص بالأفراح ترتل على مقام "عجم"، أما الصلوات الحزينة فترتل وفق مقام "حجاز".

ومن الظاهر لنا أن معظم التراتيل من حيث ألحانها متأثرة بالبيئة التي نشأت فيها الجاليات اليهودية. فاليهودية السفارادية تأثرت كما قلنا بالبيئة الاسبانية (السفارادية) والمغربية ثم الشرقية في سورية والعراق وتركيا، وهذا يشير بوضوح إلى المسيرة الجغرافية ـ التاريخية التي سارت فيها الجماعات اليهودية المهاجرة والمتنقلة بعد خروج اليهود من اسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر.

أما الترتيل لدى الجاليات اليهودية الغربية (الاشكنازية) فظهر بصورة مكثفة في القرن السادس عشر، وشهد الترتيل في هذه الجاليات تطورا كبيرا بتأثير التطور الذي حصل للأعمال الموسيقية الشهيرة في أوروبا في الفترة التي تلت القرن السادس عشر.

وداخل أوروبا حصل انقسام بما له علاقة والترتيل الديني الذي نحن بصدده، حيث أن الترتيل الديني في أوروبا الغربية تأثر بشكل عميق وكبير بالموسيقى الكلاسيكية، أما الترتيل الديني اليهودي في شرقي أوروبا فتأثر بالحركة الدينية اليهودية الصوفية المشبعة بتحريك الأحاسيس والعواطف لدى المصلين اليهود.

وتركت الحركة الموسيقية الكلاسيكية في أوروبا أثرها البالغ على مضمون وشكل التراتيل والمرتلين الذين ارتدوا ملابس خاصة بهم أقرب إلى الأزياء التي كان يرتديها بعض رجالات الدين المسيحي في أوروبا في ذلك الوقت.

وعرفت التراتيل اليهودية الإشكنازية عصرا أو زمنا من الازدهار ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وذلك بتأثير عدد من المرتلين أصحاب الأصوات الرنانة الذين نجحوا في جذب أعداد كبيرة من المصلين والحضور اليهود إلى الكنس والمعابد.

وشهدت عملية الترتيل تطورا ملحوظا في أعقاب إقامة إسرائيل، حيث ظهرت تراتيل تعرف بـ "تراتيل وفق النسق الاورشليمي" وهو عبارة عن مزيج من الألحان الشرقية والغربية لتكون نوعا من الدمج لإرضاء كافة الجاليات اليهودية، وباعتبار أورشليم المدينة التي توحد بين أفراد وجماعات الجالية اليهودية.

وتسعى الأحزاب الدينية في إسرائيل إلى تبني حفلات كبرى لإنشاد التراتيل الدينية، فحزب شاس الشرقي ينظم مثل هذه الحفلات بين الفينة والأخرى ويدعو كبار المرتلين وحتى الفنانين العاديين لتقديم وصلات غنائية وتراتيل دينية بأصواتهم أو بطريقة التسجيل الصوتي لكسب تأييد الجماهير للحزب في الانتخابات البرلمانية وغيرها.