تيار صهيوني دعا الى جعل المسألة اليهودية سياسية عالمية وخلق حقائق في فلسطين تفرض على المجتمع الدولي الموافقة
على انشاء وطن قومي (دولة) لليهود في فلسطين. والواقع ان هرتسل استطاع ان يجعل من المسألة اليهودية قضية سياسية اثارها في المحافل السياسية العالية لدى الدول العظمى. وبالتالي استطاع ان يُقيم حركة صهيونية شاملة مبنية على أُسس وأهداف ووسائل معروفة لتطبيق البرامج والمشاريع. ولقد رأى مفكرو الصهيونية ان فشل محاولات اليهود للاندماج في المجتمعات الاوروبية وازدياد حدة مظاهر اللاسامية في بلدان اوروبية هي مؤشر واضح الى ان الحل للمسألة اليهودية هو بإقامة دولة لهم في فلسطين (رغم ان هرتسل كان على استعداد لقبول دولة او شبه دولة في اي موقع في العالم تقترحه دولة عظمى بصفة دولة مؤقتة).
ولتحقيق هذه الغاية يجب ان تتبنى دولة عظمى المسألة اليهودية وتوفر لها الغطاء القانوني والدولي، ولقد عرف هرتسل كيف يستغل الظروف الدولية، خصوصاً السباق الاستعماري والصراع السياسي الدائر بين الدول الاوروبية الاستعمارية بشأن تفكيك إرث الامبراطورية العثمانية، وذلك عن طريق جعل المسألة اليهودية ذات طابع دولي، فحاول التقرب من الدول الاوروبية المختلفة ذات المصالح السياسية الدولية مثل بريطانيا والمانيا وروسيا وغيرها. ورغم انه هو شخصيا لم ينجح في تحقيق اعتراف دولي او اعتراف من قبل دولة عظمى بشأن المسألة اليهودية إلا ان الامر تحقق في اصدار تصريح بلفور العام 1917 وهو اعتراف بريطاني، ثم اعقبه اعتراف من عصبة الامم بواسطة اصدار صك الانتداب العام 1922 والذي يُقر بكل ما ورد في تصريح بلفور.
لهذا فإن الخطوات السياسية التي اعلن عنها هرتسل والتي قام بتنفيذها هو ومن خلفه هي ذاتها الصهيونية السياسية.