اليمين الجديد يحاول تقديم نفسه كخلاصة الصهيونية

فعاليات مدار
الموقع: مركز مدار
الفعالية: ندوات

رام الله: قالت المحامية سوسن زهر، مديرة وحدة الحقوق الاجتماعية والسياسية والثقافية في مركز "عدالة"، إن الجديد في خطاب المحكمة العليا الإسرائيلية حديثاً، يتمثل باختطاف خطاب حقوق الإنسان لتسويغ قراراتها اليمينية، وتبييض تبنيها لمواقف المستوطنين ولسياسات الاحتلال.

ودللت زهر على هذا الانعطاف في خطاب "العليا" المنزاحة نحو اليمين الجديد بـ "قانون المقاطعة"، الذي يجرم المناداة بالمقاطعة استناداً إلى خطاب حقوق الإنسان ومنع التمييز، وبهذا تضع المحكمة العليا الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، والفلسطينيين في إسرائيل، على قدم المساواة مع المستوطنين، وكأن المستوطنين أناسٌ محايدون، ولا يتواجدون في أراض محتلة بما يتنافى مع القوانين الدولية.

وقالت زهر في ندوة نظمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، في رام الله، أمس، أدارتها د. هنيدة غانم، وتمحورت حول صدور عدد خاص من "قضايا إسرائيلية" حول اليمين الجديد، أن هذا الاتكاء على خطاب حقوق الانسان في تمرير السياسات التمييزية ليس حكراً على "العليا"، التي تضم بين أعضائها مستوطناً، إنما يأتي في سياق التفات اليمين إلى ضرورة التواجد في مؤسسات المجتمع المدني وإقامة مجموعة مؤسسات حقوقية تتبنى منظوراً يمينياً لهذه الحقوق وتوظفها لتمرير سياسات يمينية.

وذكرت زهر على سبيل المثال محاولات منظمات حقوقية يمينية محاربة البناء في القرى غير المعترف بها في النقب، من منطلق الدفاع عن البناء القانوني وعن البيئة.

وأوضحت زهر ان "اليمينية" كأيديولوجيا ليست جديدة في المحكمة العليا، حيث دائما ما كانت تعطي "التوقيع" الاخير على سياسات الاحتلال، لكن التغير يحدث في الخطاب وفي التسويغات.

وقال رائف زريق، رئيس تحرير فصلية "قضايا"، إن إسرائيل التي بدأت العام 1948 كدولة علمانيّة ذات ميول اشتراكيّة، تبدو في العام 2015 خاضعة- كدولة وكمجتمع- لخطاب دينيّ أصوليّ من ناحية، ولسياسة نيو- ليبراليّة رأسماليّة متوحّشة من ناحية أُخرى.

وأوضح زريق أنه لا يمكن فهم اليمين الإسرائيلي الجديد دون مراقبة علاقة الصهيونية مع الدين، حيث ولدت في صراع مع الدين، وعلاقة الصهيونية بالسوق التي انتهت الى حرية سوق غير مضبوطة، وبالحريات السياسية التي انكفأت نحو المربع الإثني، وبالعلاقة مع العرب والفلسطينيين، مبيناً أن ما حدد التمايز بين اليمين واليسار يتركز بالموقف من الفلسطينيين.

وحول أبرز ملامح اليمين الجديد قال زريق إن اليمين الجديد استدخل حقيقة أن حلم إسرائيل الكبرى غير واقعي، لكنه استطاع ان يكرّس في مواجهة اليسار استحالة فكرة التقسيم أيضاً، مكتفياً بإدارة الصراع كصراع غير قابل للحلّ.

وذكر زريق بأن الصهيونية التي استخدمت الدين كأداة سياسية عبر علمنة الاسطورة، انتهت إلى محاولات الدين تقديم الصهيونية كمرحلة تاريخية تندرج في إطار الإرادة الإلهية لتحقيق اليهودية.
ولفت زريق إلى ان المعسكر القومي الدّيني مر بأزمات أيضا، منها السياسة النيو- ليبرالية الاقتصاديّة التي رفعت منسوب الذّاتيّة والفردانيّة من جهة؛ ومن جهة أخرى الانسحابات المتكرّرة من مناطق مختلفة كانت تحت سيطرة الدّولة الإسرائيليّة: غزّة، أجزاء من الضّفة، وحتى الانسحاب من جنوب لبنان وسيناء، ما أسفر عن تبني دين ينسجم مع روح العصر، فكر دينيّ قوميّ غير متزمّت دينيًّا، يظهر فيه الدّين كنوع من الرّياضة الرّوحيّة ممزوجة بفكر قوميّ إثني، يتماشى تماماً مع روح العصر التكنولوجيّة والرأسماليّة.

وأضاف زريق: إن اليمين الجديد اتجه من تفريغ طاقته في الصراع مع الخارج، إلى تبني خطاب متضخم، يقدّم إسرائيل كواجهة حضارية للعالم الغربي المتنور، وكخط دفاع أمام "داعش" وإيران، الأمر الذي انكشف بوضوح في دعاية نتنياهو الانتخابية، ويشكل عودة إلى بدايات الشراكة مع الخطاب الكولونيالي الاستشراقي.

وعلى الصعيد الداخلي، نبه زريق تقديم اليمين الجديد لنفسه كتجسيد للصهيونية في نضوجها، وليس كمجرد تيار في الصهيونية، وهذا ما يفسر توجه اليمين لعملية صياغة الصهيوني الجديد عبر التركيز على هوية الدولة، وزيادة حضور الدين في الحيز العام، وتطبيع الاستيطان محاولة الهيمنة على معاقل اليسار التقليدية ممثلة بالأكاديميا والإعلام والمحكمة العليا.