اعتاد حامل جائزة نوبل في الاقتصاد البروفسور بول سامولسون من المعهد التكنولوجي ماساتشوستس ("إم. أي. تي") على القول "إذا كان عليكم تقديم توقعات، فافعلوا هذا بوتيرة متقاربة". وهذا صحيح فالتوقعات الاقتصادية قصيرة المدى ليست دقيقة، خاصة فيما يتعلق بأسواق المال. والتوقعات بعيدة المدى أكثر دقة.
على هذا الأساس نطرح ما يلي:
في واقع الأمر فإن العام الجديد 2016 من شأنه أن يكون كسابقه، إن كان على مستوى النشاط الاقتصادي العام، أو في أسواق المال الإسرائيلية. وهذه التوقعات تشمل أيضا التباطؤ في الحركة الاقتصادية، لكن ليس ركودا، وسيكون ارتفاع محدود في أسعار الأسهم يتخلله تعديلات كما جرى في شهري آب وأيلول الماضيين (2015).
وسيكون في محور اهتمامات العالم عدة قضايا:
أولا- الرفع المحدود للفائدة البنكية من قبل البنك الفدرالي في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما بدأ في شهر كانون الأول الماضي 2015. (ملاحظة الترجمة: المقال نشر قبل قرار رفع الفائدة). إلا أن البنك الفدرالي لا ينوي تسريع وتيرة رفع الفائدة. وفي إسرائيل سيكون رفع الفائدة متخلفا عن الولايات المتحدة.
ثانيا: النشاط الاقتصادي في الأسواق العالمية من شأنه أن يكون منضبطا، ومتأثرا بشكل سلبي من التباطؤ الشديد للنمو الاقتصادي في دول اليورو، وأيضا في الصين.
ثالثا: الارتفاعات الحادة في بعض أسواق المال العالمية سيتبعها "تصحيح"، كما كان في التراجعات التي شهدتها الأسواق في شهري آب وأيلول الماضيين (2015).
القضية الرابعة هي أسواق الطاقة، فالتوقعات الحالية تشير إلى استمرار الأسعار المنخفضة نسبيا للنفط والغاز، ولكن علينا أن نذكر أن هذه أسواق متقلبة وبوتيرة متسارعة جدا.
وستواصل الأوضاع السياسية بلعب دور في التأثير على الأوضاع الاقتصادية العالمية، وبالتالي على أسواق المال، إلا أن التأثيرات على أسواق المال ستكون محدودة وقصيرة المدى. وعلى سبيل المثال فإن تأثير الحرب التي تشنها بعض دول الناتو وروسيا على داعش سيكون محدودا.
أما في إسرائيل فإن ارتفاع كلفة المعيشة وارتفاع أسعار البيوت سيواصلان كونهما موضوعين مركزيين لدى الجمهور. وبتقديري لن يطرأ تغير ذو أهمية. وكما يبدو فإن وزارة المالية وبنك إسرائيل يعملان بشكل بطيء جدا، وبوسائل ليست فعّالة لحل المشكلة. فالعرض لا يتزايد بوتيرة كافية، والظروف المالية لا تقلل الطلب، وخاصة من قبل المستثمرين.
كذلك، فإن قطاع البناء يعاني من طرق انتاج قديمة، ومن انتاجية قليلة، وهذا مرتبط أيضا باستيراد عاملين أجانب منذ 25 عاما، ما ينعكس على جودة متردية في البناء، وفي مشاريع البناء طويلة الأمد. وهذا يتطلب اصلاحات أساسية من أجل رفع مستوى الانتاجية، ورفع مستوى الجاهزية في قطاع البناء، ولكن هذه الاصلاحات لا يتم تنفيذها، وبالأساس بسبب ضغوط شركات البناء التي تتخوف من المس بأرباحها، وقادرة على أن تسيطر على قوة سياسية بشكل واضح.
كذلك فإن قطاعات أخرى في الاقتصاد الإسرائيلي من غير المتوقع أن نشهد فيها تحولات جدية في العام الجديد 2016، ولكن تأثير هذا سيتضح أكثر بعد 20 و30 عاما وخاصة بسبب الأفق قصير المدى في التخطيط الاقتصادي، وعلاج القضايا. والمهم في هذا الجانب من وجهة نظري ما يلي:
1- وضع البنية التحتية البشرية في إسرائيل. فثمة مجموعات في المجتمع تتزايد نسبتها من بين الجمهور العام بوتيرة عالية، وهي قليلة المشاركة في سوق العمل، وانتاجيتها ضعيفة. وهذا بشكل خاص بين جمهوري المتدينين المتزمتين "الحريديم" والعرب، ولكن توجد شرائح ضعيفة أخرى في هذه القضية، مثل المهاجرين من أثيوبيا والعمال الأجانب. وستبدو إسرائيل مختلفة، حينما يكون نصف الجمهور من الشرائح الضعيفة (يقصد الكاتب توقعات بأن يشكل العرب والحريديم بعد العام 2030 ما يزيد عن 50% من اجمالي السكان).
2- تخلف البنى التحتية في إسرائيل، إذ أن البنى التحتية فيها أضعف مما هي عليه في الدول المتطورة.
3- الانشقاق السياسي الخطير: حينما يكون في الكنيست من 10 إلى 12 كتلة برلمانية، وكل حكومة ترتكز على ائتلاف هش، وتجري الانتخابات بوتيرة متقاربة، فإنه ليس بمقدور السلطة اتخاذ قرارات اقتصادية ذات أهمية، وبضمن هذا قرارات تتعلق بالتنافس الاقتصادي، كما أن قرارات كهذه لا تتخذ على الصعيد السياسي.
4- تدهور مكانة الديمقراطية وسلطة القانون، وهذا يمس بالثروة المجتمعية في إسرائيل. إذ أن هذا هو جانب ضروري للنسيج الاجتماعي، وأيضا للنشاط الاقتصادي، وبضمن ذلك أنه مفيد للاستثمارات الأجنبية. وإذا ما تم تجاوز حدود معينة فإن هذا من شأنه أن يقود إلى هجرة الجمهور من الشريحتين الوسطى والعليا.
5- مشاكل سوق العمل: وبضمنها النسبة العالية للعمال الأجانب وطالبي اللجوء، واتساع ظاهرة تشغيل العاملين من خلال شركات القوى العاملة (شركات مقاولة)، إذ أن الانتاجية في هذه المسارات ضعيفة جدا.
6- غياب التخطيط الناجع في الجهاز الضريبي: من الممكن استغلال أفضل بكثير لشبكة الضرائب، من أجل اعادة توزيع المداخيل وتقليص ظاهرة عدم المساواة، التي هي من الأكبر في العالم.
7- إدارة ميزانية الدولة: إن المصاريف تعاني من أدوات تخطيط ورقابة مشوّهة، وبضمن ذلك ميزانية وزارة الدفاع، التي تحتاج إلى اصلاحات جوهرية.
لن أتفاجأ إذا ما ستكون في العام 2016 عمليات إرهابية، أو حرب أخرى في غزة، أو انتخابات جديدة، أو تغيير جوهري في الائتلاف الحاكم، أو دخول إيهود أولمرت إلى السجن، وأحداث كبيرة أخرى. لكن لن يكون في هذه الأحداث أي تغيير اتجاه جوهري، ولن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد أو على أسواق المال. فحتى الأزمة الاقتصادية العالمية في العامين 2008 و2009، لم تؤثر بقوة على الاقتصاد الإسرائيلي.
صحيح أن التغيرات الجارية في إسرائيل بطيئة، لكن أضرارها التراكمية ستنعكس بشكل كبير جدا على المدى البعيد.
________________________
الكاتب بروفسور ومحاضر في كلية الاقتصاد في جامعة تل أبيب، وأيضا في معهد أبحاث الأمن القومي في الجامعة ذاتها. عن مجلة "ذي ماركر الشهرية".