المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"ربيع الحريديم" قد يكون الوصف الأنسب لجمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، فهم يتلقون ميزانيات مباشرة وغير مباشرة، غير مسبوقة بحجمها، دون ضغوط لدفع رجالهم نحو سوق العمل، وبالذات دون ضغوط لفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على شبانهم، في حين أنهم متحمسون لقوانين تقويض جهاز القضاء الإسرائيلي، والانتقاص من صلاحيات المحكمة العليا، وبموازاة ذلك فإنهم يستعدون لسن قوانين تخدمهم، وتزيد من أنظمة الإكراه الديني، القائمة منذ عشرات السنين.

فهذه ليست حكومة اليمين الاستيطاني التي يشاركون فيها، فمنذ مطلع سنوات الألفين، باتت أحزاب الحريديم جزءا أساسيا من اليمين الاستيطاني، فهم ليسوا أحزابا مؤسسة للسياسات واستفحالها، وإنما داعم أساس، خاصة حينما نعلم أن أكثر من 40% من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس المحتلة، هم من الحريديم، ولم يعد يقتصر استيطانهم على 8 مستوطنات، غالبيتها في محيط القدس المحتلة، إلا أنه في كل واحدة من الحكومات السابقة، كان أحد الأطراف لاجم، لحد ما، لجشع الحريديم في الميزانيات، وأيضا في التشريعات ذات الطابع الديني، أو أن يكون طالبا لفرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم.

في الحكومة الحالية، لا يوجد أي طرف من جميع أحزاب الحكومة وكتلها البرلمانية، يعارض مطالب الحريديم، فهم يتلقون دعما في كل ما يتعلق بجانب التشريعات، من الكتل الثلاث التي جاءت من التيار الديني الصهيوني، التي تتشدد دينيا، كما أن في كتلة الليكود نواباً متدينين يدعمون مطالب الحريديم في ما يخص التشريعات، أما في مسألة الميزانيات، فإن الدعم كامل.

ولهذا نجد كتلتي الحريديم في الحكومة الحالية، الأقل صداما وتهديدا للحزب الأكبر، الليكود، ورئيسه بنيامين نتنياهو، خلافا لكتلة "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة إيتمار بن غفير، ثم كتلة "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش.

كذلك فإن كتلتي الحريديم معنيتان منذ سنوات طوال جدا، وحتى قبل كل أحزاب اليمين، بتقويض صلاحيات المحكمة العليا، التي اصطدمت مرارا مع الحريديم، خاصة في مجال فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، وأصدرت قرارات تلزم الحكومة بالتعامل بمساواة بين كل اليهود المفروضة عليهم الخدمة العسكرية، وأيضا في مجال قوانين وأنظمة ذات طابع إكراه ديني، مثل تخفيف قيود السبت.

حتى الآن، نجح الحريديم في الحكومة بجعل حظر إدخال الأطعمة المخمّرة إلى المستشفيات في أسبوع الفصح العبري قانونا، وقد تم تمريره بمسار تشريعي سريع، ودخل حيز التنفيذ قبل الفصح العبري الأخير، في نيسان الماضي، من هذا العام، لكن هذا واحد من سلسلة قوانين وأنظمة أشد خطورة، وعمقا، ومن أبرز ما يسعى له الحريديم، لكنه سيفاقم النقمة على الحكومة، هو سن قانون أساس (دستوري) يعتبر دراسة التوراة قيمة وطنية عليا، بقصد أن تكون موازية لقيمة الخدمة العسكرية الإلزامية. والقصد من سن هذا القانون، المطروح على جدول أعمال الكنيست، أن يكون قاعدة أساسية لإعفاء كلي لشبان الحريديم من الخدمة العسكرية الإلزامية، التي يرفضونها لدوافع دينية، من باب أن الخدمة العسكرية تضع الشبان أمام حالات اجتماعية فيها خرق لنظامهم الديني المتزمت، وتبعدهم عن مجتمعاتهم المنغلقة، ليكونوا منفحتين على العالم الواسع، وهذا مصدر تخوف لدى قادة الحريديم، من أن تكون الخدمة العسكرية فاتحة للأجيال الناشئة لترك مجتمع الحريديم والخروج إلى العالم العصري.

ولدى الحريديم سلسلة من المطالب ذات انعكاسات بعيدة المدى. فمثلا هم يطالبون بتوسيع صلاحيات المحاكم الدينية، ليكون بقدرتها التحكيم في قضايا مدنية عادية، في ما لو أراد طرفان هذا التحكيم، أو حتى إذا اشترط هذا مقدم خدمات في اتفاقية موقعة من طرفين. وهذا المطلب ورد في الاتفاقية بين حزبي الليكود وشاس. وحسب التقديرات، فإنه في حال تم هذا، فإن الحريديم سينتقلون إلى جهاز المحاكم الدينية في القضايا الدنيوية.

كذلك رأينا في بدايات عمل الحكومة، مطالب الأحزاب الدينية بوقف كل أعمال الصيانة في شبكة المواصلات، وخاصة القطارات، في أيام السبت، وتقليص أكثر للمجال الضيق أصلا للعمل في أيام السبت.

وقد وصل الأمر إلى حد طلب كتلة يهدوت هتوراة للحريديم الأشكناز (الغربيين)، وقف إنتاج الكهرباء في أيام السبت، بمعنى 36 ساعة أسبوعيا، وأيضا في الأعياد العبرية التي يكون فيها عدد الساعات أطول، إذا تلاقت مع يوم السبت. وعلى الرغم من أن الليكود نفى أن يكون هذا شرطا، إلا أن مصادر يهدوت هتوراة لم تنف هذا المطلب، الذي تم تقديمه إلى جانب سلسلة من المطالب الدينية الأخرى.

كذلك فإن كتلتي الحريديم أدخلت إلى مسار التشريع مشروع قانون يجيز لصاحب بيت في بناية سكنية، وبموافقة الساكنين، وضع عداد مياه يتوقف عن العمل في أيام السبت والأعياد اليهودية.

 

ميزانيات ومخصصات اجتماعية غير مسبوقة

سجلت الميزانية العامة للعامين الجاري والمقبل، 2023 و2024، تحويلات صرف غير مسبوقة لكتل الائتلاف الحاكم، تصرفها على بنود صرف استثنائية، بلغ حجمها الإجمالي في العامين الجاري والمقبل، أكثر من 13.7 مليار شيكل (ما يعادل أكثر من 3.7 مليار دولار)؛ في العام الجاري 5.4 مليار شيكل، وفي العام المقبل 2024 حوالي 8.3 مليار شيكل، بغالبيتها الساحقة ستتجه للصرف الزائد على جمهور ومؤسسات الحريديم، الذين نجحوا في جوانب معينة بمضاعفة ميزانيات قائمة، ومنها المخصصات التي يتلقاها "طلبة" المعاهد الدينية.

فمثلا، في ميزانية العام 2022، التي أقرت حينما كان الحريديم خارج الحكومة، تم تخصيص ميزانية 1.2 مليار شيكل للمعاهد الدينية التابعة للحريديم، وفي ميزانية العام الجاري 2023، ارتفعت الميزانية إلى 1.7 مليار شيكل، وفي العام المقبل ستكون ملياري شيكل، بمعنى زيادة بنسبة 67% مقارنة مع العام 2022. وهذا ليس كل ما يتم تحويله لهذه المعاهد وطلبتها، الذين أعمارهم فوق 17 عاما، ويبلغ عددهم حاليا 157 ألف "طالب". ففي جانب المخصصات الاجتماعية، تقريبا في كل بند صرف على العائلات الفقيرة والضعيفة، هناك مسار تفضيلي لجمهور الحريديم. على سبيل المثال، وضعت إسرائيل خلال سنوات الكورونا نظام القسائم الغذائية، لكنه استمر بعد انتهاء الجائحة، وتكفي المعطيات التي استعرضتها صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" لتوضح ذلك، إذ جاء أن 71% من العائلات الفقيرة، التي تعاني من عدم الاكتفاء الغذائي، لم تنجح في الحصول على القسائم الغذائية. فمثلا، في حين أن 42% من العائلات العربية تعاني من عدم ضمان غذائي، فإن 17% فقط من هذه العائلات حصلت على القسائم. أما لدى الحريديم، فإن 16% من عائلاتهم تعاني من عدم أمان غذائي، إلا أن 32% من عائلات الحريديم حصلت على القسائم. وهذا التمييز، جاء بعد أن خلق الوزير السابق آرييه درعي، في العامين 2020 و2021، علاقة بين الاستحقاق لتخفيض ضريبة المسقفات البلدية (ضريبة الأرنونا حسب التسمية العبرية)، واستحقاق القسائم الغذائية. وهذا أبقى قسما كبيرا من المحتاجين الحقيقيين في الخارج، وأحسنَ إلى وضعية اليهود ذوي العائلات كثيرة الأفراد، أي المصوتين لأحزاب الحريديم. وعندما تعطّل الدفع قدما بالقانون، قاطعت كتلة شاس المداولات في لجنة المالية البرلمانية.

 

الفقر الإرادي والاقتصاد الأسود

تُجمع كل تقارير الفقر الرسمية، الصادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني)، على أن الحريديم هم الشريحة الأشد فقرا، بشكل خاص بين اليهود، ولكن في بعض التقارير في السنوات القليلة الأخيرة، يظهر وكأنهم أشد فقرا حتى من العرب، لكن هذه نسب غير واقعية، وسنأتي على شرحها.

يشكل الحريديم في هذه المرحلة حوالي 14% من إجمالي السكان من دون القدس المحتلة، وهذا يعني أنهم يشكلون حوالي 18% من اليهود المعترف بيهوديتهم في إسرائيل (4.5% من الذين يعلنون أنهم يهودا ليس معترفا بيهوديتهم).

وتتراوح نسبة التكاثر الطبيعي لديهم ما بين 3.8% إلى 4%، ومعدل الولادات للمرأة الواحد من الحريديم حوالي 6.5 ولادة. وهناك تباين في هذا المعدل، إذ أن معدل الولادات لدى النساء الحريديات من الطوائف الغربية (الأشكناز) أعلى، ويتراوح ما بين 7 إلى أكثر من 8 ولادات، إذ أن المعدل لدى النساء الحريديات الشرقيات (السفراديم) أقل، ويتراوح ما بين 5 إلى 6 ولادات.

ولأجل المقارنة، فإن معدل الولادات لدى النساء اليهوديات من التيار الديني الصهيوني ما بين 4 إلى 5 ولادات، ونسبة التكاثر الطبيعي لدى هذا التيار في حدود 3.1%، ولدى النساء اليهوديات العلمانيات، يقل معدل الولادات عن 1.5 ولادة للأم الواحدة، ونسبة تكاثر العلمانيين لا تتعدى 1.4%.

أما لدى العرب، فلسطينيي الداخل، وبفعل التطور المجتمعي، فإن معدل الولادات للأم الواحدة في العام 2021 هبط إلى 2.9 ولادة، وهناك تباين كبير في المناطق الجغرافية، إذ أن معدل الولادات في الجنوب أكثر. ونسبة تكاثر فلسطينيي الداخل في حدود 2.6%. ونسبة التكاثر العام في إسرائيل 2%.

آخر تقرير لمؤسسة الضمان الاجتماعي الصادر في نهاية العام 2022، عن العام 2021، دلّ على أن حوالي 40% من الحريديم يعيشون تحت خط الفقر، وأن 47% من أطفال الحريديم يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة الفقر بين اليهود من دون الحريديم أقل من 12% وبين أطفالهم 13%؛ بينما لدى العرب نسبة الفقر على مستوى الأفراد، أقل من 39% وبين أطفالهم 49%.

لكن بالنسبة للحريديم على وجه الخصوص، فإن المحللين وخبراء الاقتصاد يشككون في دقة هذه المعطيات، لأن تقرير مؤسسة الضمان الاجتماعي يتعامل مع المداخيل الرسمية للعائلات، بمعنى أنه ليس بقدرة المؤسسة احتساب الاقتصاد "الأسود" غير المسجل في السجلات الرسمية، وهذه ظاهرة منتشرة بقوة في مجتمع الحريديم، وسنأتي عليها هنا.

الجانب الآخر، هو أن الفقر لدى الحريديم في غالبيته العظمى، هو فقر إرادي، بسبب معدل الولادات العالي جدا، واختيار حوالي نصف رجال الحريديم الامتناع عن التوجه إلى سوق العمل، وغالبية المنخرطين في سوق العمل يعملون في أعمال مردودها المالي متدن، عدا عن خيارهم العيش حياة تقشفية.

على مدى سنوات عديدة، يجري الحديث في إسرائيل عن حجم الاقتصاد الأسود في مجتمع الحريديم المنغلق على نفسه، ويجري الحديث عن مليارات الشيكلات (سعر صرف الدولار 3.7 شيكل للدولار)، وهذا يكون من خلال دورة مالية منغلقة عندهم، ومن تبرعات ضخمة من الحريديم خارج إسرائيل، وهذه الأموال تصل إلى طوائفهم، وكل عائلة من الحريديم عادة ما تكون تابعة لطائفة معينة، ولها زعيم ديني يقودها، ولكل طائفة ميزانية خاصة بها، عدا الميزانيات الرسمية، وهي تدفع مخصصات اجتماعية لأتباعها، ولطلبة المعاهد الدينية، وحتى رواتب معلمي المعاهد الدينية.

ولهذا عرقل الحريديم على مدى حوالي 11 عاما، سن قانون يفرض قيودا في الدفع نقدا، ووجدت إسرائيل نفسها أمام ضغوط من مؤسسات مالية دولية وصلت إلى حد التهديد، خاصة من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ودخل القانون لأول مرة إلى حيز التنفيذ في العام 2018، ولاحقا تم تشديد القيود أكثر. وحاليا لا يجوز إتمام صفقة بين شخص ومحل تجاري نقدا بمبلغ يتجاوز 5 آلاف شيكل (1350 دولار).

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، ناتي طوكر، إن الاقتصاد الأسود في مجتمع الحريديم هو "لغز من أكبر الألغاز في اسرائيل، الذي لا يجد أي أحد حلاً له حتى الآن: كيف أن مجتمع الحريديم الذي هو مجتمع فقير في إسرائيل، ينجح في تمويل نفسه بنسبة عالية كهذه في شراء البيوت؟".

وتابع: "اذا نظرنا إلى استطلاع النفقات والمداخيل الحديث جدا لمكتب الإحصاء المركزي في العام 2020، فإن اللغز يزداد. الدخل الخام لعائلة حريدية هو فقط نحو 60% من دخل عائلة علمانية، 13600 شيكل في الشهر لعائلة حريدية مقابل 22200 شيكلاً في الشهر لعائلة علمانية. يعتمد الحريديم بدرجة كبيرة على الآخرين، تقريبا ثلث دخل العائلة الحريدية يأتي من مساعدات أخرى مقابل 10% للعائلة العلمانية".

وبرغم الموارد المتدنية للعائلة الحريدية إلا أن نسبة أصحاب البيوت في أوساط العائلات الحريدية اعلى، 70% مقابل 58.4% للعائلات العلمانية.

ويتضح من المقال أنه خلافا لباقي الجمهور، فإن بنوك القروض الإسكانية لا تعتمد فقط على مداخيل العائلة الرسمية، بل أيضا على توصيات من قادة الطائفة التي تتبع لها العائلة، وهذا أمر غريب، وكما يبدو هو تلميح للمداخيل غير الرسمية المسجلة.        

وكتب طوكر: "إن القضية الأساسية التي طرحت للنقاش فيما يتعلق بأسلوب البنوك ليست إدارة المخاطر في البنك، بل الطريقة التي تسمح فيها المنظومة المالية باستخدام المال الأسود- مداخيل ربما لم يتم الابلاغ عنها- من أجل دفع قروض السكن".

واضاف: "مداخيل الحريديم التي لا يتم الإبلاغ عنها تنقسم إلى عدة أنواع. الدخل الأساسي والمتدني جدا هو منحة طالب المدرسة الدينية من المعهد الديني، وهو دخل يتكون من منحة طالب المدرسة الدينية الذي تدفعه الدولة، مع إضافة منح أخرى من التبرعات، التي يمكن أن تبلغ بضعة آلاف من الشواكل الأخرى. كذلك فإن رواتب معلمي المعاهد الدينية، تستكمل بالدفع نقدا".

ويؤكد طوكر أن الدولة تدرك وجود رأس مال أسود في مجتمع الحريديم. مثلا، في تقرير سلطة تبييض الأموال تم التقدير بأن نسبة 2.4% من المال الأسود في اسرائيل تأتي من مؤسسات خيرية وجمعيات. الحديث لا يدور حول مبلغ مرتفع، لكن هذا تقدير فقط. والدولة تقريبا لا تفعل أي شيء من اجل فحص حجم رأس المال الأسود في مجتمع الحريديم ولا تقوم بإنفاذ القانون.

"ربيع الحريديم" قد يكون الوصف الأنسب لجمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، فهم يتلقون ميزانيات مباشرة وغير مباشرة، غير مسبوقة بحجمها، دون ضغوط لدفع رجالهم نحو سوق العمل، وبالذات دون ضغوط لفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على شبانهم، في حين أنهم متحمسون لقوانين تقويض جهاز القضاء الإسرائيلي، والانتقاص من صلاحيات المحكمة العليا، وبموازاة ذلك فإنهم يستعدون لسن قوانين تخدمهم، وتزيد من أنظمة الإكراه الديني، القائمة منذ عشرات السنين.

فهذه ليست حكومة اليمين الاستيطاني التي يشاركون فيها، فمنذ مطلع سنوات الألفين، باتت أحزاب الحريديم جزءا أساسيا من اليمين الاستيطاني، فهم ليسوا أحزابا مؤسسة للسياسات واستفحالها، وإنما داعم أساس، خاصة حينما نعلم أن أكثر من 40% من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس المحتلة، هم من الحريديم، ولم يعد يقتصر استيطانهم على 8 مستوطنات، غالبيتها في محيط القدس المحتلة، إلا أنه في كل واحدة من الحكومات السابقة، كان أحد الأطراف لاجم، لحد ما، لجشع الحريديم في الميزانيات، وأيضا في التشريعات ذات الطابع الديني، أو أن يكون طالبا لفرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم.

في الحكومة الحالية، لا يوجد أي طرف من جميع أحزاب الحكومة وكتلها البرلمانية، يعارض مطالب الحريديم، فهم يتلقون دعما في كل ما يتعلق بجانب التشريعات، من الكتل الثلاث التي جاءت من التيار الديني الصهيوني، التي تتشدد دينيا، كما أن في كتلة الليكود نواباً متدينين يدعمون مطالب الحريديم في ما يخص التشريعات، أما في مسألة الميزانيات، فإن الدعم كامل.

ولهذا نجد كتلتي الحريديم في الحكومة الحالية، الأقل صداما وتهديدا للحزب الأكبر، الليكود، ورئيسه بنيامين نتنياهو، خلافا لكتلة "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة إيتمار بن غفير، ثم كتلة "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش.

كذلك فإن كتلتي الحريديم معنيتان منذ سنوات طوال جدا، وحتى قبل كل أحزاب اليمين، بتقويض صلاحيات المحكمة العليا، التي اصطدمت مرارا مع الحريديم، خاصة في مجال فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، وأصدرت قرارات تلزم الحكومة بالتعامل بمساواة بين كل اليهود المفروضة عليهم الخدمة العسكرية، وأيضا في مجال قوانين وأنظمة ذات طابع إكراه ديني، مثل تخفيف قيود السبت.

حتى الآن، نجح الحريديم في الحكومة بجعل حظر إدخال الأطعمة المخمّرة إلى المستشفيات في أسبوع الفصح العبري قانونا، وقد تم تمريره بمسار تشريعي سريع، ودخل حيز التنفيذ قبل الفصح العبري الأخير، في نيسان الماضي، من هذا العام، لكن هذا واحد من سلسلة قوانين وأنظمة أشد خطورة، وعمقا، ومن أبرز ما يسعى له الحريديم، لكنه سيفاقم النقمة على الحكومة، هو سن قانون أساس (دستوري) يعتبر دراسة التوراة قيمة وطنية عليا، بقصد أن تكون موازية لقيمة الخدمة العسكرية الإلزامية. والقصد من سن هذا القانون، المطروح على جدول أعمال الكنيست، أن يكون قاعدة أساسية لإعفاء كلي لشبان الحريديم من الخدمة العسكرية الإلزامية، التي يرفضونها لدوافع دينية، من باب أن الخدمة العسكرية تضع الشبان أمام حالات اجتماعية فيها خرق لنظامهم الديني المتزمت، وتبعدهم عن مجتمعاتهم المنغلقة، ليكونوا منفحتين على العالم الواسع، وهذا مصدر تخوف لدى قادة الحريديم، من أن تكون الخدمة العسكرية فاتحة للأجيال الناشئة لترك مجتمع الحريديم والخروج إلى العالم العصري.

ولدى الحريديم سلسلة من المطالب ذات انعكاسات بعيدة المدى. فمثلا هم يطالبون بتوسيع صلاحيات المحاكم الدينية، ليكون بقدرتها التحكيم في قضايا مدنية عادية، في ما لو أراد طرفان هذا التحكيم، أو حتى إذا اشترط هذا مقدم خدمات في اتفاقية موقعة من طرفين. وهذا المطلب ورد في الاتفاقية بين حزبي الليكود وشاس. وحسب التقديرات، فإنه في حال تم هذا، فإن الحريديم سينتقلون إلى جهاز المحاكم الدينية في القضايا الدنيوية.

كذلك رأينا في بدايات عمل الحكومة، مطالب الأحزاب الدينية بوقف كل أعمال الصيانة في شبكة المواصلات، وخاصة القطارات، في أيام السبت، وتقليص أكثر للمجال الضيق أصلا للعمل في أيام السبت.

وقد وصل الأمر إلى حد طلب كتلة يهدوت هتوراة للحريديم الأشكناز (الغربيين)، وقف إنتاج الكهرباء في أيام السبت، بمعنى 36 ساعة أسبوعيا، وأيضا في الأعياد العبرية التي يكون فيها عدد الساعات أطول، إذا تلاقت مع يوم السبت. وعلى الرغم من أن الليكود نفى أن يكون هذا شرطا، إلا أن مصادر يهدوت هتوراة لم تنف هذا المطلب، الذي تم تقديمه إلى جانب سلسلة من المطالب الدينية الأخرى.

كذلك فإن كتلتي الحريديم أدخلت إلى مسار التشريع مشروع قانون يجيز لصاحب بيت في بناية سكنية، وبموافقة الساكنين، وضع عداد مياه يتوقف عن العمل في أيام السبت والأعياد اليهودية.

 

ميزانيات ومخصصات اجتماعية غير مسبوقة

سجلت الميزانية العامة للعامين الجاري والمقبل، 2023 و2024، تحويلات صرف غير مسبوقة لكتل الائتلاف الحاكم، تصرفها على بنود صرف استثنائية، بلغ حجمها الإجمالي في العامين الجاري والمقبل، أكثر من 13.7 مليار شيكل (ما يعادل أكثر من 3.7 مليار دولار)؛ في العام الجاري 5.4 مليار شيكل، وفي العام المقبل 2024 حوالي 8.3 مليار شيكل، بغالبيتها الساحقة ستتجه للصرف الزائد على جمهور ومؤسسات الحريديم، الذين نجحوا في جوانب معينة بمضاعفة ميزانيات قائمة، ومنها المخصصات التي يتلقاها "طلبة" المعاهد الدينية.

فمثلا، في ميزانية العام 2022، التي أقرت حينما كان الحريديم خارج الحكومة، تم تخصيص ميزانية 1.2 مليار شيكل للمعاهد الدينية التابعة للحريديم، وفي ميزانية العام الجاري 2023، ارتفعت الميزانية إلى 1.7 مليار شيكل، وفي العام المقبل ستكون ملياري شيكل، بمعنى زيادة بنسبة 67% مقارنة مع العام 2022. وهذا ليس كل ما يتم تحويله لهذه المعاهد وطلبتها، الذين أعمارهم فوق 17 عاما، ويبلغ عددهم حاليا 157 ألف "طالب". ففي جانب المخصصات الاجتماعية، تقريبا في كل بند صرف على العائلات الفقيرة والضعيفة، هناك مسار تفضيلي لجمهور الحريديم. على سبيل المثال، وضعت إسرائيل خلال سنوات الكورونا نظام القسائم الغذائية، لكنه استمر بعد انتهاء الجائحة، وتكفي المعطيات التي استعرضتها صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" لتوضح ذلك، إذ جاء أن 71% من العائلات الفقيرة، التي تعاني من عدم الاكتفاء الغذائي، لم تنجح في الحصول على القسائم الغذائية. فمثلا، في حين أن 42% من العائلات العربية تعاني من عدم ضمان غذائي، فإن 17% فقط من هذه العائلات حصلت على القسائم. أما لدى الحريديم، فإن 16% من عائلاتهم تعاني من عدم أمان غذائي، إلا أن 32% من عائلات الحريديم حصلت على القسائم. وهذا التمييز، جاء بعد أن خلق الوزير السابق آرييه درعي، في العامين 2020 و2021، علاقة بين الاستحقاق لتخفيض ضريبة المسقفات البلدية (ضريبة الأرنونا حسب التسمية العبرية)، واستحقاق القسائم الغذائية. وهذا أبقى قسما كبيرا من المحتاجين الحقيقيين في الخارج، وأحسنَ إلى وضعية اليهود ذوي العائلات كثيرة الأفراد، أي المصوتين لأحزاب الحريديم. وعندما تعطّل الدفع قدما بالقانون، قاطعت كتلة شاس المداولات في لجنة المالية البرلمانية.

 

الفقر الإرادي والاقتصاد الأسود

تُجمع كل تقارير الفقر الرسمية، الصادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني)، على أن الحريديم هم الشريحة الأشد فقرا، بشكل خاص بين اليهود، ولكن في بعض التقارير في السنوات القليلة الأخيرة، يظهر وكأنهم أشد فقرا حتى من العرب، لكن هذه نسب غير واقعية، وسنأتي على شرحها.

يشكل الحريديم في هذه المرحلة حوالي 14% من إجمالي السكان من دون القدس المحتلة، وهذا يعني أنهم يشكلون حوالي 18% من اليهود المعترف بيهوديتهم في إسرائيل (4.5% من الذين يعلنون أنهم يهودا ليس معترفا بيهوديتهم).

وتتراوح نسبة التكاثر الطبيعي لديهم ما بين 3.8% إلى 4%، ومعدل الولادات للمرأة الواحد من الحريديم حوالي 6.5 ولادة. وهناك تباين في هذا المعدل، إذ أن معدل الولادات لدى النساء الحريديات من الطوائف الغربية (الأشكناز) أعلى، ويتراوح ما بين 7 إلى أكثر من 8 ولادات، إذ أن المعدل لدى النساء الحريديات الشرقيات (السفراديم) أقل، ويتراوح ما بين 5 إلى 6 ولادات.

ولأجل المقارنة، فإن معدل الولادات لدى النساء اليهوديات من التيار الديني الصهيوني ما بين 4 إلى 5 ولادات، ونسبة التكاثر الطبيعي لدى هذا التيار في حدود 3.1%، ولدى النساء اليهوديات العلمانيات، يقل معدل الولادات عن 1.5 ولادة للأم الواحدة، ونسبة تكاثر العلمانيين لا تتعدى 1.4%.

أما لدى العرب، فلسطينيي الداخل، وبفعل التطور المجتمعي، فإن معدل الولادات للأم الواحدة في العام 2021 هبط إلى 2.9 ولادة، وهناك تباين كبير في المناطق الجغرافية، إذ أن معدل الولادات في الجنوب أكثر. ونسبة تكاثر فلسطينيي الداخل في حدود 2.6%. ونسبة التكاثر العام في إسرائيل 2%.

آخر تقرير لمؤسسة الضمان الاجتماعي الصادر في نهاية العام 2022، عن العام 2021، دلّ على أن حوالي 40% من الحريديم يعيشون تحت خط الفقر، وأن 47% من أطفال الحريديم يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة الفقر بين اليهود من دون الحريديم أقل من 12% وبين أطفالهم 13%؛ بينما لدى العرب نسبة الفقر على مستوى الأفراد، أقل من 39% وبين أطفالهم 49%.

لكن بالنسبة للحريديم على وجه الخصوص، فإن المحللين وخبراء الاقتصاد يشككون في دقة هذه المعطيات، لأن تقرير مؤسسة الضمان الاجتماعي يتعامل مع المداخيل الرسمية للعائلات، بمعنى أنه ليس بقدرة المؤسسة احتساب الاقتصاد "الأسود" غير المسجل في السجلات الرسمية، وهذه ظاهرة منتشرة بقوة في مجتمع الحريديم، وسنأتي عليها هنا.

الجانب الآخر، هو أن الفقر لدى الحريديم في غالبيته العظمى، هو فقر إرادي، بسبب معدل الولادات العالي جدا، واختيار حوالي نصف رجال الحريديم الامتناع عن التوجه إلى سوق العمل، وغالبية المنخرطين في سوق العمل يعملون في أعمال مردودها المالي متدن، عدا عن خيارهم العيش حياة تقشفية.

على مدى سنوات عديدة، يجري الحديث في إسرائيل عن حجم الاقتصاد الأسود في مجتمع الحريديم المنغلق على نفسه، ويجري الحديث عن مليارات الشيكلات (سعر صرف الدولار 3.7 شيكل للدولار)، وهذا يكون من خلال دورة مالية منغلقة عندهم، ومن تبرعات ضخمة من الحريديم خارج إسرائيل، وهذه الأموال تصل إلى طوائفهم، وكل عائلة من الحريديم عادة ما تكون تابعة لطائفة معينة، ولها زعيم ديني يقودها، ولكل طائفة ميزانية خاصة بها، عدا الميزانيات الرسمية، وهي تدفع مخصصات اجتماعية لأتباعها، ولطلبة المعاهد الدينية، وحتى رواتب معلمي المعاهد الدينية.

ولهذا عرقل الحريديم على مدى حوالي 11 عاما، سن قانون يفرض قيودا في الدفع نقدا، ووجدت إسرائيل نفسها أمام ضغوط من مؤسسات مالية دولية وصلت إلى حد التهديد، خاصة من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ودخل القانون لأول مرة إلى حيز التنفيذ في العام 2018، ولاحقا تم تشديد القيود أكثر. وحاليا لا يجوز إتمام صفقة بين شخص ومحل تجاري نقدا بمبلغ يتجاوز 5 آلاف شيكل (1350 دولار).

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، ناتي طوكر، إن الاقتصاد الأسود في مجتمع الحريديم هو "لغز من أكبر الألغاز في اسرائيل، الذي لا يجد أي أحد حلاً له حتى الآن: كيف أن مجتمع الحريديم الذي هو مجتمع فقير في إسرائيل، ينجح في تمويل نفسه بنسبة عالية كهذه في شراء البيوت؟".

وتابع: "اذا نظرنا إلى استطلاع النفقات والمداخيل الحديث جدا لمكتب الإحصاء المركزي في العام 2020، فإن اللغز يزداد. الدخل الخام لعائلة حريدية هو فقط نحو 60% من دخل عائلة علمانية، 13600 شيكل في الشهر لعائلة حريدية مقابل 22200 شيكلاً في الشهر لعائلة علمانية. يعتمد الحريديم بدرجة كبيرة على الآخرين، تقريبا ثلث دخل العائلة الحريدية يأتي من مساعدات أخرى مقابل 10% للعائلة العلمانية".

وبرغم الموارد المتدنية للعائلة الحريدية إلا أن نسبة أصحاب البيوت في أوساط العائلات الحريدية اعلى، 70% مقابل 58.4% للعائلات العلمانية.

ويتضح من المقال أنه خلافا لباقي الجمهور، فإن بنوك القروض الإسكانية لا تعتمد فقط على مداخيل العائلة الرسمية، بل أيضا على توصيات من قادة الطائفة التي تتبع لها العائلة، وهذا أمر غريب، وكما يبدو هو تلميح للمداخيل غير الرسمية المسجلة.        

وكتب طوكر: "إن القضية الأساسية التي طرحت للنقاش فيما يتعلق بأسلوب البنوك ليست إدارة المخاطر في البنك، بل الطريقة التي تسمح فيها المنظومة المالية باستخدام المال الأسود- مداخيل ربما لم يتم الابلاغ عنها- من أجل دفع قروض السكن".

واضاف: "مداخيل الحريديم التي لا يتم الإبلاغ عنها تنقسم إلى عدة أنواع. الدخل الأساسي والمتدني جدا هو منحة طالب المدرسة الدينية من المعهد الديني، وهو دخل يتكون من منحة طالب المدرسة الدينية الذي تدفعه الدولة، مع إضافة منح أخرى من التبرعات، التي يمكن أن تبلغ بضعة آلاف من الشواكل الأخرى. كذلك فإن رواتب معلمي المعاهد الدينية، تستكمل بالدفع نقدا".

ويؤكد طوكر أن الدولة تدرك وجود رأس مال أسود في مجتمع الحريديم. مثلا، في تقرير سلطة تبييض الأموال تم التقدير بأن نسبة 2.4% من المال الأسود في اسرائيل تأتي من مؤسسات خيرية وجمعيات. الحديث لا يدور حول مبلغ مرتفع، لكن هذا تقدير فقط. والدولة تقريبا لا تفعل أي شيء من اجل فحص حجم رأس المال الأسود في مجتمع الحريديم ولا تقوم بإنفاذ القانون.

إنها بداية "الربيع"

إذا وصفنا هذه المرحلة بأنها "ربيع الحريديم"، فإنها ستكون بداية لمرحلة انتظروها، وعرفوا أنهم سيصلون إليها؛ وأكثر منهم، ثمة أبحاث إسرائيلية أكاديمية، أولها وأوسعها صدر عن جامعة حيفا في العام 2010، توقعت انعكاسات التكاثر الطبيعي السريع للحريديم، وأولها سيطرتهم على الحكم، بمعنى أنه لن تكون حكومة ثابتة من دونهم، وكي تكون ثابتة، فعليها تلبية مطالبهم.

وهذا ما ظهر في التقديرات السابق ذكرها هنا، فعلى الرغم من التباينات التي تظهر في التقارير والأبحاث المختلفة بشأن أعداد الحريديم حاليا ومستقبلا، فإنها تبقى تباينات هامشية، وكلها تساعد على هدفهم المستقبلي، فهم يتمددون في مدن كان تواجدهم فيها شحيحا، ويطالبون بأحياء خاصة بهم، تكون منغلقة عليهم ليرفضوا فيها أنظمتهم الشرائعية المشددة، عدا المستوطنات المغلقة لهم وحدهم.

وتوقع بحث جامعة حيفا انحسار الجمهور العلماني في الأساس في منطقة تل أبيب الكبرى، التي تواجه انفجارا سكانيا، وراح ذلك البحث إلى حد التقدير بأن تشديد الخناق على العلمانيين في حياتهم اليومية العامة، قد يدفع بأجيالهم الناشئة والشبابية إلى الهجرة، وهذا جانب من دوافع حركة الاحتجاج لمنع تقليص صلاحيات المحكمة العليا.

إذا وصفنا هذه المرحلة بأنها "ربيع الحريديم"، فإنها ستكون بداية لمرحلة انتظروها، وعرفوا أنهم سيصلون إليها؛ وأكثر منهم، ثمة أبحاث إسرائيلية أكاديمية، أولها وأوسعها صدر عن جامعة حيفا في العام 2010، توقعت انعكاسات التكاثر الطبيعي السريع للحريديم، وأولها سيطرتهم على الحكم، بمعنى أنه لن تكون حكومة ثابتة من دونهم، وكي تكون ثابتة، فعليها تلبية مطالبهم.

وهذا ما ظهر في التقديرات السابق ذكرها هنا، فعلى الرغم من التباينات التي تظهر في التقارير والأبحاث المختلفة بشأن أعداد الحريديم حاليا ومستقبلا، فإنها تبقى تباينات هامشية، وكلها تساعد على هدفهم المستقبلي، فهم يتمددون في مدن كان تواجدهم فيها شحيحا، ويطالبون بأحياء خاصة بهم، تكون منغلقة عليهم ليرفضوا فيها أنظمتهم الشرائعية المشددة، عدا المستوطنات المغلقة لهم وحدهم.

وتوقع بحث جامعة حيفا انحسار الجمهور العلماني في الأساس في منطقة تل أبيب الكبرى، التي تواجه انفجارا سكانيا، وراح ذلك البحث إلى حد التقدير بأن تشديد الخناق على العلمانيين في حياتهم اليومية العامة، قد يدفع بأجيالهم الناشئة والشبابية إلى الهجرة، وهذا جانب من دوافع حركة الاحتجاج لمنع تقليص صلاحيات المحكمة العليا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات