تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2404

تفجرت في الأيام الأخيرة مرة أخرى المعركة الإسرائيلية الداخلية على الحق في فتح المحال التجارية، وبضمنها الغذائية، في أيام السبت. ويقف في مركز القضية الآن القانون البلدي الذي أقرته بلدية تل أبيب، قبل سنوات، ويسمح لقسم من المحال التجارية، وفي ظروف معينة، بفتح أبوابها في أيام السبت. إلا أن القانون يحتاج إلى مصادقة وزير الداخلية، المتدين المتزمت آرييه درعي، الذي أعادت له الحكومة صلاحية التحكم بالعمل أيام السبت. وهذه واحدة من أكثر القضايا الساخنة، إلى جانب قضية المواصلات، في المعركة ضد الإكراه الديني.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام إعادة صلاحية العمل أيام السبت من وزارة العمل إلى وزير الداخلية، وهذا انتقال ليس صدفة حينما يكون الوزير آرييه درعي، الزعيم السياسي لحزب "شاس" للمتدينين المتزمتين "الحريديم" من اليهود الشرقيين، الذي طلب من المحكمة إمهاله مدة 60 يوما لدراسة الملف، ردا على التماس لإلزامه بالتوقيع على القانون البلدي لمدينة تل أبيب.

خلفية

تعد قضية السبت اليهودي والقوانين المتعلقة بها واحدة من القضايا الخلافية الحارقة بين جمهوري العلمانيين والمتدينين في إسرائيل، ومنذ عشرات السنين لم يتوقف الجدل في إسرائيل حول المسموح والممنوع دينيا في أيام السبت.

وتأججت المعركة في الفترة الأخيرة بين بلدية تل أبيب والحكومة قبل قرابة ثلاثة أعوام وحتى الآن، إذ أن البلدية طلبت من وزارة الداخلية المصادقة على قانون بلدي محلي يسمح بفتح حوانيت تبيع أغذية في أيام السبت. والقصد هنا محال في الأحياء اليهودية، وأصحابها من اليهود، إذ أن المحال التجارية في مدينة يافا، التي باتت جزءا من تل أبيب وأصحابها عرب، تعمل أيام السبت كالمعتاد. وقد رفض وزير الداخلية في حينه غدعون ساعر الطلب. كما أن البلدية ذاتها كانت قد أثارت قبل أربع سنوات قضية حركة المواصلات العامة، وتجددت المعركة في ربيع العام قبل الماضي 2015، حينما رفض وزير المواصلات يسرائيل كاتس (الليكود) تحرير المواصلات من قيود السبت.

وقضية المحال الغذائية هي العقبة الأكبر في تحرير الحركة العامة من قيود السبت اليهودي، وبحسب شرائع الحلال اليهودية فإن المحل التجاري الذي يبيع يوم السبت تُسقط فيه تلقائيا شهادة الحلال عن جميع المنتوجات التي في المحل، حتى وإن كانت مواصفاتها مطابقة للشريعة اليهودية.

ومعروف أن هناك جمهورا واسعا يطالب بفتح المحال التجارية والسماح بإمكانية التسوق في أيام السبت، كون الكثير من العائلات ترغب في الاستفادة من هذا اليوم لتوفير الاحتياجات الأسبوعية للمنزل. ووفق استطلاع أجراه معهد جيوغراتوغرافيا، ونشرت معطياته في الأسبوع الماضي، فإن 40% من اليهود الإسرائيليين يقومون بجولة مشتريات في أيام السبت، بهذه الوتيرة أو تلك، ما يعني أن لديهم استعدادا واضحا للقيام بالمشتريات في يوم الراحة، تخفيفا عن أيام العمل.

وبحسب الاستطلاع فإن هذه النسبة ترتفع في منطقة تل أبيب الكبرى إلى 43%، وهي تضم مدن تل أبيب ورامات غان وغفعتايم وبات يام، ولهذا من المؤكد أن النسبة في تل أبيب وحدها تكون أعلى، كونها المعقل الأكبر لجمهور العلمانيين.

الجانب الاقتصادي

غير أن الجدل حول هذه القضية لم ينحصر فقط في مسألة الموقف من الإكراه الديني، بل ولج إلى جوانب اقتصادية كبرى. فقد أظهر تقرير سابق لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس"، أن رجال أعمال كبارا من المتدينين موّلوا من وراء الكواليس الحملة ضد بلدية تل أبيب وقرارها السماح بفتح حوانيت لبيع الأغذية في أيام السبت، إذ أنهم متضررون من القرار كون محالهم مغلقة أيام السبت، بينما شبكات أخرى، منها شبكات أغذية، تفتح أبوابها أيام السبت وتسجل أرباحا.

ويقول استطلاع معهد جيوغراتوغرافيا، السابق ذكره هنا، إنه في حال تمت المصادقة على فتح جزء من المحال التجارية، فإن الركائز الاقتصادية للكثير من المحال التجارية ستتغير، فالمحال التي تفتح أصلا، ولا يسري عليها قانون المنع ستتضرر من المنافسة، علما أن هناك عشرات المحال التجارية التي تفتح أيام السبت، وتدفع غرامات في حال داهمها المفتشون.

والسبب وراء هذا "التمرد" هو أن البيع في أيام السبت، حسب الاستطلاع، أعلى بنسبة 50% من مبيعات أيام الأسبوع الأخرى، وهناك محال تجارية يتبين من تقاريرها أن البيع يصل إلى 250% أكثر من أيام الأسبوع العادية، وهذا مرتبط بالكثير من المواسم التجارية وغيرها من العوامل.

وتقول المشرفة على الاستطلاع ذاته، د. رينا دغاني، إنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه سنويا يبيت في مدينة تل أبيب أكثر من 110 آلاف سائح، علما أن المدينة سياحية بالمفهوم السياحي العالمي. ويضاف إلى هذا أن المدينة تشكل مركزا لآلاف العاملين في سفارات الدول في تل أبيب والمدينة المجاورة رامات غان، وعدا هذا كله فإن المدينة تشهد زحفا متواصلا للعلمانيين من كافة مناطق البلاد، ولكن بشكل خاص من الجيل الشاب المتحرر من الكثير من القيود الدينية والاجتماعية.

المعركة على المواصلات

كما ذكر، فإنه إلى جانب قضية المحال التجارية هناك القضية الأكثر حرقة، ولكن بالذات للشرائح الفقيرة والضعيفة، وهي قضية المواصلات المحظورة في أيام السبت إلا في بعض الاستثناءات. فمدينة تل أبيب حاولت من خلال بلديتها التمرد، والسماح بتسيير مواصلات عامة جزئية إلى أماكن الترفيه والمستشفيات. ومثلها حاولت أن تفعل مدن أخرى، إلا أن هذه القضية تعلو وتخبو.

وكما يبدو فإن الارتفاع الحاد جدا في عدد السيارات الخاصة بات يقلل من شأن هذه القضية، التي فجرها قبل عامين بشكل خاص، وزير المواصلات الحالي يسرائيل كاتس، الجالس في منصبه بشكل مستمر منذ العام 2009، إذ أطلق بعد انتخابات 2015 تصريحا على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يرفض فيه سن قانون للسماح بعمل المواصلات العامة أيام السبت والأعياد العبرية. فقد طلب منه أحد الإسرائيليين العمل على تحرير حركة المواصلات العامة في أيام السبت، التي يتم حظرها في المدن والبلدات اليهودية، أسوة بالحركة التجارية، بموجب أنظمة أيام السبت والأعياد. وكان رد الوزير كاتس فظاً، إذ قال "إن من يريد حركة مواصلات أيام السبت، عليه أن يتوجه إلى يتسحاق هيرتسوغ"، رئيس حزب "العمل". وأضاف قائلا إن هذا مطلب اليساريين الذي لا مكان له.

وانهال رواد الصفحة على كاتس غاضبين مستنكرين، ومن بينهم مصوتون لحزب الليكود، قالوا إنهم صوتوا لحزب الليكود وهم ليسوا يساريين، ويطالبون بتحرير حركة المواصلات في أيام السبت، لأن المتضرر من هذا القانون هم الفقراء، الذين لا يملكون سيارات خاصة تنقلهم إلى أماكن أخرى، يقضون فيها العطلة الأسبوعية.

وحظر المواصلات العامة أيام السبت مفروض كقرارات للشركات شبه الرسمية التي تشغل خطوط المواصلات العامة، إذ لا يوجد قانون رسمي يحظر المواصلات العامة أيام السبت، ولكن يوجد اتفاق غير مكتوب بين الحكومة والتيارات الدينية وخاصة المتزمتة منها، منذ العام 1948، بعدم تسيير المواصلات العامة.

وعادة تبقى الشوارع والطرقات مفتوحة في جميع المدن والبلدات اليهودية، باستثناء شوارع قليلة جدا في المدن الكبرى، إما أنها تمر بحي كله من المتدينين المتزمتين، أو يقع في الحي الكنيس الأكبر في تلك البلدة. ويمكن مشاهدة حظر كلي لحركة السير من حافلات وسيارات خاصة في مستوطنات يسكنها المتزمتون فقط، مثل موديعين عيليت وبيتار عيليت وإلعاد وبعض أحياء القدس.

ويدافع العلمانيون عن موقفهم في مسألة المواصلات العامة بقولهم إنه لا توجد دولة في العالم لا تعمل فيها المواصلات العامة في حوالي 20% من أيام السنة، بمعنى أيام سبت وأعياد، وأن هذه الأنظمة هي ضربة موجهة للشرائح الفقيرة. وتتوقف حركة المواصلات العامة في المدن وبين المدن قبل ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات من غروب شمس يوم الجمعة، إلى ما بعد أكثر من ساعة ونصف الساعة من غروب شمس يوم السبت.

المعركة أوسع

المعركة على الإكراه الديني في إسرائيل لا تقتصر على قضية الحركة التجارية والمواصلات، بل تنسحب على نواح عديدة، فهناك قضية الحلال التي تسبق الحركة التجارية، وحسب سلسلة طويلة جدا من الأبحاث الأكاديمية فإن أنظمة الشرائع اليهودية على الطعام الحلال تتسبب في رفع أسعار المواد الغذائية من 20% إلى 30%، والنسب الأعلى هي لأسعار اللحوم على أشكالها. وقطاع شهادات الحلال هو احتكار تحاول الكثير من الجهات كسره، وتكليف تيارات دينية أقل تشددا بإصدار شهادات حلال.

كذلك من القضايا الحارقة قضايا الزواج، ففي إسرائيل محظور عقد زواج مدني، إلا أن القانون يعترف به في حال تم عقده في الخارج. وحسب التقديرات، فإن مئات الأزواج سنويا يختارون إبرام عقود زواجهم دينيا، ليس فقط أولئك الذين تشكك المؤسسة الدينية في يهوديتهم، وهم جمهور يُقدّر عدده بأكثر من 350 ألف نسمة، وإنما أيضا ثمة علمانيون يرفضون الإجراءات الدينية العديدة التي تسبق إبرام عقد الزواج.

وفي كل واحدة من الدورات البرلمانية خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، يطرح نواب للتصويت مشاريع قوانين تسمح بإبرام الزواج المدني، ومن بين الداعين حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الشريك في الحكومة، إلا أن كل الحكومات ترفض هذا القانون من باب الحفاظ على العلاقة مع المتدينين.

المتدينون ليسوا لوحدهم

لا يقتصر الموقف المتعنت والمتشدد من قوانين الإكراه الديني على الأحزاب الدينية والمتشددة دينيا، بل أيضا لوحظ في الدورة البرلمانية الحالية دور فاعل لأعضاء كنيست من حزب الليكود، ومنهم من بادر إلى مشاريع قوانين لحظر الحركة التجارية، والمواصلات أيام السبت، وقوانين تضمن احتكارية المؤسسة الدينية العليا لشهادات الحلال، مع مؤسسة المتدينين المتزمتين "الحريديم".

فقد صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الحكومة قبل بضعة أشهر، على مشروع قانون بصيغة أكثر تشددا تحظر فتح المحال التجارية كليا، والتجمعات التجارية الكبرى أيام السبت، بادر له النائب البارز في الليكود ميكي زوهر، وينص على منع جارف لفتح المحال التجارية والتجمعات الكبرى أيام السبت، وفي الأعياد اليهودية. إلا أنه بعد أن أقر القانون في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، قرر رؤساء أحزاب الائتلاف الحاكم تجميد القانون، إلى حين تبحث لجنة حكومية، مؤلفة من المدراء العامين للوزارات ذات الشأن، هذا الجانب. ومسألة اللجان هي الوصفة الجاهزة للتهرب من حسم القضايا الحارقة.

كذلك في قضية المواصلات، واستمرارا لما ذكر هنا، تبين من عدة تقارير أن الوزير كاتس رفض تطبيق أنظمة أقرت من قبل، وتضمن تسيير حافلات مواصلات عامة، من مراكز المدن إلى المستشفيات، في أيام السبت، بهدف زيارة العائلات لمرضاهم.

عطلة الأحد

وفي الأسابيع القليلة الأخيرة وافق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على صيغة مخففة جدا لقانون يجعل من يوم الأحد عطلة أسبوعية، مقابل زيادة ساعات العمل في أيام الاثنين وحتى الجمعة، إذ إن يوم الجمعة تنتهي ساعات الدوام فيه عند الثانية ظهرا، ولكن في المؤسسات العامة يوم الجمعة هو يوم عطلة إلى جانب يوم السبت.

وعلى مدى السنين طرحت على جدول أعمال الكنيست مشاريع قوانين تجعل من يوم الأحد عطلة أسبوعية، تسمح للمتدينين بيوم راحة حر، كما تسمح بحركة تجارية. وفي الدورة الحالية قدم عضو الكنيست إيلي كوهين من حزب "كولانو" مشروع قانون يجعل يوم أحد واحدا كل أسبوعين عطلة رسمية. ثم تم تعديل القانون ليوم أحد واحد كل شهر، وفي صيغة أخيرة تم التوافق على أن يسري القانون لستة أشهر فقط، ثم قيل إنه تمت موافقة نتنياهو على أربعة أشهر الصيف.

وقبل أسبوعين بات النائب كوهين وزيرا للاقتصاد، وبحسب آخر التقارير فإنه يجري العمل على أن يكون القانون جاهزا قبل بداية الصيف المقبل.