تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

يرى البعض في التعيين المرتقب لعضو الكنيست أييليت شاكيد، من حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، في منصب وزيرة العدل في الحكومة الإسرائيلية الجديدة خطوة في اتجاه الانتقاص من تأثير المحكمة العليا فيما يتعلق بصدّ سن قوانين توصف بأنها عنصرية ومعادية للديمقراطية.

 


في مقابل ذلك، يعتبر آخرون أن تعيينها في هذا المنصب هو قرار صائب، بينما تتوقع جهات أخرى ألا تتمكن شاكيد من إحداث تغييرات تذكر في المجالين القضائي والقانوني، لأن وزير العدل في إسرائيل لا يملك سلطة مطلقة في هذين المجالين، ولأن عُمر حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الضيقة، التي تستند إلى 61 عضو كنيست فقط، سيكون قصيراً.


ويصف خبراء ومحللون في المجال القانوني شاكيد بأنها شخصية صدامية، وأنها تصل إلى منصبها الجديد حاملة أجندة يمينية متطرفة، في مركزها الانتقادات التي وجهتها في الماضي إلى المحكمة العليا بسبب صلاحيتها لإلغاء قوانين يسنها الكنيست وتتعارض مع قوانين أساس دستورية. كما أن شاكيد هي أحد أعضاء الكنيست من اليمين الذين قدموا مشاريع قوانين عنصرية ومعادية للديمقراطية.


ويشير المعارضون لتعيين شاكيد وزيرة للعدل إلى أن أجندتها ستقود إلى صدام، خاصة على ضوء أن جزءا هاما من مهمات وزير العدل هو الدفاع عن الجهاز القضائي وتمثيله أمام الكنيست وفي الخطاب العام. فالقضاة، وفي مقدمتهم رؤساء المحكمة العليا، لا يظهرون في الكنيست ولا يتحدثون على الملأ إلا من خلال قرارات الحكم التي يصدرونها، ونادر جدا أن يتحدثوا إلى وسائل الإعلام.


ورأى المحاضر في كلية القانون في جامعة تل أبيب والمحلل القانوني في صحيفة "هآرتس"، البروفسور إيال غروس، أنه "في عهد التهجمات الكثيرة ضد الجهاز القضائي وخاصة ضد المحكمة العليا، تتزايد أهمية دور وزيرة العدل في الدفاع عن الجهاز واستقلاليته"، لافتا إلى أن "ثمة شكاً فيما إذا كانت شاكيد ستؤدي هذا الدور، بينما هي نفسها بين أولئك الذين طرحوا مبادرات ترمي إلى إضعاف الجهاز القضائي".


ورغم أن الإجابة تكاد تكون واضحة، إلا أن السؤال الذي يطرحه معارضو تعيين شاكيد وزيرة للعدل هو ما إذا سيكون أداؤها مثل أداء وزير العدل الأسبق والخبير القانوني، البروفسور دانيئيل فريدمان، الذي حاول خلال ولايته في هذا المنصب إضعاف المحكمة العليا بموجب الرؤية ذاتها التي تحملها شاكيد، التي وصفته بأنه "معلمي"، أم أن أداءها سيكون مشابها لأداء وزيرة العدل السابقة، تسيبي ليفني، التي دافعت عن المحكمة العليا وصدت مشاريع قوانين معادية للديمقراطية.


من جانبه، دافع فريدمان عن تعيين شاكيد في المنصب. وقال في مقابلات صحافية ومقال إن "هذا التعيين جيد جدا. وهي إنسانة موهوبة، وأفكارها مميزة وقدراتها مثيرة للإعجاب. إنها شخصية ملائمة لهذا المنصب".


وأضاف فريدمان أن شاكيد "ذكية ولديها تجربة برلمانية، وهي موضوعية رغم أنها حازمة. وخلال توليها لمناصبها السابقة، تعمقت في القضايا المرتبطة بالمؤسستين السياسية والقضائية. وفيما يتعلق بمواقفها تجاه المحكمة (العليا)، فإني أعتقد أنها مواقف متزنة. وقد رأيت مواقف متطرفة أكثر. هناك من قال إنه عندما أخذت المحكمة صلاحية إلغاء قوانين، فإنه يجدر إنشاء محكمة أخرى، محكمة دستورية. وها نحن نرى أنها لا تذهب في هذا الاتجاه".


ووفقا لفريدمان، فإن شاكيد تقترح عدة تغييرات وتحسينات "يجدر دراستها ومناقشتها بصورة موضوعية، وعدم شن هجوم شخصي ضدها ولا أساس له".
وأضاف فريدمان أن المحكمة العليا حصلت على صلاحية إلغاء قوانين وأن "ثمة شكاً فيما إذا كانت المحكمة مخولة بأخذ هذه الصلاحيات". وفيما يتعلق بأجندة شاكيد بسحب هذه الصلاحية من المحكمة، قال إن "الحديث يدور عن تسوية تسمى ’قانون الغلبة’، الذي بموجبه إذا ألغت المحكمة قانونا، فإن القرار النهائي يكون بيدي الكنيست".

السعي لزيادة تأثير اليمين الاستيطاني في الجهاز القضائي

يجمع الخبراء والمحللون القانونيون على حقيقة أن شاكيد ليست ذات خلفية قانونية وإنما مهندسة كهرباء وخبيرة في علم الحاسوب، هي مسألة ليست ذات أهمية، ويشيرون إلى أنه كان هناك وزراء عدل، مثل يوسي بيلين، لم تكن لديهم خلفية قانونية، رغم أن خلفية كهذه تشكل أفضلية في منصب وزير العدل.


إحدى المهام المركزية التي يتولاها وزير العدل الإسرائيلي هي رئاسة اللجنة الوزارية لشؤون سن القوانين. وتصل إلى هذه اللجنة جميع مشاريع القوانين، وهي تقرر ما إذا كان سيتم تحويلها إلى الكنيست وتأييد الائتلاف الحكومي لها.
كذلك فإن وزيرة العدل هي رئيسة لجنة تعيين القضاة. وكان رئيس المحكمة العليا الأسبق، أهارون باراك، قد دعا إلى نقل رئاسة هذه اللجنة إلى يدي رئيس المحكمة العليا. لكن طالما أن رئاسة هذه اللجنة بيدي الوزيرة فإن تأثيرها في هذه الناحية كبير، من حيث الموافقة أو رفض مرشحين لمنصب قاض.


وفي هذا السياق، سيتعين على لجنة تعيين القضاة برئاسة شاكيد، في حال استمرار ولاية الحكومة الجديدة، تعيين ثلاثة قضاة في المحكمة العليا في العام 2017، وتعيين قاض رابع في العام 2018. وبذلك ستكون شاكيد شريكة في بلورة صورة المحكمة العليا في المستقبل. كذلك ستواجه شاكيد خلال ولايتها مسألة تعيين مستشار قانوني للحكومة في العام المقبل خلفاً للمستشار الحالي يهودا فاينشتاين أو تمديد ولايته.


وتساءل غروس ما إذا كانت شاكيد ستعمل على دفع خبراء قانونيين من اليمين الاستيطاني نحو مناصب قضائية، "من مدرسة لجنة إدموند ليفي التي اعتبرت أن المناطق (الفلسطينية) ليست محتلة وأنه ينبغي شرعنة كافة المستوطنات (أي البؤر الاستيطانية العشوائية أيضا)، أو خبراء قانون من بين أولئك الذين وضعوا وجهات نظر خلال الحرب في غزة واعتبروا أنه مسموح لإسرائيل قطع الكهرباء والماء عن غزة".


كذلك تتمتع وزيرة العدل بتأثير بالغ في صدور عفو بحق أسرى وسجناء. والتخوف الأساس في هذا السياق هو أن تمنع صدور عفو عن أسرى فلسطينيين، وهي تملك هذه الصلاحية حتى بعد قرار بالعفو يصدر عن الرئيس الإسرائيلي، وأن تدفع باتجاه صدور عفو عن إرهابيين يهود أدينوا بتنفيذ مجازر ضد عرب.
إضافة إلى ما تقدم، هناك ثلاثة مشاريع قوانين عنصرية ومعادية للديمقراطية طرحتها شاكيد أو شاركت في طرحها، وهي "قانون القومية"، وتغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة وتعديل بند "الغلبة" في قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته.


وفي حال سن "قانون القومية" فإنه سيمس بحقوق العرب في إسرائيل. ومن شأن تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة أن يزيد من تأثير السياسيين في اللجنة، علما أن القضاة باتوا أقلية بين أعضاء اللجنة، وأن يعين السياسيون قضاة "مريحين" بالنسبة لهم. وفيما يتعلق ببند "الغلبة" فإن التعديل الذي تقترحه شاكيد يقضي بأن تكون الغلبة للكنيست على قرارات المحكمة العليا المتعلقة خصوصا بمجال حقوق الإنسان. والتخوف في الحالة الأخيرة هو أن يقرر الكنيست، خلافا لموقف المحكمة العليا، أنه يحظر اعتقال مستوطنين يرفضون إخلاء بؤرة استيطانية أو مستوطنة بموجب قرار المحكمة.


رغم ذلك، أكد غروس أن "هذا لا يعني أنه ليس لائقا انتقاد قرارات المحكمة العليا، إذ أن قرارات عديدة صادرة عنها تستحق انتقادا شديدا، مثل القرار الذي أصدرته الأسبوع الماضي بالسماح بإخلاء قرية بدوية (قرية أم الحيران غير المعترف بها في النقب) من أجل إقامة بلدة يهودية" على أنقاضها.

إمكانيات ضئيلة أمام شاكيد

أشار كبير المحللين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أمس الاثنين، إلى أنه "خلال ولايات نتنياهو الثلاث في رئاسة الحكومة تم طرح عدد من مشاريع القوانين التي استهدفت قوة المحكمة العليا، وحقوق الإنسان، وحقوق الفرد والخطاب الديمقراطي، وجرى صدها جميعا".


وأضاف أن "نتنياهو وجد غالبا من يقوم بهذه الخدمة (صد مشاريع القوانين) عوضا عنه، المستشار فاينشتاين في المجال القانوني وليفني في المجال السياسي. وخلافا لأي موضوع آخر، نتنياهو لم يطلب رصيدا في هذا الموضوع. وقد فضّل أن يكون القديس الذي ينفذ الآخرون مهمته".


وتساءل برنياع ما الذي سيحدث خلال ولاية نتنياهو الرابعة والجديدة؟. وقال: "هذا سؤال مثير للفضول لأنه في هذه الحكومة ستتولى وزارة العدل أييليت شاكيد من البيت اليهودي، وهي سياسية مجتهدة وطموحة، وانتقدت في الماضي بشدة، من على هذا المنبر في ’يديعوت أحرونوت’، القوانين القائمة والمؤسسة القضائية".


وتوقع برنياع أنه "في هذه المرحلة من حياتها السياسية ستتعامل شاكيد مع أفكارها بجدية. وستسعى إلى ترك بصمتها، وأن تفعل ذلك بسرعة، قبل أن تنهار حكومة الـ61. ويوجد على جدول عملها الآني القانون ضد الجمعيات اليسارية (المنظمات الحقوقية الإسرائيلية)، وقانون القومية، وقانون الالتفاف على المحكمة العليا (بند "الغلبة"). والسؤال هو ما الذي يمكن أن تفعله؟".


واعتبر برنياع أن بإمكان شاكيد أن تحقق القليل من أجندتها، وأنه يوجد لوزير العدل وظيفتان هامتان فقط: الأولى هي رئاسة اللجنة الوزارية لشؤون سن القوانين؛ والثانية هي رئاسة لجنة تعيين القضاة. و"إذا بقيت شاكيد في منصبها حتى شباط 2016 فسيكون لها تأثير على اختيار المستشار القانوني المقبل، أو تمديد ولاية المستشار الحالي".


ورأى برنياع أن شاكيد لن تصد مشاريع قوانين عنصرية ومعادية للديمقراطية، مثلما فعلت ليفني كوزيرة للعدل، "وإنما ستفعل العكس، لكن هذا ليس سهلا جدا. فقد استندت ليفني إلى فاينشتاين وإلى الإجماع في الجهاز القضائي. والأمر الأساس هو أنه من السهل كبح مشاريع قوانين أكثر من دفعها قدما".


وأشار إلى أن شاكيد ستضطر من أجل سن "قانون القومية"، على سبيل المثال، لأن تقنع رئيس حزب "كولانو"، موشيه كحلون، وهو أكبر شريك في الائتلاف، والذي ينص الاتفاق الائتلافي بينه وبين نتنياهو على أن أعضاء الكنيست من "كولانو" ليسوا ملزمين بتأييد هذا القانون في الكنيست. كما أن كحلون أعلن رفضه لأي مس بالمحكمة العليا، ولأي مشاريع قوانين أخرى تدخل في خانة العنصرية ومعاداة الديمقراطية.


كذلك اعتبر برنياع أن شاكيد لن تنجح في إدخال مرشحين من قبلها إلى السلك القضائي، وخصوصا في المحكمة العليا. وأشار إلى أن بأيدي رئيس الحكومة ورئيسة المحكمة العليا قوة أكبر من وزيرة العدل في مجال تعيين المستشار القانوني للحكومة، ولذلك فإنه لدى تعيين مستشار جديد سيتعين عليها التوصل إلى تفاهمات معهما أو الوقوف جانبا.


ولفت برنياع إلى أن وزيري عدل سابقين، هما فريدمان وحاييم رامون، حاولا إحداث ثورة في الجهاز القضائي، "وكلاهما تلقيا دعما كاملا من رئيس الحكومة، وهذه أفضلية ليست متوفرة لشاكيد. وكان أحدهما (رامون) يتمتع بخبرة سياسية شاملة، والآخر بسمعة مهنية. وبرغم ذلك تم كبح كليهما، على ما يبدو بسبب قوة الجهاز القضائي".


وخلص برنياع إلى أن "ما سيحدث لشاكيد في وزارة العدل سيدل على مصير الحكومة الجديدة كلها. فبإمكانها أن تكون مخلصة لكل ما وعد به وزراؤها الناخبين. في المقابل، بإمكانها أن تتجمد، والاكتفاء بالتعيينات والميزانيات". وختم قائلاً: "على ضوء خطاب مركبات الحكومة خلال الحملة الانتخابية فإن المطلوب تقريبا أن نصلي: أعطونا حكومة متجمدة، والقصد حكومة شلل".