كشف تقرير جديد عن أن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية في فترة الوزير السابق شاي بيرون، 2013- 2014، عملت على تعميق سياسة التمييز ضد جهاز التعليم العربي، وعمّقت الفجوات في الميزانيات بين جهاز التعليم العربي من جهة، وأجهزة التعليم العبري، من جهة أخرى، مع تفضيل أكبر لجهاز التعليم العبري من التيار الديني الصهيوني. ووصلت الفجوات والفوارق في الميزانيات التي ترصد على مستوى الطالب إلى نسب 33% وحتى 40%. وكانت نسبة زيادة ميزانيات الطلاب العرب أقل بكثير من تلك التي تلقاها الطلاب اليهود ما زاد في حجم الفجوات.
وتقول قراءة أجرتها صحيفة "ذي ماركر" لميزانية وزارة التربية والتعليم، إن الميزانية العامة التي ترصد للطالب الواحد في جهاز التعليم العبري "الديني الصهيوني"، قد ارتفعت في فترة بيرون (من حزب "يوجد مستقبل") بنسبة 12%، وميزانية الطالب اليهودي في جهاز التعليم العبري الرسمي ارتفعت بنسبة 8%، بينما ميزانية الطالب العربي التي تعاني من تمييز تراكمي على مدى ستة عقود ونيّف ارتفعت في ولاية بيرون بنسبة 5%، ما زاد أكثر من الفجوات.
وهذا التمييز لصالح جهاز التعليم العبري التابع للتيار الديني الصهيوني، يضاف إلى سياسة قائمة على مدى السنين، يحظى فيها هذا الجهاز بسياسة تفضيل، وتبرز هذه السياسة بشكل خاص في جهاز التعليم في مستوطنات الضفة. وتدعي الحكومة لتبرير سياسة التفضيل تلك، أن عدد الطلاب في الصف المدرسي الواحد في المستوطنات ضئيل.
وتشير الصحيفة في تحقيقها إلى أنها نشرت قبل عامين تحقيقا حول الفجوات في جهاز التعليم من حيث توزيع الميزانيات، وبعدها بأشهر أعلن من كان وزيرا للتربية والتعليم بيرون، خطة لتقليص الفجوات، ولكن على أرض الواقع فإن شكل رفع الميزانيات عمّق الفجوات والتمييز أكثر ضد جهاز التعليم العربي. كما أشارت الصحيفة إلى أن جهاز تعليم المتدينين المتزمتين "الحريديم" واجه هو أيضا انخفاضا في ميزانيته خلال ولاية بيرون، ولكن الحكومة الحالية، التي تشارك فيها كتلتا الحريديم "شاس" و"يهدوت هتوراة"، أعادت لهذا الجهاز كل ما تم تخفيضه، وبل وأضافت له ميزانيات جديدة، لتعيد مستواه إلى ما كان عليه وأكثر، قبل تولي بيرون منصبه في ربيع العام 2013.
وينبع التمييز ضد جهاز التعليم العربي من عدة مسارات: أولا، الميزانيات المباشرة التي تقدمها الوزارة، ثم ثانيا الميزانيات الإضافية التي تقدمها الوزارة للشرائح الضعيفة، علما أن الغالبية الساحقة من الطلاب العرب هي من هذه الشريحة. أما المسار الثالث، فهو تمويل المجالس البلدية والقروية، فهذا التمويل مرتبط بالأوضاع المالية لكل واحد من هذه المجالس، وحينما يكون المجلس لتجمع سكاني بغالبيته من الشريحة الفقيرة، فإن قدراته المالية تكون أقل. ثم المسار الرابع، وهو مشاركة الأهل في رسوم البرامج اللامنهجية، وهي برامج إثراء للطلاب، وهذا كله يضرب جهاز التعليم العربي، ما ينعكس على التحصيل العلمي أيضا.
ويؤكد التقرير أن الفجوات في الميزانيات موجودة في كل مراحل التعليم المدرسي، ولربما أن أقل هذه الفجوات، نسبيا، نجدها في المرحلة الابتدائية، ولكن الفجوة تتسع إلى حد كبير جدا وغير معقول، كما تصفه الصحيفة في المرحلة الاعدادية، ففي حين يبلغ معدل التمويل على مستوى الطالب العربي نحو 16700 شيكل، وهو ما يعادل 4300 دولار، فإن التمويل للطالب اليهودي يقفز إلى 24900 شيكل، وهو ما يعادل 6417 دولارا. وهذا يعني أن تمويل الطالب العربي أقل بنسبة 33% مما يتلقاه الطالب اليهودي في هذه المرحلة.
أما الفجوة الأضخم فنجدها في مرحلة التعليم الثانوي، إذ تبلغ الميزانيات لجهاز العبري بمعدل 31400 شيكل، ما يعادل 8092 دولارا للطالب اليهودي، أما معدل التمويل في جهاز التعليم العربي الثانوي، فإنه يهبط إلى 18700 شيكل، وهو ما يعادل 2418 دولارا، ما يعني أن الطالب العربي يتلقى ميزانية تقل بنسبة 40% عما يتلقاه الطالب اليهودي في هذه المرحلة التعليمية.
وقال تقرير آخر لصحيفة "ذي ماركر" إن ميزانيات التعليم التي تحصل عليها البلديات العربية من وزارة التربية والتعليم هي في أفضل أحوالها مشابهة لتلك التي تحصل عليها البلديات اليهودية، وفي حالاتها الأسوأ هي أقل بنسبة 20% من تلك التي تحصل عليها البلدات اليهودية. ولكن بما أن البلديات العربية فقيرة، وهي الأفقر في إسرائيل، وليست لديها وسائل لتضيف إلى ميزانياتها لجهاز التعليم، فإنه في نهاية المطاف تكون ميزانيات التعليم في البلديات العربية بالنسبة لحصة الطالب العربي أقل بنسبة 35% من تلك التي للطالب اليهودي.
وهذا بطبيعة الحال مناقض كليا للاحتياجات، فجهاز التعليم العربي هو جهاز فاشل، بفعل سياسة التمييز العنصري، ونسبة التسرب من جهاز التعليم تصل إلى 32%، مقابل 8% بين الطلاب اليهود، والتحصيل في الامتحانات الدولية أقل بنسبة 20% من ذلك الذي للطلاب اليهود.
وتنعكس أوضاع التعليم العربي على مستويات التحصيل العلمي، قبل أن يبدأ الطالب العربي يواجه حواجز في الدخول إلى الجامعات والكليات الإسرائيلية. وكنا قد اشرنا في العدد السابق من "المشهد الإسرائيلي" إلى تقرير مكتب الإحصاء المركزي الذي قال إن نسبة الطلاب العرب في الجامعات والكليات الإسرائيلية ارتفعت في غضون 15 عاما بنسبة 50%، ورغم ذلك، فإن الفجوة ما تزال كبيرة، وما زال آلاف الطلاب العرب يضطرون للدراسة خارج الوطن، بفعل التضييقات عليهم. وبحسب التقرير، فإن نسبة الطلاب العرب من إجمالي طلاب المعاهد العليا الإسرائيلية ارتفعت من 8ر9% في العام الدراسي 1999- 2000 إلى نسبة 4ر14% في العام الدراسي الماضي.
ولكن ما لا يذكره مكتب الإحصاء أنه رغم هذا الارتفاع الحاد، إلا أن نسبة الطلاب العرب ما تزال أقل من نسبتهم بين المواليد، في السنة التي ولدوا فيها، بمعنى قبل 19 إلى 22 عاما، حينما كانت نسبتهم في حدود 24% من إجمالي المواليد في إسرائيل، من دون مواليد القدس المحتلة والجولان. ولكن ما يقلص الفجوة بين الطلاب العرب واليهود هو أعداد الطلاب العرب الذين يتعلمون خارج الوطن، وحسب التقديرات بات عددهم حوالي 17 ألف طالب إن لم يكن أكثر.