المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 قال تقرير دوري لمعهد "أهران" في المركز الأكاديمي متعدد المجالات في هيرتسليا، إن إسرائيل تتصدر الدول المتطورة في مجال الصحة وما يتبعه من معدل الأعمار، وعدا هذا فإن سلسلة من المجالات الحياتية الأخرى تنافس إسرائيل فيها على قاع اللائحة، ويبرز بشكل خاص مجال المواصلات، وأداء الشرطة على المستوى المجتمعي. وبرغم ما يدعيه التقرير الإسرائيلي بشأن تقدم الجهاز الصحي، فإن تقريرا صدر مؤخرا لمنظمة الدول المتطورة OECD، كان قد انتقد سوء البنى التحتية الصحية (المستشفيات) في إسرائيل.

 

ويسعى معهد "أهران" إلى إعداد تدريج للأوضاع العامة في إسرائيل، مقارنة مع الدول المتطورة الأخرى، كما هي الحال في مؤسسات ومعاهد دولية. وحسب ما يقوله المعهد فإنه يسعى من خلال هذا إلى عرض صورة بنظرة إسرائيلية أمام دوائر القرار الإسرائيلي، في مساهمة لوضع حلول. ويهتم المعهد بالقضايا التالية: النمو الاقتصادي، الاستقرار المالي، الأسعار، التشغيل ومعدلات الأجور، معدلات الفقر، الصحة، التعليم، البيئة والطاقة، المواصلات، الأمن الداخلي (الشرطة)، والبيروقراطية المؤسساتية.

وكانت منظمة OECD قد نشرت، قبل أقل من شهرين، تقريرا تطرّق إلى جوانب عدة في الاقتصاد الإسرائيلي، وفي البنى التحتية، بما فيها المواصلات والصحة. وكان من استنتاجات المنظمة أن "إسرائيل دولة متخلفة جدا في البنى التحتية". كما أنها أشارت إلى نواقص خطيرة في البنى التحتية لجهاز الصحة، ما يساهم في رفع أعداد الموتى في المستشفيات، نتيجة التلوث وغيره.

المواصلات

يقول تقرير معهد "أهران" إن إسرائيل تعاني من تدني مستوى المواصلات وحجم شبكات الطرق. ويستدل من التقرير أن إسرائيل في قاع تدريج الدول من حيث طول الشوارع، بالنسبة لكل 100 ألف مواطن. وتتربع على رأس القائمة أستونيا، التي يصل فيها طول الشوارع لكل 100 ألف مواطن، إلى 4466 كيلومترا. وتليها كندا- 2932 كيلومترا، وفرنسا- 1607 كيلومترات، والمعدل في دول OECD 1388 كيلومترا. ونجد أيضا أن في ألمانيا 795 كيلومترا، وفي بريطانيا 650 كيلومترا، في حين أن إسرائيل تحل في المرتبة قبل الأخيرة، إذ فيها 229 كيلومترا لكل 100 ألف مواطن، وتليها البرتغال في القاع- 137 كيلومترا.

وتشير صحيفة "ذي ماركر"، التي استعرضت تقرير "أهران"، إلى أن المعطيات الواردة تتعلق بالوضع القائم الذي كان حتى قبل ثلاث سنوات، في حين أن السنوات الأخيرة شهدت قفزة كبيرة في شبكة الشوارع، بما في ذلك مشاريع بنى تحتية ضخمة قيد التنفيذ في هذه المرحلة، وبشكل خاص في منطقة الوسط، حيث منطقة تل أبيب الكبرى، والسعي إلى ربط القدس بسكة حديد سريعة. في حين أن مشاريع طرق سريعة قائمة في هذه المرحلة في شمال البلاد، الذي يشهد في غالب ساعات النهار اختناقات مرورية شديدة للغاية. لكن كل هذه المشاريع من الصعب رؤيتها تقرب إسرائيل إلى معدل طول الشوارع في منظمة OECD.

وقال تقرير OECDإن الفجوة الأكبر في مستويات البنى التحتية، بين إسرائيل والدول الأعضاء في المنظمة، قائمة في شبكات الشوارع والمواصلات. فالاكتظاظ في الشوارع بلغ ثلاثة أضعاف ونصف ضعف المعدل في دول OECD. ففي حين أن معدل الكثافة في OECD، هو 800 سيارة لكل كيلومتر، فإن المعدل في إسرائيل يرتفع إلى 2800 سيارة.

وعلى مستوى السيارات الخاصة، فإن معدل اكتظاظها على الشوارع يصل إلى ثلاثة أضعاف المعدل في دول OECD. في حين أن معدل اكتظاظ سيارات النقل، والشاحنات الكبيرة، يصل إلى أربعة أضعاف المعدلات القائمة في تلك الدول المتطورة. وهذا ناجم عن اعتماد الحافلات كوسيلة نقل أساسية في المواصلات العامة، وهو نهج ليس ناجعا.

وقد سجلت إسرائيل، في السنوات السبع الماضية، ذروات عديدة في بيع السيارات الجديدة، ووصلت الذروة الأكبر في العام قبل الماضي، 2016، حينما بلغ عدد السيارات الجديدة أكثر بقليل من 300 ألف سيارة، وأقل من هذا بنسبة 1% في العام الماضي 2017. في حين أن بيع السيارات في العام 2015، سجل هو أيضا ذروة غير مسبوقة حتى ذلك الحين ببيع 254 ألف سيارة، وتقول المعطيات الأخيرة إن بيع السيارات في العام الجاري 2018، يسجل قفزة جديدة، مقارنة مع العام الماضي.

وأوصت منظمة OECD في تقريرها بشق شوارع إضافية، فكمّ الشوارع القائمة أقل بما يعادل كلفة عشرات مليارات الشواكل (الدولار يعادل 6ر3 شيكل في هذه المرحلة)، على أن يتم تمويل شق الشوارع من المواطنين ومن الجمهور، مثل فرض رسوم على السيارات في الشوارع المكتظة، من أجل تقليل استخدام السيارات الخاصة.

جهاز الصحة

ويقول معهد "أهران" إن إسرائيل تتبوأ مرتبة عالية جدا، من حيث نسبة المواطنين الذين يتمتعون بجهاز صحي ذي جودة. وتتربع على رأس القائمة اليابان، التي فيها 100% من المواطنين يتمتعون كليا بجهاز صحي ذي جودة، تليها إسبانيا- 90%، واليونان- 82%، ثم إسرائيل- 78%، ونجد أن النسبة في سويسرا تهبط إلى 62%، وفي هولندا 50%، وتركيا 40%، وفي الولايات المتحدة الأميركية 20%، وفي القاع لاتفيا، بنسبة تقل عن 5%. وحسب تقرير "أهران" فإن مستوى الخدمات الطبية يساهم في رفع معدلات الأعمار في إسرائيل.

ومعدل الأعمار في إسرائيل من أعلى المعدلات العالمية، وتحتل إسرائيل المرتبة الرابعة من بين الدول الأعضاء في OECD، ويبلغ معدل أعمار النساء أكثر بقليل من 84 عاما، والرجال بات يلامس 82 عاما. لكن هناك فجوة كبيرة بين العرب واليهود، إذ يقل معدل أعمار النساء العربيات عن معدل أعمار النساء ككل بعامين تقريبا، ما يزيد من معدل أعمار اليهوديات عن المعدل العام. في حين أن معدل أعمار الرجال العرب يبتعد بحوالي أربع سنوات عن معدل أعمار الرجال.

وتلعب دورا في هذا الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، ولكن ليس وحدها، بل بالأساس ابتعاد شرائح عن فرص الحصول على خدمات طبية ذات جودة. وما يثبت هذا هو أن أدنى معدلات الأعمار نجدها بين العرب في صحراء النقب، الذين يقارب عددهم حوالي 240 ألف نسمة، حوالي 100 ألف منهم يعيشون في قرى ترفض السلطات الاعتراف بوجودها على الأرض، وهم الشريحة الأشد فقرا في البلاد. بينما الشريحة الأشد فقرا بين اليهود، التي تصل نسبة الفقر فيها إلى 45%، وهم المتدينون المتزمتون الحريديم، فإن معدلات الأعمار لديهم تنافس معدل أعمار العلمانيين.

وكما ذكر، يتوقف تقرير OECD عند النقص الخطير في المستشفيات. ويتضح أن عدد الأسرّة في المستشفيات أقل بنسبة 33% من معدل عدد الأسرّة بالنسبة لعدد المواطنين في الدول المتطورة. ومعدلات الاكتظاظ في المستشفيات في إسرائيل لا يمكن تحملها، وتصل إلى 95%، ولذا تحل إسرائيل في المرتبة الثانية، من حيث ارتفاع الاكتظاظ، من بين الدول الـ 34 الأعضاء في منظمة OECD. ويقول التقرير إنه بسبب الاكتظاظ في المستشفيات، فإن الكثير من المرضى ينامون على أسرّة في أروقة المستشفيات، ما يرفع من نسبة التلوث والعدوى بين المرضى. وفي هذا الجانب تحل إسرائيل في المرتبة ما قبل الأخيرة (الأسوأ).

ويتعجب معدو تقرير OECD من "الشروط القاسية في الاكتظاظ الكبير في المستشفيات الإسرائيلية، التي تتسبب في ارتفاع حاد جدا في موت المرضى بسبب العدوى من التلوث". وحسب المعطيات، في إسرائيل يموت سنويا من تلوث، على الأغلب ناجم عن الاكتظاظ الشديد في المستشفيات، بمعدل 38 مريضا، لكل 100 ألف مواطن. في حين أن المعدل السنوي في دول OECD هو 15 مريضا في السنة، في الظروف ذاتها.

وحسب محللين، لو أن المعدل في إسرائيل يهبط إلى المعدل في OECD، لتم انقاذ حياة 200 مريض. ولهذا على إسرائيل أن ترفع عدد الأسرّة في المستشفيات، بما بين 30% إلى 50%، من أجل انقاذ حياة مئات المرضى. وهذا بالتأكيد سيحتاج إلى بناء عدد غير قليل من المستشفيات، في حين أنه منذ سنوات يجري الحديث عن بناء مستشفى واحد أو اثنين جديدين.

الشرطة والجريمة

يقول التقرير إن الميزانيات، التي ترصدها الحكومة الإسرائيلية لجهاز الشرطة، هي من الأعلى في العالم، كما أن عدد عناصر الشرطة هو من الأعلى في العالم، إلا أن أداء الشرطة في ما يتعلق بمواجهة الجريمة هو أقل من متوسط المعدل العام. ويشار هنا إلى أن ما يزيد أعداد الشرطة ويجعلها "من الأعلى في العالم"، هو احتساب ما يسمى "قوات حرس الحدود" ضمن جهاز الشرطة، إلا أن هذه القوات مهامها الأكبر في سياقات الاحتلال، مثل الانتشار في جميع انحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، وأيضا هي من القوات التي تقمع المظاهرات.

ومن الجوانب الأخرى يرى التقرير أن جودة البيئة في إسرائيل تعد متخلفة من حيث مدى السعي لرفع مستوى جودتها. كذلك فإن استهلاك الطاقة، على مستوى الفرد، يُعدّ من الأقل عالميا.

المصطلحات المستخدمة:

دورا, حرس الحدود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات