"قوس قزح" في مرآة الصحافة الاسرائيلية: "سور واق" مصغرة وعملية "استرداد الردع الاسرائيلي"

على هامش المشهد

*هذا ما يؤكده المحاضر في "الجامعة العبرية" والباحث في "معهد القدس" الدكتور كوبي ميخائيل لـ"المشهد"، ويضيف: اللقاءات التي عقدتها رايس في زيارتها الأخيرة كانت جادة أكثر من اللقاءات التي عقدتها هنا خلال السنة الفائتة*ما نتجه نحوه الآن هو الانفصال عن الفلسطينيين، لكن بالاتفاق ومن خلال التنسيق*

 كتب بلال ضاهر:

 دعا الرئيس الأميركي جورج بوش قبل حوالي ثلاثة أسابيع إلى عقد ما أسماه "اجتماع دولي" بشأن الشرق الأوسط بهدف دفع العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال بوش في خطابه، الذي جاء بعد ساعات من لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت في القدس الغربية، إن هذا الاجتماع سيعقد في الخريف المقبل وترعاه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، للبحث في التزام مختلف الأطراف بالاتفاقات السابقة. الجدير بالذكر أن خطاب بوش يأتي في الذكرى السنوية الخامسة لإعلان ما بات يعرف بـ"رؤية بوش" لحل الدولتين وتأكيده على قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة في غضون خمس سنوات.

 

لكن السنوات الخمس مضت من دون تقدم العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، بل اتسعت الفجوة بين الجانبين مع اتساع الهجمة الإسرائيلية على الإسرائيليين ونهب المزيد من أراضي الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان واستمرار بناء الجدار العازل على أراضي الفلسطينيين.

 

حول "الاجتماع الدولي" والقضايا المرتبطة به، أجرى "المشهد الإسرائيلي" الحوار التالي مع المحاضر في الجامعة العبرية في القدس والباحث في "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية"، الدكتور كوبي ميخائيل.

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هي أهمية "الاجتماع الدولي" الذي يعتزم الأميركيون عقده في الخريف المقبل؟

 

- ميخائيل: "أعتقد أن أهمية هذا الاجتماع الدولي كبيرة، لكن يتوجب أن ترافق ذلك عدة شروط ليكون ناجحا. الشروط الأول، هو اتفاق مبدئي بين إسرائيل والفلسطينيين حول نهاية الطريق، أي ما هو الهدف الذي يجب أن يتوصل إليه الجانبان في نهاية المطاف. وهذا يعني أنه يتوجب البدء في الهدف النهائي والعودة إلى بداية الطريق والتفاوض حتى الوصول إلى الهدف الذي تم وضعه. وهذا المنطق معاكس للمنطق الذي تم العمل بموجبه في اتفاق أوسلو، حيث اتفق الجانبان على البدء بالتفاوض على القضايا التي يمكن الاتفاق حولها وبعد ذلك التفاوض حول القضايا الشائكة. وأعتقد أنه يتوجب الآن بدء التفاوض من النهاية إلى البداية خصوصا لأنه ثمة أزمة ثقة بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. ولدينا هنا ما يسمى بصورة مرآة. وهذا يعني وجود تناقض، إذ أن ثلثي الفلسطينيين على الأقل يرون أن الحل الممكن هو إقامة دولتين للشعبين لكن في الوقت ذاته لا يعتقد الفلسطينيون أن ثمة شريكا في الجانب الإسرائيلي. وهناك وضع مشابه في الجانب الإسرائيلي، إذ أن جميع استطلاعات الرأي تشير إلى أن 70% من الإسرائيليين يؤيدون حل الدولتين لكن الجمهور في إسرائيل لا يعتقد أن هناك شريكا في الجانب الفلسطيني. ولذلك فإنه من أجل إنشاء الشرعية الجماهيرية، لدى الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، يتعيّن على زعيمي الجانبين التوصل إلى اتفاق حول نهاية الطريق. ومن هنا فإن مهمة الاجتماع الدولي مضاعفة. من جهة، يتوجب الإعلان عن الاتفاق حول نهاية الطريق، ومن الجهة الثانية إنشاء شرعية دولية لهذا الاتفاق بين الجانبين. وعندها يمكن مساعدة الجانبين على إيجاد الآلية للتوصل إلى نهاية الطريق المتفق عليها.

"الشرط الثاني الذي من شأنه ضمان نجاح الاجتماع الدولي، هو الرغبة السياسية للمجتمع الدولي في أن يكون ضالعا فعلا في العملية السياسية. فأنا لا أعتقد أن بمقدور الإسرائيليين والفلسطينيين التوصل إلى اتفاق وحدهما. ولذلك أعتقد أنه يجب أن يكون هناك تدخل كبير جدا من جانب المجتمع الدولي سوية مع العالم العربي. وهنا أصل إلى الشرط الثالث وهو تدخل عربي في المفاوضات. وقد اقترحت خلال لقاء بين إسرائيليين وفلسطينيين، عُقد في الناصرة الشهر الماضي، تغيير الرباعية الدولية وأن تصبح الخماسية الدولية أي توسيع هذه الهيئة لتشمل أيضا الممثلين الكبار في جامعة الدول العربية. وأعتقد أن كل تدخل دولي في حل الصراع يجب أن يشمل جهة عربية ذات وزن، لأن العالم العربي، وأقصد الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها السعودية، هو جزء من الصفقة هنا. والشرط الرابع هو إصرار القيادة الفلسطينية على دفع عملية التغيير، أو دفع عملية الانتقال من حالة الفوضى التي تسود الأراضي الفلسطينية إلى حالة أسميها منطق الدولة. وهذا يعني احتكار الدولة للقوة ووجود مؤسسات تقوم بمهماتها بشفافية ومسؤولية سلطوية تجاه المواطنين والمجتمع الدولي أيضا. أي لا يمكن السماح باستمرار وضع توجد فيه سلطة فلسطينية ومن الجهة الأخرى هناك أيضا ميليشيات مسلحة.

"وأعتقد أنه إذا تم تطبيق هذه الشروط الأربعة فإن الاجتماع الدولي مع الإعداد المناسب له سيشكل انطلاقة نحو حل. ويحظر العودة إلى خطأ كامب ديفيد (في العام 2000) حيث لم يستعد الجانبان بالشكل الكافي".

 

(*) لماذا تصر إسرائيل إلى هذه الدرجة على مشاركة السعودية في "الاجتماع الدولي"؟

 

- ميخائيل: "أعتقد أن هناك سببين أساسيين. السبب الأول هو سياسي داخلي، حيث يطرح (رئيس الحكومة الإسرائيلية) ايهود أولمرت هذا التوجه على أنه ذخر سياسي. أي أنه في اللحظة التي يوافق فيها السعوديون على التقاء إسرائيليين بأي شكل كان، فإن هذا الأمر سيمنح أولمرت ذخرا سياسيا بالغ الأهمية وسيساعده على تحسين مكانته السياسية وإعطاء شرعية متزايدة للعملية السياسية مع الفلسطينيين. فالسعودية تعتبر في نظر إسرائيل وآخرين كثيرين قوة هامة جدا في العالم العربي المعتدل اليوم. والسبب الثاني هو أن السعودية هي قوة هامة من الناحيتين الاقتصادية والسياسية وبمقدورها تقوية مصر والأردن المعزولتين، نسبيا، في العالم العربي بسبب علاقتهما مع إسرائيل. إضافة إلى هذين السببين فإن السعودية هي أيضا دولة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة. ومع تطور عملية التطابق في المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل فإن أهمية إقامة علاقة ما بين إسرائيل والسعودية تصبح قضية أهم مما سبق".

 

(*) هل حققت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس شيئا خلال زيارتها للمنطقة في الأسبوع الماضي؟

 

- ميخائيل: "نعم. أعتقد أن ثمة شيئا جديا بدأ يحدث هنا الآن وهو نوع من الطاقة الجديدة الموجودة في أجواء المنطقة. وهذه الطاقة تؤدي إلى توقعات. وأعتقد أن الجمهور في إسرائيل والجمهور الفلسطيني يحاذران جدا الآن عدم الدخول في أوهام ولكني أعتقد أن توقعات لتطورات إيجابية أخذت تنشأ لدى كلا الجانبين وأن اللقاءات التي عقدتها رايس في زيارتها الأخيرة كانت جدية أكثر من اللقاءات التي عقدتها هنا خلال السنة الأخيرة. وأعتقد أيضا أن هذا الوضع يرتبط بالصدمة التي مر بها الفلسطينيون في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة. وهناك شعور لدى الإسرائيليين بأن الفلسطينيين أدركوا على ما يبدو أن هذه فرصتهم الأخيرة، ولذلك قرر الفلسطينيون إبداء الجدية المطلوبة تجاه العملية السياسية على أثر أحداث قطاع غزة. وحتى أنه نشأ تطابق مصالح أكبر بين الفلسطينيين وإسرائيل وأن كلا الجانبين أخذ ينظر إلى حماس على أنها خطر مشترك لإسرائيل والفلسطينيين".

 

إسرائيل ما زالت لا تعرف ما تريده... بشأن غزة!

 

(*) كيف تنظر إسرائيل إلى أحداث قطاع غزة وسيطرة حماس عليه قبل شهرين؟

 

- ميخائيل: "أعتقد أن إسرائيل مرتبكة جدا مما حدث في القطاع. ولا تعرف ما يتوجب عليها أن تفعله الآن. وشعوري هو أن هناك ارتباكا كبيرا لدى إسرائيل وكذلك هناك تخوف كبير من أن تسقط مسؤولية القطاع مجددا على إسرائيل وأن ينشأ ضغط دولي بسبب الوضع الإنساني هناك. وهذه مسؤولية تريد إسرائيل كثيرا ألا تتحملها".

 

(*) هذا يعني أيضا أن إسرائيل لا تريد الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟

 

- ميخائيل: "أعتقد أن إسرائيل ما زالت لا تعرف ما الذي تريده. وتحليلي الشخصي هو أن ما تريده إسرائيل هو تقوية الضفة الغربية الآن والدخول في حراك سياسي يؤدي إلى تفاؤل بوجود أفق سياسي وتقديم تسهيلات ملموسة للفلسطينيين في الضفة وترميم الاقتصاد الفلسطيني وتدخل كبير للمجتمع الدولي من أجل بناء شيء قوي ومستقر في الضفة الغربية. وهذا الشيء القوي والمستقر يمكن أن يشكل نموذجا لقطاع غزة لكن في الوقت ذاته يمكن أن يشكل أساسا للارتباط من جديد مع قطاع غزة، مع تجانس وسيطرة من جانب فتح أو منظمة التحرير الفلسطينية. ويبدو لي أن الإستراتيجية الإسرائيلية تتجه في هذا الاتجاه".

 

(*) نشرت صحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي أن أولمرت وضع خطة سياسية تقضي بانسحاب إسرائيل من 90% من الضفة لإقامة دولة فلسطينية في هذه المنطقة وفي القطاع. هل أولمرت قادر على القيام بخطوة كهذه؟

 

- ميخائيل: "نعم هو قادر على تنفيذ خطوة كهذه شريطة تلبية الشروط الأربعة التي تحدثت عنها في البداية. وهنا تكمن أهمية الاجتماع الدولي برأيي. وحتى لو تم تسليم الفلسطينيين الـ90% من الضفة خلال سنة أو أكثر فإن خطوة كهذه ستحصل على شرعية وتأييد شعبي واسع في إسرائيل في حال نجاح الاجتماع الدولي وإذا كان المجتمع الدولي ضالعا في العملية السياسية. وهنا أريد أن أقول ملاحظة، وهي أن إسرائيل توصلت إلى نتيجة مفادها أنها لا يمكنها الاعتماد بشكل كامل على الفلسطينيين فيما يتعلق بالانسحاب من أراض فلسطينية. ولذلك فإن ثمة أهمية لدور سعودي وبقية العالم العربي. إسرائيل تريد الحصول على ضمانات من المجتمع الدولي. أي أنه في حال لا يتمكن الفلسطينيون من تنفيذ التزاماتهم يجب أن تكون هناك جهة تنفذ هذه الالتزامات بدلا من الفلسطينيين ومن أجلهم. وفي اللحظة التي يضطلع فيها المجتمع الدولي والدول العربية في العملية السياسية فإنه سيكون على إسرائيل أسهل تنفيذ خطوات ملموسة على أرض الواقع مثل تنفيذ انسحابات".

 

(*) هل هذا "الاجتماع الدولي" وهذا المسار السياسي يتجاوزان مبادرة السلام العربية؟

 

- ميخائيل: "لا... بتاتا... بل على العكس. يجب أن يسير ذلك سوية مع المبادرة العربية. لكن لا يمكن تطبيق المبادرة العربية فقط بواسطة الإسرائيليين والفلسطينيين. بل يجب أن يضطلع العالم العربي والمجتمع الدولي بدور فعال في العملية السياسية. وأعتقد أن الفلسطينيين سيواجهون صعوبات في المراحل الأولى فيما يتعلق بتنفيذهم التزامات وسيحتاجون إلى دعم كبير جدا، بما في ذلك مساعدة إسرائيلية، لكن المساعدة الأهم التي يمكن أن تقدمها إسرائيل هي تمكين المجتمع الدولي من مساعدة الفلسطينيين".

 

"يجب البحث عن حل لا يشمل عودة اللاجئين لإسرائيل"

 

 

(*) وماذا عن قضايا الحل الدائم، مثل القدس والمستوطنات والحدود وحق العودة للاجئين الفلسطينيين؟

 

- ميخائيل: "في تقديري أن إسرائيل ستدخل مفاوضات بشأن قضايا الحل الدائم. وإذا وصلوا إلى الاجتماع الدولي في الخريف المقبل فإن مبادئ الاتفاق الدائم سيكون متفقا عليها قبل الاجتماع. ويجب القول صراحة إن هذه المبادئ معروفة للجميع ولا أحد هنا يخترع العجلة من جديد. وتدور هذه المبادئ حول خطة (الرئيس الأميركي السابق بيل) كلينتون واتفاق عامي أيالون- سري نسيبة ومبادرة جنيف. وفيما يتعلق بحق العودة فإنه لا يمكن أن يعود اللاجئون إلى داخل إسرائيل بل يتوجب البحث عن حل لا يشمل عودتهم لإسرائيل. كذلك فإن هناك عدة نماذج لاتفاقات حول القدس، ونحن في معهد القدس للدراسات الإسرائيلية عملنا الكثير في هذا السياق. ولذلك فإني أعتقد أنه من حيث المبدأ الوضع قابل للحل، لكن تبقى القضية متعلقة بالقدرة على التوصل إلى توافق على هذه المبادئ والحصول على شرعية الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن أجل الحصول على هذه الشرعية يجب تطبيق الشروط الأربعة التي تحدثت عنها في البداية".

 

(*) تبدو اليوم أكثر تفاؤلا مما كنت قبل شهرين. ففي اليوم الدراسي حول مبادرة السلام العربية الذي عقده "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية" آنذاك قلت إن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني غير قابل للحل!

 

- ميخائيل: "ما زلت مصرا على موقفي هذا. وأعتقد أنه عندما نتحدث عن مبادئ لاتفاق لا يجعلنا ذلك نصل إلى وضع يتم فيه حل الصراع وإنما يجعلنا في وضع أفضل بكثير مما هي عليه الحال اليوم. حل الصراع يعني أن يكون هناك اتفاق على أن يوافق كل طرف على رواية الطرف الآخر وأن تكون هناك مصالحة، أي أن يكون هناك نوع من الصفح. وأنا أعتقد أن مسؤوليتنا في هذا الجيل هو تحضير الظروف المناسبة للجيل القادم بعدنا للتوصل إلى السلام. إذ علينا التوصل إلى اتفاقيات مستقرة جدا وإلى وضع تقوم فيه دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ووضع تزيل فيه إسرائيل عن نفسها عبء الاحتلال ووضع تساعد فيه إسرائيل والمجتمع الدولي الدولة الفلسطينية على التطور والاستقلال والازدهار وإنشاء الظروف التي تمكن كلا الجانبين من التوصل إلى المصالحة والسلام المنشود. وأعتقد أنه حتى لو توصلنا لاتفاق في الفترة القريبة فإننا سنبقى مع الجدار العازل والسماح لعدد قليل من العمال الفلسطينيين بالدخول لإسرائيل. أي أنه عندما أتحدث عن سلام حقيقي فإني أتحدث عن حدود مفتوحة وعن تعاون كبير. وأنا لا أرى أن هذا سيحدث الآن أو في الفترة القريبة المقبلة. نحن الآن نتجه نحو انفصال، لكن هذا انفصال بالاتفاق ومن خلال التنسيق".