بعد سبع سنوات من نصب الخيام في جادة روتشيلد في تل أبيب في العام 2011، وبعد سبع سنوات من الكفاح المتواصل ضد غلاء المعيشة، الذي خاضته الحكومات ووزراء المالية، فإن إسرائيل بقيت دولة ذات كلفة معيشة عالية، كما كانت. وللدقة أكثر، فإنها باتت ذات كلفة معيشة أعلى مما سبق.
وهذا الاستنتاج قائم على أساس ما ظهر في التقارير الأخيرة لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، التي تقارن بين مستويات الأسعار لسلة منتوجات وخدمات في عشرات الدول المشاركة في المشروع العالمي، لقياس مستوى المعيشة الفعلي، بمقاييس القوة الشرائية المحلية.
وقد كانت أسبوعية "أكونوميست" البريطانية من الأوائل، الذين نشروا "مقياس القوة الشرائية"، متعدد الدول، الذي بدأ يقارن الأسعار بالدولار لساندويش الهامبرغر التقليدي لشركة "ماكدونالد"، "بيج ماك"، في عشرات الدول. وكانت الفجوات في الأسعار بين الدول مقياسا للقوة الشرائية والقدرة عليها.
وكانت إسرائيل محسوبة في الماضي، كما غالبية الدول المتطورة، بأنها أقل كلفة نسبيا. فسلة المشتريات الإسرائيلية كانت أقل كلفة مقارنة مع الدول الأوروبية، إلا أن هذا الحال لم يبق على حاله. فكلما تعززت قيمة الشيكل، وتعزز الاقتصاد الإسرائيلي ككل، انتقلت إسرائيل الى فئة الدول الأكثر غلاء، والآن حتى ذات كلفة عالية جدا.
ولغرض إجراء المقارنة، يبلور مكتب الإحصاء التابع لمنظمة OECD، وبالتعاون مع مكتب الإحصاء في الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، سلة مشتريات تضم حوالي 3 آلاف منتوج وخدمات، تستخدمها العائلات. ويجري المسح الكامل مرّة كل ثلاث سنوات، ويتم تعديله جزئيا كل بضعة أشهر. وفي شهر شباط الماضي، تم نشر المعطيات شبه النهائية لمسح الأسعار، الصحيح للعام 2014، وكانت النتيجة بالنسبة للمستهلك الإسرائيلي قاسية. والتعديلات التي جرت في العام 2017 لم تدل على تحول للإيجاب. فإسرائيل تحل في المرتبة 12 من أصل 47 دولة، من حيث غلاء المعيشة، بحيث أن المرتبة الأولى هي الأغلى.
وسلة المشتريات للعائلة الإسرائيلية كلفتها أعلى بنسبة 25% من معدل سلة المشتريات في الدول المتطورة الأعضاء في OECD. وهذا يعني أنه من أجل شراء سلة منتوجات وخدمات ثابتة، فإن العائلة الإسرائيلية تدفع 125 شيكلا، مقابل كل 100 شيكل تدفعها العائلة بالمعدل في دول OECD. ففي ألمانيا الفارق 104 شواكل، وفي فرنسا 109 شواكل، وفي النمسا 112 شيكلا، وفي الولايات المتحدة الأميركية 100 شيكل. ومن يتقدم على إسرائيل في غلاء المعيشة هي فقط الدول الإسكندنافية وسويسرا وأستراليا وبريطانيا ونيوزلندا. وغالبية الدول الأوروبية أقل كلفة من إسرائيل بنسبة 15%. فعلى سبيل المثال، مستوى المعيشة في البرتغال أقل بنسبة 33% من إسرائيل، وفي التشيك وبولندا أقل بنسبة 55%.
وما هي الأسعار باهظة الثمن في إسرائيل على نحو خاص؟ المنتوجات الغذائية، وأولها الحليب ومشتقاته، إذ أن إسرائيل مدرجة في المرتبة الثالثة من حيث ارتفاع كلفة الحليب ومنتوجاته، فأسعارها أعلى بنسبة 68% مقارنة مع المعدل في دول OECD، وأعلى بنسبة 83% عما هي في ألمانيا ودول كبرى أخرى في أوروبا. وسلة منتوجات الحليب في إسرائيل أعلى بنسبة 100% عما هي في الولايات المتحدة الأميركية، وأكثر بنسبة 160% عما هي في بولندا. فقط دولة أوروبية واحدة فيها أسعار الحليب ومشتقاته أعلى هي النرويج. وفي سلة الأغذية فإنه حتى اليابان أقل كلفة بقليل من إسرائيل.
كما أن الكلفة في إسرائيل أعلى في عدد من المنتوجات الغذائية الأخرى. وهاكم بعض النماذج: المشروبات الخفيفة في إسرائيل أعلى بنسبة 33% مقارنة مع معدل OECD، وتحل إسرائيل في المرتبة السادسة من حيث غلاء الأسعار. كما أن أسعار الخبز والحبوب تضع إسرائيل في المرتبة السابعة من حيث ارتفاع كلفتها، مباشرة بعد الدول الإسكندنافية والنمسا وكندا، إذ أن أسعار الخبز والحبوب أعلى بنسبة 35% عما هي بالمعدل في OECD وغرب أوروبا، وأعلى بنسبة 66% عما هي في الولايات المتحدة، وبنسبة 118% عما هي في بولندا.
كما أن أسعار اللحوم ومنتوجاتها أعلى، ولكن ليس بنسبة ارتفاع أسعار الحليب ومنتوجاته، إذ أن أسعار اللحوم أعلى بنسبة 21% من معدل OECD، وتحل إسرائيل في المرتبة الـ 18. فأسعار اللحوم في إسرائيل أقل بقليل من الأسعار في ألمانيا، ولكنها أعلى مما هي في بريطانيا. وفي هذا أيضا تفاجئنا الولايات المتحدة، بمستوى أسعارها المنخفضة. فمثلا سعر ستيك لحوم في الولايات المتحدة 83 شيكلا، بينما في إسرائيل 112 شيكلا. وأسعار اللحوم في بولندا أقل من نصف سعرها في إسرائيل.
فقط في الفواكه والخضروات الأسعار أقل بنسبة 8% من المعدل القائم في OECD، وأقل بنسبة 20% وحتى 25% مما هي في ألمانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا. ولكن تبقى الأسعار في إسرائيل أعلى بنسبة 5% عما هي في الولايات المتحدة، وأكثر بنسبة 33% عما هي في بولندا.
وماذا بشأن أسعار الملبوسات والأحذية؟ فهل نسافر للخارج لنشتريها؟، ليس بالضبط. فالأسعار في إسرائيل قريبة من المعدل القائم في OECD، وفي الاتحاد الأوروبي. وبريطانيا أقل كلفة بقليل من إسرائيل. وألمانيا أعلى بقليل. وأسعار الملبوسات والأحذية متقاربة مع مجموعة كبيرة من الدول الأوروبية المتطورة. كذلك فإن كلفة الخدمات المختلفة، مثل التعليم والثقافة والفنون والصحة والاتصالات، مريحة في إسرائيل مقارنة مع الأسواق المتطورة.
ما الذي يتسبب بهذه الأسعار؟ أولا وقبل كل شيء الشيكل ذو القيمة العالية. فلو كان سعر الدولار 4ر4 شيكل، وليس 5ر3 كما هو اليوم، لكانت اختفت كل الفجوات بين أسعار سلة المشتريات وبين OECD. إلا أن انعكاسات الشيكل الضعيف بهذا القدر على الاقتصاد بشكل عام، وعلى مستوى المعيشة بشكل خاص، ستكون أكثر تعقيدا. ومن الواضح، على سبيل المثال، أن وتيرة التضخم ستكون أسرع، والفائدة ستكون أعلى.
وعلى الرغم من هذا، فإنه مع الأخذ بعين الاعتبار الشيكل القوي، فإن لغز غلاء المعيشة في إسرائيل يبقى مفتوحا. فلماذا أسعار الخضراوات والفواكه في إسرائيل أقل كلفة بنسبة كبيرة مقارنة مع أوروبا، بينما الخبز والأجبان أغلى بكثير، وبعشرات النسب؟ ولماذا مكافحة كل الحكومات منذ العام 2011، وبصخب إعلامي كبير، فشلت المرّة تلو المرّة؟.
إن أحد الأسباب هو ضريبة القيمة المضافة، فالنسبة المفروضة في إسرائيل، 17%، هي أيضا على المواد الغذائية. وفي الدول الأعضاء في OECD، تتمتع المواد الغذائية بضريبة قيمة مضافة بنسب أقل، وحتى صفر بالمئة، والإعفاء الضريبي يؤثر بطبيعة الحال على مستوى الأسعار. فانظروا أسعار الخضراوات والفواكه المعفية من ضريبة القيمة المضافة في إسرائيل، فهي أقل كلفة من الكثير من الدول.
كذلك فإن أصنافا من سلة المشتريات والخدمات التي عليها ذات نسب الضرائب تقريبا، قريبة من المعدل في OECD، مثل الملبوسات والأحذية، وخدمات مختلفة.
السبب الثاني هو الاحتكار في إصدار شهادات الحلال. فمتطلبات الحلال تزداد تشددا من عام إلى آخر، وهذا يرفع أسعار المواد الغذائية. ومن أجل الإثبات غير المباشر لهذا، يكفي أن ننظر إلى أسعار الخضراوات والفواكه، فهي كما هو معروف معفية من "ضريبة الحلال"، ولهذا فإنها أرخص نسبيا.
والتلخيص بائس. في العام 2011، عام الاحتجاجات الشعبية، كان مستوى الأسعار في إسرائيل تقريبا مشابها للمعدلات في الدول الأعضاء في منظمة OECD. والآن هو أعلى بأكثر من 20% من المعدل القائم في OECD. وبذا فشلت حكومات الليكود، الواحدة تلو الأخرى، في مكافحتها لغلاء المعيشة.
____________________________
(*) محلل قتصادي. عن "يديعوت أحرونوت"