"اسرائيل هي إحدى الدول الرائدة في العالم، وتحتل المراتب الاولى في مجال الفجوات في جهاز التعليم، فجوات على أساس اجتماعي اقتصادي وقومي (يهود وعرب) وأصلاني، انتمائي (غربيون وشرقيون) وفترة الاقامة في الدولة (من ولدوا فيها ومن هاجروا اليها) ومكان الاقامة في الدولة (في مدن وقرى غنية او فقيرة). وهذه المعطيات تؤكد فشل جهاز التعليم في التجسير على الفوارق بين طلاب من قطاعات مختلفة ومن خلفيات اجتماعية – اقتصادية مختلفة".
هذا بعض ما سجّلته "لجنة دوفرات" في تقريرها عن أوضاع التعليم في البلاد، والذي قررت الحكومة تبنيه بالكامل في جلستها الأسبوعية، الاحد.
وكانت هذه اللجنة الخاصة، برئاسة شلومو دوفرات، وعضوية (17) من الأخصائيين في مجال التعليم، قد بدأت العمل في شهر تشرين الاول/ أكتوبر الماضي بقرار من الحكومة، وفق توصية من وزيرة المعارف، لفحص اوضاع جهاز التعليم في البلاد من كافة النواحي. وكانت اللجنة قد قدمت تقريرها، قبل أيام، الى رئيس الحكومة ووزيرة المعارف . وأمس الأول الاحد، نشرت معطياته كاملة مع توصيات هدفها "نفض جهاز التعليم جذريا"!، كما قال المسؤولون الاسرائيليون.
وأشار واضعو التقرير الى ان "البرنامج المقترح لاجراء تغييرات جذرية في جهاز التعليم الاسرائيلي هو برنامج غير مسبوق بحجمه، خاصة وانه يتطرق تقريبًا لكل زاوية صغيرة في جهاز التعليم في البلاد"!
وكان كتاب تعيين اللجنة قد أوضح ان "مهمتها هي فحص جهاز التعليم في اسرائيل والتوصية، من خلال برنامج عام، بقلب جهاز التعليم وتغييره الى جهاز تعليم يتبوأ المراتب الاولى على صعيد عالمي، من حيث الانجازات واقتراح السبل والآليات لتنفيذ التوصيات والبرنامج، خلال فترة محددة".
"أزمة كبيرة في جهاز التعليم"
وكتب اعضاء اللجنة: "ان التحديات الكثيرة وانجازات الماضي الهامة ليس بامكانها التغطية على المشاكل والقصورات ومناحي الفشل التي تكشف عن ازمة كبيرة.. ولقد وجد اعضاء اللجنة عددًا كبيرًا من مواضع الفشل منها: ان تحليل نتائج الانجازات العالمية، نتائج الفشل في الامتحانات والمعطيات عن عدد المتجندين في الجيش، تشير الى انجازات قليلة ومنخفضة للطلاب في اسرائيل، والى انخفاض متواصل في تلك الانجازات. وتبرز انجازات الطلاب المنخفضة، بشكل خاص، في المواضيع الأساسية وهي: اللغات والرياضيات والعلوم. وان الارتفاع في نسبة الحاصلين على البجروت يعكس تحسنا جزئيًا فقط، اذ ان الفوارق بين شهادات البجروت المختلفة وتركيبة الامتحانات لا تشكّل قاعدة ملائمة للمقارنة وللحصول على صورة صادقة وحقيقية عن انجازات ومكاسب جهاز التعليم. كما ان مكانة المعلم في اسرائيل لا تتلاءم مع التوقعات الاجتماعية والقومية من جهاز التعليم، ورواتب المعلمين هي من الرواتب المنخفضة في القطاع العام وهي اقل بكثير من رواتب المعلمين في دول متطورة ناهيك عن أن مستوى المتطلبات من المتوجهين الى العمل في سلك التعليم هو منخفض وتأهيلهم غير كاف. وهناك تراجع كبير في مكانة المعلم في أعين طلابه من مختلف الأعمار. ويخلق هذا الوضع صعوبات دائمة، تتأزم باستمرار في مجال تعليم وتربية أبناء الشبيبة. وفي السنوات الأخيرة تصاعد، أيضًا، مس الاهالي بالمعلم وبمكانته. وبالاضافة الى ذلك، فان موارد التعليم في اسرائيل تستغل بشكل غير ناجع وغير متساو، وهناك ميزانيات خاصة من وزارة المعارف مخصصة للاولاد من أبناء الفئات في ضائقة يتم تحويلها في أحيان كثيرة، الى الفئات الغنية! كما ان وقت التعليم في اسرائيل غير مفيد ويتبوأ الطلاب وجمهور المعلمين في الدولة المرتبة الاولى، عالميًا، في التغيب عن المدرسة، وهناك عدة قصورات مركزية في جودة وأسلوب ادارة جهاز التعليم في اسرائيل. اذ ليس هنالك تعريف واضح ومتكامل لمسؤوليات العناصر المختلفة، مؤهلاتها وصلاحياتها وتبعيتها التنظيمية".
ويضيف التقرير: "في اسرائيل، وخلافا لما هو قائم في العالم، هناك مستويان متوسطان بين وزارة المعارف والمدارس، بدلا من مستوى واحد. وتلك الأجهزة القائمة لا حاجة لها وتؤدي الى بعثرة الأموال والموارد، بينما المدارس هي قليلة الصلاحيات. والتشريع فوضوي ولا يتم تطبيقه. وليست هنالك قدرة حقيقية على التخطيط للمدى البعيد والسياسة لا تستند الى مقاييس ومعطيات"!
وبعد رسم صورة قاتمة عن جهاز التعليم في البلاد، قدم اعضاء اللجنة عدة توصيات لاصلاح الوضع هدفها: "تقوية التعليم العام وسدّ الفجوات في التعليم وتحسين كبير في مهنة التعليم ومكانة المعلم وتعزيز واستقلالية المدرسة وترسيخ التعليم المتعدد الأهداف ورصد ميزانيات كافية وتركيز الموارد والنجاعة".
وبالنسبة للعلاقة بين الطالب والمعلم تؤكد اللجنة انه "على المعلم ان يكتشف نقاط القوة في كل طالب ومساعدته على تطوير القدرات والطاقات الكامنة لديه، حتى التفوق في المجال الذي يرغب فيه ويبدع فيه. وعلى المديرين والمعلمين الاهتمام بتطوير القدرات الشخصية وتوطيد العلاقات الانسانية بين المعلم والطالب وتنمية وتطوير القدرات الابداعية الشخصية".
ومن أجل تحقيق التغييرات المطلوبة والمنشودة يوصي تقرير هذه اللجنة بتحقيق "تواصل تعليمي من الروضة حتى الثاني عشر، من خلال الغاء المدارس الاعدادية، من اجل التقليل – أقصى ما يمكن - من التنقل بين اطر تعليمية مختلفة". وتعني هذه التوصية اقتصار جهازالتعليم على مرحلتي تعليم فقط هما: المرحلة الابتدائية والمرحلة "فوق الابتدائية" (الثانوية)، بحيث تتولى كل مؤسسة تعليمية مهمة "إقامة جهاز استكمال خاص بها للطلاب الذين لا يستوفون شروط الترفّع من سنة دراسية الى اخرى، وبحيث تلتزم كل مدرسة بالاهتمام بكل طالب لمنع تسربه من المدرسة ومن مقاعد الدراسة".
واوصت اللجنة باقامة "جهاز دعم" للروضات وللصفوف في المرحلة الابتدائية، يمكّن كل طفل من اكتساب المهارات الأساسية، وتوطيد العلاقة مع الاهالي، اضافة الى تقليص عدد المواضيع التدريسية في الصفوف الأولى والثانية. واجراء "امتحان إنجازات" قطري ملزم لجميع الطلاب في الصف الثاني.
ومن توصيات اللجنة أيضًا، تقليص عدد المواضيع التي يتم تدريسها في الوقت ذاته، الى (9) مواضيع فقط في المدرسة الثانوية.
كما اوصت اللجنة بتغيير مبنى وتركيبة شهادة "البجروت" (التوجيهي) والتقليص، قدر الامكان ومع الوقت، في عدد الامتحانات الخارجية، وتقوية مركّب "التحضير والتقدير" في داخل المدرسة نفسها.
ولكي تكون المدارس "مركزًا للعمل التربوي"، أوصت اللجنة بان يكون يوم التعليم في جميع انحاء البلاد، من الروضات حتى الثانويات، من جيل (3) الى (18) سنة، من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، وتتخلله استراحة يستطيع الطلاب خلالها تناول وجبة غداء. وفي المدارس الابتدائية، يلزم الطلاب بالبقاء حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. وفي المدارس فوق الابتدائية، تبقى المختبرات والصفوف مفتوحة حتى الرابعة بعد الظهر.
وبشأن الغاء المرحلة الاعدادية قالت اللجنة انها "توصية أساسية والهدف منها هو ضمان ان لا تكون بين الصف الاول والصف الثاني عشر الا مرحلة انتقال واحدة فقط".
ومن التوصيات التي طرحت في التقرير، أيضًا: تحسين الاجواء في المدارس وتقوية صلاحياتها لمكافحة العنف وتقسيم المدارس الكبيرة الى مدارس صغيرة، من اجل زيادة النجاعة والفعالية، ومنح استقلال داخلي للمدرسة وللروضات، بما في ذلك الاستقلال التربوي، وزيادة مسؤوليات مديري المدارس (تخويل المديرين صلاحية فصل معلمين او مكافأة آخرين، مثلا) وإقامة طواقم ادارية في المدارس واعطاء "حكم ذاتي" في ادارة الميزانيات واختيار المعلمين وعاملي المؤسسة التعليمية، وبحيث تضع كل مدرسة اهدافا سنوية وتنشر تقريرًا سنويًا عن الوضع فيها.
واوصت اللجنة بفصل عشرات آلاف المعلمين وزيادة رواتب المعلمين الذين سيظلون في المدارس. وجاء: "من اجل مكافأة المعلمين بالشكل المطلوب"، ومن اجل تشجيع انضمام ذوي الكفاءات والمؤهلات الى جهاز التعليم والبقاء فيه، يجب رفع رواتب المعلمين بشكل جدي. وبالمقابل، يجب ايضًا رفع مستوى المتطلبات المهنية منهم، وخاصة منافسة عاملي القطاع الاكاديمي، وان يكون الراتب بناء على الأقدمية في العمل والشهادة الجامعية. وان توقع اتفاقيات شخصية بين مديري المدارس وعدد قليل من المعلمين "النجوم"، الذين يشكلون نسبة قليلة من معلمي المدرسة. ويجب تغيير برنامج تأهيل المعلم ليكون شاملا وجيدا واشتراط العمل في مهنة التعليم بالحصول على "رخصة خاصة" من وزارة المعارف (مثل رخصة المحاماة او رخصة الطب)، بعد انهاء سنة تخصص".
واوصت اللجنة بصياغة تعريف محدّد لوظائفية وزارة المعارف والثقافة، ونقل كل مؤسسات التعليم غير الخاضعة لمسؤوليتها حاليا الى مسؤوليتها واقرار أهداف قابلة للتحقيق وواضحة لكل جهاز التعليم وتعديلها كل ثلاث سنوات.
وبالنسبة للميزانيات من اجل تطبيق وتنفيذ تلك التوصيات اوصت اللجنة بايجاد "سلة ميزانيات عامة" لخدمات التعليم والتشدد لضمان ميزانية اولية خاصة لكل طالب من خلال تفضيل الطلاب الضعفاء، ووضع غالبية الموارد تحت مسؤولية وتصرف المدرسة، كما اوصت بتقليص مدفوعات الاهالي ووضع قواعد ومعايير موحدة لتمويل التعليم.
هذا، ومن المنتظر ان يقدم اعضاء اللجنة، بعد حوالي نصف السنة، برنامجًا مفصلا لتطبيق توصياتهم مع تفاصيل دقيقة حول الميزانيات اللازمة. ومن المتوقع التنفيذ التدريجي للبرنامج خلال خمس سنوات.