المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 4890
  • انطوان شلحت

يعتقد رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن أن "إسرائيل بنسختها العلمانية والتقدمية عمومًا انتهت... وأنه منذ الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في آذار 2015، تسارع زخم عدد من النزعات والاتجاهات البطيئة تسارعًا دراماتيكيًا، وإذا ما استمرت فسوف تغير طبيعة البلد في وقت قريب إلى حدّ يتعذّر معه التعرف عليه".

وأعرب بن عن اعتقاده هذا في سياق مقالة مطولة ظهرت في شهر حزيران الفائت في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تحت العنوان " نهاية إسرائيل القديمة... كيف غيّر نتنياهو وجه الشعب".

وبرأي بن، التحول الذي حدث إلى الآن عميق ومثير وملفت، إذ إن قادة إسرائيل الحاليين بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو- الذي يشير إلى أنه تغير بعد تلك الانتخابات من محافظ يتجنب المخاطرة إلى يمينيّ متطرف- يرون الديمقراطية مرادفة لحكم الأغلبية المُتحرّر من الرقابة، ولا يطيقون صبرًا على الكوابح والضوابط والقيود مثل المراجعة القضائية أو "حماية الأقليات"، نظرًا إلى أن إسرائيل، بالنسبة إليهم، دولة يهودية أولًا وديمقراطية ثانيًا. ويجب ألا يتمتع بالحقوق الكاملة سوى اليهود، بينما يجب التعامل مع الأغيار (الغوييم) بحذر والنظر إليهم بعين الشك. وعلى الرغم من تطرف هذا الاعتقاد وغلوه إلا إنه واسع الانتشار الآن، حيث وجد استطلاع للرأي نشره "معهد بيو" في آذار (2016) أن 79 بالمئة من اليهود الإسرائيليين يؤيدون مبدأ "المعاملة التفضيلية" لليهود، وهو تعبير مغلف بغلالة رقيقة عن التمييز العنصري والديني ضد الآخر غير اليهودي.

كما أنه في هذه الأثناء، لم يعد حل الدولتين للصراع مع الفلسطينيين مطروحًا على الطاولة، وتعمل إسرائيل بثبات على تأبيد احتلالها للقدس الشرقية والضفة الغربية. وبالموازاة تتعرض جماعات حقوق الإنسان والمعارضة التي تتجرأ على انتقاد الاحتلال وفضح انتهاكاته إلى الإدانة من جانب المسؤولين، كما سعت الحكومة إلى إصدار قوانين جديدة تقيد أنشطتها، وتدهورت العلاقات العربية- اليهودية إلى الدرك الأسفل، بينما يتفكك المجتمع اليهودي أكثر فأكثر إلى قبائله التكوينية.

ويمضي الكاتب فيقول إن انتفاضة الأفراد المنعزلين- كما أسمت إسرائيل الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية- كانت بمثابة أصعب اختبار للحكومة الراهنة حتى الآن. فقد ادعى نتنياهو على الدوام أنه صلب شديد المراس في التصدي لـ"الإرهاب" واتهم خصومه بالضعف واللين، لكن يبدو أنه، مع كبار مساعديه، عاجزون عن العثور على مفتاح الحل للهبّة. وبدلًا من وقف نزيف الدم، ضاعفوا هجومهم على الذين يعتبرونهم أعداء الداخل، كجماعات حقوق الإنسان، والسياسيين العرب. وسارت على النهج نفسه أحزاب اليسار- الوسط، التي خشيت من أن تبدو لاوطنية. ففي نيسان الفائت، حث رئيس تحالف "المعسكر الصهيوني" زعيم المعارضة البرلمانية إسحاق هيرتسوغ حزب العمل على "التوقف عن إعطاء الانطباع بأننا من محبي العرب دومًا". بينما طالب يائير لبيد، رئيس حزب "يش عتيد" ("يوجد مستقبل") المعارض - حزب آخر ينتمي إلى الوسط- الجيش والشرطة بتخفيف القيود على قواعد الاشتباك و"إطلاق النار لقتل كل من يحمل سكينًا أو أي أداة جارحة حتى مفك البراغي".

وإجمالًا يشدّد الكاتب على أن نتنياهو لا يُعدّ منيعًا يتعذر إسقاطه، لكنه في الوقت عينه يؤكد أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات العامة المقبلة، يبدو من المرجح أن بعضًا من التغييرات العميقة التي حدثت سوف يتجذر ويترسخ ويدوم. ومنذ الآن أصبح البلد أقل تسامحًا وانفتاحًا على الحوار مقارنة بحاله سابقًا. وتراجع معسكر السلام وانحسر تأثيره، ولم يعد يتحدى الاحتلال فعلًا سوى قلة قليلة من النشطاء. أما العلاقات العربية- اليهودية فقد ساءت إلى أبعد حدّ. فضلًا عن ذلك كله، عزّز تراجع الدور الأميركي الإحساس السائد لدى كثير من الإسرائيليين بإمكان الاعتماد على الذات وعدم الحاجة إلى السعي لإرضاء واشنطن.

في ظل هذا كله، ومن دون أن يعني ذلك تماشيًا بالمطلق مع ما يقوله بن، يُطرح السؤال حول وجهة إسرائيل فيما يتعلّق بمستقبل الصراع مع الفلسطينيين؟.

يكمن جانب مهم من الجواب عن هذا السؤال في "مذكرة" جديدة كتبها أحد أقطاب اليمين الإسرائيلي الحاكم، وتطالعون ترجمة حرفية لنصها الكامل على ص 5 من هذا العدد.

وبربط ما تقوله هذه "المذكرة" مع ما صرّح به نتنياهو وما كتبه مساعدوه المقربون، يمكن تحديد الموقف الإسرائيلي من تسوية القضية الفلسطينية على النحو التالي:

"لا يلوح في الأفق الآن أي إمكان للتوصل إلى اتفاق.. مع ذلك مثل هذا الاتفاق ضروري لكونه يتيح لإسرائيل تطوير علاقاتها مع بعض دول الجوار في المنطقة، ويجب أن تكون الإجراءات والوسائل الأمنية المعتمدة كجزء من الاتفاق على أعلى مستوى من الصرامة والحزم!". وبجانب هذا يصر اليمين الإسرائيلي على أن معادلة "الأرض مقابل السلام" كانت مجرد وهم، وهي ليست لبّ الصراع، وإنما لبّـه "وجود دولة يهودية في الحيز الذي يعتبره الفلسطينيون وطنهم".

ولعل الأبعد مدى من ذلك يتمثل بالاعتقاد أن "الوضع القائم" في ظل الاحتلال وتغوّل الاستيطان يمكن أن يكون دائمًا وأن يصمد!.
بطبيعة الحال فإن هذا الاعتقاد الأخير غير مرتبط فقط بإسرائيل ويمينها ووسطها و"يسارها"، كما أثبتت أحداث الأيام الأخيرة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات