تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1961
  • انطوان شلحت

يفتتح الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين 30 نيسان دورته الصيفية، التي تستمر 12 أسبوعا، وسط توقعات جدية بأن تكون هذه الدورة الأخيرة للكنيست الحاليّ، وبأن تمهّد لانتخابات برلمانية مبكرة، قبل موعدها القانوني في خريف العام 2019، وهذا على خلفية ارتفاع منسوب التهديدات المتبادلة بين أطراف الائتلاف.

 وحسب آخر المؤشرات، فإن الشخص المعني أكثر من غيره بانتخابات مبكرة، هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، نظرا لسلسلة قضايا الفساد التي تلاحقه.

وحاول نتنياهو، في الأشهر القليلة الأخيرة، البحث عن مسارات من شأنها أن تفجر الائتلاف وحتى الآن لم ينجح. فقد أظهر الائتلاف الحاكم، على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، ومنذ الانتخابات التي جرت في العام 2015، تماسكا قويا، خاصة وأنه يتلاقى حول سياسة اليمين الاستيطاني، دون أن تكون فيه أي حلقة ضعف في هذا المجال. كما أنه يتلاقى حول السياسة الاقتصادية الصقرية، برغم وجود كتلتي يهدوت هتوراة وشاس للمتدينين المتزمتين الحريديم، اللتين تمثلان شريحة هي الأضعف اقتصاديا والأشد فقرا بين اليهود، إلا أنهما تحصلان على ميزانيات بالمستويات العالية، التي كانتا تتلقيانها في حكومات سابقة، وهذا ما يجعلهما تقبلان كل ما تريده باقي أطراف الحكومة. ورغم ذلك شهدنا، على مدى السنوات الثلاث، أزمات في الائتلاف تبين لاحقا أنها أزمات عابرة، وأبرزها سن قانون يفرض قيودا أشد على فتح المحال التجارية أيام السبت. فهذا القانون، الذي اعترض عليه حزب أفيغدور ليبرمان، "إسرائيل بيتنا"، ضمنت الحكومة مسبقا تمريره في الهيئة العامة. غير أن الائتلاف بات بعده يقترب من خلافات أشد.

ثلاث قضايا خلافية

على الرغم من تماسكه، فإن الائتلاف الحاكم يقترب من الغوص في ثلاث قضايا خلافية جدية، من شأن كل واحدة منها أن تفجره، وهذا إلى جانب احتمال حدوث تطور إضافي في قضايا فساد نتنياهو، قد يضطره للتنحي عن منصبه، برغم ضعف هذا الاحتمال في أشهر الصيف المقبلة.

وفي ما يلي هذه القضايا الخلافية:

(*) القضية الأكثر سخونة المطروحة على أجندة الدورة الصيفية هي إنجاز قانون جديد متعلق بتجنيد شبان المتدينين المتزمتين الحريديم. وهذه قضية ملحة، كون المحكمة العليا كانت قد ألغت في شهر أيلول الماضي 2017، قانونا أقره الكنيست في العام 2015، يخفف من القانون الذي أقره الكنيست في العام 2014، ويفرض تجنيدا على غالبية شبان الحريديم. وبموجب قرار المحكمة، فإن الكنيست ملزم بسن قانون جديد حتى عام من موعد صدور قرار المحكمة العليا. والحلقة الأصعب في الحكومة التي تعارض سن قانون جديد يخفف من قيود التجنيد، كما يريده ممثلو الحريديم، هو أفيغدور ليبرمان، ومن خلفه نواب حزبه "إسرائيل بيتنا". وليبرمان متشدد في هذه القضية، لأنه يراهن منذ سنوات قليلة على استقطاب جمهور اليمين المتشدد، الذي يعارض الامتيازات المالية والعسكرية التي يحصل عليها الحريديم.

ولهذا فأمام الحكومة ثلاثة سيناريوهات، إذا رغبت بالإبقاء على حكمها: أولا: التوصل إلى صيغة توافقية، سيكون فيها تنازل كبير من الطرفين المتعارضين، الحريديم وليبرمان. وثانيا: التوجه إلى المحكمة العليا بطلب التمديد للكنيست، حتى يتسنى التوصل إلى صيغة توافقية. وثالثا: أن تكون هذه القضية التي ستحل الائتلاف نحو انتخابات مبكرة. لكن في هذه الحالة، فإن الحريديم لن يكون حالهم أفضل بعد الانتخابات المقبلة.

(*) القضية الساخنة الثانية هي سعي بنيامين نتنياهو لسن قانون يلغي صلاحية المحكمة العليا في نقض قوانين يقرها الكنيست، وهو أحد الأهداف التي وضعتها الكتل المشاركة في حكومته، باستثناء الكتلة الثانية "كلنا". ويقترح نتنياهو سن قانون مشابه للقانون البريطاني، الذي لا يجيز للمحكمة العليا نقض قوانين يقرّها البرلمان، بل يتيح للمحكمة أن تبدي رأيها بالقانون، مثل إذا ما كان مناسبا أم لا.

كما أن وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، زعيم كتلة تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، وزميلته وزيرة العدل أييليت شاكيد، يطرحان منذ زمن مشروع قانون يجيز للكنيست بأن يسن قانونا ألغته المحكمة العليا، بأغلبية لا تقل عن 61 نائبا، من ناحية عددية وليس نسبية.

وهناك إجماع في صفوف الائتلاف على ضرب صلاحيات المحكمة العليا، باستثناء كتلة "لكنا" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، ومن دون كتلته، التي تضم 10 نواب، فإن الحكومة لن يكون بمقدورها أن تدفع هذا القانون إلى الأمام. لكن لاحقا تبين أن كتلة "كلنا" ليست متماسكة في الموقف الذي يعلنه كحلون، إذ أن الوزيرين يوآف غالانت ويوسي كوهين أعربا عن موقف متقارب جدا من موقف نتنياهو.

وقبل أكثر من أسبوعين، كانت هناك أزمة في الحكومة بدا أنها تقرّب نحو الانتخابات المبكرة. إلا أن نتنياهو أعلن لاحقا أنه يعد بالتوصل إلى صيغة توافقية، مقبولة على كل أطراف الائتلاف. وكما يبدو فإن ما يقف وراء هذا هو المعارضة الشديدة في السلك المهني في وزارة العدل ومعه المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت.

ولا يمكن ضمان نتنياهو بوعده، فهو عازم على تقويض صلاحيات المحكمة العليا، والاحتمال الوارد هو أن يقبل حاليا بصيغة حد أدنى، تشكل أساسا لتطوير القانون مستقبلا، أو أن يتجه نحو تفجير الائتلاف، ويقرر انتخابات برلمانية مبكرة.

(*) القضية الثالثة هي قانون القومية، وليس من المفترض أن تكون هذه قضية ملحة للائتلاف الحاكم، إلا أن نتنياهو يريد هذا القانون منذ زمن، كورقة سياسية رابحة يحقق فيها قفزات على المستوى الشخصي. وقد أقر الكنيست مشروع القانون بالقراءة التمهيدية يوم 10 أيار 2017، لكن منذ ذلك الحين لم ينجح نتنياهو وغيره في الائتلاف في دفع هذا القانون إلى الأمام في المسار التشريعي، نظرا لكونه يلاقي خلافات داخلية جديدة، وبشكل خاص من جانب كتلتي الحريديم، وأيضا من جانب حزب "كلنا"، رغم أن معارضة هذا الحزب الأخير على بعض البنود باتت أخف، بموازاة غوص الحزب أكثر في دائرة اليمين الاستيطاني المتطرف.

ويعني قانون القومية، أو بحسب التسمية الأوسع "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، في جوهره، عدم الاعتراف بشرعية وجود الشعب الفلسطيني في وطنه وعلى وطنه. لكنه يتضمن أيضا بنودا تتعلق بطابع النظام، ما يترك سلسلة من الانعكاسات على الشارع الإسرائيلي، مثل علاقة الدين بالدولة، ومكانة التشريعات، وقضية لمن المكانة الأعلى، "يهودية الدولة" أو "النظام الديمقراطي"، ومسألة مبدأ "المساواة"، فهذه قضية خلافية ليس فقط بسبب المواطنين العرب، بل يتخوف المتدينون من أن يكون المبدأ فاتحة لقوانين يرفضونها، مثل فرض مساواة المرأة في كل مناحي الحياة، ومساواة الحقوق لمثليي الجنس، وغيرها.

وكما ذكر ففي 10 أيار 2017 أقر الكنيست بالقراءة التمهيدية مشروع القانون الذي قدمه في هذه الولاية النائب آفي ديختر من حزب الليكود. وطلب نتنياهو من قادة الائتلاف تمرير القانون بالقراءة التمهيدية، شرط أن يتم تعديل القانون للقراءات الأخرى بالتوافق، وعلى هذا الأساس أيدت القانون كتلتا الحريديم وحزب "كلنا". ثم سعى نتنياهو لتمرير القانون بالقراءة الأولى في ذات الدورة الصيفية، التي أقر فيها بالقراءة التمهيدية، وفشل. كما سعى لأن يتم تمريره بالقراءة الأولى في الدورة الشتوية الأخيرة. وكل ما استطاع فعله هو إنجاز إعداد صيغة القراءة الأولى للقانون في اللجنة البرلمانية، دون أن ينجح في عرضها على الهيئة العامة. وليس واضحا ما هي درجة موافقة الحريديم على الصيغة المعروضة، التي تم فيها شطب بنود تتعلق بالشريعة والجهاز القضائي.

والصيغة التي سيتم طرحها للتصويت بالقراءة الأولى، ولربما في الأسبوع الأول من الدورة الصيفية الجديدة، بحسب ما يريد نتنياهو، أشد خطورة من صيغة القراءة التمهيدية. فبدلا من عبارة "دولة إسرائيل هي وطن الشعب اليهودي"، باتت الصيغة: "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، التي فيها قامت دولة إسرائيل"، بمعنى فلسطين التاريخية. أما "الشعب اليهودي" فالقصد منه جميع أبناء الديانة اليهودية في العالم، الذين تعتبرهم الصهيونية شعبا، وهذا يرفضه الحريديم من حيث المبدأ. ثم تأتي عبارة أخرى تقول "إن الحق في تطبيق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل، هو خاص للشعب اليهودي". وكون أن الحديث يجري عن قانون أساس، بمعنى قانون دستوري، فإنه يعلو بالمكانة القانونية على ما سبق. وهذه الصيغة تضرب شرعية اتفاقيات أوسلو، التي صادق عليها الكنيست في حينه وتحولت إلى قانون.

(*) هناك قضية رابعة هي قانون حظر أذان المساجد، الذي يحث نتنياهو على تشريعه، وهو مشروع قانون ليس ملحا، لكن نتنياهو يلح على دفعه أكثر في مسار التشريع، وليس واردا أن يكون الخلاف حوله سببا لأزمة في الحكومة، بل إن نتنياهو يلوح بهذا القانون في إطار خطابه العنصري. وهذا القانون أقر بالقراءة التمهيدية، خلال الدورة الشتوية في العام 2017، بصيغتين: الأولى حظر كامل لكل الأصوات الصادرة عن دور العبادة، ما يعني الأذان وأجراس الكنائس، ثم تنبه المتدينون إلى أن هذه الصيغة ستمنع إطلاق صفارة الصور من الكنس اليهودية، مع مغيب شمس كل يوم جمعة إيذانا ببدء السبت اليهودي. وهذه الصيغة تشمل استثناءات، مثل أن يكون بمستطاع بلديات سن أنظمة تسمح بالأذان، شرط ألا يصل الصوت إلى بلدات مجاورة ترفضه. والصيغة الثانية تحظر "الأصوات من دور العبادة"، ابتداء من الساعة 11 ليلا وحتى السابعة من صباح اليوم التالي. وكما يبدو فإن هذه الصيغة هي التي ستتقدم في مسار التشريع. وهذا قانون خلافي حتى في صفوف حزب الليكود، في حين أن الحريديم يتخوفون من قانون كهذا لأنه سيسجل عليهم، في حين أن الحريديم وغيرهم من التيارات الدينية اليهودية يكافحون في أوروبا ودول أخرى ضد مشاريع قوانين تحظر ذبح الحيوانات حسب الشريعة اليهودية، كما مشاريع قوانين تحظر طهور الأطفال. وهم يعتقدون أن موافقتهم على سن قانون كهذا من شأنه أن يُضعف موقفهم في دول العالم.

حسابات نتنياهو الشخصية

إذا ما استعرضنا رغبات الكتل المشاركة في الائتلاف الحاكم، سنجد أن الغالبية الساحقة من النواب والكتل لا تريد انتخابات مبكرة، لحسابات حزبية وشخصية، وأيضا لحسابات سياسية. ويبدو أن الحسابات السياسية تقتصر على كتلة "البيت اليهودي"، وهي تحالف أحزاب المستوطنين. فهذا التحالف له 8 نواب، والاستطلاعات تتنبأ بحصوله على 12 مقعدا بالمعدل فيما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة. لكن هذا التحالف يرى أن هذه الحكومة هي الأفضل من حيث تركيبتها، من أجل تطبيق أكثر ما يمكن من أجندة اليمين الاستيطاني، وهذا ليس مضمونا في أي حكومة أخرى قد تنشأ بعد الانتخابات، ولذا يفضل الحفاظ على هذه الحكومة، على أن يرفع قوته البرلمانية من دون إمكان تحقيق مكاسب سياسية بالمستوى القائم حاليا.

أما في حزب الليكود، ووفق نظام الانتخابات الداخلي في الحزب، فإن ما لا يقل عن 40% من نواب الكتلة الحالية (12 نائبا) سيخسرون مقاعدهم، لأن هذا النظام يفسح المجال أمام تمثيل المناطق في أماكن واقعية في لائحة الحزب الانتخابية، لكن في الانتخابات التالية لا يستطيع أي من النواب، حتى الذين انتخبوا على مقاعد المناطق، أن ينافسوا مجددا في مقاعد المناطق، ما يزيد المنافسة على المقاعد العامة في لائحة الحزب.

وبالنسبة إلى حزب "كلنا"، الذي له 10 نواب، فإنه مرشح لخسارة ما بين 4 إلى 5 مقاعد، ولذا فهو غير معنيّ بانتخابات مبكرة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب ليبرمان وكتلتي الحريديم.

أما نتنياهو فإنه يرى استطلاعات رأي تبشره بزيادة شعبيته، على الرغم من قضايا الفساد التي تلاحقه. كما أن حزبه الليكود سيعزز قوته في الانتخابات المبكرة، وفق ما ينشر. ولذا فإن نتنياهو يريد انتهاز الفرصة قبل صدور قرار نهائي من النيابة والمستشار القانوني بشأن توصيات الشرطة بتقديمه للمحاكمة في قضايا الفساد. غير أن ما تقوله استطلاعات الرأي ليس مضمونا، لأنه منذ أن تحل الكنيست وحتى يوم الانتخابات تمر لا أقل من 5 أشهر، قد يصطدم فيها بتطورات في قضاياه ربما لا تكون في صالحه.

وفي حال أصر نتنياهو على التوجه إلى انتخابات مبكرة، فإنه قد يستغل كل واحد من القوانين الخلافية المذكورة لحل الائتلاف. وسيناريو كهذا قد يكون خلال الأسابيع الـ 12 للدورة الصيفية، أو في أول أيام الدورة الشتوية، التي ستبدأ في منتصف تشرين الأول المقبل.

ونشير هنا إلى أن الائتلاف قد يشهد في الأشهر القليلة المقبلة، في حال استمراره، هزات أخرى تتعلق بقضايا الفساد، وهي القضايا المرتبطة بوزير الداخلية آرييه درعي، الزعيم السياسي لحزب شاس، الذي يواجه تحقيقات منذ ما يزيد عن عام ونصف العام، وبوزير الرفاه الاجتماعيّ يوسي كاتس، من حزب الليكود، في قضية الانتسابات إلى حزب الليكود في الصناعات الجوية العسكرية، وبعضو الكنيست دافيد بيطان، الذي كان حتى قبل عدة أشهر "الرجل القوي" في كتلة الليكود، قبل أن تتكشف قضية رشاوى متشعبة، حينما كان نائباً لرئيس بلدية ريشون لتسيون.