تهدف هذه الورقة إلى تحليل تداعيات التصديق على مشروع قانون حلّ الكنيست بالقراءة التمهيدية بواقع 61 عضو مؤيدا للقرار ومعارضة 54 عضوا وتغيب 4 أعضاء من القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي) من تحالف القائمة المشتركة عن التصويت. وتحمل هذه الخطوة الكثير من الدلالات على المشهد السياسي الإسرائيلي وتوجد خيارات سياسية مختلفة أمام اللاعبين السياسيين في المشهد السياسي من قيادات وأحزاب سياسية. وكان واضحا أن كل اللاعبين في المشهد السياسي الإسرائيلي يتحركون حيال تشكيل الحكومة الحالية واتفاق التناوب على أساس أنها حكومة مؤقتة وأن الانتخابات قريبة جدا.
مقدمة
كان موعد الأزمة الحكومة الحالية معروفا وينتظره الجميع، فقد كان الخلاف على ميزانية الدولة التعبير الظاهر للأزمة والتي أخفت داخلها أزمات أخرى. وظهرت الأزمة الجادة بين المركبين، الليكود وأزرق أبيض، في مسألة إقرار الميزانية العامة للدولة، والتي كانت من بين الأسباب الهامة التي سوّغ كل طرف انضمامه إلى ائتلاف مع الطرف الآخر في وقت سابق. فقد طالب الليكود بإقرار ميزانية لعام واحد، بينما طالب حزب أزرق أبيض بإقرار ميزانية لمدة عامين. وكان هذا الخلاف نابعاً من عدم ثقة أزرق أبيض ببنيامين نتنياهو حيث اعتبر أن الهدف من اقرار ميزانية لعام واحد هو نيّة نتنياهو التنصل من اتفاقه مع بيني غانتس على التناوب على منصب رئيس الحكومة. وكانت هذه الأزمة توشك أن تؤدي إلى حلّ الكنيست وإجراء انتخابات جديدة مُبكرة. فبحسب قانون أساس الكنيست، إذا لم يتم إقرار الميزانية السنوية فإن ذلك يعني إعلان الكنيست عن حلّ نفسه وإجراء انتخابات خلال 90 يوما. وقد تم تخطي هذا الأزمة بتسوية داخل الحكومة على تأجيل البت في الميزانية لمدة ثلاثة أشهر (حتى 23 كانون الأول الحالي)، كما اقترح ذلك عضو الكنيست تسفي هاوزر من حزب "ديرخ إيرتس" في كتلة أزرق أبيضيهونتان ليس، نتنياهو: سأقبل اقتراح تسوية هاوزر من أجل منع الانتخابات، هآرتس، 24/8/2020، ص: 1+3.، وتم ذلك من خلال تشريع قانوني خاص صوت عليه الكنيست، لأن الحكومة لا تملك صلاحية نظامية تؤجل البت في الميزانية وإقرارهايهونتان ليس وحاييم لفينسون، الكنيست أقر بالقراءة الاولى قانون تأجيل اقرار الميزانية، هآرتس، 18/8/2020، ص: 4.. وتتمثل استراتيجية الليكود في هذا الصدد على نحو: تأجيل الأزمة، واستغلال هذه الفترة لتعزيز التحالف مع الأحزاب الدينية اليهودية تحسباً للانتخابات القادمةحاييم لفينسون، الليكود يفضل تأجيل الميزانية، لمصالحة الحريديم والذهاب إلى انتخابات، هآرتس، 16/8/2020، ص:1+4..
المشهد السياسي
تأتي الأزمة الحالية، كما ذكرنا، في ظل تحركات في المشهد السياسي، حيث يتصرف كل اللاعبين على أساس أن هذه المرحلة هي مرحلة انتخابات أو التحضير للانتخابات. وواضح أن حزب أزرق أبيض غير معني بتفكيك الحكومة، ولا بعدم إجراء التناوب في رئاستها، ولكنه في نفس الوقت لا يريد أن يظهر بمظهر الحزب الضعيف، بل كحزب سلطة عنده مواقفه التي يعارض فيها الليكود ونتنياهو. ويعتقد غانتس أن الحالة الأفضل له هو الحفاظ على الحكومة وفي نفس الوقت الحفاظ على مركزية حزبه فيها، ويراهن غانتس على أن هذه الحالة تمكنه من الوصول إلى مرحلة التناوب والذهاب لانتخابات وهو رئيس حكومة إسرائيل. في المقابل يتفق الجميع على أن نتنياهو يسعى إلى تفكيك الحكومة، وفي نفس الوقت عدم الظهور بأنه السبب في ذلك، حتى لا يعزز الانطباع بأنه يتلاعب بمصير الحكومة من أجل مصالحه الشخصية، لا سيّما وأنه يواجه محاكمة في الأفق، واحتجاجات شعبية آخذة بالتصاعد، وحضوراً مرة أخرى لملف الغواصات في المجال الإسرائيلي العام.
بناء على ذلك، وفي خطابه الذي ألقاه يوم الثلاثاء ترك غانتس الباب مفتوحا أمام الليكود للوصول إلى تسوية لتجاوز الأزمة، معلنا أن حزب أزرق أبيض سوف يصوت على حلّ الكنيست ولكنه لم يغلق الباب نهائيا أمام نتنياهو لمنع الانتخاباتيهونتان ليس وآخرون، غانتس أعلن أن حزب أزرق أبيض سيصوت مع حلّ الكنيست، لكنه أبقى المجال لنتنياهو لمنع الانتخابات، هآرتس، 2/12/2020، ص:1+3.. وقد أيد موقف غانتس حزب العمل أيضاً الشريك بأغلبيته في الحكومة. وفي التصويت على الاقتراح لحلّ الكنيست في القراءة التمهيدية يوم الأربعاء 2/12/2020 أيد مشروع القانون 61 وعارضه 54. وصوتت القائمة المشتركة مع القرار ما عدا أعضاء الكنيست الأربعة من القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس الذين تغيبوا عن التصويتجاكي خوري ويهونتان ليس، أعضاء القائمة العربية الموحدة تغيبوا عن التصويت: "نحن تيار مستقل"، هآرتس، 3/12/2020، ص: 3.. واعتبر غانتس هذا التصويت بمثابة إشارة يرسلها إلى نتنياهو للوصول إلى تسوية حول الميزانية، حيث يرفض الليكود إقرار ميزانية 2021، وهو ما يريده غانتس.
وفي استطلاع للرأي العام نشر بعد تصويت الكنيست، أكد 45% من المستطلعين أن نتنياهو سيكون المتهم بإجراء انتخابات جديدة، بينما حمل 20% غانتس المسؤولية عن ذلك، وحمل 25% الاثنين المسؤولية بالقدر نفسههآرتس، استطلاع: حزب برئاسة غادي أيزنكوت سيأخذ 4 مقاعد من اليمين، هآرتس، 3/21/2020، ص:3.. وفي ذات الاستطلاع تبيّن أن حزبا برئاسة رئيس هيئة الأركان السابق غادي أيزنكوت ورئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي سوف يحصل على 15 مقعدا، ويقلل من تمثيل اليمين بأربعة مقاعدالمصدر السابق.. وأشار الاستطلاع (في حالة عدم وجود قائمة برئاسة أيزنكوت) إلى أن الليكود سيحصل على 29 مقعدا، و"يمينا" - 22 مقعدا، و"يوجد مستقبل"- 19 مقعدا، والقائمة المشتركة- 11 مقعدا، وأزرق أبيض- 10 مقاعد، و"إسرائيل بيتنا"- 8 مقاعد، ويهدوت هتوراة وشاس - 7 مقاعد لكل منهما فيما يحصل ميرتس على 7 مقاعدالمصدر السابق.. وهذا يعني أنه في حال ائتلاف كتل الليكود و"يمينا" وحزبي اليهود الحريديم سيحصل (من دون حزب ليبرمان) على 65 مقعدا، وهو إنجاز كبير لليمين.
تعتبر الفترة القادمة هامة في تحديد مستقبل الحكومة الحالية، وقد يعمل غانتس على استمرارها مع الحفاظ على مكانة حزبه، بينما سيعمل نتنياهو على تفكيكها بشروطه مع الحفاظ على فرصه في تشكيل حكومة جديدة.
خيارات الأزمة الحكومية الحالية
الخيار الأول- الوصول إلى تسوية بين حزبي أزرق أبيض والليكود:
ينطلق هذا الخيار من استعداد الليكود للتنازل عن مطلبه بشأن إقرار ميزانية الدولة 2021. ويفترض هذا الخيار أن الليكود غير معني بحل الكنيست، والاستمرار بعمل الحكومة الحالية؛ حيث واضح كما ذُكر آنفا أن غانتس يفضل التوصل إلى تسوية بدل الذهاب إلى انتخابات. ويبقى هذا الخيار متعلقا بقرار الليكود.
إن ما يدفع إلى هذا الخيار هو الاعتبارات التالية:
أولا، تراجع حزب الليكود في استطلاعات الرأي العام، بحيث تعطيه الاستطلاعات التي أجريت مؤخرا ما بين 27-29 مقعدا، وهو تراجع كبير للحزب عن نتائج الانتخابات في الدورات الثلاث الماضية. بناء على ذلك قد يفضل الليكود الاستمرار في الحكومة وتحقيق إنجازات تتمثل في تجاوز أزمة جائحة كورونا، وتحسين الوضع الاقتصادي حتى يُحسن من شعبيته الانتخابية.
ثانيا، الأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية الصعبة: يشكل هذا الاعتبار ركيزة هامة قد تلعب دورا في تفضيل الليكود الاستمرار في عمل الحكومة الحالية، فالذهاب إلى انتخابات في ظل الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية دون تجاوزها قد يهدد من فرص حصوله على عدد مقاعد يساوي أو يكون قريباً من عدد المقاعد الحالية، فضلاً عن أن الذهاب إلى انتخابات سوف يعزز من تأزم الوضع الاقتصادي، وكما ذكرنا فإن آخر تصويت على ميزانية للحكومة كان في العام 2018. قد يرغب الليكود في منع الخطاب القائل بأن الليكود يفضل الذهاب إلى انتخابات وصرف مليارات الدولارات عليها، وتعريض حياة الناس للخطر بسبب العدوى على أن يذهب لتسوية لإقرار الميزانية وهي أصلا تصب في صالح تحسين الوضع الاقتصادي وتسهيل الصرف، حيث أن الانتخابات سوف تطيل مدة غياب ميزانية في إسرائيل، وتشل عمل الوزارات بالذات في هذه الفترة، لذلك فإن هذا الاعتبار قد يلعب لصالح تسوية والتراجع عن حلّ الكنيست. بموازاة ذلك يفضل الليكود عدم الذهاب إلى انتخابات قبل وصول اللقاحات ضد فيروس كورونا والتي يظهر أنها لن تبدأ بالتدفق على إسرائيل قبل الربيع المقبل.
ثالثا، عدم ضمان تشكيل حكومة بعد انتخابات رابعة: فنتائج الانتخابات كما تظهرها استطلاعات الرأي لا تضمن لنتنياهو حكومة مستقرة، بل قد تعيد نفس الحالة والتأزم السياسيين اللذين كانا في الدورات السابقة، وبسبب حالة التوتر داخل اليمين نفسه، فقد يكون الخيار تشكيل حكومة كورونا تجمع أحزاب معارضة لنتنياهو مثل "يوجد مستقبل"، "يمينا"، "إسرائيل بيتنا" وحتى حزب أزرق أبيض، وهكذا فإن بقاء الخيار فقط بيد نتنياهو لتشكيل حكومة قد يتلاشى في أعقاب نتائج الانتخابات، مما يدفع الليكود للحفاظ على الحكومة الحالية حتى يتم ترتيب المشهد السياسي لصالح حكومة قد يستطيع الليكود تشكيلها في المستقبل.
رابعا، نتائج الانتخابات الأميركية: فخسارة دونالد ترامب وفوز جو بايدن سوف يسحبان الكثير من نقاط القوة في خطاب نتنياهو والليكود السياسي والأيديولوجي، فبعد وعوده بالضم، وإنجازاته على الساحتين الإقليمية والفلسطينية والتي تمت بمساعدة لا بل بريادة أميركية، سوف تصبح غير ذات معنى في الفترة القادمة، فكيف يمكن له، أي نتنياهو، الحديث عن الضم وهو من لم ينفذه في فترة ترامب، وهذا الأمر سيقلل من قدرته على المناورة في صفوف اليمين، الذي كان يرى في ولاية ترامب فرصة تاريخية غير مسبوقة لتحقيق تطلعاته السياسية والأيديولوجية في فلسطين. لذلك فإن وعود نتنياهو السياسية والأيديولوجية، حول الضم تحديدا، والتي كان لها معنى في فترة ترامب، لن تكون ذات جاذبية في المرحلة القادمة، خاصة وأن الانتخابات الإسرائيلية ستكون بعد تولي بايدن منصبه بشكل رسمي كرئيس للولايات المتحدة في العشرين من كانون الثاني 2021، أي قبل موعد انتخابات إسرائيلية قادمة.
الخيار الثاني- فشل التسوية وحلّ الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة:
ينطلق هذا الخيار من مقولة أن الليكود افتعل أزمة الميزانية من أجل تفكيك الحكومة الحالية والذهاب إلى انتخابات، وذلك من أجل تحقيق هدفين مركزيين: التأثير على محاكمة نتنياهو وطلب تأجيل المحاكمة بسبب الانتخابات، ومنع اتفاق التناوب على منصب رئيس الحكومة. ويعتمد هذا الخيار على فكرة أن نتنياهو لا يشارك غانتس ولا غابي أشكنازي في أعماله على المستوى الدولي (مثل توقيع اتفاقيات التطبيع، اللقاء مع ولي العهد السعودي وغيرهما) ولا يذكرهما عند الحديث عن إنجازات الحكومة. وذلك، حسب هذا الخيار، بسبب أن نتنياهو عقد النية عن سبق إصرار على تفكيك الحكومة الحالية والذهاب إلى انتخابات في العام القادم. ويعتقد أصحاب هذا الخيار أن تأجيل الأزمة على ميزانية الدولة قبل أشهر والقبول بتسوية التي اقترحها هاوزر كانا مجرد تكتيك ليكودي من أجل الادعاء أنه كان مستعدا للتسوية وحل الأزمة، والدليل قبوله باقتراح هاوزر.
وتدفع بهذا الخيار الاعتبارات التالية:
أولا، أن الليكود رغم تراجعه في استطلاعات الرأي إلا إنه قادر على العودة إلى تمثيله الانتخابي السابق، أو الاقتراب منه في أي دورة انتخابات، وذلك بناء على تجربته الانتخابية التي استطاع فيها نتنياهو استمالة قواعد اليمين من جديد خلال الحملة الانتخابية من خلال قدراته الخطابية والشعبوية. فضلا عن حقيقة أن قواعد اليمين هي قواعد ملتزمة بالتصويت لليمين، وستبقى في النهاية في كتلة اليمين ولن تنزاح بصورة كبيرة للمعارضة الإسرائيلية.
ثانيا، تشير استطلاعات الرأي العام إلى أن نتائج الانتخابات القادمة سوف تضمن أغلبية (65-67) لكتلة اليمين، وهذا الأمر يمكن نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية مستقرة حتى لو حصل على 29 مقعدا، بحسب استطلاع أَجْرتْه صحيفة "معاريڤ" في نهاية شهر تشرين الثاني (2020).موشيه كوهن، استطلاع "معاريف": زاد الليكود الفجوة بينه وبين [حزب] يمينا، يوجد مستقبل يعزّز من قوّته. معاريف 27/11/2020. وفي استطلاع آخر أُجْرِيَ في تشرين الأوّل (2020)، فإن الليكود يحصل على مقاعد تصل إلى 27-29 مقعدا.أمنون هراري، الاستطلاع الذي منح أغلبيّة لمعارضي نتنياهو على ما يبدو أنّه غير واقعيّ، ولكنّه قد يردعه عن التوجّه إلى انتخابات. هآرتس 19/10/2020. في هذه الاستطلاعات، تحصل كتلة اليمين على عدد مقاعد يتجاوز 61 مقعداً إن يكن حزبا الليكود وَ"يمينا" في ائتلاف حكوميّ مستقبليّ.
ثالثا، ينطلق هذا الخيار من أن حزب "يمينا"، بزعامة نفتالي بينيت، ورغم عدائه لنتنياهو، غير أنه في النهاية سوف يرضخ لضغط اليمين بتشكيل حكومة يمينية مع الليكود في مقابل حصوله، أي حزب "يمينا"، على مناصب وزارية مرموقة مثل وزارة الدفاع لبينيت، ووزارة العدل لأييلت شاكيد، وغيرهما من الحقائب المهمة. علاوة على ذلك فإن الليكود قد يضغط على "يمينا" وجمهوره لعقد هذا الائتلاف اليميني، رغم الرواسب السلبية بين الليكود و"يمينا"، على اعتبار أن إسرائيل تحتاج إلى حكومة يمينية مستقرة وقوية للوقوف أمام إدارة بايدن الجديدة، والضغوط التي قد تمارسها على إسرائيل في ملفات عديدة، وأهمها الملف الفلسطيني.