قصة تغيرات واسعة وعميقة طالت المفاهيم والأداء والأدوات....
يعالج الكتاب وضع الفلسطينيين في إسرائيل خاصة في العقدين الأخيرين على مستوى الخطاب السياسي الفكري، والممارسة السياسية في آن، حيث يتعقب البحث التطور المفاهيمي وتطور أدوات العمل السياسي رابطا إياها بالسياقات التاريخية ، ومسترشداً بمختلف الأدبيات والتجارب المتعلقة بالأقليات.
ويكشف الكتاب وبإسهاب التقنيات المعقدة التي اعتمدتها الدولة دستوريا وقانونيا وسياسيا أمعانا في إلغاء أي معنى سياسي أو هوياتي للوجود الفلسطيني في إسرائيل، وإمعاناً في إقصائه عن أي مساواة في توزيع الثروات المادية والمعنوية في سياق الدولة اليهودية .
إلى جانب ذلك طور الفلسطينيون تقنيات اشتباك مع الدولة، وصلت حدّ العنف أحيانا، يرصدها الكتاب واضعا إياها في سياقها التاريخي.
ويتميز هذا الكتاب في كونه يتطلع إلى قراءة مغايرة على ضوء النظريات السياسية المتعلقة بالمجموعات وتطورها خصوصا فيما يتعلق بصلاتها بالدولة، وخصوصا تلك المتعلقة بالمجموعات القومية المسيطر عليها وأوضاعها على ضوء نقاشات المواطنة والحقوق الجماعية للمجموعات الأصلية. ويحدد الكتاب منطلقه النظري في ثلاثة محاور أساسية كآلاتي:
1. الإطار السياسي لفهم علاقة الدولة بالأقليات الفلسطينية: بالرغم من نجاح إسرائيل في تقديم صورة ديمقراطية ذاتية "منفتحة"، وخاصة من خلال وجود عمليّة انتخابيّة تنافسيّة، وحريّة نسبية لوسائل الإعلام، تحولت عمليا إلى دولة توظَّف من أجل توسع وهيمنة مجموعة إثنية واحدة على حساب المجموعة الفلسطينية. وبقيت إستراتيجية التهويد القاعدة الأساسية التي يرتكز إليها النظام الإسرائيلي الإثني، وتراهن هذه الإستراتيجية على استمرار السيطرة اليهودية على جميع أجهزة السلطة والقوة. ينتظم الفلسطينيون في إسرائيل في نضال للتحرر والمساواة، وتشكل هذه النضالات -معاً وكل على حدة- رأس الحربة من أجل تغيير الوضع القائم منذ العام 1948. وتشكل هذه النضالات أحد جوانب هذا الكتاب.
2. تطور الفلسطينيين في إسرائيل، الفردي والجماعي: يفترض باحثون كثر، وذلك ضمن إطار التحليل المركزي المعتمد في العلوم الاجتماعية في إسرائيل، أن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل مرت، حتى يومنا هذا، بعملية تطور حثيثة وطبيعية، تنص هذه الفرضية على أنه عقب حرب 1948 وتجربة الصدمة الأولية، التي نجمت عن تفكك البنى السياسية والاجتماعية الفلسطينية، بدأت الأقلية الفلسطينية السير في مسلك طبيعي من التطور في مجالات الحياة كافة. ولذلك يطلق على المنهجية الأساسية في الأبحاث التي تناولت الفلسطينيين في إسرائيل، اسم: "منهجية التطور الطبيعي". إلى النقيض من منهجية التطور الطبيعي، يعتبر الكتاب إن الفلسطينيين في إسرائيل يواجهون ضائقة تنبع أساساً من طابع الدولة وسياساتها وأهدافها. فالدولة الإثنية، من حيث تعريفها، تستثني الجماعات الإثنية والقومية التي لا تنتمي إلى الجماعة الإثنية المتسلطة، من مجمل الأهداف القومية للدولة، وتخص الجماعة المتسلطة بمعاملة مميزة تقرها منظومة قوانين الدولة. إن الوضع القاسي الناجم عن التمييز ضد جماعة إثنية منبعه الرفض الاستراتيجي للدولة في أن تستجيب لمطالب المساواة والانتماء من خلال إطار مؤسسات الدولة وبسبب الطبيعة الإثنية للدولة، ونتيجة سياستها التي تحول، بواسطة القوانين الأساسية، دون إمكانية الحصول على المساواة، تواجه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل إشكالاً وجوديا يتغلغل في مجالات حياتها المختلفة. يعرض الكتاب لبعض أوجه المأزق والأزمة التي يعيشها الفلسطينيون في إسرائيل.
3. الفلسطينيون في إسرائيل والمستقبل: في هذا الخصوص يراجع الكتاب مجمل الأفكار فيما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين في إسرائيل، هذه الأفكار والطروحات التي جاءت من قبل الفلسطينيين في إسرائيل أنفسهم أو من قبل تيارات في الحركة الوطنية الفلسطينية أو شخصيات وتيارات إسرائيلية. وتمت مراجعة هذه الأفكار على ضوء مراجعة الأدبيات السياسية النظرية المتعلقة بمستقبل الأقليات عموماً، والخروج باستنتاجات تتعلق بمستقبل الفلسطينيين في إسرائيل خصوصاً، وفي هذا السياق سيتم التطرق إلى أفكار ظهرت خلال العقدين الأخيرين في صفوف الفلسطينيين في إسرائيل وتقييم طروحات سياسية سابقة أيضاً، مثل خطاب المساواة، التطورات المستقبلية، المجتمع العصامي، دولة المواطنين وغيرها من الطروحات والأفكار.