هو آشير تسفي غينزبيرغ، والمعروف بـ (أَحاد هَعام) (واحد من الشعب). ولد العام 1856 في سكفيرا في اوكرانيا لعائلته غنية. كان والده يعمل في التجارة. التحق بكُتاب البلدة فدرس فيه المواضيع الدينية، واطلع على كتب تفاسير للتوراة والتلمود.
ولما بلغ السابعة عشرة من عمره زوّجه والده فتاة من عائلة متدينة. ورغم هذا الزواج المبكر إلا أنه واصل دراساته للكتب الدينية، وفي الوقت نفسه بدأ يقرأ كتباً لأدباء يهود غير متدينين، أمثال شولمان. ولما زار أوديسا، اطلع على مؤلفات الكاتب الروسي الثوري بسارييف التي تركت أثرها على تفكيره. تقدم لامتحانات نهاية الدراسة الثانوية ثم تعمق في اللغة اللاتينية والرياضيات والتاريخ والجغرافيا. وحاول جاهداً الانضمام إلى إحدى الجامعات في ألمانيا أو النمسا أو حتى في بلده، ولكن على ما يبدو أن الأجواء الجامعية لم ترق له. ورغم هذا الوضع انكب على القراءة المتواصلة لكتب الفلسفة..
شكل ربيع العام 1884 منعطفاً في حياته إذ كان يسكن في أوديسا، وبدأ نشاطاً جديداً عندما تعرف على جمعية "محبو صهيون" ("حوففي تسيون")، وطالب من خلال عضويته في هذه الجمعية بأن يُشير يهودا بينسكر- أحد مؤسسي "محبو صهيون" - إلى الجانب القومي للجمعية في خطابه امام مؤتمر كاتوفيتش.
وشرع أحاد هعام بعد ذلك في كتابة المقالات التي نُشرت في جريدة (همليتس) وكان أبرز مقالاته (ليس هذا الطريق) ووقعه باسم (أحاد هَعام) ومن هنا عرف بهذا الاسم. وقد أثار هذا المقال جدلاً كبيراً لأنه كان يمكن أن يؤثر على مستقبل العمل في فلسطين. وأخذ يُطور كتاباته حتى أصبح أحد البارزين في الأدب العبري الحديث.
دفعه المقال (ليس هذا الطريق) إلى تأسيس جمعية "أبناء موسى" (بني موشي) والتي عاشت ثماني سنوات (1889-1897). وكان هو رئيسها ومنظّر خطوط عملها ونشاطها. وكتب العام 1891 مقالاً تحت عنوان (حقيقة من أرض إسرائيل) إثر زيارته إلى فلسطين، كتب واصفاً أوضاع الاستيطان المبني على التطوع وقال أن الحركة الاستيطانية لا تبنى على هذا النحو. وواصل زياراته إلى فلسطين وكتب من بعدها مقالات أثارت ضجة حول ما كان يجري من أمور وأحوال في المستوطنات، محللاً وشارحاً مواقفه. وإثر فشل شركة تصفية الزيوت التي أسسها، عيّن مديراً لشركة "أحيآصاف" في وارسو والتي كانت تُعنى بالنشر والإصدارات. وفي برلين أسس مجلة (هشيلاح) والتي صدر منها عشرة مجلدات بتحريره بين 1896 و1902. ولما انخفض عدد المشتركين في المجلة المذكورة تركها وعمل مراقباً في شركة فيزوتسكي للشاي.
ورغم حضوره المؤتمر الصهيوني الأول إلا انه لم يُرشح نفسه للجنة التنفيذية للمؤتمر، لأنه أراد الحفاظ على حرية التعبير عن آرائه وعن أفكاره لمواجهة بنيامين زئيف هرتسل وماكس نورداو. وشن أحاد هَعام هجوماً عنيفاً على كتاب هرتسل "ألتنويلاند" (الأرض القديمة- الجديدة)، مما دفع نورداو إلى الرد عليه بحدّة، وهكذا تطور النقد بين الطرفين حتى بلغ الأمر بأحاد هَعام إلى توجيه النقد للصهيونية السياسية التي نادى بها كل من هرتسل ونورداو.
انتقل إلى لندن ليعمل في شركة فيزوتسكي للشاي بين 1907 و 1921. وتقرب من الدكتور حاييم وايزمان حيث عملا معاً في لندن من أجل إصدار تصريح بلفور. وهاجر إلى فلسطين العام 1922 حيث استقر في تل أبيب وعمل أولاً على إصدار ستة مجلدات تحمل عنوان (رسائل أحاد هعام) ثم أصدر العام 1926 (فصول ذكريات ورسائل). توفي العام 1927 في تل أبيب وحُول بيته إلى مركز عام، مع مكتبته.
تأثر أحاد هعام من الكتابات الدينية اليهودية القديمة، ومن تلك التي انتشرت في العصور الوسطى بين أوساط المتعلمين والمثقفين اليهود. واطلع على معظم المؤلفات الفلسفية التي صدرت في أوروبا للفلاسفة والمفكرين أمثال لوك وهيوم وميل وداروين وسبنسر وكانط وهيجل وشوبنهاور وغيرهم.
وقد دعا أحاد هعام في كتاباته إلى الصهيونية الروحية، والتي لا تشمل فقط الصهيونية بل كل المسائل والقضايا اليهودية حتى تلك الفترة. وهذا التيار الصهيوني مؤسس على القومية وعلى الإنسانية التي لا يتعارض معها على الإطلاق. (فكما انه في الواقع لا توجد شجرة هكذا، فإن الشجرة ممكن أن تكون شجرة تفاح أو رمان، وكما انه لا يوجد إنسان هكذا إنما كل إنسان هو رؤوبين أو شمعون، هكذا لا يوجد في الواقع مجرد "إنسانية". الإنسانية بمفهومها الاجتماعي لا يمكن الوصول إليها الا بتبسيطها، بينما القومية هي شكل محسوس، تتجلى من خلالها الإنسانية في كل شعب بما يتلاءم وأسس حياته واحتياجاته وتاريخه وتراثه).
ولهذا دعا أحاد هعام إلى إحياء الإنسان اليهودي والى تحسين قيمه التي لحق بها خلل نظرا لوجوده في الشتات وفق تعبيره. وبرأيه، لا يمكن تحقيق يقظة قومية إلا بوجود مركز روحي للشعب اليهودي على "أرضه التاريخية" المشتركة لكل اليهود، وبواسطة العمل المشترك لإقامة هذا المركز، بعد أن فشلت الديانة اليهودية من الناحية العملية في تحقيق إقامة مثل هذا المركز. فالمركز يُثير المشاعر القومية لدى أبناء الشعب اليهودي ويُقوي الوحدة بينه، ويُصبح المرجع الأول لمنع حصول الاختلاط الذي أصاب هذا الشعب بسبب تشتته عبر العصور وفي بلاد كثيرة جداً. وبدون وجود قاعدة قومية ثابتة للأمة وحياة حرة لن يكون هناك تطور لحياة الامة. و"أرض إسرائيل" تصبح مركزاً روحياً فقط عندما يُصبح الشعب اليهودي هو الأغلبية في هذه الأرض، ويمتلك معظم أراضيها. وبعد أن يُسيطر الشعب اليهودي على كل مصادر الرزق، عندها فقط يُخلق شيء جديد لهوية اليهود القومية".
ومن أفكاره أيضاً ان دولة اليهود هي عبارة عن عملية متواصلة من البناء، وسوف يأتي اليوم الذي تتحقق فيه فكرة إنشاء الدولة والإعلان عنها. وإن الدولة اليهودية هي ليست بداية الشعب اليهودي بل نهاية كل شيء بمعنى تحقيق الحلم على أرض الواقع. ولتأسيس الدولة يجب تحضير الشعب وتربيته القومية والأدبية لمعرفة فكره وتراثه.