تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 1826
  • انطوان شلحت

ملخص

بتوجيه من وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت (رئيس "البيت اليهودي")، نشر البروفسور آسا كاشير المدونة الأخلاقية للمحاضرين في الجامعات الإسرائيلية.

وكاشير هو ذات الشخص الذي صاغ المدونة الأخلاقية للجيش الإسرائيلي، والتي برّر الجيش من خلالها ضربه للمدنيين الفلسطينيين. وبحسب المدونة الأخلاقية للجيش التي صاغها كاشير فإن إصابة المدنيين الفلسطينيين مبررة للدفاع عن حياة الجنود الإسرائيليين، مما أعطى الجيش مسوغا "أخلاقيا" لقصف وقتل المدنيين الفلسطينيين في المعارك وفي عمليات القمع الذي يقوم بها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وقد توجه بينيت لكاشير من أجل أن يصوغ له مدونة أخلاقية للمحاضرين في الجامعات الإسرائيلية، وتم نشرها في الفترة الأخيرة.

تنطلق هذه الورقة من الادعاء بأن المدونة الأخلاقية التي طالب بها بينيت تأتي في سياق الجهود الكبيرة والحثيثة لليمين الإسرائيلي لا سيما الديني الصهيوني منه للسيطرة والتأثير على مساحات صياغة المجال العمومي الإسرائيلي ومنها المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية. وقد بدأ بينيت منذ توليه منصب وزير التربية والتعليم في تغيير مناهج التعليم الإسرائيلية بحيث يتم فيها التأكيد على الهوية اليهودية في بعدها الديني أو التراثي، علاوة على إقامة برامج ومشاريع تربوية تهدف إلى التشديد على هذه الهوية حتى في المدارس الذي تصنف بأنها حكومية غير دينية. وتندرج المدونة الأخلاقية التي سكها كاشير في هذا السياق، وهي تندرج أيضا ضمن زيادة شرطية المعرفية غير الحكومية وغير الحكومية (عبر منظمات مثل "إم ترتسو"، ومؤسسة "أكاديميك مونيتور" وغيرهما من المؤسسات اليمينية) التي تحاول فرض شرطية معرفية على المؤسسات الجامعية والضغط عليها من أجل تقليص مساحة الحرية الأكاديمية من جهة، ومن جهة أخرى التضييق على النشاط السياسي لمحاضرين يهود وفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية ينتقدون سياسات إسرائيل في الضفة الغربية وينتظمون ضمن حركات مناهضة للاحتلال.

وفي نفس السياق يأتي الإعلان عن إقامة كلية للطب لجامعة يهودا والسامرة في مستوطنة أريئيل كمدماك آخر في ضرب المؤسسة الأكاديمية، وإعطاء دفعة أخرى للمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية لا سيما وأن الجامعات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر عارضت إقامة كلية للطب في الجامعة كما عارضت في السابق الاعتراف بكلية أريئيل كجامعة، مع التأكيد على أن مسوغات المعارضة الرسمية للجامعات كانت مادية ومهنية ولم تكن نابعة من كون الجامعة مقامة في أراض محتلة .  روني ليندر- غانتس، عمداء كليات الطب ضد إقامة كلية في أريئيل: "نوع من آكلي لحوم البشر"، ذي-ماركر، 20\6\2017، أنظر الرابط: http://www.themarker.com/1.4181046.

السيطرة على الأكاديمية الإسرائيلية وشرطية المعرفة

في كتاب "المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية" يشير الباحث مهند مصطفى إلى نوعين من شرطية المعرفة في المؤسسة الأكاديمية، الأولى بنيوية وهي جزء من منظومة الجامعات الإسرائيلية، والثانية شرطية معرفة خارجية تطورت في السنوات الأخيرة عبر مؤسسات يمينية تسعى للضغط على الجامعات من أجل أن تتماهى مع الخطاب اليميني الآخذ بالهيمنة على المجال العمومي الإسرائيلي. مهند مصطفى، المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية (رام الله: مركز مدار، 2014)، أنظر الفصل التاسع.

من أكثر المنظمات التي تعمل كشرطية معرفة في إسرائيل مؤسسة "المراقبة الأكاديمية" (Academic Monitor)، التي تأسست عام 2004، وتقوم برصد ومراقبة ونشر تصريحات ونشاطات المحاضرين في الجامعات، التي تخالف الإجماع الصهيوني، كما تتصوره.  أنظر إلى موقع المؤسسة:http://www.israel-academia-monitor.com/index.php?new_lang=en&userid=3112 وفي قراءة لبعض المواد الموجودة في الموقع تجد أن هذه المؤسسة تعتبر أي نقد للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين أو المواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، هو نشاط لا صهيوني في الجامعات، وذلك على الرغم من أن الكثير من المحاضرين الصهيونيين يعتبرون أن نقد السياسات الإسرائيلية نابع من مرجعيتهم الصهيونية للحفاظ على إسرائيل ليبرالية.
بالإضافة إلى مؤسسة "المراقبة الأكاديمية"، هناك مركز الاستراتيجية الصهيونية، الذي يعمل على إصدار تقارير حول التوجهات اللاصهيونية والناقدة في الجامعات الإسرائيلية .

غير أن أكثر الحركات فاعلية في منظومة شرطية المعرفة الخارجية هي حركة "إم ترتسو"، التي ركزت عملها على ملاحقة توجهات أسمتها "ما بعد صهيونية" (Post-Zionism)، أو توجهات لا- صهيونية (Anti-Zionism) في الجامعات الإسرائيلية، وفي إطار هذا النشاط أصدرت تقريرا حول التوجهات ما بعد صهيونية في كليات العلوم السياسية في الجامعات. . أنظر إلى بعض التحقيقات الصحافية حول هاتين المؤسستين: أوري بلاو، "استراتيجية صهيونية بتمويل أجنبي"، (ملحق هآرتس، 24\2\2012)، ص: 18-19. وهو يكشف عن مصادر دعم مركز الاستراتيجية الصهيونية، من أجسام أميركية محافظة، دعمت في نفس الوقت بنيامين نتنياهو وسياسيين بارزين في حزب الليكود. وأيضا: أنظر: أوري بلاو، "القوائم السوداء"، (ملحق هآرتس، 12\4\2012)، ص: 18-20. ويكشف الصحافي عن بروتوكولات جلسات مؤسسة المراقبة الأكاديمية وأنماط عملها وعن مصادر دعمها من جهات أميركية محافظة.

وأثرت هذه المؤسسات على الكثير من التوجهات الحكومية الحالية، وخاصة في الجامعات والمؤسسات الفنية، وما المدونة الأخلاقية إلا استمرار لمثابرة هذه المؤسسات على تقييد كل نشاط سياسي وأكاديمي ناقد للسياسات الحكومية وخاصة فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية.

المدونة الأخلاقية

نشر آسا كاشير مسودة المدونة الأخلاقية بناء على طلب وزير التعليم بينيت. وقد أكد بينيت أن المدونة الأخلاقية تهدف إلى مواجهة التوجهات المعادية لإسرائيل داخل الجامعات، لا سيما المحاضرين الذين يؤيدون مقاطعة المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية. كما أنها تمنع المحاضرين من تكميم أفواه طلاب يعارضون مواقفهم وتمنع المحاضرين من التعبير عن مواقف سياسية خلال المحاضرات. كوبي نحشوني، بينيت ردا على عاصفة المدونة الأخلاقية: "نعمل لمنع تكميم الافواه في المؤسسة الأكاديمية"، موقع ynet، 11\6\2017، أنظر الرابط: http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4974170,00.html. وبرر بينيت نشر المدونة الأخلاقية بوجود نظير لها في الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي رفضه محاضرون كثر راجعوا المدونة الأخلاقية الأمريكية واعتبروها فضفاضة أكثر من المدونة الأخلاقية لكاشير، كما أنها تؤكد على حق المحاضرين في طرح قضايا ذات خلاف في الشأن العام الأميركي. . يردين سكوب، بينيت برّر المدونة الأخلاقية بمساعدة مدونة أخلاقية في الولايات المتحدة تختلف كليا عن المدونة الأخلاقية لكاشير، هآرتس، 12\6\2017، أنظر الرابط: http://www.haaretz.co.il/news/education/.premium-1.4161884 . وقد عارض رئيس الدولة الإسرائيلية رؤوفين ريفلين مسودة المدونة الأخلاقية معتبرا أنها تمسّ بحرية التعبير والحرية الأكاديمية.  يونتان ليس، ريفلين ضد المدونة الأخلاقية للأكاديميا: حرية إبداء رأي مختلف بحاجة إلى حماية، هآرتس، 11\6\2017، أنظر الرابط: http://www.haaretz.co.il/news/education/1.4161670. كما عارضتها لجنة رؤساء الجامعات في إسرائيل واعتبرتها مسا بالحرية الأكاديمية.  يردين سكوب، رؤساء الجامعات: المدونة الأخلاقية التي بادر لها بينيت تخل بشكل خطير بالحرية الأكاديمية، هآرتس، 11\6\2017، أنظر الرابط: http://www.haaretz.co.il/news/education/1.4160518.

وبحسب تعليمات وزارة التربية والتعليم فإنه يتعين على جميع المؤسسات الأكاديمية أن تقيم وحدة خاصة فيها بهدف تطبيق "المدونة الأخلاقية" ومراقبة النشاط السياسي للمحاضرين، ويقدم الطلاب شكاوى لها ضد معلميهم. ويشار إلى أن العديد من الطلاب من اليمين الإسرائيلي يتجسسون على المحاضرين ويقدمون شكاوى ضدهم، وأحيانا تصل هذه الشكاوى إلى الشرطة أيضا.  موقع عرب 48، المدونة الأخلاقية تمنع المحاضرين من الحديث في السياسة، موقع عرب 48، 9\6\2017، أنظر الرابط: http://www.arab48.com .

في كل الأحوال قدم كاشير مسودة المدونة الأخلاقية في بداية شهر أيار للوزير بينيت، وقد تضمنت المسودة بنود المدونة الأخلاقية وأهمها ما يلي:

عرفت المسودة النشاط الأكاديمي بناء على ثلاثة معايير:
1- كل نشاط بحثي، نشر أو تدريس في إطار مؤسسة تعليم عال حسب دستورها وقراراتها.
2- كل نشاط لعضو طاقم أكاديمي خارج المؤسسة الأكاديمية وفيه يعرض العضو انتماءه للمؤسسة.
3- كل نشاط لمؤسسة أكاديمية أو كلية وفيه يتم عرض انتماءه للمؤسسة الكبرى.

بينما عرفت المسودة النشاط السياسي على النحو التالي:
1- كل نشاط فيه تأييد لحزب معين، ممثل في الكنيست أو خارجه، أو فيه معارضة لهذا الحزب بشكل مباشر.
2- كل نشاط فيه تأييد لممثل حزب في الكنيست أو معارضة له.
3- كل نشاط فيه تأييد لموقف في مسألة تتميز بالانقسام حولها في المجال العمومي، أو معارضة موقف معين من هذه المسألة.

بناء على التمييز بين النشاط الأكاديمي وبين النشاط السياسي، تشير المسودة إلى أن على المؤسسة الأكاديمية حماية الطلاب من كل نشاط سياسي للمحاضر يحيد عن الإطار التي تم تحديده في تعريف النشاط الأكاديمي. وعلى المحاضر أن يعرض موقف كل الأطراف في حال ناقش المساق قضايا ذات خلاف سياسي في الشأن العام. وتشير المسودة إلى أن أي نشاط طلابي سياسي داخل الجامعة يجب أن يتم بناء على قواعد وقوانين المؤسسة الأكاديمية، وعلى قرارات المؤسسة في شأن النشاطات السياسية الطلابية، بحيث لا تعيق النشاط الأكاديمي في الجامعة. كما على الجامعة أن تمنع أي نشاط فني أو أدبيّ يمس بطلاب آخرين، وعليها تقييد هذه النشاطات، وعلى صدقية مضامين هذه النشاطات أن تخضع لقرارات المؤسسة الأكاديمية وليس لمواقف الطلاب. وتؤكد المسودة أن على الجامعة أن تمنع اقسامها من اتخاذ موقف سياسي أو المبادرة لنشاط سياسي أو دعم نشاط سياسي يدعم موقفا سياسيا في مسائل خلافية في المجال العام.

هاجم الكثير من المحاضرين المدونة الأخلاقية لكاشير، فمنهم من اعتبرها خطرا على المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية.  . يغيل ليفي، المدونة الأخلاقية لآسا كاشير خطر على الأكاديميا، هآرتس، 11\6\2017، ص:2. وهناك من اعتبر أنها موجهّة ضد المواقف المناهضة للاحتلال فقط.  أور كشتي، المدونة الأخلاقية للأكاديميا: بينيت يسعى إلى إخراس النقاش واخفاء الواقع، هآرتس، 10\6\2017، أنظر الرابط: http://www.haaretz.co.il/news/education/.premium-1.4160104. واعتبرها أريك كرمون الرئيس السابق للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية بأنها تشبه حالة المؤسسة الأكاديمية الألمانية عشية صعود النازية للحكم.  أريك كرمون، نداء لرفض المدونة الأخلاقية غير الشرعية، هآرتس، 11\6\2017، أنظر الرابط، http://www.haaretz.co.il/opinions/.premium-1.4161282. وقد وصفت البروفسور دافنه غولان الموقف السياسي الذي تهدف المدونة الأخلاقية إلى إقصائه بأنه الموقف الناقد للسلطة، وأكدت أن موقف الداعم للسلطة لا يعتبر موقفا سياسيا غير شرعي.  دافنه غولان، هناك سياسة في الحرم الجامعي- داعمة للسلطة، هآرتس، 16\6\2017، ص: 28. ويشير البروفسور يوسي دهان إلى استهداف المدونة الأخلاقية للعيادات القانونية في الجامعات، حيث يقول:
"ليس من المفاجئ أن المدونة تخصص فصلاً للعيادات العاملة في الجامعات: الهدف السياسي هو بالأساس العيادات القانونية ولو أنها لا تذكر في الوثيقة مباشرةً. هذه العيادات تثير غضب وزير التربية والسلطة منذ سنوات. فنشاطها القانوني والاجتماعي من أجل حماية حقوق الإنسان وهؤلاء الذين يتواجدون في أسفل السلم الاجتماعي والاقتصادي- الفقراء، العاطلون عن العمل، المواطنون العرب، الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، الأسرى والمعتقلون، معدومو السكن، طالبو اللجوء والعمال المستضعفون الآخرون- هذا النشاط الذي يدل على أمراض الديمقراطية الإسرائيلية يعتبر بمثابة نشاط سياسي غير شرعي، وأيضاً هنا تحاول المدونة، بواسطة تعريفات مبهمة لـ"النشاط السياسي"، أن تفرض سطوتها على العيادات القانونية وأن تقلص نشاطها".  يوسي دهان، المدونة الأخلاقية في خدمة اليمين، ترجمة موقع اللسعة، 11\6\2017، أنظر الرابط: http://www.haokets.org/ar/2017/06/11.

يتضح من تحليل المدونة الأخلاقية التي أصدرها كاشير بدعم من وزير التربية والتعليم، الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس التعليم العالي، أن الهدف منها هو منع سلوكيات ومواقف سياسية كانت قد حدثت قبل ذلك في الجامعات ولا تتماهى مع الموقف الحكومي المساند للاحتلال وتعميق السيطرة الاستيطانية الاستعمارية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. فمثلا تعطي المدونة الأخلاقية شرعية لقرار جامعة بن غوريون القاضي بإلغاء نشاط نظمه قسم التاريخ لمنظمة "لنكسر الصمت"، ويبرر منع الجامعات الطلاب الفلسطينيين من تنظيم نشاطات سياسية وطنية في الجامعات مثل في ذكرى النكبة. وتمنع كليات ومؤسسات أكاديمية من تنظيم معارض فنية ناقدة للحكومة كما حدث في العديد من الكليات وتقيّد المحاضرين في كل ما يتعلق بالقيام والمشاركة وتنظيم فعاليات سياسية داخل الحرم الجامعي ولو كانت تحمل إطارا أكاديميا.

دلالة تعزيز جامعة أريئيل

تأسست كلية أريئيل في البداية في مستوطنة "كدوميم" عام 1983، وكانت تسمى في ذلك الوقت "كلية يهودا والسامرة" وأقيمت ككلية مسائية للمستوطنين. وفي نهاية الثمانينيات بدأت تعمل ككلية قطرية تجذب إليها طلابا من داخل الخط الأخضر، وشملت أيضا مرحلة للتأهيل الأكاديمي، والتي تحضر الطلاب للتعليم الأكاديمي. في العام 1990، انتقلت الكلية إلى مستوطنة أريئيل، وعملت تحت رعاية جامعة بار إيلان، وبعد عامين بدأت الكلية تفتتح كليات وأقساما مستقلة بعيدا عن وصاية الجامعة. في العام 2005 اتخذت الحكومة الإسرائيلية، برئاسة أريئيل شارون، قرار رقم 3678، بإقامة جامعتين، الأولى في الجليل، والثانية في الضفة الغربية، وقد دفعت بهذا القرار وزيرة التعليم الليكودية آنذاك ليمور ليفنات. بدأ طريق كلية أريئيل نحو الجامعة في العام 2010، عندما أقر وزير الدفاع حينذاك إيهود باراك، تحويل الكلية إلى "مركز جامعي"، وهو مسمى جديد في الأكاديميا الإسرائيلية. ولاحقا تم الاعترف بها كجامعة في إسرائيل لها مجلس تعليم خاص بها.

تمثل كلية أريئيل التي تحولت إلى جامعة، مؤسسة أكاديمية تؤكد أن التزامها الصريح للصهيونية هو جوهر وجودها، لا يعني ذلك أن الجامعات الأخرى لا تعتبر نفسها جامعات صهيونية، ولكنها لا تصرح أن هدفها هو نشر الإيدولوجيا الصهيونية، كما أن أريئيل تمثل تصورا محددا للصهيونية. ففي مقالة كتبها دان مئيرشتاين، رئيس كلية أريئيل، أكد أن الصهيونية يجب أن تكون جزءا من الأكاديمية الإسرائيلية. ومما قاله "هل تستطيع الأكاديميا الإسرائيلية التنازل عن الصهيونية التي تشكل أساس وجودنا؟ علينا القلق من أننا سمحنا لمجموعات داخل الأكاديميا الإسرائيلية بأن تعتقد أن النشيد القومي، ورفع العلم، والصهيونية عموما هي ظواهر لا حاجة لها، أو يمكن النقاش حولها، علينا أن نجد الطريقة لإخراج هذه القضايا من النقاش الأكاديمي، دون أن نمس بالحرية الأكاديمية".  دان مئيرشطاين، "بداية السنة وحكمتها"، (صحيفة يسرائيل هيوم، 27\9\2011) ص: 29.

وجاءت الخطوة الأخيرة في الإعلان عن بداية بناء كلية للطب في الجامعة بتمويل من الملياردير اليهودي الأميركي شلدون إدلسون الداعم لحكومة بنيامين نتنياهو وتوجهات اليمين المحافظ والاستيطاني في إسرائيل. وقد تبرع إدلسون بمبلغ 25 مليون دولار من أجل تشييد الكلية على اسمه في أريئيل. وبرغم معارضة كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية لهذه الخطوة فإن الوزير بينيت كرئيس لمجلس التعليم العالي ظل مثابرا في دعم إقامة هذه الكلية التي تؤكد الجامعات أنها ستضر بتدريس الطب في الجامعات وتقلل من مهنية الأطباء في إسرائيل. وصرّح بينيت بأن إقامة كلية طب في جامعة أريئيل ستشكل أرضية للتنمية في إسرائيل وبأن جامعة أريئيل تلعب دورا كبيرا في التنمية الاقتصادية ومكانة إسرائيل لذلك "يجب علينا تعزيز مكانة هذه الجامعة".  . نوعم دفير، كلية طب ستقام في أريئيل، يسرائيل هيوم، 14\6\2017، أنظر الرابط: http://www.israelhayom.co.il/article/483653. وتنسجم هذه الخطوة مع توجهات اليمين في تعزيز سيطرته على الضفة الغربية في إطار مشروع الضم الزاحف للضفة الغربية. وفي هذا السياق حذرت بلدية سلفيت من أن توسيع الجامعة يأتي على حساب الأراضي الفلسطينية، حيث أصدرت البلدية بيانا أشارت فيه "إلى نية الاحتلال مضاعفة مساحة الجامعة الاستيطانية من 47 ألف متر مربع، لتصبح 105 آلاف متر مربع على حساب الأراضي الفلسطينية، فضلا عما تشي به الخطة من محاولات لسرقة التراث والتاريخ الفلسطيني العريق، واصطناع تاريخ وهمي للوجود الاستيطاني".  أنظر تفاصيل البيان على الرابط التالي: https://khbrpress.net/post/115211.

خاتمة

تأتي التحولات الأخيرة في المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية كجزء من مشروعين:

الأول، تمدد سيطرة خطاب اليمين وهيمنته على المؤسسات العامة في إسرائيل ومنع أي توجهات ناقدة لخطاب اليمين في إسرائيل. وتبرز المدونة الأخلاقية كجزء من عملية كبيرة يقوم بها اليمين من أجل فرض خطابه على المجال العمومي في إسرائيل وزيادة التقييد على التوجهات الناقدة، وهذا ما يقوم به وزير التربية والتعليم في جهاز التعليم ومؤسسات التعليم العالي وما تقوم به وزيرة الثقافة ميري ريغف في المؤسسات الثقافية.

الثاني، تأتي إقامة كلية طب في جامعة أريئيل في نطاق تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية كجزء من مشروع الضم الزاحف الذي يسعى له اليمين وخاصة في مناطق ج الفلسطينية.