تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1557
  • برهوم جرايسي

أقرت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، بأغلبية أصوات الأحزاب الصهيونية والدينية من الائتلاف والمعارضة، تمديد حالة الطوارئ في إسرائيل بأربعة أشهر، إلى 12 تشرين الأول المقبل.
ويمدد الكنيست عادة حالة الطوارئ سنويا لعام كامل، إلا أنه بسبب حل الكنيست تم التمديد لأربعة أشهر "فقط". ويلقى هذا القرار اعتراضات من أوساط حقوقية نظرا لما يشمله من أنظمة استبداد وتعد على الحريات، يتم استخدامها بشكل ملحوظ، ولكنها تشمل أيضا أنظمة تتعلق حتى بحق الإضراب في العمل وغيرها من الأمور "المدنية".

وكانت إسرائيل قد أعلنت حالة الطوارئ بعد أربعة أيام من إعلان قيامها، يوم 14 أيار 1948، واستندت بذلك على قانون الطوارئ الذي فرضه "الانتداب" البريطاني على فلسطين في العام 1945. ومنذ ذلك الحين يتم تمديد هذا القانون حتى يومنا، على الرغم من مطالبات جهات حقوقية وقضائية لمختلف الحكومات الإسرائيلية المتتالية بالعمل على التخلص من حالة الطوارئ، من خلال سن قوانين ذات شأن تحتاجها المؤسسة الحاكمة. وأيضا فصل قوانين إسرائيلية قائمة عن اشتراط تطبيقها بوجود حالة الطوارئ.

وحسب الأنظمة، فإن طلب تمديد حالة الطوارئ تقدمه الحكومة للكنيست، ويمر بداية في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، التي تصادق فورا على القرار، وتنقله للهيئة العامة. وعلى مدى السنين، فإن كل الأحزاب من المعارضة والائتلاف تصادق فورا على القرار، الذي يلقى معارضة فقط من الأحزاب الناشطة بين فلسطينيي الداخل.

وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن الموقتة النائب آفي ديختر (ليكود)، لدى طرحه القرار على الهيئة العامة في جلستها الاستثنائية التي عقدت الأربعاء (12/6)، إنه "في العقود الأولى من قيام الدولة سنت قوانين مختلفة كان مفعولها مشترطا بوجود حالة الطوارئ، وعلى أساس هذه القوانين سنت أيضا أنظمة ولوائح وأوامر كثيرة. وقد نصت هذه القوانين، الأنظمة والأوامر المختلفة على ترتيبات حيوية من الناحية الأمنية والاقتصادية على حد سواء. وإذا لم يقم الكنيست بإعادة إعلان حالة طوارئ فإن هذه التسويات الحيوية ستصبح في خبر كان. الحل لذلك هو بواسطة وضع تسويات أخرى من خلال عملية التشريع والتي تتسبب في استقلالية هذه القوانين، الأوامر والأنظمة، بمعنى أن العمل بها لن يكون منوطا بإعلان حالة الطوارئ".

وقد أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية جوانب لا يقبلها المنطق في حالة الطوارئ، فقد كانت تنص على التدخل حتى في الإنتاج الغذائي، مثل الرقابة على إنتاج المثلجات (الآيس كريم)، وعلى أنواع الكريمات الغذائية، وما شابه. ولكن أيضا يعطي الحكومة الحق في حظر إضرابات عمالية، في حالات معينة.

الاعتداء على الحريات

الشأن الذي لم يُشغل وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولا السياسيين بطبيعة الحال، هو جانب قمع الحريات والاعتداء على الملكيات الخاصة، وهو الممارس دون توقف، استنادا لقوانين الطوارئ. فعلى الرغم من أن الحكم العسكري على فلسطينيي الداخل انتهى في العام 1966، إلا أن أنظمة في حالة الطوارئ المقرّة، هي عمليا مواصلة للحكم العسكري، إذ على أساس هذه الأنظمة صدرت قرارات لحظر أحزاب، مثل حركة الأرض في العام 1965. والحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) في 17 تشرين الثاني من العام 2015، إلى جانب حظر جمعيات بأوامر صادرة عن وزير الأمن (الدفاع)، منها 21 جمعية في تشرين الثاني 2015، بزعم أنها على علاقة بالحركة الإسلامية المحظورة، علما أن هذه الحركة لم تكن مسجلة لدى مسجل الأحزاب الإسرائيلي.

كما شهدنا على مر السنين، اعتداءات على حرية الصحافة، وقد تعرّضت صحيفة "الاتحاد" الفلسطينية الصادرة في حيفا منذ العام 1944، إلى أوامر إغلاق مؤقت خلال فترة الحكم العسكري، ولكن أيضا في ظل انتفاضة الحجارة الفلسطينية في النصف الثاني من سنوات الثمانين من القرن الماضي، إذ تم حظر توزيعها عدة مرات. كما تم حظر صحيفة "الجماهير" التي كانت تصدر في سنوات الثمانين بوتيرة غير منتظمة.

وفي العام 1980، أصدر رئيس الحكومة في حينه، الذي كان يتولى حقيبة "الأمن" (الدفاع) مناحيم بيغين، أمرا بحظر عقد مؤتمر الجماهير العربية، الذي كان سيُصدر وثيقة سياسية تعبر عن رؤى فلسطينيي الداخل. واستند قرار الحظر في حينه على حالة الطوارئ هذه.

كذلك فإن كل أوامر منع السفر إلى الخارج، أو حظر الدخول إلى الضفة الفلسطينية المحتلة، تكون صادرة عن وزير الدفاع واستنادا لحالة الطوارئ، وهذه أوامر تصدر تباعا ضد ناشطين سياسيين، بينهم قياديون في حركاتهم، من حين إلى آخر، حتى يومنا هذا.

وتتضمن حالة الطوارئ "حق الحكومة" في وضع يدها على ممتلكات، واحتجازها أو حتى مصادرتها. ومثل هذه الحالة شهدتها إسرائيل، مثلا، في حربي العامين 1967 و1973، إذ تمت مصادرة آلاف السيارات التجارية، المخصصة للنقليات، من المواطنين لخدمة الجيش، وأعيدت لهم بعد انتهاء الحرب. وكانت هذه الحالة بشكل محدود أيضا، في الحرب على لبنان في العام 1982.

كما تتضمن "حالة الطوارئ" "حق الحكومة" في وضع يدها على أراض وجعلها مناطق عسكرية مغلقة، رغم أن هناك عشرات القوانين التي "تفسح المجال" أمام الحكومة لمصادرة أراض، وبطبيعة الحال عربية.

اعتراض الجهات الحقوقية

في العام 1999، تقدمت جمعية حقوق المواطن بالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية، لإلغاء حالة الطوارئ. وفي حينه طلبت المحكمة من الحكومة العمل على سن قوانين تساعد على التحرر من حالة الطوارئ. وكان التماس آخر في العام 2008، ويومها تم الإعلان عن تشكيل لجنة خاصة في الكنيست، لمراجعة الكثير من بنود حالة الطوارئ، أو تحرير قوانين من أن يكون تطبيقها مشروطا بحالة الطوارئ. وهذه اللجنة أقيمت في العام 2009، ولكنها لم تفعل الكثير.

وقال النائب ديختر خلال كلمته الأربعاء الماضي، إنه "في السنوات الماضية راوح الموضوع مكانه ولكن خلال العقد الأخير قامت لجنة مشتركة للجنة الخارجية والأمن ولجنة الدستور والقانون والقضاء بتشديد الرقابة على عمل الحكومة، ما دفع الموضوع قدما. في عام 2009 استندت إلى إعلان حالة الطوارئ 9 قوانين و165 أمرا واليوم فقط 5 قوانين و21 أمرا؛ أي، خلال العقد الأخير ألغيت أو نظِّمت من الناحية القانونية 4 قوانين و144 أمرا".

وخلال النقاش في الكنيست، قال رئيس تحالف "أزرق أبيض"، رئيس أركان الجيش الأسبق بيني غانتس، إن "دولة إسرائيل لم تنجح خلال 70 عاما في وضع حد لقضية التصويت على إقرار إعلان حالة الطوارئ، وهذه الحالة تحدد كيف ندير الأمور. سنصوت اليوم مع إعادة إعلان حالة الطوارئ، ولكن سبب ذلك هو أننا لا نريد الحيلولة دون سير الأمور في الدولة بشكل سليم، وإبطال مفعول قوانين ما زالت مرهونة بهذا الأمر بصورة غير معقولة. ما زالت حالة الطوارئ مستمرة على نطاق واسع وشامل ويجب إعادة النظر فيها".

وقال النائب د. عوفر كسيف، من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وهو المختص بالفلسفة السياسية، إن "حالة الطوارئ تتعارض أساسا مع مبادئ النظام الديمقراطي والقيم المنبثقة عنه، لا سيما وأن هذه الحالة مستمرة مدة عشرات السنين بصورة متواصلة كما هو الحال في إسرائيل".

وتابع كسيف قائلا، إن "حالة الطوارئ تمنح الحكومة صلاحيات تقوّض قدرة الكنيست على كبح جماح الحكومة، والتصدي لها والرقابة عليها، وهذه الحالة تُلحق الضرر الجسيم بمبدأ فصل السلطات وسيادة القانون. لا يتمثل المساس بمبادئ الديمقراطية فقط في القوة الزائدة للحكومة تجاه الكنيست، ولكن أيضا في خطر انتهاك حقوق وحريات الإنسان والمواطن المترتب على إعلان حالة الطوارئ. تتيح هذه الحالة للحكومة إمكانية التصرف بشكل تعسفي، مصادرة الأراضي، تقييد حق إعلان الإضراب، تقييد حرية الحركة، والاعتقال بدون المحاكمة وهو ما يسمى بـ (الاعتقالات الإدارية) وحتى تجاهل قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته".
هذا وأقر الكنيست تمديد حالة الطوارئ بتأييد 49 نائبا من الأحزاب الصهيونية والدينية. وعارض القانون 6 نواب من الكتلتين الناشطتين بين فلسطينيي الداخل.