بلادة الولايات المتحدة والغرب في التعامل مع أحداث مصر
بقلم: تسفي مازائيل (*)
شهدت مصر مؤخراً تطورا بالغ الأهمية، غير أن الغرب لم يدرك بعد، كما يبدو، مغزى هذا التطور المتمثل في قيام جماهير الشعب المصري، بمساعدة الجيش، بالإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وإقامة سلطة مدنية مؤقتة موالية للغرب.
وتتألف هذه السلطة بشكل رئيس من تكنوقراطيين مستقلين، مناوئين للإسلام السياسي، ويعبر هؤلاء بلا شك عن إرادة الشعب في إنقاذ الثورة المصرية. فبقاء الإخوان المسلمين في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية بعد ثلاث سنوات، كان من شأنه أن يؤدي إلى سيطرتهم على الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي، وبالتالي سيكون من الصعب جداً تنحيتهم عن الحكم، وربما كان سينشأ حينئذ وضع مشابه لـ "الوضع الإيراني" البعيد كل البعد قطعا عن الديمقراطية.
من هنا لم يكن في وسع الغرب انتظار حدوث تطور أفضل من هذه الانتفاضة (ضد حكم الإخوان) ذلك لأنها تشكل نوعا من الفرملة للإسلام الراديكالي، الذي صعد بقوة إلى السطح في أعقاب ما سمي في البداية بـ "الربيع العربي"، لكنه سرعان ما تحول إلى شتاء إسلامي مكفهر.
وقد انعكست نتائج ما حدث في مصر بصورة فورية وملموسة على دول أخرى، خاصة على تونس وليبيا، حيث كثفت قوى المعارضة هناك نضالها ضد الإسلام الراديكالي.
وكانت الثورة في مصر قد اختطفت من قبل الإخوان المسلمين، وسط إظهار سلبية، غير متوقعة، من جانب المجلس العسكري الأعلى بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، والذي تولى زمام الحكم بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك.
وقد عبر الشعب المصري عن تأييده للإخوان المسلمين والسلفيين، حين منحهم في الانتخابات البرلمانية 73% من مقاعد مجلس الشعب. وعلى ما يبدو فقد شكل ذلك نوعا من التصويت الاحتجاجي في أعقاب الأحداث الدراماتيكية في شهري كانون الثاني وشباط 2011.
وبينما كان الإخوان المسلمون هم القوة الوحيدة المنظمة في الساحة المصرية، كانت المعارضة (العلمانية والليبرالية) منقسمة ومتشرذمة في عشرات الأحزاب الصغيرة المفتقرة إلى الخبرة السياسية. وتعتبر تلك الانتخابات إجمالا مشوهة وغير ديمقراطية، ذلك لأن الإخوان المسلمين نجحوا في إقناع المجلس العسكري بإجراء الانتخابات قبل صياغة دستور جديد يحظر إقامة أحزاب على أساس ديني ويضع أساسا لقانون انتخابات حرة ونزيهة بحضور مراقبين دوليين.
وقد اتضحت القوة الحقيقية لحركة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية التي جرت بعد ستة أشهر، إذ لم يحصل مرشح الإخوان، محمد مرسي، في الجولة الانتخابية الأولى، سوى على 25% من أصوات المقترعين. وفي الجولة الثانية لم يحصل مرسي سوى على 2ر51% في الوقت الذي بلغت فيه نسبة التصويت 50% فقط من أصحاب حق الاقتراع، مما يعني أن مرسي انتخب بما لا يزيد عن 25% من أصوات جمهور الناخبين، هذا فضلا عن أن منافس مرسي في الجولة الثانية كان رجل النظام القديم أحمد شفيق.
نهاية ديكتاتورية مبارك وإرساء
أسس ديكتاتورية إسلامية
باشر مرسي فور توليه لمنصبه كرئيس باتخاذ سلسلة خطوات فاجأت المصريين، قام في نطاقها بتنحية قادة الجيش عن مناصبهم، وأجبر أكاديميات الجيش والشرطة على قبول أعضاء حركته، الذين منعوا حتى ذلك الوقت من دخول مثل هذه المؤسسات، وأصدر مرسوما رئاسيا يعطي فيه لنفسه صلاحية التشريع وصلاحية السلطة القضائية، وأقال النائب العام، وعين لجنة 70% من أعضائها إسلاميون والباقون يمثلون التيار الليبرالي والأقباط (قاطع هؤلاء أعمال اللجنة) قامت بصياغة دستور جديد للبلاد يضع أسسا لدولة تحكمها الشريعة الإسلامية. فضلا عن ذلك قام مرسي بإقصاء النخب المتنفذة في الوزارات المهمة من ناحية حركة الإخوان المسلمين، مثل التعليم والثقافة والأوقاف وغيرها، وعين مكانهم أعضاء حركته. وكان الهدف الجلي بناء مؤسسات تعليمية وثقافية ودينية ترتكز على أيديولوجيا الإخوان المسلمين، بما يؤدي إلى تكريس وتوطيد سلطتهم. وقد بات من الواضح للشعب المصري، الذي أمل في قيام حكم يضع حدا لديكتاتورية مبارك ويكرس جهده للتنمية الاقتصادية، أن مرسي ما هو إلا دمية يحركها مكتب الإرشاد المتزعم لحركة الإخوان المسلمين، وأنه يعمل على إرساء أسس ديكتاتورية إسلامية.
على إثر كل ذلك شرعت قوى المعارضة بتنظيم سلسلة مظاهرات واعتصامات، وجرى تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني التي ضمت كتل المعارضة الرئيسة في الساحة المصرية، وهم الليبراليون والناصريون واليسار. وأعلنت الجبهة رفضها لسلسلة الخطوات والإجراءات التي اتخذها الرئيس مرسي، وطالبت بإعادة صياغة الدستور وتشكيل حكومة حيادية مؤقتة تعد لإجراء انتخابات برلمانية جديدة. كذلك أعلن جهاز القضاء أن مرسوم مرسي الرئاسي غير دستوري ورفض إقالة النائب العام. في ضوء ذلك تراجع مرسي قليلا، حيث ألغى الحصانة التي منحها لقراراته، ونقل صلاحية التشريع إلى مجلس الشورى المؤلف في غالبيته العظمى (85%) من إسلاميين، غير أن هذا المجلس باشر على الفور عملية تشريع سريعة لقوانين غير ديمقراطية. في هذه المرحلة بات من الواضح تماما أن حكم الإخوان دخل في مواجهة مع الشعب، وأخذت الاحتجاجات تشتد وتتصاعد من جانب مختلف القوى والفئات والتيارات غير الإسلامية، وأعلنت "جبهة الإنقاذ الوطني" رفضها إجراء أي حوار مع مرسي ما لم يستجب إلى مطالبها. من جهته، كرر القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي دعوته للرئيس مرسي بفتح حوار مع قوى وأحزاب المعارضة، مؤكداً على أن السيادة للشعب، وأن الجيش سيضطر إلى التدخل إذا ما شعر أن الدولة تقف على حافة حرب أهلية. غير أن مرسي تجاهل تحذيرات الجيش وكرر في خطبه أن "كل شيء على ما يرام" وأن المعارضة لا تمثل الشعب.
كان من الواضح أن الوضع المتأزم سيؤدي في نهاية المطاف إلى مواجهة عنيفة، وهذا ما حصل بالفعل، بمبادرة حركة "تمرد" الشبابية، التي جمعت تواقيع 22 مليون مصري على عريضة تطالب بنزع الشرعية عن مرسي، ونظمت تظاهرة مليونية في الثلاثين من حزيران للإطاحة بحكم مرسي والإخوان المسلمين.
ثورة تصحيحية أم
انقلاب عسكري؟!
في أعقاب وصول الأمور إلى هذا الوضع المشحون بالتوتر الشديد، كان لا بد للجيش من التدخل لإنقاذ البلاد من الفوضى. وهكذا أمسك المجلس العسكري بزمام الأمور، وقام بعزل واعتقال مرسي، وعين رئيس المحكمة الدستورية العليا، عدلي منصور، رئيسا مؤقتا للبلاد، والذي شكل بدوره حكومة انتقالية تضم شخصيات مستقلة وخبراء في مجالات مختلفة، وأصدر مرسوما يحدد جدولا زمنيا لإعادة صياغة الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في غضون تسعة أشهر، وبذلك فقد انتقلت السيطرة على الفور من الجيش، الذي كان مستعداً بلا شك لهذا السيناريو، إلى سلطة مدنية.
فنيا، يمكن القول إن ما حصل هنا كان انقلابا عسكريا، غير أن ذلك كان من ناحية جوهرية ثورة تصحيحية، وخطوة أعادت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير (التي أطاحت بنظام مبارك) إلى مسارها الصحيح، الذي كان من المفترض أن يقود مصر نحو قيام سلطة ديمقراطية منتخبة، على أساس أحزاب سياسية لا ترتكز على أيديولوجيا إسلامية، وتركز جهودها على التنمية الاقتصادية وتطوير الدولة وتشكل مثالا لباقي الدول العربية.
لكن هذه الثورة التصحيحية قوبلت بالدهشة والذهول من جانب الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، التي رأت فيها انقلابا عسكريا ضد سلطة منتخبة. والسؤال هو: كيف غابت عن أنظار مؤسسات الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض كل تلك التطورات والأحداث العاصفة التي جرت (في مصر) بصورة جلية للغاية طوال عام كامل؟!
كما أسلفنا، فقد برهن السيسي بالأفعال على أنه غير معني بالسلطة، واتخذ عدة خطوات تدل على توجهاته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ومحاربة الإرهاب، وأرسل قوات الجيش للقضاء على المجموعات الإسلامية الجهادية في سيناء، كما أوعز بتكثيف الجهود لسد وتدمير الأنفاق التي استخدمتها حركة "حماس" لتهريب الأسلحة والصواريخ إلى قطاع غزة، وقلص حيز نشاط الحركة. كذلك منع السيسي قدوم رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان لزيارة غزة، وحظي بعناق من ملك الأردن، عبد الله الثاني، الذي سارع إلى زيارة القاهرة لمباركة الحكم الجديد، فيما أعلنت المملكة السعودية ودول الخليج، التي أدركت أهمية "الثورة التصحيحية" في الصراع ضد الإخوان المسلمين، منح مصر 12 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري.
في المقابل، وعوضا عن احتضان السلطة الجديدة وتقديم الدعم والمساعدة لها، مارست الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطا عليها لإطلاق سراح الرئيس المعزول، محمد مرسي، وإجراء حوار مع الإخوان المسلمين. كذلك سمعت أصوات في الولايات المتحدة، مثل جون ماكين، طالبت بوقف المساعدات العسكرية الأميركية لمصر، بموجب ما يقتضيه القانون الجاف، وهو ما دفع وزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى الإدلاء بتصريحات لصحيفة "واشنطن بوست" اتهم فيها الولايات بالوقوف إلى جانب الإخوان المسلمين، وقال إن الرئيس باراك أوباما يستخف به، وأنه لم يهاتفه ولم يتحدث معه منذ عزل الرئيس مرسي. وأكد السيسي أن مرسي لم يكن رئيسا لكل المصريين، وأنه عمل فقط من أجل أيديولوجيا حركته لإقامة دولة تشكل قاعدة لإمبراطورية إسلامية. وأضاف أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أدارا ظهرهما لمصر وهي في أمس الحاجة للدعم والمساعدة.
لقد وجه الشعب المصري ضربه قوية إلى الإخوان المسلمين، ربما تؤدي إلى إضعاف كل فروع وتشكيلات حركتهم في الدول العربية ودول الغرب، هذا فيما تعكف الزعامة المصرية الحالية في هذه الأثناء على إقامة نظام حكم جديد يرغب في التقرب من الغرب وإنشاء دولة عصرية حديثة تستند إلى مزيج من قيم الغرب والقيم الإسلامية، وتمضي بمصر في سكة التنمية والتطور والتقدم، وهو ما يشكل فرصة تاريخية بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ومن هنا يتعين على الأوروبيين والأميركيين تقديم كل مساعدة ممكنة لمصر، سياسيا واقتصاديا، بغية تمكينها من التغلب على عقبة الإخوان المسلمين، والمضي قدما في طريق التنمية الاقتصادية.
_______________________________
(*) سفير إسرائيلي سابق في مصر. ترجمة خاصة.