تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2290

صعدت إسرائيل في الآونة الأخيرة بشكل غير مباشر وعبر الجالية اليهودية في بريطانيا من حملة الهجوم على حزب العمال البريطاني على أعتاب الانتخابات العامة التي ستجري في هذا البلد يوم 12 كانون الأول الحالي. ومع أن الذين يؤججون هذه الحملة يعيدون سببها الرئيس إلى تغلغل ما يوصف بأنه مظاهر معاداة السامية بين صفوف حزب العمال إلا إنه من الواضح أن الحملة بدأت مع فوز جيرمي كوربين بزعامة الحزب في العام 2015، وذلك على خلفية مواقفه المؤيدة للفلسطينيين والمنتقدة لإسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967.

وتمثلت آخر مظاهر هذه الحملة الصهيونية ضد حزب العمال في مقال نشره كبير الحاخامين اليهود في بريطانيا إفرايم ميرفيس في صحيفة "تايمز" الأسبوع الفائت، وادعى فيه أن قيادة حزب العمال لم تفعل ما فيه الكفاية لكبح معاداة السامية. وأشار إلى أن الغالبية العظمى من اليهود البريطانيين يساورها القلق من احتمال فوز حزب العمال في الانتخابات.

وأضاف ميرفيس أن كوربين وحلفاءه فشلوا في وقف التعصب المعادي لليهود وطاردوا أولئك الذين حاولوا التصدي له.

وبالرغم من أن كوربين نفسه سبق له أن وصف معاداة السامية مرات عديدة بأنها سم وشر في المجتمع البريطاني وأكد أنه يعمل على اقتلاعها من الحزب، فإن ميرفيس قال إن الطريقة التي تعاملت بها قيادة حزب العمال مع العنصرية المعادية للسامية تتعارض "مع القيم البريطانية التي نفتخر بها". وكتب يقول: "ليس من صلاحياتي أن أقول لأي شخص كيف عليه أن يصوّت. أنا أطرح ببساطة السؤال: ما الذي ستقوله نتائج هذه الانتخابات عن البوصلة الأخلاقية لبلدنا؟".

بموازاة خطوة ميرفيس هذه أعربت كنيسة إنكلترا عن دعمها للجالية اليهودية في بريطانيا. وحذر رئيس أساقفة كانتربيري، جاستين ويلبي، في بيان صدر عنه الأسبوع الماضي، من تداعيات الشعور العميق بعدم الأمان والخوف لدى العديد من اليهود البريطانيين. وجاء هذا البيان بعد أقل من أسبوع من اعتراف كنيسة إنكلترا بأن "قروناً من معاداة السامية هي التي ساعدت في الوصول إلى الهولوكوست".

ومن النادر أن ينتقد زعيم ديني قائد حزب سياسي في بريطاني بشكل علني، ولكن خطوة ميرفيس هذه تأتي على ركام حملة ممنهجة يقوم بها قادة الجالية اليهودية في بريطانيا ضد حزب العمال منذ انتخاب كوربين لزعامة الحزب.

ووفقاً لتقرير ظهر في صحيفة "يسرائيل هيوم" يوم 3 تشرين الثاني الفائت تحت العنوان "يهود بريطانيا مصابون بالرعب من كوربين"، فإن الجالية اليهودية في هذا البلد كثفت حملة التخويف الرامية إلى إضعاف احتمالات زعيم حزب العمال بالفوز في الانتخابات العامة.

وجاء في التقرير أنه مع انطلاق حملة الانتخابات للبرلمان البريطاني تجندت أغلبية اليهود البريطانيين ضد مرشح حزب العمال لرئاسة الحكومة البريطانية جيرمي كوربين على خلفية فشله في مواجهة مشكلة معاداة السامية في حزبه. وخرجت الصحف الثلاث الناطقة بلسان هذه الجالية "جويش كرونيكال" و"جويش تلغراف" و"جويش نيوز" بعناوين حاسمة تحذّر من تداعيات الانتصار المحتمل لكوربين في الانتخابات القريبة أو من احتمال نشوء أغلبية تتيح له فرصة تأليف حكومة برئاسته.

وذكرت "يسرائيل هيوم" أن صحيفتي "كرونيكال" و"تلغراف" نشرتا تقريرين موسعين عن إعلان الحاخام جونثان روميين، الزعيم السابق للحركة اليهودية الإصلاحية في بريطانيا، الذي أقدم على خطوة غير مسبوقة ووجه رسالة إلى آلاف أعضاء حركته حذّر فيها من أن "تأليف حكومة برئاسة كوربين سيشكل خطراً على الحياة اليهودية في بريطانيا كما شهدناها حتى الآن". ودعاهم إلى التصويت لأي حزب يمكنه أن يهزم حزب العمل في مناطقهم الانتخابية "حتى لو لم يفكروا في السابق بالتصويت لهذا الحزب". وشدّد روميين على أن المشكلة كامنة في كوربين وليس في حزب العمال، وأشار إلى هذا الحزب سمح تحت زعامة كوربين بأن ترفع معاداة السامية رأسها في صفوفه في أحسن الأحوال وشجع معاداة السامية في أسوئها.

ونوهت الصحيفة الإسرائيلية بأن روميين كان أول حاخام يهودي يتدخل في الشأن السياسي العام.

كما أنشأت صحيفة "تلغراف" مقالاً افتتاحياً اعتبرت فيه أن كوربين يشكل تهديداً وجودياً للجالية اليهودية. وأضافت أن صورة كوربين وهو واقف يلوّح بيديه خارج "داونينغ ستريت 10" (مقر رئيس الحكومة البريطانية) بعد تحقيقه الانتصار في الانتخابات ستكون بمثابة كابوس ليهود بريطانيا.

وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن 6 بالمئة فقط من يهود بريطانيا يعتزمون التصويت لحزب العمال، في حين قال نحو نصفهم إنهم سوف يفكرون جدياً في الهجرة إذا ما وصل كوربين إلى "داونينغ ستريت 10".

مواقف كوربين

كما سبق أن ذكرنا فإن كوربين، الذي كان حتى انتخابه في العام 2015 عضواً في المقاعد الخلفية للبرلمان البريطاني، يدعم القضية الفلسطينية، ولا يكف عن مهاجمة سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة. وفي العام 2009 وصف حركة "حماس" وحزب الله بأنهما أصدقاء، ووجه إلى أعضاء المنظمتين دعوة لحضور جلسة برلمانية، وفي مناسبة أخرى شارك في مراسم تكريم منفذي العملية الفدائية في أولمبياد ميونيخ العام 1972.

وكان تعهد بالاعتراف السريع بدولة فلسطينية إذا ما أصبح رئيساً للحكومة البريطانية.

ومثلاً نشر كوربين في آذار الفائت تغريدة في حسابه الخاص على موقع "تويتر" اقتبس فيها إعلان الأمم المتحدة الذي جاء فيه أن القتل الذي تقوم به إسرائيل في قطاع غزة يشمل الأطفال والمسعفين والصحافيين. ووصف ما تقترفه إسرائيل بأنها جرائم حرب. ودعا الحكومة البريطانية إلى إدانة قتل إسرائيل للفلسطينيين وتجميد بيع الأسلحة إليها.

وتعهد حزب العمال البريطاني بتعليق بعض صفقات بيع الأسلحة لإسرائيل على الأقل في حال فوزه في الانتخابات العامة. وتم إدراج هذا التعهد في قسم يناقش حقوق الإنسان في البرنامج الانتخابي للحزب، الذي صدر مؤخراً. وجاء في البرنامج أن حزب العمال سيوقف على الفور بيع الأسلحة إلى السعودية التي يتم استخدامها في اليمن، وإلى إسرائيل التي تستخدمها لانتهاك حقوق الإنسان للمدنيين الفلسطينيين.

وتعهد الحزب أيضاً بالاعتراف الفوري بدولة فلسطينية إذا قام بتأليف حكومة بعد الانتخابات، وقال إنه يدعم حل الدولتين الذي يتحدث عن دولة إسرائيلية آمنة إلى جانب دولة فلسطينية آمنة وقابلة للحياة.

ودعا حزب العمال الى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل في مؤتمره السنوي، واعتُبر البرنامج الانتخابي للحزب وثيقة يسارية متشددة، تعد بأجندة راديكالية للتغيير الاجتماعي، بما في ذلك تأميم صناعات رئيسية وإجراء استفتاء عام ثان مثير للجدل على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

كما أن كوربين يواجه منذ توليه رئاسة حزب العمال عام 2015 اتهامات بـ"معاداة السامية" من طرف العديد من الساسة وجزء كبير من وسائل الإعلام البريطانية. وشهد حزب العمال سلسلة استقالات أو عمليات فصل من الحزب على خلفية هذه الاتهامات.
وتقوم إسرائيل بربط مصطلح معاداة السامية بمعاداة الصهيونية.

وفي إطار استغلال تلك الحملة على كوربين اتهم وزير شؤون البيئة والقدس والتراث زئيف إلكين زعيم حزب العمال بكراهية اليهود.

وقال إلكين، وهو عضو في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية- الأمنية ومقرّب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل لا تقرر للبريطانيين من سينتخبون لكن عليها إعلان موقفها. وأضاف: "أعتقد أن كوربين أثبت بنفسه، أكثر من مرة أو مرتين، أنه شخصية تكره بشدة دولة إسرائيل والشعب اليهودي".

وقالت نائبة وزير الخارجية تسيبي حوتوفيلي إنه ما من شك في أن حزب العمال، في ظل وجود كوربين، يمثل مشكلة كبيرة جدا لعلاقات إسرائيل الخارجية.

ورفض كوربين هذه الاتهامات وقال إنه لا يوجد لليهود ما يخشونه إذا ما فاز حزبه في الانتخابات المقبلة، وسط تقارير تحدثت عن أن العديد من أبناء الجالية اليهودية سيفكرون في ترك البلاد في حال صعوده للسلطة.

لندن تسعى لتطبيق حل الدولتين

في واقع الأمر، وبالرغم من هذه الحملة على كوربين، فإن عدة تحليلات إسرائيلية تؤكد أنه حتى في حال هزيمة حزب العمال البريطاني في انتخابات 12 كانون الأول وفوز حزب المحافظين بزعامة رئيس الحكومة الحالية بوريس جونسون، من غير المتوقع أن يحدث تغيير كبير في سياسة بريطانيا الخارجية إزاء إسرائيل ولا سيما فيما يتعلق بموضوعي الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحل الدولتين، بحسب ما أشار تحليل للمعلق السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إيتمار أيخنر مؤخراً.

وأشار هذا المعلق إلى أن جونسون أكد قبل فترة وجيزة أن لندن تسعى لتطبيق حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وورد تأكيده هذا خلال الاجتماع الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في لندن يوم 5 أيلول الفائت وذلك في إطار تشديده على أن بريطانيا لا تزال تدعم جميع المبادرات الرامية إلى التوصل إلى السلام في الشرق الأوسط وحل الدولتين. وجاء بعد أن أشار نتنياهو إلى أن الهدف من الاجتماع هو مناقشة إمكان التعاون بين بريطانيا وإسرائيل لمواجهة تحدي عدوانية إيران الآخذة في التنامي. ويتجنب نتنياهو منذ فترة الحديث عن حل الدولتين، وتعهد بدلاً من ذلك بفرض القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في خطوة سوف تجعل حل الدولتين مستحيلاً.

وقبل هذا الاجتماع اتهمت الحكومة البريطانية إسرائيل بارتكاب انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، في أول تقرير سنوي لها حول وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم صدر في حزيران الماضي.

وبحسب التقرير شهد العام 2018 انتهاكات مستمرة من طرف الحكومة الإسرائيلية لحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي في سياق احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة، بما في ذلك زيادة في عنف المستوطنين.

وأشار التقرير إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة جراء الاضطراب المرتبط باحتجاجات "مسيرات العودة الكبرى" التي بدأت في آذار 2018.

واتهم التقرير المتظاهرين الفلسطينيين على طول حدود غزة باستخدام العنف، إلا أنه أشار أيضاً إلى استمرار إسرائيل في فرض قيود صارمة على الحركة والتنقل في القطاع، وانتقد كذلك البناء الاستيطاني الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية، مشيراً إلى أنه في العام 2018 تم الدفع قدماً ببناء 7663 وحدة سكنية، وإلى أن عدد أعمال العنف والتخريب ضد الفلسطينيين من طرف مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية شهد ارتفاعاً في العام الماضي، ووصل إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات.

وقال التقرير إن لندن ضغطت على إسرائيل للتخفيف من ظروف الأسرى الفلسطينيين، وبالأخص القاصرين منهم.

وأشاد التقرير بإسرائيل لكونها ديمقراطية منفتحة وقوية مع مجتمع مدني نابض بالحيوية، لكنه أشار إلى وجود قوى غير ليبرالية تقوم بممارسة الضغوط على من ينتقدون سلوك الدولة في الأراضي الفلسطينية. ويشمل ذلك الخطاب من جانب السياسيين، والضغط على حكومات أجنبية للتوقف عن تمويل منظمات غير حكومية معينة وغيره.

كما انتقد "قانون الدولة القومية اليهودية"، الذي سنّه الكنيست في تموز 2018 لتكريس الطابع اليهودي للدولة، مشيراً إلى أنه قد يقوّض المساواة بين أفراد الأقليات، ولا سيما أبناء المجتمعين المسيحي والإسلامي.

وتعهد التقرير بأن تقوم لندن بدعم استئناف مفاوضات سلام تؤدي إلى حل الدولتين، بما في ذلك من خلال عملها في مشاريع مع منظمات غير حكومية.

ولكن التقرير وجه في الوقت ذاته إصبع الاتهام إلى السلطة الفلسطينية و"حماس"، وأشار إلى حالات انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ارتكبها الجانبان.