تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1425

قبل أيام معدودة من استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل بوساطة مصر في القاهرة، بعد غد الأربعاء، دوّت خمس صفارات إنذار في المستوطنات اليهودية القريبة من قطاع غزة، وأثارت مخاوف لدى سكان جنوب إسرائيل حول احتمال استئناف الحرب.

ورغم أنه تبين، كما أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا حول ذلك، أن هذه كانت صفارات كاذبة وأنها انطلقت من دون إطلاق صواريخ من قطاع غزة، إلا أن هذا لم يمنع رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، موشيه يعلون، من توجيه تهديدات جديدة إلى الفصائل الفلسطينية.

 

فبعد ساعات قليلة من انطلاق الصفارات الكاذبة، ظهر يوم الخميس الماضي، حضر نتنياهو ويعلون حفلا عقده مركز السلطات المحلية في إسرائيل بمناسبة رأس السنة العبرية الجديدة.

وقال نتنياهو في الحفل "سددنا لحماس ضربة لم تتوقعها هذه الحركة منذ تأسيسها. لقد استهدفنا أبراج الإرهاب وقادة الإرهاب ودمرنا الأنفاق الإرهابية التي حفرت من أراضي القطاع إلى أراضينا من أجل شن هجمات إرهابية جماعية على المواطنين الإسرائيليين".

وأضاف أن "حماس تعلم أننا لن نتحمل ما تسميه بتقطير الصواريخ. والدليل على ذلك هو سرعة تبرّئها أمس وسرعة اعتقال العناصر الذين أطلقوا هذه القذيفة"، في إشارة إلى قذيفة هاون سقطت يوم الأربعاء الماضي في جنوب إسرائيل، وهي الأولى والوحيدة التي أطلقت من القطاع منذ نهاية العدوان على غزة.

وتابع نتنياهو أن "هذه هي سياستنا وهي ثابتة وراسخة". واعتبر أن هناك "داعش وحزب الله وحماس، ولا تنقصنا تحديات. لكننا سنتغلب عليها بمشيئة الرب. وقد أثبتنا هذه القدرة منذ تأسيس الصهيونية. واتخذتُ قرارا بالاستثمار بشكل مكثف في القبب الحديدية. وجميعكم يعلم أن هذا القرار أنقذ حياة الكثيرين".

بدوره هدد يعلون معلناً "أقولها بشكل واضح، لن نسمح بعد اليوم بإطلاق القذائف الصاروخية. سنقضي على قدرة التنظيمات الإرهابية"، وأن "الحملة العسكرية وجّهت ضربة شديدة لحماس، وهي تعرف أننا لن نتردد في استخدام قوتنا".

وتأتي هذه التهديدات فيما تسود تقديرات لدى جهاز الأمن الإسرائيلي، وفقا لصحيفتي "يسرائيل هيوم" و"يديعوت أحرونوت"، بأن "حماس لن تستأنف إطلاق الصواريخ في رأس السنة (العبرية الذي يبدأ مساء بعد غد الأربعاء) حتى لو لم تحقق المحادثات تقدما، لكن التأهب لمواجهة أي احتمال مستمر".

إسرائيل تتوقع مفاوضات صعبة

قال مسؤول سياسي إسرائيلي إن إسرائيل تتوقع مفاوضات صعبة مع الفلسطينيين في القاهرة، في وقت ترفض فيه المطلب الفلسطيني بإقامة ميناء ومطار في غزة، بينما ترفض الفصائل الفلسطينية مطلب إسرائيل بتجريدها من السلاح.

ونقل موقع "واللا" الالكتروني، أمس الأحد، عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله "نتوقع مفاوضات صعبة في القاهرة. وإسرائيل ستصر بشدة على مطالبها الأمنية. ولم يتم تحديد جدول زمني للمحادثات، عدا جولة قصيرة ستجري هذا الأسبوع".

من جهة ثانية، تظاهر قرابة 300 شخص من سكان جنوب إسرائيل في النقب، مساء أول من أمس السبت، تحت شعار "لنوقف الحرب القادمة". وأعلن المنظمون أن هدفهم مطالبة الحكومة الإسرائيلية بتحقيق الأمن والهدوء في الجنوب من خلال تسوية سياسية مع الفلسطينيين وإنهاء "الوضع غير المحتمل في غلاف غزة" وهي منطقة البلدات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع.

وألقى رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) الأسبق، عامي أيالون، خطابا أمام المتظاهرين قال فيه إن "القتال خلال ’الجرف الصامد’ إلى جانب بطولة الجنود وشجاعتكم في غلاف غزة، أوضحا لنا حدود القوة العسكرية. إذ أنه رغم الضربة العسكرية والدمار البالغ في القطاع، فإننا نقول إن السيطرة السياسية لحماس تعززت بصورة واضحة. والقوة وحدها، بدون أمل سياسي، ستصعد الكراهية، وتعزز التطرف، وستضعف المعتدلين وتفتت أسس الديمقراطية في المجتمع الإسرائيلي".

وشدد أيالون على أنه "إذا كنّا تعلمنا شيئا في غزة، فهو أنه سيتوفر لدينا الأمن عندما يكون لدى الفلسطينيين الأمل. أو بكلمات أخرى: سننعم بالأمن عندما يكون لديهم، بمفهومهم، ما يمكن أن يخسروه".

وتابع "إننا نعرف اليوم ما أدركه قبلنا (رؤساء حكومات إسرائيل السابقون) بيغن ورابين وشارون أيضا، وهو أنه إلى جانب القوة العسكرية علينا التوصل إلى تسوية سياسية مع جيراننا الذين يعترفون بحقنا في العيش إلى جانبهم. لسنا ساذجين، وسيتعين علينا في المستقبل أن نرسل جنودنا ضد أولئك القادمين لقتلنا. ولهذا السبب بالذات علينا أن نضمن بأن تكون إسرائيل الدولة الديمقراطية والآمنة للشعب اليهودي".

أسباب محتملة لاستئناف الحرب

      تطرق المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أمس الأحد، إلى مخاطر تجدد القتال وعدد أسبابا محتملة لسيناريو كهذا.

واعتبر أن "الصعوبة التي تواجهها حماس في هذه الأثناء لإظهار إنجاز أمام سكان القطاع بإمكانه أن يبرر معاناتهم إبان الحرب هذا الصيف بعد كل ما حدث، إنما تعقد الأمور وتثير تخوفا معينا تجاه المستقبل".

ولفت المحلل إلى أن حماس تبث رسائل مختلفة، مشيرا إلى أقوال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، موسى أبو مرزوق، الذي قال إن في حال عدم رفع الحصار فإنه لا مفر من حرب أخرى. بينما قال القيادي في حماس، محمود الزهار، إن حماس ستوافق على تواجد رجال أمن السلطة الفلسطينية في القطاع، لكن كقوة مفتشين فقط وليس كقوة أمنية. 

وفيما يتعلق بإسرائيل، كتب هرئيل أن التقديرات السائدة لدى جهاز الأمن، حتى الآن، هي أن القتال لن يتجدد في نهاية الأسبوع الحالي، أي بعد مرور شهر على وقف إطلاق النار وهو الموعد الذي يتعين فيه على الجانبين العودة إلى المحادثات في محاولة للتوصل إلى تسوية.

وكان يعلون قد ادعى، الأسبوع الماضي، أن "الردع الإسرائيلي قوي بشكل كاف كي لا تخاطر حماس بمواجهة عسكرية ثانية الآن" على ضوء الدمار الهائل الذي خلفه العدوان الإسرائيلي في القطاع.

رغم ذلك، رأى هرئيل أنه ما زالت هناك عناصر عديدة من شأنها "حرق الطبخة". وأضاف أن العنصر المركزي، "إلى جانب العداء بين السلطة وحماس"، يتعلق بالوتيرة البطيئة لجهود ترميم القطاع. ورغم أن الأمم المتحدة أعلنت، الأسبوع الماضي، عن إقامة نظام لتوريد مواد البناء من أجل ترميم الدمار الحاصل، إلا أن "ضح الأموال بطيء والبيروقراطية أكثر بطئاً".

وتابع أن "مشهد عجز مئات آلاف السكان عن أن يكون لديهم مكان يسكنون فيه في القطاع، من شأنه أن يرافق حكم حماس في القطاع لشهور طويلة مقبلة".

وأشار إلى تطور محتمل آخر وهو أنه "لا يمكن تجاهل إمكانية حدوث اشتباكات مسلحة موضعية ومن شأنها أن تغذي النيران. ويشكو الفلسطينيون في القطاع من عدة حالات أطلقت فيها زوارق سلاح البحر الإسرائيلي النار باتجاه مراكب اقتربت من حدود منطقة الصيد التي تسمح فيها إسرائيل قبالة الشاطئ، ويشكون من دخول قوات برية تابعة للجيش الإسرائيلي عدة مرات إلى ما وراء الشريط الحدودي، بحثا عن مناطق مزروعة بالمتفجرات".

كذلك أشار هرئيل إلى عودة العلاقات، وإن كانت محدودة، بين إيران وحماس، بعد أزمة في العلاقات بين الجانبين على خلفية الحرب الدائرة في سورية وانتقادات حماس للنظام وحربه ضد الإخوان المسلمين هناك.

وكتب هرئيل أنه "خلال الحرب الأخيرة في غزة أعلنت طهران أنها ستستأنف إرسال شحنات أسلحة إلى حماس من أجل مساعدتها في صراعها ضد إسرائيل".

تكاليف الحرب: "التبذير المفرط" للجيش الإسرائيلي

حذر مسؤولون إسرائيليون من "التبذير" المفرط في استخدام الجيش للذخيرة خلال الحروب، مثلما حدث أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة.

ويأتي السجال في إسرائيل حول هذا "التبذير المفرط" في سياق الجدل حول ميزانية الدولة ومطالب بزيادة ميزانية الأمن بـ 11 مليار شيكل، بعد إعلان الجيش أن خسائره في حرب غزة بلغت 8.6 مليار شيكل، بينما تقول وزارة المالية إن الخسائر أقل من ذلك وبلغت 6.2 مليار شيكل.

وأشار هرئيل إلى تقرير "لجنة بروديت" حول حرب لبنان الثانية، الذي صدر في العام 2007. وجاء فيه أنه "بموجب إفادة الجيش نفسه، فإن قوة النيران التي مورست كانت فائضة بقدر كبير جدا وبلغت تكلفتها مليارات الشواكل. ونُفذ إطلاق النيران باتجاه أهداف كثيرة والمقابل كان متدنيا".

وأوضح هرئيل أنه خلال حرب لبنان الثانية، أطلق الجيش الإسرائيلي 170 ألف قذيفة مدفعية باتجاه مناطق اعتقد أنه تم إطلاق صواريخ منها باتجاه الجليل. "وبقدر ما هو معروف، فإنه من إطلاق النار هذا لم يقتل ولو مخرب واحد من حزب الله".

وأضاف المحلل أنه خلال الحرب الأخيرة في غزة "كانت الوسائل التي استخدمت أكثر ملاءمة للأهداف، لكن التوجه الاقتصادي بقي مشابها" لما حدث في حرب لبنان. ورغم أن الجيش الإسرائيلي يعتم على المعلومات بهذا الخصوص، إلا أن جهاز الأمن الإسرائيلي يؤكد الاستخدام المكثف للاحتياطي الهام للأسلحة والذخيرة، "وينبغي أن نذكر أن كل هذا جرى مقابل حماس، العدو الأضعف في المنطقة".

ونقل المحلل عن رئيس اللجنة الفرعية لشؤون بناء القوة العسكرية المتفرعة عن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، عوفر شيلح، قوله إنه "بالطريقة التي يجري من خلالها استخلاص العبر من الحرب، فإن أية إضافة لميزانية الأمن ستضر بشدة بميزانية الدولة ولن تضيف شيئا لبناء قوة الجيش الإسرائيلي".

وأضاف شيلح، الذي كان أحد أبرز المحللين العسكريين قبل انتخابه للكنيست، أنه "ثبت أنه عندما نعطي الجيش المال فإنه لا يعرف كيف يستغل ذلك لنجاعته ولا للاستعداد للحرب التي قد يخوضها في المستقبل".

وأشار إلى السنوات 2012 - 2013 على أنها مثال جيد على درّ الميزانيات لجهاز الأمن، لكنه شدد على أنه "لم ينتج عن زيادة الميزانية الكثير من الأمن ولا استعداد ملائم للحرب التي اصطدم فيها الجيش في غزة".

وحذر شيلح من أنه "إذا استمررنا بتكبد تكاليف كهذه، وبهذا الاقتصاد الحربي، فإن كل ما يحتاجه العرب هو الاستمرار في محاربتنا مرة كل سنتين، من دون التطلع نحو انتصار. والاقتصاد الإسرائيلي بكل بساطة لن يصمد أمام ذلك".

وشدد على أن "العقيدة القتالية الحالية للجيش الإسرائيلي وبنية قوته في البر، ليستا ملائمتين لهذا التحدي. وقضية الأنفاق في غزة تثبت ذلك. فهذا مثال على أن الجيش استعد للحرب، لكن ليس لما سيواجهه، وبالتأكيد ليس لمواجهة حماس كالتي التقى بها في القطاع".

 


هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 

مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"  و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي