تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

توالت خلال الأسبوعين الأخيرين تصريحات عدد من المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وجاءت متجانسة ومنسجمة مع فكرة "أرض إسرائيل الكاملة"، التي ترفض وجود دولة فلسطينية بين النهر والبحر.
فقد ألمح رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، إلى عزمه تنفيذ خطوات أحادية الجانب في الضفة الغربية، فيما طرح رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، خطة تقضي بضم مناطق "ج" في الضفة الغربية، التي تبلغ مساحتها 60% من مساحة الضفة، إلى إسرائيل. وشدد وزراء من حزبي الليكود و"البيت اليهودي" على رفضهم قيام دولة فلسطينية. ومنذ سنوات يدعو رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، إلى تبادل الأراضي والسكان، بحيث تضم إسرائيل المستوطنات إليها مقابل ضم منطقة المثلث وسكانها العرب إلى الكيان الفلسطيني، في حال قيامه في المستقبل.


ومن الجهة الأخرى، رفضت رئيسة حزب "الحركة" ووزيرة العدل، تسيبي ليفني، ورئيس حزب "يوجد مستقبل" ووزير المالية، يائير لبيد، تصريحات اليمين، وأعلنا معارضتهما لمقترحات ضم معظم مساحة الضفة إلى إسرائيل. ورغم هذه المعارضة لطروحات اليمين، إلا أن ليفني ولبيد لا يهددان بجدية، حتى الآن، بالانسحاب من الائتلاف وإسقاط حكومة اليمين المتطرف.

ويبدو، الآن، أن اليمين بات يهيمن على الخطاب العام في إسرائيل. وفي حال فوز عضو الكنيست من حزب الليكود، رؤوفين ريفلين، بانتخابات رئاسة الدولة الإسرائيلية، التي ستجري في العاشر من حزيران الحالي، فإن اليمين سيحكم سيطرته الكاملة على الخطاب الإسرائيلي. ومعروف أن ريفلين يدعو هو الآخر منذ سنين إلى ضم الضفة لإسرائيل ويعبر عن رفضه الشديد لقيام دولة فلسطينية. وتشير التقديرات في هذه الأثناء إلى أنه المرشح الأوفر حظا لخلافة رئيس الدولة الحالي شمعون بيريس.

وكتب عضو الكنيست والوزير السابق من حزب العمل الإسرائيلي، عوزي برعام، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، يوم الأربعاء الماضي، أنه بعد انتهاء ولاية بيريس "سيكون المنبر الإسرائيلي العام تحت سيطرة اليمين القومي والديني". لكن برعام أشار إلى أن هذا اليمين لا يمثل أغلبية الجمهور الإسرائيلي، بينما "كل قيادة حزب الليكود ’تعمل’ لدى المستوطنين المنتسبين للحزب، وذلك في ظل غياب رئيس يسعى لتحقيق توازن سياسي"، بادعاء أن بيريس يؤيد حل الدولتين.

خطة بينيت

انتقد بينيت نتنياهو، خلال مقابلة أجرتها معه القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، يوم الجمعة، بادعاء أن الأخير عبر عن تأييده لقيام دولة فلسطينية. وقال بينيت إنه "لا يمكن لشخص يؤيد دولة فلسطينية أن يكون جزءا من المعسكر القومي. وتوجد خلافات جوهرية بيني وبين نتنياهو. وعندما وقف على المنبر [خطاب جامعة بار إيلان] وأعلن أنه يؤيد قيام دولة فلسطينية في أرض إسرائيل، كان هذا بمثابة خطأ فظيع".

وأضاف بينيت "لم أؤمن بالمفاوضات أبدا. أنا أؤمن بأنه يجب فرض القانون الإسرائيلي على المناطق الإسرائيلية في يهودا والسامرة [أي الضفة الغربية]، وأن نبدأ بغوش عتسيون وأريئيل وكتلة [المستوطنات المطلة على] مطار بن غوريون. ولست خائفا كثيرا من ضجة أو ضغوط آنية من جانب الولايات المتحدة أو أوروبا".

واعتبر بينيت أن العالم لن يعارض خطته، لكن قياديين في أحزاب الوسط - اليسار الإسرائيلية أكدوا أنه لن توافق أية دولة في العالم على ضم معظم الضفة الغربية إلى إسرائيل، ووصفوا خطة بينيت بأنها "مهووسة وخيالية".

وقال بينيت إنه وفقا لخطته، التي أسماها "خطة التهدئة"، فإنه "يوجد هناك [في المستوطنات في الضفة]ٍ 400 ألف إسرائيلي و70 ألف عربي. وسنقترح على أولئك العرب الحصول على الجنسية [الإسرائيلية]. وإذا أرادوها فسيأخذونها، وإذا أرادوا الإقامة [أي بطاقة الهوية الزرقاء ومكانة مشابهة لمكانة الفلسطينيين في القدس الشرقية] فإن هذا جيد أيضا. اليوم يوجد في البلاد [داخل الخط الأخضر] مليون ونصف المليون عربي، وعندها سيكون بدلا من هذا 1.57 [مليون عربي]. لا توجد أي مشكلة في ذلك".

واستطرد بينيت في شرح خطته وقال إن باقي الفلسطينيين في الضفة سيحصلون على "حكم ذاتي وليس دولة. ولا توجد حلول سحرية، وأنا أطرح شيئا هو ليس حلا مثاليا، وأسميه ’المبادرة غير المثالية’".

واعتبر بينيت نفسه خلفا لزعيم الحركة الصهيونية ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، وأن سياسة حزبه هي استمرار لسياسة حزب "مباي"، الذي كان بن غوريون زعيمه. وأضاف "لقد قالوا لبن غوريون إنه إذا أعلن عن قيام الدولة فإن العالم سيمزق صورته، لكنه أعلن عن قيام الدولة رغم أن الولايات المتحدة قالت له ألا يفعل ذلك. وبن غوريون لم يتنازل. لقد كان الأكثر براغماتية. وأنا كذلك أيضا. غوش عتسيون بداية، ثم [الكتلة الاستيطانية] أريئيل، رويدا رويدا، وليس كل شيء مرة واحدة. وينبغي ألا ترتبكوا، فنحن ورثة مباي".

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن بينيت قوله خلال لقاء مع طلاب في جامعة بار إيلان، يوم الخميس الفائت، إنه يحاول إقناع نتنياهو بخطته. وأضاف "أعتقد أننا متفقون على أن عهد الانسحابات الأحادية الجانب، بأن نهرب من منطقة ونأمل بأن الوضع سيكون أفضل وعندها يطلقون علينا 10 آلاف صاروخ من تلك المنطقة، قد انهار. وبحسب فهمي للأمور فإن الخيارات لدى اليسار انتهت. وهو لا يقترح خطة بديلة وإنما يستمر في القول: دولتان. ولذلك وضعنا خطة على الطاولة".

قال بينيت إنه يوجد تأييد لخطته في صفوف اليمين. "الآن، رويدا رويدا يوجد اتجاه إيجابي. ورئيس الكنيست [يولي إدلشتاين من حزب الليكود] عبر عن تأييده لهذه الخطة. ويؤيد الخطة الوزيران يسرائيل كاتس وجلعاد إردان، كذلك فإن [عضوي الكنيست من الليكود] زئيف إلكين وياريف ليفين يؤيدانها. ثمة انجراف نحو هذا الاتجاه. مع ذلك أنا أعترف أنه في الوقت الحالي، وبتركيبة الحكومة، هذا صعب".

نتنياهو يدرس خطوات إسرائيلية أحادية الجانب

كرر نتنياهو الحديث مؤخرا عن أنه يدرس خطوات بديلة في أعقاب وقف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، في نهاية نيسان الماضي، بعد أن وصلت إلى طريق مسدود. وقد حمّلت الإدارة الأميركية إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات التي استمرت تسعة شهور، إذ رفض نتنياهو طوال هذه الفترة التفاوض حول قضايا الحل الدائم، وحتى أنه رفض الحديث حول حدود الدولة الفلسطينية، زاعما أنه ينبغي في البداية التوصل إلى اتفاق حول القضايا الأمنية.

وفي هذا السياق طالب نتنياهو بأن يبقى غور الأردن تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن تبقى الضفة الغربية، وخاصة أجواءها، تحت السيطرة الإسرائيلية، بعد قيام دولة فلسطينية. وكثفت حكومة نتنياهو البناء في المستوطنات وتوسيعها بشكل غير مسبوق خلال شهور المفاوضات التسعة هذه. كذلك طالب الفلسطينيين بأن يعترفوا "بالدولة اليهودية" كشرط لاتفاق سلام، ما يعني نسف الرواية التاريخية الفلسطينية ونفي حقوق الفلسطينيين في فلسطين.

وقال نتنياهو في مقابلة أجرتها معه وكالة "بلومبرغ" الأميركية، في 23 أيار الماضي، إنه "يتزايد التأييد في إسرائيل، من الوسط - يسار وحتى الوسط- يمين، لتنفيذ خطوات أحادية الجانب مقابل الفلسطينيين. ويتساءل إسرائيليون كثيرون ما إذا كانت هناك خطوات أحادية الجانب بالإمكان تنفيذها ومن شأنها أن تكون منطقية من الناحية النظرية".

وألمح نتنياهو إلى أنه ليس المقصود بخطوات كهذه تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من مناطق في الضفة. وقال إن انسحاب إسرائيل من قطاع غزة لم يحسن الوضع ولم يدفع السلام، وإنما "أوجد حماستان التي أطلقت منها آلاف الصواريخ باتجاه مدننا".

وادعى نتنياهو أنه يفضل مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين، لكنه زعم أنه منذ توقيع اتفاقيات أوسلو حاول ستة رؤساء حكومات إسرائيلية التوصل إلى اتفاق بواسطة مفاوضات، وفشلوا جميعاً.

واعتبر نتنياهو أنه "يوجد إجماع متزايد في إسرائيل على أنه ليس لدينا شريك بإمكانه تنفيذ شيء لا يحظى بشعبية وتنفيذ خطوات صعبة. ولا توجد قيادة فلسطينية مستعدة لتنفيذ ذلك. والحد الأدنى من الشروط التي تحتاجها أية حكومة إسرائيلية لا يستجيب لها الجانب الفلسطيني".

وقال مسؤولون في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية لوسائل إعلام إنه عندما تحدث نتنياهو عن خطوات أحادية الجانب فإنه لم يقصد إخلاء مستوطنات.

وشددوا على أنه "لا توجد أية نية لدى رئيس الحكومة لاقتلاع مستوطنات" في إشارة إلى ضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المقامة عليها هذه المستوطنات إلى إسرائيل.

"خطوات أحادية الجانب تعني الضم"

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن بينيت ترحيبه بأقوال نتنياهو لوكالة "بلومبرغ".

وقال بينيت إن الخطوات الأحادية الجانب التي تحدث عنها نتنياهو في المقابلة، وفي مناسبة سابقة قال فيها إنه يبحث مع وزرائه في خطوات كهذه، تعني ضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل.

من جانبه ألقى وزير الإسكان الإسرائيلي، أوري أريئيل، من حزب "البيت اليهودي" وأحد قادة المستوطنين، خطابا في المعهد الديني "يشيفاة مركاز هَراف" في القدس، التي تعتبر معقل اليمين الديني، يوم الثلاثاء الماضي.

وتعهد أريئيل بأنه لن يكون هناك تجميد في البناء في المستوطنات "ولن نوافق على وجود عراقيل وقيود [على البناء الاستيطاني] في القدس ويهودا والسامرة وسنستمر في البناء في جميع أنحاء بلادنا". وأضاف أن "القدس لن تُقسم. وبين نهر الأردن والبحر ستكون دولة واحدة فقط هي دولة إسرائيل".

كذلك أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في خطاب بمناسبة ما يسمى "يوم القدس"، وهو ذكرى احتلال القدس الشرقية، عن رفضه قيام دولة فلسطينية. وقال إن "القدس المبنية هي القلب النابض والحي للشعب اليهودي، وعندما أقول القدس فإني أقصد جميع أجزاء المدينة: مدينة داوود، هار حوماه وجيلو، جبل الزيتون ورامات شلومو، البلدة القديمة، بسغات زئيف وبالطبع جبل الهيكل [أي الحرم القدسي]".

واعتبر أن "القدس غير قابلة للتقسيم. والقدس لن تُقسم. وستبقى القدس تحت سيادة إسرائيل دائما. ولن تكون هناك انسحابات من أرض إسرائيل. لا انسحابات أحادية الجانب ولا انسحابات أخرى".

ليفني ولبيد يعارضان خطة بينيت

عقبت ليفني على تصريحات زملائها في الحكومة بشأن ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل. وهددت بإسقاط الحكومة في حال اتخذت قرارا كهذا. وقال "لن يكون هناك ضم طالما أنا في الحكومة. وإذا تم ذلك فإنه لن تكون هناك حكومة".

وشددت ليفني في خطاب ألقته أمام مؤتمر اقتصادي في تل أبيب على أن "أولئك الذين يقولون إن الكتل [الاستيطانية] لنا بالتأكيد وبالإمكان ضمها يخدعوننا جميعا. إن الطريقة من أجل الحفاظ على الكتل هي إما عن طريق تسوية أو عن طريق ربط العالم بمصالحنا".

وأضافت ليفني أنه "توجد الآن دولة غير ديمقراطية بكل تأكيد وجيشها تحول إلى السيد فيها ولا تنظر إلى ما يحدث من حولها. والفجوة بين كيف ننظر إلى أنفسنا وبين كيف ينظر العالم إلينا يخلق إحباطا... وعلينا أن نسارع لأنه توجد أقلية [اليمين] تقرر مصيرنا، وكل يوم يمر هو يوم آخر يتم فيه بناء المزيد من المستوطنات المعزولة".

كذلك أعلن لبيد عن معارضته لخطة بينيت لضم مناطق "ج" إلى إسرائيل. ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي، يوم الثلاثاء الماضي، عن لبيد قوله خلال مؤتمر المحامين الذي عقد في مدينة إيلات، إنه "لا توجد طريقة لابتلاع أربعة ملايين فلسطيني وأن نبقى دولة يهودية. وإذا استمر هذا الوضع، فإنهم سيطالبون بحق التصويت للكنيست".

القضاء على أجواء العملية السياسية

كان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، حتى الآن، أحد الأصوات القليلة جدا في إسرائيل التي تحدثت عن السلام مع الفلسطينيين وحل الدولتين. وواضح أن بيريس لم يكن يقصد في جميع تصريحاته بهذا الصدد الاستجابة للمطالب الفلسطينية والقرارات الدولية. وواضح أن ممارساته الفعلية تؤكد ذلك، إذ أنه عندما تولى رئاسة الحكومة بعد اغتيال إسحق رابين، رفض بيريس تنفيذ انسحابات من مناطق في الضفة بموجب اتفاقيات أوسلو. رغم ذلك فإن بيريس لم يتردّد، ولو بشكل مبطن أحيانا، في انتقاد سياسة نتنياهو. وكان يبث أجواء في إسرائيل حول ضرورة التسوية مع الفلسطينيين.

لكن على ما يبدو فإن أجواء كهذه ستصبح في خبر كان في أعقاب انتخابات الرئاسة الإسرائيلية، التي ستجري بعد عشرة أيام. ويتوقع أن يفوز فيها رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين، أحد رموز اليمين العقائدي في إسرائيل.

ويعبّر ريفلين باستمرار عن رفضه المطلق لحل الدولتين. وهو يقول "إنني أفضل أن يكون الفلسطينيون مواطنين في هذه الدولة على تقسيم البلاد". لكن ريفلين يرفض في الوقت نفسه فكرة "دولة جميع مواطنيها" وحل "الدولة ثنائية القومية"، ويتحدث عن ترتيبات سيادية مشتركة لإسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية "في ظل الدولة اليهودية"، وعن ضرورة وجود برلمانين، يهودي وعربي.

وقال ريفلين في مقابلة أجرتها معه "هآرتس"، قبل ثلاث سنوات "إذا قالوا لي إن التهديد الديمغرافي يلزمني بإجراء فصل، فإن إجابتي هي أن الخطر سيكون أقل من وجود دولة واحدة تكون فيها مساواة في الحقوق لجميع المواطنين. والمنطق يلزمنا بتفضيل الخطر الكامن في التهديد الديمغرافي على التهديد الوجودي الكامن في الانفصال" عن الفلسطينيين.

وأضاف "إذا تعين عليّ الاختيار بين دولة واحدة وبين تقسيم أرض إسرائيل، فإنني أقول إن الخطر الأكبر هو التقسيم. وأسهل على دولة إسرائيل، والستة ملايين يهودي فيها، وبما لا يقاس، تطبيق حلم الدولة اليهودية والديمقراطية مما كان الوضع عليه في العام 1948. أولئك الذين يقولون إنه لزام علينا أن ننفصل، لأنه من دون ذلك لن يكون نظام ديمقراطي هنا أو نفقد الطابع اليهودي، كانوا سيقولون، للأسباب نفسها، إنه لا ينبغي إقامة دولة يهودية في العام 1948".




هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.


مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار" و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"