تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2166
  • انطوان شلحت

يهدف هذا التقرير إلى تحليل المشهد الانتخابي الإسرائيلي عشية الانتخابات العامة القريبة في 9 نيسان المقبل. وهو ينطلق أساساً من مقولة مفادها أن التنافس الحالي هو داخل المعسكرات على القواعد الاجتماعية الثابتة لهذه المعسكرات إلى حد كبير، حيث أن المقارعة بين التيارات المختلفة التي وصلت إلى درجة التخوين أو نزع الشرعية عن كل تيار أو مركبات منه، تخاطب بالأساس القواعد الاجتماعية- الانتخابية لكل معسكر، وذلك بغية تحقيق هدفين أساسيين: الأول، تحفيز هذه القواعد

على الخروج للتصويت من خلال إقناعها بأن هذه الانتخابات مصيرية ونقطة فارقة في تاريخ إسرائيل، حيث يدعي معسكر المعارضة أن الانتخابات هي على وُجهة ووجه إسرائيل الديمقراطيين الآخذين بالتآكل في السنوات الأخيرة، في حين يدعي اليمين أن الانتخابات هي نقطة فارقة في تحديد مستقبل "أرض إسرائيل" والاستيطان، لا سيما في اعقاب القرار الأميركي بنشر خطة "صفقة القرن" بعد الانتخابات.

أما الهدف الثاني فهو الحصول على أكبر عدد من المقاعد داخل كل معسكر بهدف التأثير. فتحالف "أزرق أبيض" بقيادة بيني غانتس ويائير لبيد يسوق نفسه بأنه لا يمكن تشكيل حكومة بديلة عن حكومة بنيامين نتنياهو إلا بحصول قائمته على مقاعد أكثر من الليكود، في حين تدعي الأحزاب في نفس المعسكر (والقصد العمل وميرتس) أن حصولها على تمثيل كبير في الكنيست سيضمن عدم انجرار قائمة غانتس ولبيد نحو اليمين وتحويله إلى ليكود بنسخة جديدة. أما في معسكر اليمين، فيسوّق الليكود بأنه لا يستطيع تشكيل الحكومة إلا بحصوله على تمثيل برلماني أكبر من قائمة غانتس ولبيد، وبغير ذلك فإن حكم اليمين سيكون في خطر. كما أن أحزاب اليمين الأخرى لديها نفس الادعاء الذي تحمله الأحزاب الصغيرة في المعسكر المقابل ومؤداه أن حصولها على تمثيل كبير في الكنيست سوف يؤهلها للتأثير على الليكود بشكل أكثر فاعلية في الحفاظ على مواقف يمينية تجاه "صفقة القرن"، واستمرار الاستيطان، وفي سبيل اتخاذ سياسات أمنية أكثر متشددة تجاه الفلسطينيين وخاصة تجاه قطاع غزة، بينما سيؤدي ضعفها إلى إزاحة الليكود بقيادة نتنياهو نحو مواقف غير يمينية. علاوة على ذلك فإن الأحزاب الصغيرة في كل معسكر تتهم الحزب الكبير بأنه سيتحول إلى نسخة عن الحزب الأكبر في المعسكر المقابل في حال تمخضت الانتخابات عن ضعف تمثيلها، لا بل قد يؤدي إلى تحالفهما (أي الحزبين الكبيرين) مع بعضهما البعض في إطار حكومة وحدة وطنية أخرى.

سيحاول هذا التقرير استعراض المشهد الانتخابي في كل معسكر، لا سيما داخل المعسكرات الثلاثة: اليمين، والمعارضة الإسرائيلية، وقد رأينا أن وصف المعارضة يصلح أكثر لتأطير الأحزاب والقوائم التي تعارض حكم اليمين وتحديدا حكم نتنياهو، ولا يصلح تأطير اليسار لوصفها ولا حتى تأطير يسار- الوسط، أما المعسكر الثالث فهو الأحزاب العربية.

في معسكر اليمين

يمكن الإشارة بداية إلى أن اليمين هو معسكر واضح المعالم تقريبا فيما يتعلق بإمكانية تأطيره نظريا كيمين صهيوني، سواء المحافظ منه أو المتطرف. وعلى الرغم من أن أحزاب اليمين تظهر خلال خطابها الانتخابي بأن صراعها هو مع أحزاب المعارضة، الجديدة منها والقديمة، إلا إنها في الحقيقة تنافس بعضها على نفس القواعد الانتخابية، فمقارعة المعارضة تهدف إلى تأكيد الهوية اليمينية، وليس صدفة أن يختار كل واحد من الأحزاب شعارا مختلفا ليؤكد يمينيته.

وفي هذا الصدد نشير إلى أن نتنياهو ظهر أمام الجمهور وخلفه لافتة قوية بعنوان "يمين قويّ"، وموشيه كحلون، وزير المالية ورئيس حزب "كولانو (كلنا)"، يحاول تأكيد مواقفه اليمينية والتشديد على أن حزبه يميني من خلال شعاره الانتخابي "يمين معتدل"، والوزيران نفتالي بينيت وأييلت شاكيد أسسا حزبا يحمل كلمة يمين هو "اليمين الجديد".

ويعتقد الليكود أن كل مقعد لليمين مهم جدا لضمان تشكيل الحكومة، وفي نفس الوقت فهو يريد تعزيز تمثيله البرلماني أو على الأقل الحفاظ على تمثيله الحالي (30 مقعدا). لذلك حرص نتنياهو على توحيد أحزاب اليمين الصغيرة في ائتلاف "البيت اليهودي"، كون اليمين يعتقد أنه في الانتخابات الأخيرة خسر هذا المعسكر أربعة مقاعد بسبب رفع نسبة الحسم (من 2% إلى 3.25%).

يركز الليكود في حملته الانتخابية على نقطتين مركزيتين:
الأولى، الادعاء بأن هناك مؤامرة من الدولة، رغم أنه يحكمها، من أجل إسقاط حكم اليمين، ويشترك في هذه المؤامرة المستشار القانوني للحكومة، النيابة العامة، والشرطة، وطبعا بدعم من اليسار، ويحاول الليكود إظهار نفسه ولا سيما إظهار نتنياهو بأنه ملاحق سياسيا، وبأن الهدف من هذه الملاحقة هو إسقاط حكمه عبر هذه المؤامرة.

الثانية، مهاجمة تحالف "أزرق أبيض"، ووصفه بأنه حزب يساري، ويهدف هذا الهجوم إلى الحفاظ على اصطفاف قواعد اليمين حول أحزاب اليمين عموما، وحول الليكود خصوصا، سيما وأن "أزرق أبيض" لديه تمثيل لشخصيات يمينية إيديولوجية (مثل موشيه يعلون، يوعز هندل، وتسفي هاوزر وغيرهم)، ويعتقد الليكود أن هناك بضعة مقاعد لهذا الحزب قادمة من قواعد اليمين، ولذا يحاول استعادتها من جهة، ومن جهة أخرى يحاول إضعاف هذا الحزب داخل قواعد المعارضة، لأن حصوله على عدد مقاعد أكبر من الليكود قد يهدّد حكمه نظريا، ويقلل من شرعية نتنياهو في ما يتعلق بتشكيل الحكومة.

بالنسبة إلى حزب "اليمين الجديد" برئاسة بينيت وشاكيد، فإنه يعرض خطابه على غرار ما قام به كحلون في الانتخابات السابقة عبر طرحه خلال الحملة الانتخابية أنه يريد أن يكون وزير المالية في الحكومة المقبلة، وهذا نفس الخط الذي يتبعه بينيت وشاكيد بمطالبتهما بوزارة الدفاع لبينيت ووزارة العدل لشاكيد. ومن أجل تعميق هذا الخط الانتخابي يشنّ الحزب نقدا شديدا لسياسة نتنياهو الأمنية عموما، ولسياسته في الضفة الغربية وغزة تحديدا، على الرغم من أن بينيت وشاكيد عضوان في المجلس الوزاري المُصغّر للشؤون السياسية- الأمنية، ويشنّ هجوما على الجهاز القضائي والمحكمة العليا على الرغم من أن شاكيد تشغل منصب وزيرة العدل. وينافس هذا الحزب على القواعد الانتخابية لليكود من جهة، وعلى قواعد الصهيونية الدينية من جهة أخرى في مقابل حزب "البيت اليهودي"، الذي بات يعتبر نفسه الممثل الحقيقي للصهيونية الدينية والمستوطنين.

وبالنسبة للأحزاب الحريدية (المتشددة دينياً) فإن حزب يهدوت هتوراة يعتمد على قواعد انتخابية ثابتة، بينما حركة شاس تبدو متأرجحة وأحياناً تواجه خطر عدم اجتياز نسبة الحسم لكون قواعدها الاجتماعية المحافظة (غير الحريدية) متحركة وتميل للتصويت لليكود أيضا، والمقصود هنا المحافظين من الشرقيين اليهود. فعلى مدى سنوات حكمه، نجح الليكود في الحفاظ على كتلة أو كتل المصوتين في معسكره، خاصة وأن هناك عوامل اجتماعية ديمغرافية تحكم أنماط التصويت. والمتديّنون والحريديم والمستوطنون والشرقيّون هم بالعادة جمهور مصوتي اليمين، ولذا فإنّ المنافسة تجري داخل المعسكرات وبين أحزابها المختلفة، بينما هناك صعوبة في انتقال مصوتين من معسكر إلى آخر.

المعارضة الإسرائيلية

تشير غالبية الاستطلاعات التي نشرت في الشهر الأخير إلى أن قوائم المعارضة الإسرائيلية الصهيونية لا تستطيع تشكيل الحكومة وحدها، فهي تحصل على أقل من 60 مقعدا في الانتخابات. على أي حال، تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع في قوة قائمة غانتس ولبيد، من 36 مقعدا بعد التحالف بينهما إلى 30 مقعدا، وهو عدد مساو لعدد مقاعد الليكود التي بقيت ثابتة بحسب غالبية استطلاعات الرأي. ويدرك غانتس ولبيد أن حصولهما على مقاعد أقل أو مساوية لليكود يقلل من إمكانية فرصتهما بتشكيل الحكومة، وخاصة بعد إعلان غالبية أحزاب اليمين عن نيتها التوصية على نتنياهو على رئاسة الحكومة رغم قرارات المستشار القانوني تقديم لوائح اتهام ضده. في المقابل فإن الأحزاب الأخرى في معسكر المعارضة لا تعطي غانتس ولبيد عددا من المقاعد يؤهلهما لتشكيل الحكومة، فحزب العمل لا يتخطى عشرة مقاعد حسب استطلاعات الرأي، وميرتس تحصل على خمسة مقعد. ويراهن غانتس ولبيد على حصولهما على عدد مقاعد أعلى من الليكود، من أجل الضغط على أحزاب مثل حزب كحلون للتوصية عليهما، وحاول غانتس مخاطبة الأحزاب الدينية من أجل التوصية عليه، لكن هذه الأخيرة أعلنت رفضها التوصية عليه بسبب تحالفه مع لبيد، الذي يعتبرونه معادياً للمتدينين. لذلك تطغى على خطاب غانتس ولبيد توجهات يمينية شبيهة بتوجهات حزب الليكود، وذلك من أجل المراهنة على جذب أصوات من قواعد اليمين، وهو ما يخفقان به حتى الآن. ففي الوقت الذي يهاجم فيه اليمين غانتس ولبيد على نيتهما تشكيل حكومة من خلال "كتلة مانعة" مع العرب، يعلن الاثنان جهارا أنهما لن يشكلا حكومة بالاعتماد على القوائم العربية، ويتبع الليكود هذا الخط في مواجهة غانتس ولبيد مستغلا العداء ضد العرب في الشارع اليهودي.

وقال نتنياهو في تغريدةٍ "أي نفاق ومعايير مزدوجة لليسار. إنه يدين كتلة مانعة بين الأحزاب اليمينيّة، في الوقت الذي عمل فيه اليسار على إدخال الإسلاميين المتطرّفين إلى الكنيست لإنشاء كتلة مانعة". وأتبعها بتغريدةٍ أخرى، جاء فيها "في العام 1999، اشترك رئيس الحكومة الإسرائيليّة الأسبق إيهود باراك في محفل انتخابيّ مع الشيخ المحرّض رائد صلاح. ومندوبو العمل وميرتس صوّتوا لصالح إدخال عزمي بشارة، الذي تعامل مع حزب الله، وعمل رئيس "المعسكر الصهيوني" إسحاق هيرتسوغ على توقيع اتفاق فائض أصوات مع القائمة المشتركة قائلاً إن النواب العرب شرعيون في الحكومة".

واختصر نتنياهو في تغريداته مقال الصحافي المستوطن، عميت سيغل، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الذي ادّعى فيه أن "اليسار في كل معركةٍ كان عليه أن يختار فيها بين طهارة المعسكر وبين الانتصار السياسي، كان يختار الانتصار السياسي"، وأكمل أن باراك استعان بالعرب قبل عشرين عاماً للوصول إلى الحكم في مواجهة نتنياهو حينها، عبر الجلوس في اجتماعات انتخابيّة مع "الشيخ المحرّض رائد صلاح، الذي كان يرفض حق إسرائيل في الوجود. وفي الانتخابات ذاتها تنافس رئيس التجمع أيضاً، عزمي بشارة، الذي كان حتى في التسعينيّات يحب المشاركة في مؤتمرات مع كبار قادة حزب الله.."!

القوائم العربية

تتنافس قائمتان عربيتان في الانتخابات، هما تحالف الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، وتحالف الموحدة (الحركة الإسلامية البرلمانية) والتجمع الوطني الديمقراطي. وتسود الشارع العربي حالة من الغضب على عدم استمرار القائمة المشتركة بسبب الخلاف على تقسيم المقاعد. وتشير الحالة الانتخابية العامة إلى عدم اكتراث الشارع العربي بالانتخابات، وغياب الحملات الانتخابية، وغياب الجو الانتخابي، كما تشير التقديرات إلى أن نسبة الامتناع عن التصويت قد تعود إلى سابق عهدها في الفترة التي سبقت تشكيل القائمة المشاركة (أي ألا تتجاوز نسبة التصويت حوالي 50% فقط)، حيث ارتفعت نسبة التصويت في أعقاب تشكيل القائمة المشتركة إلى حوالي 63%، فضلا عن أن 82% من المصوتين العرب صوتوا للقائمة المشتركة.
تواجه القوائم العربية، بناء على ذلك، تحدي المحافظة على نسبة المشاركة في الانتخابات، وهو تحد كبير في ضوء خيبة الأمل من تفكيك القائمة المشتركة، فضلا عن أن الأحزاب الصهيونية بدأت تعود بقوة إلى الشارع العربي، وخاصة حزب ميرتس الذي رشّح عربيين ضمن الأماكن المضمونة في القائمة، وفي ضوء توجه مجموعة من العرب للتصويت لأحزاب أخرى من المعارضة بهدف تغيير حكم اليمين.

وهذا يؤكد أن الخطاب الانتخابي القائل إن التصويت عموماً هدفه إسقاط اليمين قد يؤدي إلى نتائج معاكسة تتمثل في التصويت لأحزاب صهيونية تطرح نفسها كبديل لحكم اليمين، وليس بالضرورة للأحزاب العربية. ويمكن القول إن المنطق القائل إن التصويت في الانتخابات العامة هدفه الرئيس هو إسقاط اليمين يعني أن البديل هو الطرف المقابل، وبحسب هذا المنطق فإن ما قد يُفهم من خطاب "إسقاط اليمين" هو أن الأجدر التصويت لمن يطرح نفسه بديلاً لحكومة اليمين، لأن الأحزاب العربية، في كل الأحوال، لن تكون شريكة في حكومة مقبلة مهما تكن، أولاً بسبب رفضها هي أن تكون جزءاً من أي حكومة إسرائيلية، وثانياً بسبب رفض الطرف المعارض (غانتس ولبيد) أن تعتمد حكومته على القوائم العربية، كما لا يني يكرّر.