تعتبر إسرائيل حتى الآن أنها في مأمن من تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويركز الخطاب الإسرائيلي الرسمي على أنه لا فرق بين تنظيمات "داعش" و"جبهة النصرة" وتنظيم القاعدة، التي تجمع غالبية دول العالم على أنها تنظيمات إرهابية متطرفة، وبين حركة حماس وحزب الله اللذين ينظر إليهما على أنهما حركتا مقاومة، رغم تحفظ عدة دول عربية من هذه الصفة.
رغم ذلك فإن ظاهرة "داعش" تثير تخوفات في إسرائيل لكن باتجاه آخر. فبعد سنوات من محاولاتها إقناع العالم بأن إيران تشكل "التهديد الأكبر على السلام العالمي" والتحريض على ضربها بسبب برنامجها النووي الذي تقول إسرائيل إنه برنامج عسكري، وبعد إبرام الاتفاق الأولي بين دول 5 + 1 وإيران، وبدء المحادثات حول اتفاق نهائي بين الجانبين، تتردد أنباء الآن عن أن الولايات المتحدة وإيران قد تقفان في جانب واحد في الحرب ضد "داعش".
وتنصب التخوفات الإسرائيلية على احتمال "تسامح" الولايات المتحدة، ومعها الدول العظمى، مع إيران في المحادثات المقبلة حول البرنامج النووي الإيراني، واحتمال رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن طهران.
إضافة إلى ذلك، فإن لدى إسرائيل تخوفات أخرى من ظاهرة "داعش" تتمثل بالقلق من تهديدات محتملة لهذا التنظيم على دول عربية، تصفها إسرائيل بـ "المعتدلة"، وبشكل خاص السعودية والأردن، القريبة من منطقة نشاط "داعش" في العراق وسورية.
وفي هذا السياق، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لدى استقباله وزير الخارجية النرويجي، أمس الاثنين، إن "المجتمع الدولي يزداد وعياً للتهديد الذي يشكله الإرهاب والتطرف الإسلامي". وأضاف أن تنظيمات مثل داعش وحماس وجبهة النصرة والقاعدة والشباب (في الصومال) وحزب الله المدعوم من قبل إيران تشكل خطرا واضحا وفعليا على حضارتنا وأسلوب حياتنا وقيمنا. وأعتقد أن الشيء الأهم هو وأدها في مهدها. ومن لا يقوم بذلك سيجد غدا على أبوابه الإرهاب الإسلامي الموجود هنا اليوم".
"داعش لا يشكل خطرا على إسرائيل"
رأى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق ورئيس "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب عاموس يادلين، أن "حالة الهلع" التي انتشرت في إسرائيل من تنظيم "داعش" "يجب أن تنتهي"، وأنه لا يشكل خطرا على إسرائيل لأنه "ينشط على بعد مئات الكيلومترات من حدودها، وحتى لو كان أقرب من ذلك فإن ثمة شكاً في ما إذا كان قادرا على المس بإسرائيل وسكانها".
واعتبر يادلين، في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأسبوع الماضي، أن "الحديث يدور في نهاية المطاف حول بضعة آلاف من الإرهابيين المنفلتين من عقالهم، الذي يركبون سيارات تندر ويطلقون النار من (بنادق) كلاشينكوفات ورشاشات. وسوية مع عدة ميليشيات أخرى انضمت إليه، يقدر حجم داعش الآن بنحو عشرة آلاف مقاتل، أي نصف حجم القوة العسكرية لحماس".
وكتب يادلين أنه "خلافا لحماس، الموجودة بمحاذاة حدودنا، فإن داعش لا يمتلك أنفاقاً ولا قدرات مدفعية، وليست لديه القدرة على المس إستراتيجيا بدولة إسرائيل، كما أنه ليس لديه حلفاء يزودونه بالسلاح المتطور. وتهديد داعش كمنظمة جهاد عالمية لإسرائيل لا يختلف جوهريا عن تهديد تنظيم القاعدة، الذي تتعايش إسرائيل معه منذ أكثر من عقد".
وأضاف أنه "في حال قيام داعش بتحويل جهوده من العراق إلى إسرائيل فإنه سيقع فريسة للاستخبارات الإسرائيلية وطائرات سلاح الجو والسلاح الدقيق الذي بحوزة القوات البرية الإسرائيلية". وأشار إلى أنه في هذه الأثناء فإن "داعش منشغل بعدد لا نهائي من الأعداء، وبعضهم يقف كحاجز بينه وبيننا، مثل جيوش العراق والأردن ولبنان، وحتى عدوه اللدود حزب الله".
واستبعد يادلين وصول تأثير "داعش" إلى الفلسطينيين، ورأى أن "التحسب من رسوخ أيديولوجية داعش بين السكان الفلسطينيين، وبضمن ذلك أكثر الفصائل تطرفا، ليس معقولا أبدا، إذ أن أيديولوجية هذا التنظيم الجهادية متطرفة إلى درجة أنه حتى تنظيم القاعدة يرفضها، ولا ينبغي التوقع بأنها ستقابل بالإعجاب في غزة أو يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".
وللتخفيف من روع الإسرائيليين من هذا التنظيم الإرهابي، عدد يادلين الدول التي تريد القضاء على "داعش"، ولفت إلى أن هذا التنظيم "سجل إنجازا لصالحه وهو أنه نجح في إعادة الجيش الأميركي تحت إدارة أوباما إلى العراق... ولهذه الأسباب مجتمعة ينبغي عدم تفعيل صفارات الإنذار" في إسرائيل.
ودعا يادلين إلى استغلال ظاهرة "داعش"، التي "تفتح فرصا إستراتيجية جديدة أمام إسرائيل، للتعاون مع دول أخرى مهتمة بالمس به، وهي الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول في المنطقة على رأسها الدول السنية المعتدلة، وأيضا من خلال إنشاء وتعزيز علاقات عمل وثيقة بين الأجهزة الأمنية".
رغم ذلك، اعتبر يادلين أن "الخطر الفوري الماثل على إسرائيل من داعش هو صرف الاهتمام في إسرائيل والعالم عن البرنامج النووي الإيراني، الذي هو الخطر الإستراتيجي الحقيقي على أمن العالم وأمن إسرائيل".
"داعش عند الحدود في سيناء وغزة"
لاحظ مدير برنامج "دراسة الإرهاب والحرب بقوة متدنية" في "معهد أبحاث الأمن القومي"، يورام شفايتسر، والباحثة في هذا البرنامج، شاني أفيتا، في مقال نشراه في موقع "واللا" الإلكتروني، أمس، أنه في الشهور الستة الأخيرة طفت على السطح منافسة علنية وحادة بين "تنظيم داعش الصاعد وتنظيم القاعدة القديم"، وأن هذه المنافسة تدور حول "قيادة حركة الجهاد العالمية" التي كانت على مدار العقدين الماضيين تحت قيادة أسامة بن لادن، وبعد مقتله باتت تحت قيادة أيمن الظواهري.
ولفت الباحثان الإسرائيليان إلى الخلاف الشديد بين الظواهري وزعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، بسبب عدم انصياع الأخير للأول، وإعلان الظواهري عن طرد "داعش" من منظومة الحركات المتحالفة مع القاعدة "وبذلك تنكر الظاهري من مسؤوليته عن أعمال داعش".
وأضاف الباحثان أن التحدي الذي وضعه البغدادي ضد قيادة الظواهري وصل إلى ذروته عندما أعلن البغدادي عن نفسه "خليفة"، ما يعني أنه طوّع الظواهري لقيادته.
وتابع شفايتسر وأفيتا أن "هذا الوضع الجديد أرغم تنظيمات الجهاد العالمي على اختيار من ستدعم في المواجهة الداخلية في معسكرها. واختارت التنظيمات الكبرى، حتى الآن، وخاصة تلك التي تقيم تحالفا مع القاعدة، مثل القاعدة في الحجاز والقاعدة في المغرب والشباب الصومالي وجبهة النصرة التي تنشط في سورية، الوقوف إلى جانب الظواهري. لكن تعالت أصوات داخلها تؤيد نجاحات داعش وحتى أنها بعثت بنصائح حيال طريقة التعامل المطلوبة مع الهجمات الأميركية ضد التنظيم".
ورصد الباحثان تنظيمات جهاد عالمية، ليست حليفة للقاعدة رسميا، تعبر عن تماثلها وتأييدها العلني لطريق "داعش" وقراره إقامة "خلافة إسلامية عالمية". واعتبرا أنه في هذا السياق ينبغي تفسير إعلان تنظيم "بوكو حرام" عن إقامة إمارة إسلامية في نيجيريا.
ورأى الباحثان أنه تكاثرت في الآونة الأخيرة المؤشرات التي تدل على نشوء حلف جديد بين تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي ينشط في سيناء ومصر عموما، و"داعش". وأشارا إلى أنه تم كشف هذه العلاقة بعد كشف نتائج تحقيق مع قيادي في "أنصار بيت المقدس" كان ضالعا في قتل 25 جنديا مصريا، في آب العام الماضي، وقطع رؤوس جنود بصورة شبيهة بأسلوب "داعش". واعتبرا أن هذا يدل على أن "أنصار بيت المقدس" الذي أعلن في الماضي عن ولائه للظواهري "يعتزم تغيير هذا الولاء".
وأضاف شفايتسر وأفيتا أن "المعلومات التي تكشفت من التحقيق مع معتقلي التنظيم المصري تبين بوضوح أن هناك علاقات عسكرية ولوجستية وثيقة (بين التنظيمين)، وأنه يتوقع أن يعلن التنظيم المصري قريبا عن ولائه لزعيم داعش".
لكنهما استدركا أنه "في هذه المرحلة ليس بالإمكان الإشارة بيقين إلى وجود توجه جارف نحو داعش وتفضيله على القاعدة، وإلى أن هذا الأمر قد حُسم. لكن احتمالا كهذا يثير بدون شك قلق الظواهري الذي سارع مؤخرا إلى الإعلان عن تأسيس فرع للقاعدة في مناطق الهند وبنغلاديش وبورما".
وبالنسبة إلى إسرائيل، التي "تراقب بقلق منظومة الأحلاف بين تنظيمات الجهاد العالمية التي تنشط على طول حدودها، يوجد في الحلف الجديد بين أنصار بيت المقدس وداعش جانب تهديدي، لأن التنظيم المصري سعى عدة مرات في الماضي إلى مهاجمة إسرائيل، خاصة في منطقة الحدود، وأيضا سعى إلى إطلاق صواريخ نحو إيلات".
وأضاف الباحثان أن "الحلف القائم بين أنصار بيت المقدس والتنظيم السلفي الجهادي الغزي ’شورى المجاهدين’ من شأنه توسيع مستوى التهديد".
ورأى الباحثان أن هذه التطورات "تضيف بعدا للتعاون الإستراتيجي بين إسرائيل ومصر في محاربة الإرهاب. ويكتسب هذا التعاون أهمية أكبر ليس فقط بسبب رغبتهما المشتركة في استنفاد المكسب السياسي - الأمني من عملية ’الجرف الصامد’ العسكرية (العدوان الأخير على غزة)، التي تمثلت غايتها بإضعاف حماس في غزة وكبح نشاطها ضدهما، وإنما أيضاً رغبتهما في توثيق تعاونهما في الحرب الضروس المطلوبة ضد الحلف الجديد الذي ينسج في حيز العراق- سورية- سيناء- غزة".
"المسخ الذي تمرّد على خالقه"!
حذر الملك السعودي عبد الله، خلال لقائه مع سفراء أجانب، مؤخرا، من أن عدم محاربة "داعش" سيؤدي إلى تنفيذ هذا التنظيم هجمات ضد الدول الغربية، بداية في أوروبا وبعد ذلك في الولايات المتحدة.
وكتب الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي"، يوئيل غوجانسكي، في مقال مطول نشره في الموقع الإلكتروني للمعهد، أنه على الرغم من انشغال الغرب بتهديد "داعش"، إلا أن هذا التنظيم يهدد بالأساس الدول العربية المجاورة للعراق، وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج "من داخلها وخارجها".
ورأى غوجانسكي أن التحدي الأساس الذي يمثله "داعش" هو "تحدي نزع الشرعية الدينية عن آل سعود والرجعية المتطرفة والمتزمتة للإسلام السني الذي تمثله الوهابية"، خاصة بعد إعلان البغدادي عن إقامة "الخلافة الإسلامية".
وكتب غوجانسكي أن "المملكة قلقة من تأييد الجيل الشاب فيها لهذا التنظيم. وقد نُشر مؤخرا استطلاع في الشبكات الاجتماعية تبين منه أن 92% من السعوديين يؤمنون بأن أيديولوجية التنظيم ’تطابق قيم الإسلام والشريعة’".
وأضاف أن "ثلثي السكان السعوديين تقريبا هم دون سن 30 عاما، والكثيرون منهم عاطلون عن العمل، وعبروا عن إحباطهم حتى الآن في العالم الافتراضي (الانترنت)، الذي يعبر من خلاله الكثيرون عن تأييدهم لأفكار داعش".
واقتبس غوجانسكي من أقوال شخص فر من صفوف "داعش" لجريدة "السفير" اللبنانية، أنه يوجد عدد كبير من السعوديين في هذا التنظيم وأنه تم تشكيل خلايا تابعة له في مدن سعودية مركزية. ونُشرت أشرطة مصورة في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيها عناصر في "داعش" يمزقون جوازات سفرهم السعودية ويقسمون "بتحرير مكة والمدينة من أيدي آل سعود".
وتوقع أن "عودة شبان سعوديين يحاربون في صفوف التنظيم إلى السعودية من شأنها أن تشكل تهديدا على الاستقرار النسبي في المملكة". وتشير معطيات وزارة الداخلية السعودية إلى انضمام أكثر من ألف شاب سعودي إلى صفوف "داعش"، رغم تهديد السلطات السعودية بعقوبات كبيرة ضدهم.
وأضاف أنه "على ضوء التأييد للمعارضة ضد (نظام الرئيس السوري بشار) الأسد ولحكومة المالكي (السابقة في العراق) فإن عددا من دول الخليج قد تواجه نتائج أفعالها. وثمة تخوف من انضمام جهات راديكالية إلى منظمات معارضة موجودة أو إقامة تنظيمات تآمرية في شبه الجزيرة العربية".
ورأى غوجانسكي أن تطورات كهذه خطيرة "على ضوء احتمال اغتيال شخصيات قيادية والمساس بمنشآت النفط. ولأول مرة منذ العام 2006، جرت محاولة للمس بمنشأة غاز في المملكة، الأسبوع الماضي، رغم أنه ليس واضحا بعد من يقف وراء هذا الهجوم".
وأضاف أن "دول الخليج ذات ماض إشكالي جداً في كل ما يتعلق بتمويل الإرهاب. وقد غضت الطرف أو لم تعمل بشكل كاف من أجل وقف أموال حولها رجال أعمال ومنظمات خيرية طوال سنين"، وشبّه الوضع الآن بالمسخ الذي تمرّد على خالقه.
وخلص غوجانسكي إلى أن "’طريق التنظيم (داعش) إلى مكة’ هي في أساسها طريق فكرية- أيديولوجية. وهذا صراع الإسلام السني على صورته وأسس إيمانه. وبينما يُحدث تحدي ’الدولة الإسلامية’ تصدعات داخل المعسكر الملكي- السني، في أعقاب دعم قطر للمتطرفين الإسلاميين (الإخوان المسلمين)، فإنه قد يصنع شراكة في المصالح بين جهات متخاصمة خارجه. وبنظر السعودية، فإن الخطر عليها شديد. ولذلك لا ينبغي استبعاد تعاون محدود حتى مع خصمها الإقليمي المركزي، إيران".
هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار" و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي