يؤكد نيتسان هوروفيتس، الصحافي المحلل للشؤون الدولية وعضو الكنيست السابق (عن حركة "ميرتس")، في سياق دراسة جديدة له تحت عنوان "المقاطعة الآخذة في التبدد: علاقات إسرائيل مع اليمين المتطرف في أوروبا"، أن الغالبية الساحقة من اليهود في أوروبا لا تقع في حبائل الحفلة التنكرية والتظاهرية التي يمارسها اليمين المتطرف هناك. فاستبدال اللاسامية بالإسلاموفوبيا يُعتبر، من جانبهم، خطوة تكتيكية فقط وتثير معارضة شديدة لديهم، بحد ذاتها. وهذا بالرغم من انضمام أفراد من اليهود إلى أحزاب اليمين المتطرف هذه وإقرار آخرين منهم بأن هذه الأحزاب تعارض، حقا، اللاسامية في صفوفها، لكن هذه الأصوات تبقى هامشية.
وأحد التعبيرات الأبرز التي تؤكد هذه الحقيقة يتمثل في ما صرح به مئير حبيب، عضو الجمعية الوطنية الفرنسية، وهو يهودي يمثل المواطنين الفرنسيين المقيمين في إسرائيل ويعتبر مقربا جدا من رئيس الحكومة نتنياهو. قال حبيب: "أنا يهودي ونحن نعرف عبر التاريخ توجهات اليمين المتطرف وإلى أين قاد العالم بأسره، لكن ينبغي ألا ننسى أن اليسار المتطرف والإسلام المتطرف هما العدوان الأولان والمركزيان في العالم اليوم".
ويواجه اليهود في أوروبا معضلة قاسية: فهم يتعرضون للتهديد من قبل إسلاميين متطرفين، من جهة، بينما يقف اليمين المتطرف في الجهة المقابلة، وهو الذي طاردهم في الماضي، رغم أنه يصور نفسه اليوم بأنه حليف لهم في المعركة المشتركة ضد الإسلام. ويزداد الأمر تعقيدا حينما يجهر بعض زعماء اليمين المتطرف الأوروبي بتعاطفهم العميق مع إسرائيل. غير أن القيادات اليهودية، بما فيها الأوساط التي تميل نحو اليمين، لا تنخدع بهذه التصريحات إجمالا.
تبييض الاحتلال مقابل شرعنة العنصرية
في الجزء التالي من مقاله، يسوق هوروفيتس جملة من النماذج عن علاقات عينية بين إسرائيل واليمين المتطرف في أوروبا واللقاءات العديدة جدا التي عقدها مسؤولون رسميون إسرائيليون، من وزراء وأعضاء كنيست، مع هذه الأحزاب وزعمائها، تمتد من "حزب الحرية" النمساوي، بزعامة يورغ هايدر، وخلفه، يورغن شترايخه، مرورا بحزب "المصلحة الفلانديرية" البلجيكي، وحزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي بزعامة مارين لوبين، وانتهاء بـ"حزب الحرية الهولندي" بزعامة خيرت فيلدرز.
وجميع هذه العلاقات واللقاءات تمحورت حول صيغة مركزية قوامها مساهمة أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية وزعمائها في "تبييض الاحتلال والمستوطنات"، مقابل إسباغ إسرائيل الشرعية على عنصرية هذه الأحزاب وممارساتها القومجية المتعصبة. ويضيف: "إنه نوع من التفهم والشرعية الدولية للاحتلال والمستوطنات لا يمكن العثور عليه، إطلاقا تقريبا، في العالم السياسي، وفي الحلبة السياسية الأوروبية تحديدا وبالتأكيد، وإنما لدى أوساط اليمين المتطرف فقط. ولذا، ثمة في إسرائيل من يسعى إلى التقرب من هذه الأحزاب، بينما هي تريد التقرب من إسرائيل من أجل الفوز بشرعية من جانبها. ولهذا يمكن وصف العلاقات بين اليمين الإسرائيلي واليمين المتطرف الأوروبي بأنها "تحالف الشرعية"، أو الإجازة المتبادلة: إجازة اللاسامية، في مقابل إجازة الاحتلال والمستوطنات"!
ولا تغيب قضية الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لدولة إسرائيل عن سياق هذه العلاقات، أيضا. وهو ما انعكس في العديد من اللقاءات التي جرت بين وزراء وأعضاء كنيست إسرائيليين وزعماء العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، إذ يحاول الإسرائيليون إقناع زعماء تلك الأحزاب بممارسة ضغوط، سياسية وإعلامية، على حكومات بلدانهم من أجل دفعها إلى نقل سفاراتها إلى القدس، تأكيدا لاعتراف رسمي بها كعاصمة موحدة لدولة إسرائيل.
ويؤكد هوروفيتس، في دراسته، أن العلاقات واللقاءات لا تقتصر على وزراء وأعضاء كنيست إسرائيليين فقط، بل تشمل عددا غير قليل من المنظمات الإسرائيلية المختلفة التي تشكل جزءا أساسيا من اليمين الإسرائيلي، وتقيم منذ ما يزيد عن عقد من الزمن علاقات وثيقة مع عدد من أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية وتعقد معها لقاءات تنسيقية متواصلة.
ثم يخلص إلى التحذير من أن منح إسرائيل شرعية لليمين المتطرف في أوروبا، بينما هو لا يزال يشكل عاملا هامشيا في السياسة الأوروبية ويخوض صراعات حادة ضد المؤسسات السياسية في الدول الأوروبية المختلفة، قد يؤدي إلى مسّ عميق وجوهري بالعلاقات المهمة بين إسرائيل وأوروبا. ويشير جزء من الادعاءات السياسية المتداولة في أوروبا ضد اليمين المتطرف وأحزابه هناك إلى أن توجهات اليمين وممارساته قادت أوروبا نحو كارثة رهيبة وإذا كانت دولة إسرائيل تحديدا، دولة الشعب اليهودي، هي التي تعانق هذه الأحزاب التي تنشر الكراهية ضد الأجانب وتدعو إلى التمييز والعنصرية، فسيكون ذلك بالتأكيد "برهانا" قاطعا على أن هذه الأحزاب قد تغيرت ظاهريا. ولهذا بالضبط فهي متعطشة إلى الشرعية الإسرائيلية، غير أنه لهذا بالضبط يجب على إسرائيل عدم منحها مثل هذه الشرعية، لما ينطوي عليه ذلك من ضرر فادح لمكانة إسرائيل الدولية.