استطلاع رأي جديد في إسرائيل: أغلبية كبيرة تدعو إلى شنّ هجوم عسكري واسع على لبنان وتدمير بُناه التحتية!

قصف إسرائيلي متصاعد لجنوب لبنان، أمس، مع دخول الحرب "مرحلة جديدة". (أ.ف.ب)
تقارير، وثائق، تغطيات خاصة

ترى أغلبية واضحة من الجمهور الإسرائيلي عامة (57,5 بالمائة) وأغلبية كبيرة من الجمهور اليهودي في إسرائيل (66,9 بالمائة) أنه يتعين على إسرائيل تصعيد وتوسيع عملياتها العسكرية على الحدود الشمالية مع لبنان، سواء من خلال المبادرة إلى شن هجوم واسع في عمق الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تدمير البنى التحتية في لبنان (39,4 بالمائة من الجمهور العام و66,2 بالمائة من الجمهور اليهودي و6 بالمائة من العرب في إسرائيل)، أو من خلال تصعيد الردود العسكرية تجاه حزب الله اللبناني، لكن مع تجنب المس بالبنى التحتية في لبنان (18,1 بالمائة من الجمهور العام و20.7 بالمائة من الجمهور اليهودي و5,4 بالمائة من العرب في إسرائيل). في المقابل، ترى أقلية واضحة أنه ينبغي على إسرائيل إمّا "مواصلة القتال مع حزب الله بالوتيرة الحالية" (8 بالمائة من الجمهور العام، 8,6 بالمائة من الجمهور اليهودي و4.9 بالمائة من الجمهور العربي) وإمّا السعي إلى التوصل إلى تسوية سياسية مع حزب الله اللبناني "رغم احتمال اندلاع مواجهة إضافية أخرى بين الطرفين في المستقبل، القريب أو البعيد" ـ 27 بالمائة من الجمهور العام في إسرائيل، 16,8 بالمائة من الجمهور اليهودي، مقابل أغلبية ساحقة (76,6 بالمائة) من العرب في إسرائيل.

هذه إحدى النتائج الأبرز التي أظهرها استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر آب المنصرم، والذي أجري قبل التفجيرات الإسرائيلية في بيروت الأسبوع الماضي وما أعقبها من تطورات، حتى الآن. وأظهرت توزيعة نتائج الاستطلاع حسب المعسكرات السياسية ـ الحزبية في إسرائيل تباينات واضحة بين "اليمين" و"اليسار" و"الوسط" في الموقف من هذه القضية: نصف المشاركين من "اليسار" في الاستطلاع أيّدوا السعي للتوصل إلى تسوية سياسية، بينما أيّد الرُّبع منهم المبادرة إلى شن هجوم عسكري واسع في عمق الأراضي اللبنانية، "لكن ضد حزب الله فقط"!! بينما كانت النتيجة عكسية بين المشاركين من اليمين إذ أيّدت أغلبية ساحقة منهم خيار الهجوم العسكري الواسع، بما في ذلك ضرب البنى التحتية اللبنانية. أما مؤيدو "الوسط" فقال 28 بالمائة منهم إنهم يؤيدون التصعيد "ضد حزب الله فقط!! مقابل 33 بالمائة منهم قالوا إنهم يؤيدون الهجوم العسكري الواسع في عمق الأراضي اللبنانية، بما في ذلك ضرب البنى التحتية ولم يؤيد منهم خيار التسوية السياسية سوى أقل من 20 بالمائة!

يشار إلى أن "مؤشر الصوت الإسرائيلي" هذا هو الاستطلاع الذي يجريه "مركز فيطربي" (في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية") للرأي العام والسياسات في إسرائيل بصورة شهرية، ابتداء من نيسان 2019، ولهذا فهو يشكل أداة جيدة لقياس التغيرات والتحولات التي تطرأ على الرأي العام الإسرائيلي في القضايا المركزية. وقد شمل استطلاع المؤشر للشهر الأخير عينة من المستطلَعين قوامها 750 شخصاً من الذكور والإناث (600 منهم من اليهود و150 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق) تم استطلاع آرائهم في الأيام ما بين 26 حتى 28 آب الأخير. وقد تناول هذا الاستطلاع، الأخير، مجموعة من القضايا والأسئلة المتداولة في الإعلام والمطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلي، وأبرزها: "المزاج القومي العام"، الذي يتشكل من مركّبين اثنين أساسيين ـ مدى شعور الإسرائيليين بالأمن ومدى تفاؤلهم/ تشاؤمهم حيال مستقبل "الأمن القومي" ومدى تفاؤلهم/ تشاؤمهم حيال مستقبل "النظام الديمقراطي" في إسرائيل. وهذه أسئلة مستحدَثة يتكرر طرحها في هذا الاستطلاع ـ وسواه من استطلاعات الرأي العام في إسرائيل أيضاً ـ في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 (بخصوص "مستقبل الأمن القومي") وما سبقها من مساعٍ حكومية ـ ائتلافية حثيثة لتنفيذ برنامج "الإصلاح القضائي" الذي اعتبره معارضوه خطة للانقلاب على الحكم (بخصوص "مستقبل النظام الديمقراطي"). وقد أصبح التداخل بين هذين المركّبين واضحاً تماماً، من حيث ديناميكية التأثير والتأثر المتبادلين التي نشأت بينهما عقب أحداث السابع من أكتوبر ثم تعززت بصورة وثيقة حيال الحرب على قطاع غزة واستمرارها الخارج عن السيطرة، من جهة، وحيال التصعيد المتواتر على الحدود الشمالية بين إسرائيل و"حزب الله" وما قد يتطور إليه هذا التصعيد في أية لحظة، من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تطرق هذا الاستطلاع أيضاً إلى "الجبهة الشمالية" وما ينبغي على إسرائيل فعله في الوضع المستجد هناك، صفقة تحرير المخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وما إذا كانت هذه الفرصة الأخيرة حقاً لإعادتهم أحياء، "محور صلاح الدين" (محور فيلادلفيا) والاعتبار الأساس الذي يقف خلف إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على بقاء الجيش الإسرائيلي هناك وكذلك التوتر الشخصي الشديد القائم بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وسعي نتنياهو إلى إقالة غالانت واستبداله بجدعون ساعر ومدى انعكاس ذلك وتأثيره على أداء كليهما على إدارة الحرب.

تحسن في "المزاج القومي" لكنّ التشاؤم يبقى غالباً

سجل "المزاج القومي" العام في إسرائيل، في استطلاع شهر آب، تحسناً واضحاً، هو الأول من نوعه بعد تراجعات متتالية أوصلته إلى حضيض غير مسبوق في حزيران وتموز الماضيين، وذلك في كلا مركّبَيْه: إذ حصل ارتفاع بنسبة 6 بالمائة في عدد المتفائلين حيال مستقبل النظام الديمقراطي (من 30 بالمائة في تموز إلى 36 بالمائة في آب) بينما حصل ارتفاع حاد بنسبة 13 بالمائة في عدد المتفائلين حيال مستقبل الأمن القومي (من 26 بالمائة في تموز إلى 39 بالمائة في آب). وعلاوة على ذلك، بينما استمرت العلاقة بين هذين المركّبين على حالها منذ كانون الأول 2023، فكانت نسبة المتفائلين حيال مستقبل الأمن القومي أقل بقليل، باستمرار، من نسبة المتفائلين حيال مستقبل النظام الديمقراطي، حصل في استطلاع شهر آب "انقلاب" فأصبحت نسبة المتفائلين بمستقبل الأمن القومي أعلى من نسبة المتفائلين بمستقبل النظام الديمقراطي.

غير أنّ هذا التحسن، في كلا المركبين المذكورين، لم يؤدّ إلى "انقلاب" الآية كلياً، إذ بقي المتشائمون حيال مستقبل النظام الديمقراطي ومستقبل الأمن القومي، على حد سواء، يشكلون الأكثرية من بين المشاركين في الاستطلاع، سواء على المستوى العام أو على مستوى المشاركين اليهود، وعلى مستوى المشاركين العرب بالتأكيد.

 ففي السؤال حول وضع النظام الديمقراطي في المستقبل المنظور، قال 35,9 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع إنهم يشعرون بالتفاؤل، ومثلهم أيضاً 38,7 بالمائة من المشاركين اليهود في الاستطلاع و23,6 بالمائة من المشاركين العرب فيه. في المقابل، قال 59,9 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و56,9 بالمائة من المشاركين اليهود و75,1 بالمائة من المشاركين العرب إنهم يشعرون بالتشاؤم حيال وضع النظام الديمقراطي في المستقبل المنظور.

أما بالنسبة لوضع الأمن القومي في المستقبل المنظور، فقد كان المتفائلون وفق نتائج الاستطلاع: 39,1 بالمائة من مجمل المشاركين فيه، 42,8 بالمائة من المشاركين اليهود و20,7 بالمائة من المشاركين العرب؛ بينما شكّل المتشائمون الأغلبية: 57,7 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 53,6 بالمائة من المشاركين اليهود و78 بالمائة من المشاركين العرب.  

ورجح معدّو الاستطلاع أن مردّ التحسن المذكور في "المزاج القومي"، رغم بقاء التشاؤم سيد الموقف بأغلبية واضحة، هو عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في لبنان وطاولت عدداً من قادة حزب الله (مرة أخرى: قبل عمليات التفجير التي حصلت الأسبوع الماضي) وأشاروا إلى ضرورة إجراء قياسات أخرى لمعرفة ما إذا كانت هذه النتيجة الأخيرة، في استطلاع آب، تغييراً لمرة واحدة أم مؤشراً على وجهة جديدة، مغايرة لما كان خلال الأشهر العديدة الماضية.

في سؤال آخر حول مدى التفاؤل أو التشاؤم حيال فرص التوصل إلى "صفقة لتحرير المخطوفين" الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة "خلال الفترة القريبة"، تبين أن الأغلبية الساحقة (73,5 بالمائة) من الجمهور الإسرائيلي ـ من مجمل المشاركين في الاستطلاع ـ تعرب عن تشاؤمها في هذا المجال، وأكثر منها بقليل أيضاً (78,5 بالمائة) من المشاركين اليهود ونصف (49 بالمائة) المشاركين العرب في الاستطلاع. أما المتفائلون في هذا المجال فهم: 20,9 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و15,5 بالمائة من المشاركين اليهود فيه و47,8 بالمائة من المشاركين العرب.

في السؤال حول موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اشتراط بقاء الجيش الإسرائيلي في "محور صلاح الدين" (محور فيلادلفيا) وسيطرته عليه في أية تسوية أو صفقة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، قال 50,7 بالمائة من مجمل المشاركين و58,4 بالمائة من المشاركين اليهود (مقابل 13 بالمائة فقط من المشاركين العرب) إن شرط نتنياهو هذا هو "شرط موضوعي من الناحية العسكرية ـ الاستراتيجية"، بينما قال 38,7 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و33 بالمائة من المشاركين اليهود (مقابل 66,5 بالمائة من المشاركين العرب) إن هذا الشرط "يرمي، بالأساس، إلى إحباط أية تسوية، بدوافع سياسية ـ حزبية خاصة بنتنياهو شخصياً".

وسُئل المشاركون في الاستطلاع حول تصريح "مصادر في الإدارة الأميركية"، كما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، عن أن "إسرائيل قد حققت كل ما تستطيع تحقيقه من الناحية العسكرية في قطاع غزة"، فقال 64 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و66,6 بالمائة من المشاركين اليهود و52,8 بالمائة من المشاركين العرب إن "هذا الكلام غير صحيح، البتّة"؛ بينما قال 25,5 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و23,9 بالمائة من المشاركين اليهود و33 بالمائة من المشاركين العرب إن "هذا الكلام صحيح تماماً".

وحول التوتر والخلاف السائدين بين رئيس الحكومة، نتنياهو، ووزير الدفاع، غالانت، ومدى تأثير هذا الخلاف على أدائهما في إدارة الحرب في قطاع غزة وعلى الحدود الشمالية مع حزب الله، قال 65,8 من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 64,3 بالمائة من المشاركين اليهود و73 بالمائة من المشاركين العرب إن هذا الخلاف "يؤثر بشكل سلبي جداً"، بينما قال 21,6 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و22,1 بالمائة من المشاركين اليهود و18,7 من المشاركين العرب إن هذا الخلاف "لا يؤثر بصورة سلبية، إطلاقاً".