تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2274
  • انطوان شلحت

حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين الدول المتطورة OECD، في تقريرها الدوري الجديد الصادر أخيراً، من أن المعطيات الاقتصادية الإسرائيلية، التي وصفها التقرير بأنها "جيدة"، لا ينال ثمارها بشكل متساو كافة المواطنين، وشدّد بالذات على المواطنين العرب، الذين يواجهون سياسة تمييز عنصري، وعلى جمهور الحريديم اليهود، المتدينين المتزمتين، الذين يعيشون حياة تقشفية إرادية، ويمتنعون عن الانخراط في سوق العمل بالنسب القائمة محليا وعالميا.

 

وكانت إسرائيل انضمت رسميا إلى منظمة OECD في ربيع 2010، بعد أن التزمت في حينه بسد فجوات، وبشكل خاص لدى الجماهير الفلسطينية في الداخل، ولدى جمهور الحريديم، إلا إن واقع السنوات الثماني السابقة يؤكد أن إسرائيل لم تفعل شيئا يذكر على صعيد المواطنين العرب، الذين ما زالوا في أدنى سلم الفقر، ويعانون الحرمان من فرص العمل الكافية والملائمة، وأيضا في جوانب عديدة في التعليم والتعليم العالي.

ويمتدح التقرير أداء الاقتصادي الإسرائيلي، من حيث وتيرة النمو منذ العام 2000، إذ إن إجمالي النسبة هي ضعفا النسبة الإجمالية لمعدل النمو في دول OECD. وكانت إسرائيل شهدت وتيرة نمو في ثلاثة مستويات خلال السنوات الـ 18 السابقة، أعلاها كانت في العام 2000، التي تجاوزت فيها نسبة النمو 7,5%، وتبعتها ثلاثة أعوام من الركود والانكماش، ثم عادت إلى وتيرة نمو ما بين 4,8% وحتى 5,3%، بين 2004 و2008، ثم عام ركود بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية، تلتها منذ العام 2010 وحتى العام 2017، نسب نمو تراوحت ما بين 2,9% وحتى 4,8%. وهذا في حين سجلت البطالة مع نهاية العام 2017، أدنى مستوى تاريخي لها، وبلغت 4%. وبحسب تقرير OECD، فإن 2,3% من إجمالي نسبة 4% كانت بطالة قسرية، في حين أن البطالة المزمنة تتقلص بشكل دائم.

يُشار إلى أن تقرير OECD يستند إلى التقارير الرسمية الإسرائيلية، في حين أن خبراء اقتصاد ومؤسسات بحثية يشككون كثيرا في نسب البطالة الرسمية المعلنة، إذ إنها تأخذ بعين الاعتبار من عملوا ذات مرّة، وفقدوا مكان عملهم، أو أنهم توقفوا عن العمل لسبب ما. لكنها لا تحسب من لا ينخرطون إطلاقا في سوق العمل إراديا، خاصة في أوساط جمهور الحريديم، الذين ينخرط 51% من رجالهم في سوق العمل، مقابل نسبة 82% بين الرجال اليهود، أو لا ينخرطون قسريا كما هي الحال لدى غالبية جمهور النساء العربيات، اللاتي تبلغ نسبة انخراطهن في سوق العمل قرابة 35%، مقابل أكثر من 72% في جيل العمل لدى النساء اليهوديات. كما أن التقارير الرسمية الصادرة عن سلطة التشغيل تؤكد أن نسبة البطالة بين العرب تفوق أربعة أضعاف النسبة بين اليهود، وبحسب التقديرات فإنها تزيد عن 11%.

وبموجب تقرير صدر عن بنك إسرائيل المركزي قبل سنوات، فإن سوق العمل الإسرائيلية ستكون في حال نقص كبير في أماكن العمل، فيما لو ارتفعت نسبة انخراط النساء العربيات ورجال الحريديم في سوق العمل.

كما يمتدح التقرير هبوط حجم الدين العام إلى محيط 60%، في حين أن إجمالي هذا الدين بالمعدل في دول OECD يفوق نسبة 110%. وكان المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية أعلن في مطلع الشهر الماضي، شباط، أن حجم إجمالي الدين العام للحكومة هبط لأول مرة عن حاجز 60%، من إجمالي الناتج العام، وحسب التوقعات الأولية فمن شأنه أن يكون مع نهاية العام الماضي، 2017، بنسبة 59,4%، مقابل أعلى بقليل من 61% في العام 2016. كما أن الدين العام، الذي يجمع ما بين الدين الحكومي ودين الحُكم المحلي، من شأنه هو أيضا أن ينخفض، ويصل إلى حدود 61%، بعد أن كان في 2016 أكثر بقليل من 62%.

وكان حجم الدين العام مصدر قلق للاقتصاد الإسرائيلي، في سنوات ما قبل الأزمة الاقتصادية العالمية. ففي العام 2006 كان حجم الدين أكثر من 80%، وقد وضعت حكومة إيهود اولمرت في حينه هدفا لخفض الدين تدريجيا إلى نسبة 60%، حتى العام 2015، وخلال الأزمة الاقتصادية العالمية تم تأجيل الهدف إلى العام 2020. إلا أن الدين بدأ يسجل تراجعات من حيث نسبته من الناتج العام، على ضوء نسب النمو العالية، على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية. ففي العام 2007 وحده، وهو العام الذي اندلعت فيه الأزمة الاقتصادية، تراجعت نسبة الدين العام بـ 11%.

التقرير يحذر

مع ذلك يحذّر التقرير، كما ذكر، من أن قطاعات واسعة من المواطنين لا يتمتعون من النمو الاقتصادي، كما أن ثمار "الأوضاع الاقتصادية الجيدة" ليست موزعة بشكل متساو بين جميع شرائح المجتمع "على الرغم من أن حجم الفجوات قد تقلص بمدى معين منذ العام 2007"، حسبما ورد في التقرير الذي استعرضته الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية.

ويقول التقرير إن تقليص الفجوات بشكل محدود كان بسبب ارتفاع نسب انخراط العرب في سوق العمل بشكل ملحوظ، إلا أن هذا لم ينقذهم من دائرة الفقر.

ووفقا لتقارير الفقر في السنوات القليلة الماضية، فإن نسب الفقر تتراجع بشكل محدود بشكل عام، إلا إنها شبه ثابتة لدى العرب. وتصل نسبة الفقر بين الجمهور العربي على مستوى الأفراد إلى أكثر من 52%، مقابل 14% بين اليهود، وأقل من 10% بين اليهود من دون الحريديم. واللافت هنا أن الفقر شبه ثابت عند العرب، على الرغم من التراجع الملحوظ في الولادات، بينما نسب الفقر تتراجع بوتيرة أعلى بين الحريديم، على الرغم من أن معدل الولادات لديهم ما زال مرتفعا، وهو أكثر من ضعفي معدل الولادات لدى العرب: 6,8 ولادة للأم بين الحريديم، مقابل 3,1 ولادة بين الأم العربية، و2,3 ولادة لدى الأم اليهودية من دون الحريديم.

ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من ارتفاع نسبة الانخراط في سوق العمل بشكل عام، إلا إن نسبة الفقر لدى العائلات التي فيها عامل أو أكثر ارتفعت.

وتوصي منظمة OECD الحكومة الإسرائيلية بالقيام بعدة إجراءات من أجل انقاذ الشرائح الفقيرة، وتلك التي لا تحظى بثمار النمو، على أن تكون الإجراءات أساساً في البنى التحتية وفي جهاز التعليم، وسوق الإنتاج بشكل عام.

ويقول التقرير إن إسرائيل تعاني من عجز كبير في البنى التحتية، وبشكل خاص في مجال المواصلات العامة، وهذا يجبي من المواطنين تلوثا بيئيا خطيرا جدا، وحرق ساعات عمل كثيرة، وأكثر من هذا فإن ضُعف شبكات الطرق هو عمليا تمييز ضد البلدات البعيدة عن مركز البلد، أي عن منطقة تل أبيب الكبرى، المركز الاقتصادي الأضخم.

ويخص تقرير OECD بالذكر البلدات العربية، التي تعاني من البنى التحتية الأشد بؤسا، خاصة في شبكة الطرق المؤدية لتلك البلدات، وفي داخل البلدات ذاتها، وهذا أحد عوامل ارتفاع قتلى حوادث الطرق، إذ إن نسبة العرب من ضحايا الطرق تقريبا الثلث، برغم أن نسبتهم من بين السكان تقل عن 18%.

كما يوصي التقرير بإجراء تعديلات اقتصادية في مجالات اقتصادية أخرى، مع تركيز خاص على فتح مجال المنافسة بشكل أكبر في سوق الأغذية. وهي معركة دائرة في الاقتصاد الإسرائيلي منذ سنوات، على الرغم من أن السنوات القليلة الماضية شهدت فتح أبواب أوسع لاستيراد المواد الغذائية، وتوزيع تراخيص أكثر للمستوردين. وفي هذا المجال تواجه إسرائيل حالة احتكارية كبيرة، ويساعد في هذا أنظمة الطعام الحلال اليهوديّ المشددة ليس فقط على الإنتاج المحلي، بل أيضا على المواد والمنتوجات الغذائية المستوردة، وهو ما يساهم في رفع أسعار المواد الغذائية بما بين 20% وحتى 30%.

من دون عرب وحريديم

أعاد المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر" تعقيبا على تقرير OECD، إلى الأذهان تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الشهير قبل خمس سنوات الذي قال فيه إنه بإزالة العرب والحريديم (من التقرير) فإن وضعنا ممتاز. وقال المحلل: يبدو أن نتنياهو ليس وحيدا، بل إن خبراء الاقتصاد في OECD أيضاً يتبنون المصطلحات ذاتها.

وأضاف بيرتس أن هذا ما ظهر في الجداول التي نشرها تقرير OECD عن الاقتصاد الإسرائيلي، إذ أشار التقرير إلى أن حجم الصرف الإسرائيلي الرسمي على الخدمات الاجتماعية يضع إسرائيل في المرتبة ما قبل الأخيرة، وتؤكد OECD أن هذا يجعل من الصعب على إسرائيل أن تسد الفجوات الاجتماعية.

ويرى بيرتس أن استنتاجات خبراء OECD واضحة كليا: الفجوات بين شرائح المجتمع تلزم الحكومة باتباع سياسة اقتصادية اجتماعية شاملة. فمن دون إدخال العرب والحريديم إلى سوق العمل كليا، ومن دون معالجة النواقص في جهاز التعليم، ومن دون استثمارات كبيرة في البنى التحتية، فإن مكانة إسرائيل في جداول التدريج التي تنشرها OECD لن تتحسن في العقود المقبلة.

واستمراراً لما سبق، أيضاً في مجال التعليم يشبه تحصيل طلاب المدارس اليهود التحصيل في الدول الأوروبية المتطورة، بينما التحصيل في المدارس العربية أقرب إلى الدول النامية، وهذا ناجم أساسا عن سياسة التمييز والحرمان من الموارد. وهذا ما يتأكد من تحصيل الطلاب العرب في المدارس الأهلية والخاصة، التي يشارك الأهالي في دفع رسوم بمبالغ طائلة سنويا، إذ إن هذا التمويل يرفع من قدرات المدارس، ولذا فإن تحصيل الطلاب في هذه المدارس ينافس تحصيل الطلاب اليهود.

وفي مجال الانخراط في سوق العمل، فإن مناطق البلدات العربية محرومة من مناطق صناعية ومن مرافق عمل للقطاع العام، ولذا فإن 70% من القوة العاملة العربية بالمعدل تغادر بلداتها يوميا إلى أماكن عمل بعيدة، وهذا يحد من انخراط النساء العربيات في سوق العمل بالنسب القائمة عالميا.

 

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو