إعداد: أمجد شبيطة
"المعجزة فقط حالت دون وقوع الكارثة واصابة خزان الأمونيا في خليج حيفا بصاروخ كاتيوشا. المعجزة فقط حالت دون وقوع نحو 100 ألف مصاب ومعاق بينهم عشرات ألوف القتلى من حيفا والكريوت وشفاعمرو وطمرة وغيرها".
هذا هو الانطباع الأول الذي خرج به عضو الكنيست من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ورئيس اللوبي البيئي الاجتماعي في الكنيست النائب د. دوف حنين، من زيارته الى مصانع "حيفا خيميكاليم" في خليج حيفا هذا الأسبوع.
ولم يكتف د. حنين بالمطالبة باخلاء الخليج فورا من خزان الأمونيا وكافة المواد السامة والمضرة بل وطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في المخاطر البيئية والصحية التي تتسبب بها المصانع الكبرى في البلاد، قائلا "انتهاء الحرب لا يعني زوال الخطر فانفجار خزان الأمونيا ان لم يكن بصاروخ كاتيوشا فقد يكون بهزة أرضية وغيرها..".
وأفاد د. حنين بعد مشاركته في جولة "اللوبي البيئي الاجتماعي" في المصنع بأن "هناك خزانا عملاقا تخزن فيه كمية هائلة من الأمونيا بدرجة حرارة 32 تحت الصفر، ما يعني أنه في حالة سائلة ولكن في حال انفجار الخزان جراء اصابته بصاروخ أو كارثة طبيعية كالهزة الأرضية فإن هذه الكمية كلها ستتحول الى الحالة الغازية وتكون سحابة في الجو، وبحسب التقرير الذي أعده مراقب الدولة في العام 2001 حول البنى التحتية في البلاد ومخاطر وقوع هزة أرضية فإن هذه السحابة من المواد السامة ستصيب بالصرر كل المنطقة المحيطة بحيفا على بعد 12.7 كيلومترا، أي أن الضرر قد يصل الى شفاعمرو وطمرة وغيرهما!"
يذكر بأن غاز الأمونيا هذا، والمكون من النيتروجين والهيدروجين، هو مركب أساسي في الصناعات الكيماوية والبيولوجية وتستخدمه شركة حيفا خيميكاليم لتصنيع الأسمدة الكيماوية.
وأضاف د. حنين أن عددا من المختصين في معهد الهندسة التطبيقية (التخنيون) قد أعدوا دراسة حول خزان الأمونيا هذا وقدروا أن تصل الاصابات الناجمة عن انتشار المواد فيه الى نحو 100 ألف مصاب بينهم عشرات ألوف القتلى، ودون ذرة مبالغة حذر هؤلاء المختصون بأن انتشار هذه المواد سيكون له أثر لا يقل عن أثر القاء القنبلة الأميركية النووية على نجازاكي في الحرب العالمية الثانية!
"الجبهة الداخلية" تخدع لجنة الخارجية والأمن!!
وأوضح حنين "كنا نحو 50 شخصا، خمسة أعضاء كنيست وعدد من أعضاء بلدية حيفا اضافة الى نائب رئيسها شموئيل جلبريط، ونشطاء بيئيين واجتماعيين وصحافيين، ورغم أننا قد قدمنا لإدارة المصنع أرقام هويات الجميع قبل زيارتنا بأيام لاصدار إذن بالدخول فقد حاولت ادارة الشركة في اللحظات الأخيرة السماح فقط لأعضاء الكنيست بالدخول الأمر الذي رفضته أنا بشدة وهددت بالغاء الزيارة وبعد مدة من الجدل المحتد والمتوتر سمحوا للجميع بالدخول".
وأضاف "رفضت أن يدخل أعضاء الكنيست وحدهم لأنني أرفض هذه السياسة، أرفض أن نكون نحن الى جانب ادارة المصانع العملاقة وأن ندخل الى الغرف المغلقة ثم نخرج معا ببيان مشترك الى الناس، نحن لسنا في طرف ادارة المصنع مقابل الناس لكننا في طرف الناس مقابل ادارة المصنع التي تعتاش على تلويث البيئة ونشر الأمراض وتهديد حيوات الناس".
وقال "هذه الشركة العملاقة تهدد حياة عشرات ألوف المواطنين دون أن تأخذ على نفسها انفاق بعض من أرباحها الطائلة من أجل التخفيف من الضرر ولكن المثير أكثر هو تصرف الجبهة الداخلية وقائدها فحياة عشرات ألوف المواطنين في الخطر من أجل ادارة مصالح رجال أعمال لا يعيشون في اسرائيل أصلا كآريه جنجر المهاجر الى الولايات المتحدة".
وأضاف حنين "في جلسة تلخيص جولتنا الى المصنع كشف نائب رئيس بلدية حيفا، شموئيل جلبريط، بأنه لا يوجد ترخيص لتخزين الأمونيا في الخزان بل وأكثر من ذلك، فلا يوجد حتى ترخيص بناء لهذا الخزان. كما أكد تسفي بورر، مدير عام منظمة المدن من أجل جودة البيئة في منطقة حيفا، على مخاطر اصابة الخزان، ولكن السلطات ليس فقط أنها تغض النظر عن هذه الجرائم بل وإنها تبذل كل الجهود من أجل حمايتها".
وأشار د. حنين هنا الى ما جاء في تحقيق صحيفة هآرتس (25.8.06 و 1.9.06) "في الحلقة الأولى من التقرير نشرت الصحيفة بأن قائد الجبهة الداخلية إسحاق جرشون قد مثل امام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية بعد أيام من اندلاع الحرب مع لبنان وأكد بأن 90% من كمية الأمونيا في الخزان قد أخليت وبأن الخطر غير وارد تقريبا واحتمالاته تقارب الصفر، ولكن الصحيفة أكدت بالمقابل توفر معلومات لديها بأن كمية الأمونيا لم تخل وبأن جرشون كذاب. وفي الحلقة الثانية من التقرير نشرت الصحيفة شهادات عدد من جنود الاحتياط، الذين كانوا يتدربون على التصدي لخطر تفجير الخزان، وبحسب شهادات هؤلاء الجنود أنفسهم فقد أخبرهم الضباط بأن احتمال اصابة الخزان وارد وبأن النتيجة قد تضر بعشرات ألوف المواطنين، أي أن جرشون كان يكذب وكان يدرك ذلك".
شارون وجنجر..
أسست شركة "حيفا خيميكاليم" في العام 1967 كشركة حكومية وفي العام 1986 بيعت لآريه جنجر، المقرب من رئيس الحكومة السابق، أريئيل شارون ومنذ ذلك الحين حظيت شركة جنجر الخاصة بتسهيلات غير محدودة رغم ما ارتكبته من مخالفات إجرامية، إن كان على مستوى قمع العمال وتشغيلهم في ظروف قاسية وغير إنسانية أو بتلويث البيئة جوا وبحرا!
وقد أثارت علاقة هذه الشركة بالمؤسسة الحاكمة عددا من الشكوك والأسئلة الصعبة التي بلغت ذروة جديدة مؤخرا عقب الحرب وتحقيق صحافي موسع قامت به صحيفة "هآرتس".
ويتضح من التقرير أن الأصوات المحذرة من مخاطر خزان الأمونيا قد بدأت ترتفع في سنوات التسعين من القرن المنصرم وبأن الشركة حاولت إخراس هذه الأصوات بكل شكل، بالجزرة أو بالعصا حسب شهادة عدد من المختصين، وقد بلغ الأمر في العام 2001 تطورا جديدا بإصدار تقرير مراقب الدولة حول المباني الخطرة في الدولة في حال وقوع هزة أرضية وأشار الى مخاطر هذا الخزان. وتوالت التحقيقات حتى أصدر مدير قسم الأبحاث والتطوير في الجبهة الداخلية، بني بروش، رسالة في أيلول 2005 الى بلدية حيفا يؤكد فيها بأن "جهاز أمان الخزان في حالته الحالية لا يستوفي طلبات الجبهة الداخلية"، ما يعني ضرورة اغلاقه فورا، ولكن المفاجأة كانت بانقلاب هذا الموقف بـ 180 درجة خلال أشهر قليلة!
الجنرال جرشون، القائد الجديد للجبهة الداخلية، ألغى قبل شهرين اثنين فقط من شن العدوان على لبنان قرار القسم المهني في الجبهة الداخلية باخلاء هذا الخزان وقرر بأن إمكانية اصابته جراء هزة أرضية أو صاروخ ضئيلة ولا تستوجب إخلاءه.
من الضروري التأكيد على أن هذا الانقلاب جاء في أعقاب زيارة قام بها جرشون الى المصنع حيث حظى بضيافة طيبة، دون الكشف عما كان تحت الطاولة- إن كان.
وقد أكد ممثلو ادارة المصنع على دأبهم الدائم على اقامة علاقات خاصة مع كل من يتولى منصبا ذا علاقة بعمل المصنع ومراقبته!
ويبقى السؤال ما طبيعة هذه العلاقات وأين دور المصالح فيها، وهل تبقي مكانا من أجل الاهتمام الحقيقي بمصالح الناس، بصحتهم وحيواتهم؟!
د. حنين "بالضبط من أجل الاجابة على هذه التساؤلات المشروعة وللتأكيد بأن التلويثات البيئية ليست قضاء وقدرا انما جزء من التلوث السياسي الاجتماعي العام السائد في البلاد، ولأن حيوات الناس وصحتهم ليست بذخا ولا سلعة للمقايضة، من أجل كل هذا أعود وأؤكد مطالبتي بلجنة تحقيق خاصة..".