تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1784

 أعلن رئيس بلدية أشكلون (عسقلان)، إيتمار شمعوني، أمس الأحد، عن تراجعه عن قراره من يوم الأربعاء الماضي، وقف العمال العرب عن العمل في بناء غرف آمنة، تشبه الملاجئ، في روضات أطفال في المدينة، لكنه قال إنه في مقابل ذلك سيقترح على الأهالي نقل الأولاد من هذه الروضات إلى أماكن أخرى خلال فترة بناء الغرف الآمنة بأيدي العمال العرب.

 

وذكرت تقارير إسرائيلية أن أعمال البناء هذه تجري في ثلاث روضات، وأنه في حال قبول اقتراح شمعوني فإن العمال العرب سيعودون إلى العمل في الأسبوع المقبل. وقالت مصادر في البلدية إن رئيس البلدية "لم يتراجع عن قراره السابق وهو متمسك بموقفه".

وكان شمعوني قد أعلن عن قراره بوقف العمال العرب عن العمل يوم الأربعاء الماضي، غداة عملية الكنيس اليهودي في القدس، معتبرا أن العمال العرب قد يمسون، برأيه، الشعور بالأمن لدى سكان المدينة. وقال شمعوني في تفسيره لقراره إن هدفه "زيادة الأمن الشخصي لدى الأهالي والأولاد والطاقم التربوي"، وأنه "سنستمر في متابعة الأحداث بقلق وسنوفر ردا فوريا على أي توجه"، وأن وقف العمل سيستمر "حتى يهدأ الوضع الأمني".

وعقبت وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية بالقول إنه "بموجب تعليمات الجهات الأمنية، فإن جميع المستخدمين في أعمال تحصين مبان بواسطة مقاولين مدنيين هم مواطنون إسرائيليون ويحملون بطاقات هوية زرقاء، وحصلوا على تصاريح خاصة من شرطة إسرائيل للعمل في مؤسسات تربوية وبالقرب من أولاد". 

وجاء قرار شمعوني في فترة وصل فيها منسوب العنصرية في إسرائيل ضد العرب إلى ذروة غير مسبوقة، يرى محللون كثيرون أن حكومة بنيامين نتنياهو تغذيها بالأقوال والأفعال، مثل التصريحات المنفلتة ضد العرب وقتلهم بدم بارد، فيما تكون هناك إمكانية لاعتقالهم من دون سفك دماء، وسن القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية.

رغم ذلك، أثار قرار شمعوني عاصفة في إسرائيل على مستويين: الأول على الصعيد القانوني، وإعلان وزارة الداخلية ووزارة العدل عن أن القرار غير قانوني. والثاني كان على الصعيد السياسي، بالتنديد بالقرار ضد العمال العرب بشكل جارف، بدءا من نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، وحتى وزير الاقتصاد ورئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني الاستيطاني المتطرف، نفتالي بينيت، الذي زعم أنه "لن أسمح بالتمييز ضد العرب"!

وقالت مصادر في وزارة العدل الإسرائيلية حول قرار شمعوني إنه "ينبغي أولا التدقيق في ما قيل، لكن ظاهريا الحديث يدور عن قرار غير قانوني". رغم ذلك، أضافت المصادر أنه ينبغي التدقيق في ما إذا كان شمعوني قد تجاوز صلاحياته الإدارية أو أنه ارتكب مخالفة جنائية.

ويعني ذلك أنه إذا تبين أن شمعوني تجاوز صلاحياته الإدارية، فإن الحديث يدور عن مخالفة إدارية وسيتم إلغاء القرار، بينما في حال تبين أن القرار ينطوي على مخالفة جنائية، فإنه ستوجه لائحة اتهام ضده بموجب بند الاتهام.

وإحدى التهم التي يمكن أن توجه إليه هي مخالفة قانون المساواة في فرص العمل والذي يحظر التمييز على خلفية دينية وعرقية، علما أن إسرائيل لا تلتزم بهذا القانون وتمارس التمييز بشكل فاضح. وقالت مصادر وزارة العدل إن هناك تهمة محتملة أخرى هي التحريض على العنصرية.

وأمرت وزارة الداخلية شمعوني، يوم الخميس الماضي، بإعادة العمال العرب إلى عملهم في المدينة، كما طالبه المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، بتقديم إيضاحات بشأن قراره.

وأوضح مفوض وزارة الداخلية في لواء الجنوب، أفي هيلر، في رسالة وجهها إلى شمعوني أن قراره "يتناقض مع مبادئ المساواة ومنع التمييز، وهي مبادئ أساسية ولا حاجة للتوسع بشرح دلالتها وأهمية في دولة إسرائيل. وفي هذه الظروف أطلب منك العمل فورا على إلغاء هذه التعليمات وإبلاغي بالمستجدات بهذا الصدد".

 

أغلبية اليهود الإسرائيليين تؤيد فصل العرب من العمل

 

استغل نتنياهو هذه القضية لتصنع التزامه بمبادئ الديمقراطية والمساواة. ورغم أن كل أدائه السياسي مبني على التمييز ضد العرب وتمجيد الهوية اليهودية بصورة عنصرية، إلا أن نتنياهو عقب على قرار شمعوني بالقول إنه "لا مكان للتمييز ضد عرب إسرائيل".

وتأتي أقوال نتنياهو في الوقت الذي صادقت فيه حكومته، على سبيل المثال، على مخططات سلب أراضي عرب النقب وترحيلهم من أجل إقامة بلدات لليهود فقط مكانها.

وزعم نتنياهو أنه "سنحصن المساواة الكاملة لأي مواطن من دون فرق في الديانة، العرق والجنس، إلى جانب ضمان هوية إسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي" وادعى أنه "لا يوجد تناقض بين هذه الأمور".

وقال وزير الداخلية الجديد، غلعاد إردان، الذي كان أول قراراته في هذا المنصب سحب الإقامة من مقدسيين والتهديد بسحب الجنسية من مواطنين عرب في إسرائيل بسبب احتجاجات ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي أو تبرير عمليات، إن قرار شمعوني "مرفوض" وأنه "يحظر العمل بشكل يشمل ويصم جمهورا كاملا في دولة إسرائيل". 

وطالبت وزيرة العدل، تسيبي ليفني، فاينشتاين بالتحقيق في قانونية قرار شمعوني، فيما وصف وزير المالية يائير لبيد أقوال شمعوني بأنها "عنصرية".

كذلك ندد رئيس حزب العمل، إسحاق هرتسوغ، بقرار شمعوني.

وتجدر الإشارة إلى أن تصنع قادة إسرائيل، وعلى رأسهم نتنياهو، القلق على الأقلية الفلسطينية في إسرائيل يأتي في الوقت الذي تفتك فيه إسرائيل بالقدس الشرقية المحتلة وسكانها الفلسطينيين وتحاول تغيير الطابع العربي في المدينة، كما أنها تأتي بعد أسابيع قليلة من قتل أفراد شرطة لمواطن عربي في قرية كفركنا، لمجرد أنه عربي، فيما أعلن نتنياهو على أثر ذلك دعمه لأفراد الشرطة، وطالب المحتجين على الجريمة بالانتقال إلى مناطق السلطة الفلسطينية وهدد بسحب الجنسية منهم.

وعبر 58% من اليهود في إسرائيل عن تأييدهم لقرار شمعوني فيما عارضه 32%، وفقا لاستطلاع نشرته القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي مساء الخميس الماضي.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في نهاية الأسبوع الماضي، إن فصل العمال العرب من أماكن عملهم لا يقتصر على عسقلان وحدها، وإنما امتد إلى سلطات محلية أخرى ومصالح إسرائيلية كثيرة.

ووفقا للصحيفة، فإنه في أعقاب عملية الكنيس، فصل أصحاب مصالح تجارية يهودية العديد من العمال العرب "بدافع الخوف"، كما صرح أحد أصحاب هذه المصالح. وأضافت أنه تم في الأسابيع الأخيرة فصل عدد كبير من العمال العرب العاملين في ورشات البناء والمطاعم وأعمال الترميم، فقط لكونهم عربا، وبضمن ذلك قيام مدير شبكة قاعات للأفراح بفصل 17 عاملا عربيا، بذريعة الخشية من وقوع عمليات مشابهة لـعملية الكنيس.

 

نفاق نتنياهو وحكومته

 

لكن الباحث في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، المحامي عمير فوكس، أكد في مقال نشره في صحيفة "معاريف"، يوم الجمعة الماضي، أنه "عندما يأتي التنديد بوقف عمل العرب في أشكلون ممن يدفعون بقوة سلسلة طويلة من القوانين المعادية للديمقراطية في الكنيست، فإنه يوجد في ذلك قدر معين من النفاق".

ورأى أن قرار شمعوني "يمس بشكل خطير بالسكان العرب جميعهم، ويبث إقصاء لهم... وينبغي الإشارة أيضا إلى أن أقواله هي مثال لظاهرة آخذة بالاتساع لمشغلين يفصلون عربا من العمل وكذلك لـ’احتجاج مدني’ عنصري تجاه مصالح تجارية تشغل العرب".

ولفت فوكس إلى أنه "في الدورة السابقة للكنيست تم دفع مشاريع قوانين كثيرة كانت غايتها المس بمواطني إسرائيل العرب. هكذا كانت سلسلة مشاريع قوانين ’الولاء مقابل المواطنة’، التي تلوح منها الرسالة أن العرب ليسوا مخلصين للدولة. وهكذا كان قانون لجان القبول (التي ترفض سكن العرب في قرابة 800 بلدة يهودية) الذي شكل رسالة واضحة لمحاولة الحفاظ على بلدات النقب والجليل نظيفة من العرب. وهذه كانت الرسالة التي بثتها مشاريع قوانين غايتها إغلاق جمعيات لا توافق على صبغة إسرائيل على أنها ’يهودية وديمقراطية’".

وأضاف فوكس أنه في دورة الكنيست الحالية "تتدحرج مشاريع قوانين تبث رسالة مشابهة. وأولها مشروع قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي. وجميع صياغات مشروع القانون هذا تتنكر للعرب مواطني إسرائيل، وتبث رسالة مفادها أن العرب هم مواطنون من الدرجة الثانية في الدولة القومية اليهودية".

وأشار إلى أنه "على هذا النحو هي رسائل وزير الخارجية (ليبرمان)، التي بموجبها العرب في إسرائيل هم مواطنون مؤقتون، وبالإمكان بجرة قلم سلب مواطنتهم ونقلهم إلى الدولة الفلسطينية عندما تقوم (برنامج ليبرمان لتبادل الأراضي والسكان). وهذه هي الرسالة أيضا من غضب عضو الكنيست ميري ريغف على الاستخدام ’الاستفزازي’ للكوفية من جانب النائب باسل غطاس على منصة الكنيست، وكأن الكوفية هي رمز للإرهاب".

وتساءل فوكس "لماذا إذن هناك من فوجئ عندما يذوت مواطنو الدولة هذه الرسائل، وفي هذه الحالة من جانب رئيس بلدية هامة في إسرائيل؟ واضح أنه عندما تكون هذه هي الرسائل التي تهب من جهة الحكومة والكنيست، ومن حاخامين كبار أيضا، أفتوا بمنع تأجير الشقق للعرب في صفد، فلا عجب أن تسبب التطرف وممارسات تمييزية عنصرية".

وخصصت صحيفة "هآرتس" افتتاحية عددها الصادر يوم الجمعة الماضي لهذه القضية. وجاء فيها أن "شمعوني لم يخترع شيئا: موظفون عرب في هيئات عامة عانوا من التنكيل والتهديد بالفصل من العمل خلال عملية ’الجرف الصامد’ (في غزة) أيضا".

وشددت الصحيفة على أن "تنديد نتنياهو وبينت هو ذروة النفاق. وشمعوني إنما ترجم وحسب إلى أفعال الروح التي تهب من مكاتب زعماء اليمين في القدس". وأشارت الصحيفة إلى طرح نتنياهو لقانون يهودية إسرائيل، الذي تم أمس وصادقت الحكومة عليه، وقالت إن "نتنياهو نسخ لمشروع القانون هذا مقطعا من وثيقة استقلال إسرائيل وشطب منه التعهد الواضح بالمساواة في الحقوق (للعرب)".

وأضافت الصحيفة أن مشروع القانون هذا "يتجاهل وجود مجتمع عربي لديه لغة وثقافة وحقوق، ويضع المواطنين العرب في درجة دنيا مقابل اليهود... وبدلا من إنهاء التمييز، نتنياهو يعتزم تخليده بواسطة قانون أساس" يعتبر في إسرائيل قانونا دستوريا.

ولم تفاجأ الصحيفة من أداء نتنياهو لأنه "تجاهل المجتمع العربي طوال سنوات حكمه، وائتلافه يعمل دون كلل من أجل ’تهويد’ الدولة".

وقالت الصحيفة إن "أداء حزبي ميرتس والعمل مخيب للأمل، لأن الحزبين لا يضعان تحديا أمام الحكومة بطرح نموذج بديل للمساواة المدنية والمجتمعية ويكتفيان ببيانات صحافية واهية".

وخلصت الصحيفة إلى أنه "حان الوقت لتأسيس حركة اجتماعية واسعة وصارخة مؤلفة من اليهود والعرب، وتطالب بـ ’المساواة الآن’ في مقابل عنصرية اليمين والضعف السياسي لليسار. ويحظر السماح لنتنياهو بمحو وثيقة الاستقلال، وإلا فإن شمعوني لن يكون آخر من يفرض الأبارتهايد في مؤسسة عامة".

 


هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 

مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"  و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي