تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1792

*استبعاد إمكانية التوصل إلى اتفاق أو التقدّم في المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية خلال فترة التسعة شهور كون الفجوات بين مواقف الجانبين ما زالت كبيرة*               
عقد "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب مؤتمره السنوي السابع، في متحف تل أبيب للفنون، يومي الثلاثاء والأربعاء 28 – 29 كانون الثاني الفائت.
وتناول المؤتمر هذا العام موضوعين أساسيين هما "التحديات السياسية والأمنية" التي تواجهها إسرائيل، و"توجهات جديدة إزاء المستقبل".
واستعرض رئيس المعهد، عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، التقييم الإستراتيجي السنوي الذي يصدره المعهد.

 

وتضمن المؤتمر خطابات ألقاها كبار المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس الدولة شمعون بيريس، ووزير الدفاع موشيه يعلون، ووزير المالية يائير لبيد، ووزير التربية والتعليم شاي بيرون، ووزير شؤون الاستخبارات يوفال شتاينيتس، ورئيس حزب العمل والمعارضة إسحاق هرتسوغ، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء أفيف كوخافي.

وكان التقييم الإستراتيجي السنوي في مركز أعمال المؤتمر، وتناول مجمل القضايا الإستراتيجية التي تواجهها إسرائيل، وبينها المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية والملف النووي الإيراني والعلاقات الإسرائيلية – الأميركية والأوضاع في المنطقة وخاصة في سورية ومصر والأردن ولبنان.

ورأى ملخص التقييم الإستراتيجي، الذي أعده يادلين، أن الأمن القومي الإسرائيلي في العام 2013 تميز بميزان إيجابي. ورغم ذلك، رجح أنه في النصف الثاني من العام 2014 يتوقع حدوث تطورات إشكالية، بالنسبة لإسرائيل، على صعيد البرنامج النووي الإيراني ومحاولة تسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والتطورات في الدول العربية، وأن هذه التطورات الإقليمية من شأنها أن تضع تحديات كبيرة أمام أمن إسرائيل.

وسيم التركيز في السطور المقبلة على التقييم الإستراتيجي لمعهد أبحاث الأمن القومي المتعلق بالعلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، والاتجاهات المحتملة لتطورات مستقبلية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقييمات المعهد تستبعد التوصل إلى اتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، وتضع تصورات لسياسة يتعين على إسرائيل إتباعها في أعقاب فشل المفاوضات.

المفاوضات: مواقف متباعدة

يؤكد التقييم الإستراتيجي تبدد التقديرات الإسرائيلية، لدى استئناف المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، بأن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ستولي الشرق الأوسط أفضلية متدنية خلال ولايتها الثانية "بعد أن فشلت خلال ولايتها الأولى في تحريك المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية". فلقد تبين، بعد خمسة شهور من استئناف المفاوضات، أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري وضعها في أفضلية عالية. واعتبر المعهد أن كيري نجح في جعل الإسرائيليين والفلسطينيين يتنازلون عن شروطهم لاستئناف المفاوضات.

واستبعد المعهد إمكانية التوصل إلى اتفاق، أو التقدم في المفاوضات، خلال فترة التسعة شهور، التي ستنتهي في نيسان المقبل، مشيرا إلى أن الفجوات في مواقف الجانبين كبيرة، كما أن انعدام الثقة المتبادلة يصعّب من سد الفجوات.

ووفقا للمعهد فإن "كل جانب يعتقد أن الجانب الآخر ليس مستعدا لمنحه الحد الأدنى الضروري من أجل بلورة اتفاق. وهكذا، فإن الجانب الإسرائيلي ليس مؤمنا بأن الفلسطينيين سيوافقون على اتفاق يضمن أمن إسرائيل بشكل كاف، وسيوافق على نهاية الصراع والمطالب ويتنازل عن ’حق العودة’. من جانبهم، لا يؤمن الفلسطينيون بأن الجانب الإسرائيلي مستعد فعلا للعودة إلى حدود العام 1967 وتمكين الفلسطينيين من إقامة عاصمتهم في القدس الشرقية. وبنظر الفلسطينيين، فإن إسرائيل تريد الاستمرار في السيطرة على الضفة الغربية بطريقة أخرى، ومن هنا تنبع المطالب الإسرائيلية ’المبالغ فيها’ في المجال الأمني".

وفي هذه الأثناء، تحاول الولايات المتحدة بلورة تسوية في المجال الأمني تكون مقبولة على الجانبين، باعتبار أن نجاح تسوية كهذه من شأنه أن يؤدي إلى انطلاقة في المفاوضات والتقدم في قضايا أخرى هي محل خلاف.

ورأى المعهد أن الوسطاء الأميركيين يؤمنون بأنه في حال عبرت إسرائيل عن رضاها من تطبيق مطالبها الأمنية، فإنها ستكون مستعدة لإبداء ليونة في مجالات أخرى. ولهذا السبب، أجرى الجنرال [الأميركي] جون ألين، الذي بلور الاقتراح الأميركي في الموضوع الأمني، محادثات مع الجانب الإسرائيلي بالأساس. لكن الجانب الفلسطيني أعلن أن الاقتراح الأميركي منحاز لإسرائيل ورفضه.

واعتبر المعهد أنه "إذا لم يُبدِ الجانب الفلسطيني ليونة في مجال الترتيبات الأمنية، الذي يبدو الأقل إشكالية بين القضايا المتنازع عليها، فإن من الصعب التقدير أنهم سيلينون مواقفهم في مواضيع نهاية الصراع والمطالب، أو في موضوع اللاجئين ومطلب ’حق العودة’".

رغم ذلك، توقع المعهد أن إسرائيل والفلسطينيين سيواصلان المفاوضات حتى نيسان المقبل، رغم الصعوبات والعراقيل. لكن يتعين على كلا الجانبين التفكير بما يجب فعله بعد ذلك، واتخاذ قرارات بهذا الصدد، في حال تأكد فشل المفاوضات حول حل دائم.

تبعات فشل "الفرصة الأخيرة" لا يخدم المصالح الإسرائيلية 

يرى المعهد أنه ينبغي على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان أنه "ربما تكون هذه الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق يحقق حل الدولتين". وعزا المعهد ذلك إلى أنه "تحدث تطورات ميدانية من شأنها أن تحول توجهات المضي نحو واقع الدولة الواحدة إلى حقائق على أرض الواقع وغير قابلة للتغيير، مع وجود المخاطر التي يضعها مثل هذا التطور أمام الهوية اليهودية والديمقراطية لإسرائيل والحلم الصهيوني".

وأضاف المعهد، بلهجة تحذير، أن "تطورات أخرى محتملة نتيجة لفشل المفاوضات هي ضعف السلطة الفلسطينية إلى حد خطر الانهيار، وكذلك قرارات قد يتخذها لاعبون دوليون، وخاصة الاتحاد الأوروبي، بأنه لا جدوى من الاستمرار في استثمار الأموال في مشروع السلطة الفلسطينية الفاشل. ووقف المساعدات الدولية للفلسطينيين أو إلحاق ضرر حقيقي بها لتترك مثل هذه القرارات السلطة بأيدي إسرائيل، وبضمن ذلك الإشكالية السياسية والاقتصادية المرتبطة بذلك، لأنه بنظر المجتمع الدولي، طالما لا يوجد اتفاق بين الجانبين، فإن إسرائيل [كدولة احتلال] هي المسؤولة عن رفاهية السكان في المنطقة التي تسيطر عليها".

وأشار المعهد إلى تطور آخر محتمل في حال فشل المفاوضات، وهو "وجود مؤشرات على أن الأجواء في الشارع الفلسطيني آخذة بالتغير باتجاه تأييد استئناف العنف ضد إسرائيل. وإذا كان بالإمكان التقدير في السنوات الماضية، بمستوى معقول من اليقين، أن الفلسطينيين لا يريدون العودة إلى فترة الفوضى ومعاناة الانتفاضة الثانية، ولذلك كانت الأجواء السائدة معارضة للعنف، فإنه يبدو أن الأمور بدأت تتغير. وأولاد فترة الانتفاضة باتوا الشبان البالغين في الحاضر. وبالنسبة لهم لا يوجد تأثير كابح لذكريات الماضي. وإذا أضفنا إلى ذلك الإحباط المتزايد لدى الجمهور الفلسطيني بسبب عدم التقدم السياسي، إلى جانب عدم التقدم الاقتصادي، فإنه تتزايد احتمالات تغير الاتجاه".

وأشار المعهد إلى أن "حدوث تصعيد نسبي في العمليات العدائية ’الشعبية’، التي لم تنفذ بمبادرة منظمات، يدل على تغيير الأجواء الحاصل. وربما أن هذه مسألة وقت حتى يؤدي هذا التغيير إلى اندلاع انتفاضة ثالثة. وستكون هذه مختلفة بطبيعتها وحجمها عن أعمال الشغب التي وقعت في المناطق الفلسطينية في نهاية سنوات الثمانين وبداية سنوات الألفين. وهذه التطورات قد تسرع عمليات نزع الشرعية عن إسرائيل في العالم العربي. وتوجد مؤشرات لحدوث أمر كهذا أيضا. وينتج عن ذلك أن الوضع القائم لا يخدم مجمل المصالح الإسرائيلية، وثمة حاجة إلى خطة بديلة".

 خطة إسرائيلية بديلة للمفاوضات

رأى المعهد أن الخطة البديلة الوحيدة للمفاوضات بين الجانبين هي ما أسماه بـ "الخطة البديلة الفلسطينية". ووفقا للمعهد فإن هذه الخطة تركز، في المدى القصير، على حملة دبلوماسية شاملة ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، بهدف الحصول على اعتراف بدولة فلسطينية في حدود العام 1967 وتعميق نزع الشرعية عن إسرائيل. وفي المدى البعيد قد يسعى الفلسطينيون إلى حل الدولة الواحدة.

ولذلك دعا المعهد إسرائيل إلى الاستعداد لمواجهة هذه الإمكانيات وطرح خطة بديلة من جانبها. وشدد المعهد على أنه لا يمكن لإسرائيل أن تقلص أولويتها وأن تحصرها ما بين الوضع القائم و"الخطة البديلة الفلسطينية".

ورأى المعهد في هذا السياق أنه ينبغي على إسرائيل التأكد من عدم اتهامها بفشل المفاوضات "وهذا شرط ضروري للنجاح في المواجهة مع الإستراتيجية الفلسطينية البديلة. وهذا يعني أن على إسرائيل إبداء حيز من المناورة في المفاوضات، بسمح بأن تظهر من خلاله ما يكفي من الليونة والجاهزية من أجل الجسر بين الفجوات في المواقف، بحيث ينشأ حافز في الجانب الفلسطيني للاستمرار في المفاوضات إلى ما بعد نيسان المقبل. وإذا قدم الأميركيون اقتراحا لاتفاق إطار أو مبادئ لاتفاق نهائي، يتعين على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها من أجل الرد بالإيجاب على معظم ما يرد فيه، والتأكد من عدم تحميلها المسؤولية عن فشل المفاوضات".

وأضاف المعهد أن "ثمة أهمية لأن تقدم إسرائيل مقترحات سخية وبعيدة الأمد، لتتأكد من أن يعترف الأميركيون على الأقل بأن إسرائيل ليست هي المتهمة بفشل المفاوضات. وتوجد لهذا الموضوع انعكاسات على الحلبة الداخلية الإسرائيلية من ناحية تعزيز الشعور بعدالة مواقف الـ ’لا خيار’، خاصة في حال تطور مواجهة عنيفة".

وأوصى المعهد حكومة إسرائيل بأن يكون البديل الإستراتيجي المركزي هو "التقدم نحو واقع الدولتين، حتى في وضع لا يوجد فيه اتفاق كامل بين الجانبين. وبإمكان خطوات كهذه أن تنفذ على أساس متفق عليه بين الجانبين، أو بصورة أحادية الجانب. وواضح أن خطوات متفقا عليها مفضلة، لأنها تتضمن التزام الجانبين. ولكن القيادة الفلسطينية تعارض بشدة اتفاقات جزئية، تبدو بنظرها وسيلة إسرائيلية لاستمرار السيطرة الدائمة على الضفة الغربية وإملاء الحل الأحادي الجانب الإسرائيلي. ومن الجائز أن يغير الفلسطينيون موقفهم في هذا الأمر عندما يواجهون خطرا داهما على فشل المحادثات".

وقال المعهد إنه "توجد طرق عديدة بالإمكان السير فيها من أجل تشجيع الفلسطينيين على قبول اتفاقات مرحلية كهذه. وإن إحداها التنازل عن مبدأ أن ’أي شيء ليس متفقا حوله حتى يتم الاتفاق على كل شيء’. وهكذا بالإمكان الدمج ما بين المفاوضات حول اتفاق دائم والاتفاقات الجزئية. وبإمكان الجانبين اختيار المجالات التي بالإمكان الاتفاق حولها، وتطبيقها في موازاة استمرار المفاوضات. وطريقة أخرى تكمن في استعراض الاتفاقات الجزئية على أنها استمرار لتطبيق الاتفاق المرحلي من العام 1995. وجدير بالذكر أن المرحلة الثالثة لإجراء تغييرات في انتشار قوات الجيش الإسرائيلي، التي كان ينبغي تنفيذها بموجب هذا الاتفاق، لم تنفذ. وإذا نجح الجانبان في التوصل إلى اتفاق مبادئ جديد يصور مبادئ الاتفاق الدائم حتى بدون تفاصيل، فإنه سيكون أسهل البدء في تطبيق اتفاقات جزئية".

وشدد المعهد على أن خطوات أحادية الجانب ومنسقة بين الجانبين مرغوب بها أكثر من خطوات كهذه من دون تنسيق بينهما. لكنه اعتبر أن خطوات أحادية الجانب غير منسقة بين الجانبين يجب أن تكون "الخيار الأخير، ومتعلقة بإرادة إسرائيل فقط، في حال رفض الفلسطينيون الحلول الجزئية". ورغم ذلك تحفظ المعهد من خطوات أحادية الجانب وقال إنه "يصعب كثيرا تبني توجه الخطوات الأحادية الجانب، على ضوء موقف الجمهور الإسرائيلي من نتائج تبني حلول أحادية الجانب في قطاع غزة وجنوب لبنان"، رغم أن المعهد يرى أن "القرار الإستراتيجي الكامن في أساسها صحيح. إذ أن معظم الجمهور الإسرائيلي لم يكن يريد الاستمرار في السيطرة على الحزام الأمني في لبنان أو العودة إلى السيطرة على قطاع غزة، بكل ما يعني ذلك. والمشكلة كانت في تطبيق القرار".

ودعا المعهد إلى "الاستفادة من دروس تطبيق قرار الانسحاب من لبنان في العام 2000، وقرار الانسحاب من غزة في العام 2005، من أجل ضمان تصحيح الخلل في التطبيق، في حال اتخاذ قرار إسرائيلي لرسم الحدود بصورة أحادية الجانب. وفي هذا الإطار، ينبغي تنفيذ خطوة كهذه فقط بعد استعراض اقتراح يفهم حلفاء إسرائيل في الغرب أنه سخي، والعمل بالتنسيق معهم ومن خلال الحصول على شرعية لسياستها، بإبقاء قوات الجيش الإسرائيلي في غور الأردن من أجل منع تهريب أسلحة ومخربين إلى الضفة، وإبقاء منطقة تستخدم كورقة مساومة لمفاوضات مستقبلية حول اتفاق دائم مع الفلسطينيين، والاعتناء بطريقة مناسبة ولائقة بالمواطنين [المستوطنين] الذين سيتم إخلاؤهم من المنطقة التي ستنسحب منها إسرائيل".

 خطوات فلسطينية متوقعة

 يتوقع المعهد أن الفلسطينيين أيضا سيضطرون إلى دراسة خطواتهم في أعقاب فشل المفاوضات. وقال إنه "على المستوى الإستراتيجي سيضطرون إلى اتخاذ قرار بشأن التخلي عن حل الدولتين، وتبني إستراتيجية تفضل ’الدولة الواحدة’. ويرى فلسطينيون كثيرون أفضلية في وجود إستراتيجية كهذه، بسبب تأكدهم من انتصارهم في السباق الديمغرافي. وفي هذه المرحلة، تميل القيادة في رام الله إلى التمسك بإستراتيجية الدولتين، ولكن بالتقدم لا بواسطة المفاوضات".

وأضاف المعهد أنه توجد لدى الفلسطينيين طريقان بديلتان وهما الحصول على اعتراف في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، والمقاومة الشعبية. ووفقا للمعهد فإنه "توجد نقاط ضعف كثيرة في كلتا الطريقين. وبإمكان الفلسطينيين التنغيص على إسرائيل وتسريع عملية نزع الشرعية عنها بواسطة التوجه إلى المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لكن مفعول هذين المسارين يفترض أن يكون محدودا وبطيئا، وثمة شك في ما إذا كان سيؤدي إلى إحداث تغيير جوهري في موقف حكومة إسرائيل".

وتابع المعهد أن "’المقاومة الشعبية’ التي في أساسها ليست عنيفة أو أنها عنيفة بمستوى محدود، مثل إلقاء حجارة وما شابه ذلك، تنطوي على تناقض داخلي. فمن جهة، إذا جرت بصورة مراقبة وتحت سيطرة القيادة الفلسطينية، من أجل منع تصعيدها لعنف جارف وفقدان السيطرة، فإنها لن تؤثر بصورة جوهرية على السياسة الإسرائيلية. ومن الجهة الأخرى، إذا كان حجمها كبيرا والسيطرة عليها ضعيفة، سترتفع احتمالات التدهور إلى عنف شامل من جانب كلا الجانبين... والاعتراف بضعف هذين الخيارين قد يجعل القيادة الفلسطينية تدرس استمرار المفاوضات في العام 2014" أي بعد نيسان المقبل.

الخيارات الأميركية المتوقعة

أشار المعهد إلى أنه على ضوء التطورات المتوقعة واستبعاد التوصل إلى اتفاق قريب، فإنه سيتعين على الولايات المتحدة أيضا اتخاذ قرارات هامة. الأمر الأول هو أنه "ينبغي على الطاقم الأميركي دراسة كيفية طرح صيغة الاتفاق الذي يعكف على كتابته على الجانبين، وأي قدر من الضغوط ينبغي ممارسته على الجانبين من أجل الموافقة على الاقتراح".

والقرار الثاني يتعلق "بأية مرحلة من الشهور التسعة التي تم تحديدها لجولة المفاوضات وبموجب أية اعتبارات، ستكون هناك حاجة للإشارة إلى فشل قريب للمحادثات. وإذا كان الوضع على هذا النحو، فما هي طريقة العمل التي ينبغي تبنيها".

وتوقع المعهد أن أحد الخيارات الأميركية في هذا السياق هو تراجع كبير في ضلوع الولايات المتحدة في القناة الإسرائيلية – الفلسطينية. لكن ثمة شك فيما إذا كان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، سيوصي بخيار كهذا، على ضوء التزامه العميق بالموضوع. وخيار آخر هو أن يدرس الأميركيون دفع مفهوم التقدم التدريجي والمرحلي لواقع الدولتين بوسائل مختلفة، ومحاولة تمديد الفترة الزمنية التي تم تحديدها للمفاوضات.

معضلة قطاع غزة

قال المعهد إنه "يبدو في هذه المرحلة أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة تبنت توجها يقضي بأن الاتفاقيات التي سيتم التوصل إلها ستطبق في الضفة الغربية فقط، وذلك بشكل تدريجي. وهذا الأمر لا يعفي الضالعين في المفاوضات من اتخاذ قرارات بشأن إدارة السياسات مقابل قطاع غزة".

واستعرض المعهد ثلاثة بدائل ممكنة للسياسات مقابل قطاع غزة. البديل الأول هو الاستمرار في السياسة الحالية وهي "احتواء حماس". لكن هذه السياسة أصبحت أكثر تعقيدا بسبب الضغوط التي يمارسها النظام المصري على حماس، حليفة الإخوان المسلمين. وإلى جانب ذلك، فإن ابتعاد حماس عن إيران وسورية أضر بقوتها وأدى إلى تراجع وضعها الاقتصادي والسياسي، وتزايد تعلق قطاع غزة بإسرائيل، الأمر الذي يخل بمصلحة إسرائيل و"انفصالها" عن القطاع.

وعبر المعهد عن تخوف من أن تؤدي زيادة الضغوط على حماس إلى تفاقم ضائقتها، الأمر الذي قد يدفعها إلى مواجهة مع إسرائيل. ورأى المعهد أن احتمالية ذلك متدنية، ورجح أن الاحتمال الأقوى هو أن ترمم حماس قواعدها في الضفة الغربية والمبادرة من هناك إلى تنفيذ هجمات.

واعتبر المعهد أن خيار "احتواء حماس" هو الخيار الأفضل لمواجهتها، لكنه دعا، في مقابل ذلك، إلى "العمل من أجل تقليص التعلق الإستراتيجي للقطاع بإسرائيل بقدر الإمكان".

والبديل الثاني الذي يطرحه المعهد هو انضمام إسرائيل إلى "الجهود المصرية لإسقاط حكم حماس في غزة، بواسطة دمج وسائل سياسية، مثل ممارسة ضغط من أجل إجراء انتخابات في السلطة الفلسطينية، ومواصلة الضغوط الاقتصادية وممارسة ضغوط عسكرية. ويطرح هذا الخيار سؤال حول البديل السلطوي لحماس في قطاع غزة. وليس واضحا ما إذا يوجد حكم بديل حقيقي لحماس، وإذا كان هناك حكم كهذا فما هي طبيعته. كذلك يصعب توقع كيفية استعادة [الرئيس الفلسطيني] محمود عباس سيطرته على القطاع من دون انتخابات عامة، كما أن ثمة احتمالات ضئيلة بأن توافق حماس، الموجودة في الحضيض من حيث ضعفها [السياسي]، على إجراء انتخابات.  وطالما ليس واضحا أنه توجد قوة براغماتية مبلورة وقوية بشكل كاف، لاستبدال حكم حماس من دون تدخل خارجي عسكري، فإنه ليس مفضلا الاعتماد على استبدال الحكم كسياسة إسرائيلية".

والبديل الثالث وفقا للمعهد هو "استغلال ضائقة حماس من أجل إحداث تغيير دراماتيكي في سياستها يرغمها على أن تكون شريكا، وإن يكن ليس نشطا، في العملية السياسية الإسرائيلية – الفلسطينية. ومن أجل محاولة اختبار هذه الطريق فإن ثمة حاجة إلى الحوار مع الحركة [أي حماس]، وسيتضح في إطاره احتمال أن تتقدم حماس في هذا الاتجاه. وحتى لو كان اختبار هذه الإمكانية هو أمر مرغوب فيه، فإن الظروف لا تبدو أنها ناضجة الآن لسيناريو تتخلى فيه حماس عن فكرها الذي لا يعترف بدولة إسرائيل ويدعو إلى مقاومة عنيفة وإلى استخدام الإرهاب ضدها".

 
    

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

 
"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"