تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

أظهرت نتائج الانتخابات الداخلية لرئاسة مؤسسات حزب الليكود الحاكم في إسرائيل، التي جرت يوم الأحد - 30.6.2013، أن الفائزين في هذه المناصب هم من خصوم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أو أنه على الأقل لم يكن راغبًا في انتخابهم.
ورأى محللون أن هذه النتائج تعني أن "نتنياهو بدأ يخسر الليكود".
وبدا أن نتنياهو بذل كل ما في وسعه من أجل إبعاد نفسه عن الانتخابات لرئاسة مؤسسات الحزب. ولم يدفع بمرشحين من قِبله، وحتى أنه لم يحضر إلى صندوق الاقتراع في القدس، وإنما تم إحضار صندوق الاقتراع إلى منزله في الصباح الباكر، "بشكل سري"، حسبما أفادت الصحف الإسرائيلية.


وقالت صحيفة "هآرتس" إن "هناك من رأى رمزية في هذه الخطوة. فنتنياهو، الذي فشل في إدارة السياسة الحزبية الداخلية وقد يفقد سيطرته على الليكود، صوت في نهاية المطاف بشكل يكاد يكون سريا".

ورغم عدم اهتمام نتنياهو، زعيم الليكود، بالانتخابات الداخلية لحزبه، إلا أن 80% من أصحاب حق الاقتراع في هذه الانتخابات، البالغ عددهم 3623، أدلوا بأصواتهم لصالح "خصوم نتنياهو الأيديولوجيين الذين سيمسكون من الآن فصاعدًا بمفاتيح الجهاز الحزبي"، وفقا للتقارير الإعلامية الإسرائيلية. وقالت مصادر في الليكود إن نتنياهو تخوف من خسارة مهينة، ولذا فإنه لم يدفع بمرشحين من قبله وتخلى عن الحلبة الحزبية لصالح خصومه.

وقال قيادي كبير في الليكود ومقرب من رئيس الحكومة لـ "هآرتس" إن "نتنياهو لم يعرف أبدا إدارة الجبهة الحزبية، ورغم ذلك نجح ثلاث مرات في أن يصبح رئيسا للحكومة. لكن استخفافه المتواصل بنشطاء الحزب تسبب بفقدانه السيطرة بشكل شبه كامل على الليكود في هذه الانتخابات".

رغم ذلك، فإن رئيس الائتلاف في الكنيست، عضو الكنيست ياريف ليفين، رأى أن أداء نتنياهو كرئيس للحكومة لن يتضرر نتيجة للانتخابات الداخلية في الليكود. ويتبنى قياديون كثيرون في الليكود هذا الموقف. وقال أحد أعضاء الكنيست من الليكود إن "وضع نتنياهو في الليكود هو أمر ناجم عن الاستطلاعات. وإذا ما ثبت أنه يحظى بشعبية لدى الجمهور وقادر على إيصال عدد كبير من النواب إلى الكنيست في الانتخابات، فإن أي معارضة له داخل الحزب سوف تتبدد".

واعتبر المحللون أن الانتخابات على رئاسة مؤسسات حزب الليكود تضمنت نسيجا كاملا من المصالح والمواجهات والخصومات الداخلية. وبقدر كبير، شكلت هذه الانتخابات انتقال القيادة من الرعيل القديم إلى "الشبان الصقريين" في الليكود.



نتائج الانتخابات على رئاسة مؤسسات حزب الليكود

جرت الانتخابات على رئاسة ست مؤسسات في حزب الليكود، وجاءت نتائجها على الوجه التالي:

فاز نائب وزير الدفاع، عضو الكنيست داني دانون، بمنصب رئيس اللجنة المركزية للحزب. وكان دانون قد فاز الأسبوع الماضي بمنصب رئيس مؤتمر الليكود. ويشار إلى أن المؤتمر هو أعلى مؤسسة في الليكود، ولذلك فإن بإمكانه اتخاذ قرارات حول كافة شؤون الحزب. وتنشط اللجنة المركزية بين مؤتمر وآخر.

وتبرز قوة المؤتمر واللجنة المركزية في أنه بإمكان هاتين الهيئتين تغيير وتعديل دستور الليكود. وسيقف دانون على رأس الجبهة، ضد نتنياهو، لمنع توحيد الليكود مع حزب "إسرائيل بيتنا"، برئاسة أفيغدور ليبرمان. كذلك سيسعى دانون من موقعه إلى وضع عراقيل أمام أية محاولة من جانب نتنياهو لدفع مبادرة سياسية مع الفلسطينيين قدمًا.

وفاز نائب وزير الخارجية، عضو الكنيست زئيف إلكين، برئاسة المكتب السياسي لليكود، وهو الهيئة الأيديولوجية للحزب. ويحمل إلكين مواقف يمينية متشددة وحاول عدة مرات في الماضي تجنيد قوى لوضع عراقيل أمام نتنياهو. لكنه لطّف لهجته في الشهور الأخيرة بسبب توليه منصب نائب وزير الخارجية. وصرح إلكين بعد انتخابه بأن "هدف المكتب السياسي هو دفع الحوار بين أعضاء الحزب ومنتخبيه حول المواضيع المطروحة على الأجندة العامة... وبالتأكيد يتعين على حزب يتطلع لأن يكون حزبا عاما أن يكون لديه موقف في موضوع الدين والدولة". ويشار إلى أن إلكين هو مهاجر من دول الاتحاد السوفياتي السابق، لكنه متدين ويعتمر قلنسوة. وذكره لقضية الدين والدولة يتضمن تلميحا إلى رفضه الوحدة مع حزب "إسرائيل بيتنا".

كذلك فاز وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، بمنصب رئيس سكرتارية الحزب (الأمانة العامة)، وهو منصب يتولاه منذ عدة أعوام. وكانت المنافسة على هذا المنصب الأكثر دراماتيكية، إذ نافست كاتس عضو الكنيست ميري ريغف، والتي دفعها إلى هذه المنافسة بشكل خاص الوزيران غدعون ساعر وغلعاد إردان ودعمها الوزير سيلفان شالوم.

وجاء ترشيح ريغف على خلفية صدامات بين ساعر وإردان وبين كاتس، الذي يحملهما المسؤولية عن فشل حزب الليكود في الانتخابات العامة الأخيرة. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن كاتس بعث برسائل إلى أعضاء الليكود، دعاهم فيها إلى التصويت لصالحه، وتعهد بأنه سيسعى إلى تشكيل لجنة تحقيق حول فشل الليكود في الانتخابات العامة. ويذكر أن الليكود خاض الانتخابات العامة في قائمة واحدة مع حزب "إسرائيل بيتنا"، وكان هذان الحزبان ممثلين في دورة الكنيست السابقة بـ 43 نائبا، بينما حصلت قائمة "الليكود - إسرائيل بيتنا" في الانتخابات الأخيرة على 31 نائبا.

ويشار إلى أن سكرتارية الليكود هي عمليا مجلس إدارة الحزب، وهي الهيئة التي تنتخب مدير عام حركة الليكود ومديري الأقسام التنفيذية للحزب، وتحدد صلاحياتهم ومجالات عملهم وتشرف على أدائهم.

وفاز برئاسة محكمة الليكود عضو الكنيست الأسبق ميخائيل كلاينر، والذي يرأس جناح "جبهة أرض إسرائيل" داخل الليكود. وكلاينر معروف بمواقفه اليمينية المتطرفة. وسبق أن قال أحد أعضاء الكنيست من الليكود لـ "هآرتس" إنه "إذا انتُخب كلاينر فإن من شأن ذلك أن يشكل الضربة الأهم التي سيتلقاها نتنياهو في الانتخابات. وكلاينر، الذي يحمل أفكارا متطرفة للغاية، قد يسعى لاتخاذ قرارات مختلف حولها في الالتماسات التي ستقدم ضد رئيس الحكومة".

وفاز شاي غليلي بمنصب المراقب الداخلي لحزب الليكود.



انشقاق نتنياهو عن الليكود مستبعد

بدا أن فوز دانون هو الانتصار الأكبر على نتنياهو في انتخابات الليكود الداخلية، إذ أنه إلى جانب كونه أحد أبرز أعضاء الكنيست تطرفا، فإنه يضع باستمرار تحديات أمام نتنياهو، وخاصة فيما يتعلق بالعملية السياسية مع الفلسطينيين. وهدف دانون منها هو إحراج رئيس الحكومة.

فقد صرح دانون قبل أسبوعين بأن حزب الليكود والحكومة يعارضان قيام دولة فلسطينية، وذلك في وقت يتعامل فيه نتنياهو مع جهود وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لإحياء عملية السلام واستئناف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، ويتعرض لضغوط دولية بهذا الخصوص.

وكتبت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، أنه "على الرغم من فوز دانون وكونه أكثر شخصية جرى الحديث عنها، الأسبوع الماضي، إلا أن انتخابه لا يدل على قوته بقدر ما يدل على ضعف نتنياهو".

ولفتت كدمون إلى أنه في الانتخابات الداخلية في الليكود "شعرنا بـ الدي. إن. إيه اليميني لهذا الحزب... ويبدو أن المتنافسين الذين لا ينتمون إلى الخط اليميني [المتشدد] لا يجرؤون على القفز إلى هذه الساحة". وأضافت أنه "عموما عندما يتم تعيين أحد ما في منصب نائب وزير، فإن هذا المنصب يدفنه. لكن ما يحدث هنا هو أن جميع نواب الوزراء أقوياء في الساحة، والوزراء يخافون من منافستهم".

وتابعت المحللة أنه "لا يمكن التفكير بوجود رئيس حزب ليس لديه سيطرة على الحزب مثلما هو حاصل في حالة نتنياهو، حسبما يقول وزراء الليكود. ولا يوجد رجال لنتنياهو في الليكود اليوم. وحتى أنه لا توجد لديه كتلة. ولو كنا في منتصف الولاية، لحدثت خطوات سريعة بهدف الذهاب إلى انتخابات عامة. لكننا ما زلنا في بدايتها، ولا توجد مصلحة لدى الآخرين في الائتلاف بالذهاب إلى انتخابات مبكرة. وما نشهده الآن هو ضعف مطلق للطاعة. ووصلت الأمور إلى حد أن اجتماعات الكتلة في الكنيست تكون خالية من النواب، وتمتد لنصف ساعة وينشغلون خلالها بأمور تقنية وترتيبات. كذلك فإن اجتماعات ’وزراؤنا’ [أي وزراء الليكود الذين يجتمعون قبل اجتماع الحكومة الأسبوعي كل يوم أحد] لا تبحث في مواضيع مهمة. والجلسات قصيرة ومركزة: ماذا يوجد في جدول أعمال الحكومة اليوم، وماذا سيطرح في اللجنة الوزارية لشؤون سن القوانين، وماذا سنفعل في الكنيست غدا".

ونقلت كدمون عن قياديين في الليكود قولهم إن ما يفسر ضعف نتنياهو هو "تراكم الإحباط. ومثلما يتعامل هو مع الليكود، هكذا يتعامل الليكود معه الآن، فيحاسبه على الفشل في الانتخابات، والوحدة مع ليبرمان، والتعامل مع [رئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي] بينيت، وعلى خموله في المفاوضات الائتلافية".

وتطرقت كدمون إلى الأنباء التي ترددت مؤخرا حول إمكانية إقدام نتنياهو على الانشقاق عن حزب الليكود، مثلما فعل أريئيل شارون، في العام 2005. وأكدت أنه "يتم التعامل في الليكود مع هذه الإمكانية على أنها نكتة. ويقولون هناك إنه لا يوجد لديه أي خيار أصلا لتشكيل شيء [حزب] آخر، إذ ليس لديه أجندة كما كان لدى شارون [تنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة]، ولا أحد يحلم بالانشقاق معه، وحتى حكومته تعتبر شيئًا تم فرضه عليه. وهذه أزمة أكبر مما حدث في خطة الانفصال".

ونقلت كدمون عن وزير رفيع المستوى قوله إن الوضع الحالي في الليكود من شأنه أن يؤدي إلى أن "لا يتمكن نتنياهو من المنافسة على رئاسة الليكود مرة أخرى. وما زلنا لا نرى كيف سيحدث هذا، لكن الأمور ستصل إلى هذا الوضع، إذ إنه ببساطة لم يعد يملك مؤيدين".

من جهة أخرى، يوجد قياديون في الليكود لا يوافقون على هذه التقديرات، وقال أحدهم لكدمون إن "الأمر الأكثر حكمة الذي في إمكان نتنياهو فعله الآن، هو الابتعاد قليلا. والآن هو ليس لاعبا، ومن الجيد أن الوضع بهذا الشكل. وفي جميع الحالات التي حاول فيها التدخل، أدى ذلك إلى تورطه وحسب. والأفضل له أن يبتعد عن هذه الحرب التي يخوضها الجميع ضد الجميع".

وأضاف هذا القيادي في الليكود أنه "عندما تنتهي الانتخابات في الحزب، سيكون قادرا على إعادة السيطرة لنفسه، إذا ما بدأ يعمل بشكل حقيقي ولا يستخف بالنشطاء الميدانيين. فهناك غضب كبير على عدم التفاته إليهم، وعلى اللامبالاة وعدم الاهتمام. لكن هذا ليس عداء بنيويا. وإذا ما عمل بالشكل الصحيح، فإن بإمكانه أن يعيد القوة إليه. وسيتعين عليه أن يعانق رؤساء المؤسسات، ومنحهم إمكانية العمل وإشغال أنفسهم. وعليه أن يبني جهازا ناجعا. وأن يأخذ الليكود في الحسبان أكثر، ويستمع إلى مواقف النشطاء".

وخلصت كدمون إلى أن "ما يحدث في مؤسسات الليكود الآن يعيد الحزب إلى أيام شارون عندما كانت المؤسسات نشطة للغاية. وشارون حارب مؤسسات الليكود أيضا، لكنه كان قويا. وفي أحيان كثيرة انتصر، ولكن عندما كان يفشل كان يعرف كيف يحوّل الخسارة إلى إنجاز لدى الجمهور العريض. والأمر الواضح أكثر شيء الآن هو أن ما يحدث في الليكود حاليًا يقود إلى انفصال بينه وبين حزب إسرائيل بيتنا".



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي



"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"