قالت "كتلة السلام" إن خطة غيورا آيلاند، رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي سابقا ورئيس "مجلس الأمن القومي" حتى قبل فترة قصيرة، التي كشف النقاب عنها أخيرًا للصحافي آري شفيط من صحيفة "هآرتس"، ليست أسوأ من الخطط الأخرى (لتسوية النزاع مع الفلسطينيين)، ولكنها ليست أفضل أيضا. مع ذلك هناك فرق جوهري كبير واحد: صاحب هذه الخطة هو شخص شغل منصبا مركزيا في أجهزة الأمن، وهو يشهد بذلك على التوجهات السائدة هناك.
وأضافت، في بيان خاص: "على الإنسان أن يكون ساذجا حقا وليست لديه أية تجربة سياسية ليؤمن أنه بالإمكان إقناع ثلاث حكومات - الفلسطينية، المصرية والأردنية، ناهيك عن الحكومة الإسرائيلية - بالتخلي عن أراضيها. والأنكى من ذلك أن هناك حاجة إلى تكوين نفسي معين للنظر إلى أعداد هائلة من الناس وكأنهم حجارة لعب على لوحة الشطرنج، حيث يمكن إزاحتهم من دولة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر.
"صحيح أنه قد تم فعل ذلك في النصف الأول من القرن العشرين. فإنه بعد الحرب العالمية الأولى، جلس السياسيون ورسموا خارطة العالم من جديد، فككوا دولا وركبوا دولا. لقد انطوت معظم النتائج على كوارث. بعد الحرب العالمية الثانية أنجز ستالين عملية مماثلة. لقد ضم جزءا كبيرا من بولندا إلى الاتحاد السوفياتي، وأعطى لبولندا كتعويض جزءا من ألمانيا. ظل الوضع مستتبا، حتى الآن. أدولف هتلر كان ينوي، بطبيعة الحال، القيام بالخطوة ذاتها ولكن في الاتجاه المعاكس.
"هذه فكرة لا أساس لها من الصحة في واقعنا. لا يوجد أي احتمال في العالم لأن تتخلى مصر عن جزء من أرضها، مقابل مساحة أقل بكثير في مكان ما في الصحراء. لقد اكتشف مناحيم بيغن ما مدى حساسية المصريين لأرض وطنهم. إن هذا الأمر متعلق بخلجات عميقة في الصدور الوطنية. في نهاية الأمر لم يتخل المصريون عن ذرة تراب واحدة من أرضهم (انظر قضية طابا).
"الاحتمال بأن تتخلى المملكة الأردنية عن جزء كبير من أراضيها لصالح الفلسطينيين هو احتمال أقل بكثير. مثله مثل ضباط كثيرين، يكنّ آيلاند للأردن احتقارا كبيرا. كما أنه لا يعرف المصريين حق المعرفة، فإنه لا يفهم الزعامة الأردنية. إن حساسيتها للمخاطر المحدقة بها من حولها لم يسبق لها مثيل. ولكنها تتمتع، بطبيعة الحال، بدعم قوي جدا من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.
"لا يجدر بنا حتى أن نحلم بأن توافق الولايات المتحدة وأوروبا على لعبة تبادل الأراضي والناس هذه. أوروبا تقدّس الحدود القائمة. لقد تعلمت من تجربتها الدامية بأنه لا يوجد أي شيء أخطر من إزاحة الحدود. إذا بدأ ذلك، فلا أحد يعلم متى سينتهي.
لا يتحدث آيلاند عن كيفية تحقيق أفكاره الفذّة. إنه يترك هذا الأمر، على ما يبدو، للسياسيين- هؤلاء السياسيون ذاتهم الذين يحتقرهم. إنه كذلك المخترع الذي طرح فكرة لإبطاء سرعة دوران الأرض، حين سُئل كيف سيتم ذلك، قال: لديّ الفكرة، ويجب إلقاء مهمة التنفيذ على عاتق الفنيين".
وكان آيلاند قد اعتبر أن خطة فك الارتباط عن قطاع غزة كانت "إهدارًا لفرصة تاريخية كبيرة" وأن "خطة التجميع" التي ينوي رئيس الوزراء إيهود أولمرت تنفيذها في الضفة لن تؤدي إلى استقرار في الشرق الأوسط.
وجاءت أقوال آيلاند، كما ذكر، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس" ونشرتها يوم 4/6/2006 بمناسبة إنهائه مهامه كرئيس لمجلس الأمن القومي بعد سنتين ونصف السنة في هذا المنصب. وسيحل مكانه نائب رئيس الموساد سابقا، ايلان مزراحي.
وتدل أقوال آيلاند بشكل خاص على أن عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجية في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة كانت تتم من دون إجراء بحث منهجي ومنظم.
واعتبر آيلاند أن حلّ الدولتين، إسرائيل وفلسطين، بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط غير قابل للتطبيق بشكل يضمن الاستقرار في المنطقة ولذلك فإن جميع القرارات الإستراتيجية التي اتخذتها إسرائيل بخصوص القضية الفلسطينية، منذ معاهدة السلام مع مصر وحتى فك الارتباط، كانت خاطئة.
من جهة أخرى يطرح آيلاند خطة بديلة لحل الصراع تشمل "عملية التفافية" لتبادل أراض مع مصر والأردن.
وقال آيلاند إنه عرض خطته على مسؤولين فلسطينيين الذين أبدوا اهتماما بها.
ويرى آيلاند أن "خطة التجميع" التي أعلن أولمرت نيته تنفيذها ويسعى لتجنيد الدعم لها تنطوي على مخاطر أهمها بنظره "تحطم" المجتمع الإسرائيلي في أعقاب صدام داخلي متوقع وعدم اعتراف دولي بها إضافة إلى تكلفتها العالية والتي تقدر بنحو 100 مليار دولار وبقاء المخاطر الأمنية مثل إطلاق صواريخ قاذفة فلسطينية على القدس ومدينة نتانيا بوسط إسرائيل وإمداد إيران الفلسطينيين بالأسلحة.
وقال آيلاند إن الحكومة الإسرائيلية عندما قررت تنفيذ خطة فك الارتباط "لم تفكر خطوتين إلى الأمام".
وأكد أن "فك الارتباط لم يساهم في حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني".
وأضاف آيلاند أن الحكومة الإسرائيلية لم تبحث بشكل منظم في فك الارتباط وفيما إذا كان عملية صحيحة.
وقال "عندما توليت مهامي في 18 كانون الثاني 2004 لم يكن هناك سوى المصطلح المبهم، فك الارتباط، الذي تم طرحه في خطاب هرتسليا" في إشارة إلى الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أريئيل شارون في مؤتمر هرتسليا الإسرائيلي السنوي في شهر كانون الأول 2003.
وأضاف آيلاند أنه "لم تكن هناك فكرة مبلورة (حول فك الارتباط) وإنما رغبة بالفكرة".
وتابع أن شارون أمهله فترة أربعة شهور لبلورة خطة فك الارتباط لكن تبين بعد ذلك أن مستشار شارون الخاص، المحامي دوف فايسغلاس، كان قد التزم أمام الإدارة الأميركية والتزم باسم شارون بتنفيذ خطوة أحادية الجانب كبيرة في قطاع غزة وأيضا في الضفة الغربية.
وأوضح آيلاند أن "الانطباع لدى الأميركيين هو أن الحديث عن انسحاب من 60% إلى 80% من الضفة الغربية.
"لكن شارون التزم بعد ذلك مباشرة بإخلاء 18 مستوطنة في قطاع غزة وذلك في مقابلة أجراها معه الصحفي يوئيل ماركوس من صحيفة هآرتس ما يعني أن الخيول قد خرجت من الإسطبلات وعملية التخطيط التي بادرت إليها قد تحطمت".
وقال آيلاند إن السؤال حول المقابل الذي على إسرائيل أن تحصل عليه لقاء انسحابها من القطاع تم طرحه في وقت متأخر جدا "وسفر فايسغلاس (للولايات المتحدة) والمقابلة مع ماركوس أديا إلى وضع لا يمكن فيه منع الانسحاب من غزة وعندما تقول إن إخلاء مستوطنات هو أمر جيد لإسرائيل فإنه لا يعود بإمكانك الحصول على مقابل".
واقتبس آيلاند وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في أحد اللقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين حيث قالت "دعوني أشرح لكم ما معنى خطوة أحادية الجانب.
"خطوة أحادية الجانب تنفذها عندما يكون الأمر جيدا بالنسبة لك ولذلك فإنك لا تتوقع الحصول على أي شيء مقابل ما تفعله لصالح نفسك".
ورأى آيلاند أنه هنا يكمن تفويت الفرصة التاريخية "لأنه في نهاية 2003 توصلت إسرائيل والعالم أيضا إلى نتيجة مشابهة وهي أنه، من جهة، ثمة أهمية لحل الصراع بسرعة، ومن جهة أخرى، لا يمكن حله وفقا للقاعدة الموجودة".
وأوضح أنه لا يمكن حل الصراع "لأن الحد الأقصى الذي يمكن لإسرائيل أن تعطيه هو أقل من الحد الأدنى الذي يتوجب على الفلسطينيين أن يتلقوه ولذلك لا توجد نقطة التقاء".
واستطرد آيلاند "لقد اعتقدت أن هذه فرصة نادرة لطرح قاعدة جديدة لكن فك الارتباط قال ببساطة إن الاحتلال سيء وإنه لا توجد إمكانية للتوصل إلى اتفاق طالما هناك احتلال ولذلك دعونا نقلص الاحتلال وهذا ما تقوله خطة التجميع أيضا.
"ثمة منطق في هذا التفكير لكنه لا يقود إلى استقرار طويل الأمد لأن السير في خطى أحادية الجانب يقودنا إلى الحل الكلاسيكي القاضي بإقامة دولتين لشعبين وبرأيي أن هذا الحل غير قابل للتطبيق".
وأوضح أنه "عند الحديث عن حل دولتين للشعبين يتم افتراض فرضيتين هما أنه يمكن حل الصراع ضمن المدى بين البحر المتوسط ونهر الأردن وخط الحدود بين الدولتين هو خط 1967 مع تعديلات طفيفة.
"وأنا أرفض هاتين الفرضيتين وأعتقد أنه بين البحر والنهر لا يوجد مدى كاف ليشمل دولتين وأعتقد أنه من أجل رسم حدود قابلة للحماية تحتاج إسرائيل إلى 12% من أراضي الضفة على الأقل.
"وحدود 1967 وخطة (الرئيس الأميركي السابق بيل) كلينتون لا تمنح إسرائيل حدودا قابلة للحماية كون مدن ومناطق إستراتيجية في وسط إسرائيل وبينها مطارات تصبح في مرمى صواريخ ساغر".
وتابع آيلاند قائلا إنه "لا يمكن ضمان أمن إسرائيل من دون هضبة الجولان ونحن بحاجة إلى غالبية مناطق الجولان من أجل أن نتمكن من تفعيل أسلحة دقيقة مثل طائرات وطائرات استطلاع وصواريخ والأمر ينطبق على الضفة لأني لا أعرف ما الذي سيحدث في الأردن بعد خمس سنين ولا في العراق ومن أجل الحفاظ على قدرتنا في مواجهة إيران فإننا بحاجة إلى حد أدنى من الأراضي في الضفة".
من جهة أخرى اعتبر آيلاند أن "دولة فلسطينية مقامة على 100% من القطاع و97% من الضفة هي دولة غير قابلة للحياة ودولة كهذه ستكون دولة فقيرة ومتطرفة وغير مرتاحة وسيكون الضغط السكاني فيها غير محتمل".
وطرح آيلاند حلا للصراع قال إنه عرضه على شارون ويقضي بالتوصل إلى حلٍ إقليمي.
وتابع آيلاند أن الحل الإقليمي الذي وضعه يقضي "بزيادة 600 كيلومتر مربع من شمال سيناء إلى قطاع غزة ليتسنى بناء ميناء ومطار دوليين ومدينة يسكنها مليون فلسطيني. وإعطاء إسرائيل 600 كيلومتر مربع من الضفة الغربية (تعادل 12% من مساحة الضفة) لضمان استقرار حدود آمنة وإعطاء المصريين تعويضا إقليميا في جنوب النقب بحجم 150 كيلومترا مربعا وتعويضا على شكل مساعدة دولية مثل مشروع للتطوير الاقتصادي وحفر نفق يربط بين مصر والأردن من شمال إيلات (أي منطقة العقبة) ونقل مساحة صغيرة تصل إلى 100 كيلومتر في الأردن إلى الفلسطينيين لتكون مساحة الأراضي التي بحوزة الفلسطينيين تعادل 105% من المساحة التي يطالبون بها اليوم".
ومضى آيلاند قائلا إن إسرائيل ترتكب "خطأ تاريخيا" متواصلا منذ 30 عاما من اتفاق السلام مع مصر وحرب لبنان ورفض فكرة الاتحاد الكونفدرالي الأردني الفلسطيني واتفاق أوسلو وكامب ديفيد في العام 2000 وخطة التجميع "لأن جميع هذه الاتفاقيات أوحت بأننا نرى الحل بقيام دولتين بين البحر والنهر".
ورأى آيلاند أن "خطة التجميع" تثير عدة معضلات أمنية وسياسية وفي حال انسحبت إسرائيل من غور الأردن فإن ذلك سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي في الأردن ولن تؤدي إلى استقرار العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين لأنها لن تحل الصراع.
وأضاف أن "خطة التجميع تهدد (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن ومصر والأردن وعددا من الدول العربية وفي المقابل تعطي الأكسجين لحماس، وهي الجهة الوحيدة التي لا تخشى خطة التجميع وهذا يعني أن ثمة التقاء مصالح بين حكومة إسرائيل وحماس".