تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2058

أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قبل أسبوعين تقريباً، أنه سيجد أطباء إسرائيليين يوافقون على إطعام الأسرى الإداريين الفلسطينيين المضربين عن الطعام عنوة. وكعادة إسرائيل، فإن أي ممارسات تريد تطبيقها ويصطدم تنفيذها بالقانون الدولي والمعاهدات الدولية، تسعى إلى سن قانون يجيزها. ويأتي تصريح نتنياهو في أعقاب سجال حاد جار في إسرائيل حول التغذية القسرية للأسرى، ومعارضة نقابة الأطباء الإسرائيلية ذلك.


وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية، الاثنين، أن نتنياهو قرر إرجاء التصويت في الكنيست لأسبوع على مشروع قانون إطعام الأسرى عنوة، والذي كان من المقرر التصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة مساء ذلك اليوم. لكن لجنة الداخلية التابعة للكنيست ستستمر في مناقشة مشروع القانون في هذه الأثناء.

واضطر نتنياهو إلى اتخاذ هذا القرار بعد أن طالبه رئيس حزب "يوجد مستقبل" ووزير المالية، يائير لبيد، بإرجاء التصويت لمدة أسبوع كي يتسنى إجراء "نقاش معمق" حول عشرات التحفظات التي قدمتها عضو الكنيست يفعات كاريف، من حزب "يوجد مستقبل"، التي تقود المعارضة لمشروع القانون داخل الائتلاف الحكومي. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر في حزب "يوجد مستقبل" عدم استبعادها إمكانية أن لا يلتزم نواب "يوجد مستقبل" بالطاعة الائتلافية وأن يصوتوا ضد مشروع القانون في حال رفض طلبهم إرجاء التصويت عليه.

وكان المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشتاين، قد أعلن، مطلع الأسبوع، عن تأييده للصيغة الحالية لمشروع القانون واعتبر أن "القانون تناسبي ومتوازن"، بادعاء أن إطعام الأسرى عنوة سيتم بعد مصادقة محكمة مركزية، وأنه لن يتم إرغام أطباء على إطعام أسرى خلافا لما يمليه عليه ضميرهم. وتذرع فاينشتاين لتبرير تأييده للقانون بأنه يوجد إجراء مشابه في دول متطورة في العالم.

كذلك طالب رئيس كتلة حزب العمل، عضو الكنيست إيتان كابل، في رسالة بعث بها إلى نتنياهو، قبل عدة أيام، بإرجاء التصويت على مشروع القانون بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وقال كابل في رسالته "في التوقيت الحالي، وفيما نحن نبذل جهودا من أجل لفت أنظار المجتمع الدولي إلى موضوع أبنائنا المخطوفين، فإن هذا الإجراء (سن القانون) يعكس غباء سياسياً. والاستمرار في دفع القانون قدماً سيثير ضجة عالمية بينما يتطلب الأمر حكمة وهدوءاً، ومن شأن سنه أن يعود بالفائدة على كارهينا وأن يمس بالجهود المبذولة من أجل إعادة الأبناء إلى بيوتهم" في إشارة إلى المستوطنين الثلاثة الذين فقدت آثارهم منذ 12 يوما وتقول إسرائيل إن فلسطينيين اختطفوهم. وطالب كابل نتنياهو بأن "يسقط مشروع القانون من أجندته أو بإرجائه على الأقل إلى أيام أقل حساسية".

وفيما وضع نتنياهو كل ثقله من أجل سن مشروع القانون، قدمت كاريف 25 تحفظا عليه، بهدف وضع صعوبات أمام سلطة السجون لدى إطعامها الأسرى عنوة. وبين الطلبات التي قدمتها كاريف، إرجاء تطبيق القانون، في حال سنه، لنصف عام بهدف التأكد من أنه "ليس شخصيا" وأنه لا يهدف إلى التعامل مع إضراب الأسرى الإداريين الفلسطينيين عن الطعام، الذي يدخل اليوم يومه الـ 62 على التوالي.

وأثار مشروع القانون ضجة في إسرائيل.

ووقع أكاديميون وشخصيات عامة على عرائض ضده، وذلك بهدف إقناع أعضاء كنيست بالتراجع عن تأييدهم لمشروع القانون. وتم إرسال هذه العرائض إلى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، والرئيس المنتخب رؤوفين ريفلين.

مشروع القانون

 

مشروع القانون المقترح عبارة عن تعديل لقانون مرسوم السجون. وكانت وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية قد بادرت إلى هذا التعديل في أعقاب إضراب الأسرى الكبير، قي نيسان العام 2012، عندما بدأ 1600 أسير فلسطيني إضرابا عن الطعام، ألزم في نهايته سلطة السجون الإسرائيلية بالتفاوض مع الأسرى الفلسطينيين.

في أعقاب ذلك بدأت وزارة الأمن الداخلي بالعمل من أجل تعديل "مرسوم السجون"، فيما يتعلق بالتعامل مع الأسرى المضربين عن الطعام. وشاركت في صياغة التعديل المطروح حاليا وزارتا العدل والصحة. ويخول تعديل القانون رئيس المحكمة المركزية أو نائبه بالسماح، وليس بإلزام، بمنح "علاج طبي" للأسير المضرب عن الطعام، وذلك على الرغم من معارضة الأسير لذلك.

لكن لجنة الداخلية التابعة للكنيست، وفي عملية تضليل مقصودة، شطبت من مشروع القانون أي ذكر لعملية الإطعام عنوة، من أجل تمكن الدولة من مواجهة التماسات إلى المحكمة العليا ضد مشروع القانون.

وفي مركز مشروع القانون، وخلافا للجان أخلاقيات المهن الطبية، الادعاء بأن المحكمة قادرة على رؤية الصورة الكاملة، وبما يتعدى الحالة الصحية للأسير، وأن تأخذ بالحسبان اعتبارات مثل تأثير الإضراب عن الطعام على الطاعة والنظام في السجون، وتأثير ممارسة الضغوط على سلطات السجون والمس بأمن الدولة.

 

الشاباك يقود الحملة ضد الأسرى

 كشفت "هآرتس"، الأسبوع الماضي، أن موقف نتنياهو المتشدد حيال إضراب الأسرى عن الطعام وسعيه إلى سن قانون إطعامهم عنوة، يستند إلى توصيات قدمها له جهاز الأمن العام- الشاباك.

وقالت الصحيفة إنه خلال مشاورات جرت في الفترة الأخيرة، عبر رئيس الشاباك، يورام كوهين، عن تأييده لسن قانون يسمح بإرغام الأسرى المضربين على تناول الطعام، معتبرا أن من شأن قانون كهذا أن يشكل "حلا ملائما" للإضراب عن الطعام.

وتسعى الحكومة الإسرائيلية إلى سن مشروع القانون بإجراءات سريعة، وتوصف في إسرائيل بأنها "غير ديمقراطية". وتحتجز إسرائيل في سجونها 189 معتقلا إداريا، ويشارك في الإضراب عن الطعام، الذي بدأ في 24 نيسان الماضي، ما بين 100 إلى 125 معتقلا يتغذون على الماء والفيتامينات والملح والسكر. وهناك حوالي 70 معتقلا يرقدون في المستشفيات بعد تراجع حالتهم الصحية جراء الإضراب عن الطعام. ويعلن الأسرى الفلسطينيون المحكومون عن إضراب تضامني عن الطعام في أحد السجون بين حين وآخر ولفترة محدودة.

وقالت الصحيفة إن رئيس الشاباك هو الذي يقود تعامل إسرائيل مع المعتقلين المضربين عن الطعام، وإنه يعتبر أن على إسرائيل التمسك بموقف متشدد ضد المعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام وعدم إجراء مفاوضات معهم من أجل التوصل إلى تسوية. ونقلت الصحيفة عن أشخاص تحدثوا مع كوهين حول الموضوع قولهم إن رئيس الشاباك يعتبر أن بإمكان إسرائيل مواجهة هذه الأزمة حتى لو توفي أحد المعتقلين جراء الإضراب عن الطعام، وإن أية مساومة ستضع إسرائيل في مكانة المُبتزة الدائمة بواسطة إضرابات عن الطعام متكررة.

  ويزعم الشاباك أن الاعتقال الإداري هو "أداة ضرورية في الحرب ضد الإرهاب"، ويعترف بعدم وجود أدلة كافية لإثبات تهم ضدهم.

 أطباء إسرائيليون سيحاكمون في لاهاي

حذرت نقابة الأطباء في إسرائيل من أن الأطباء الذين يشاركون في إطعام الأسرى عنوة قد يحاكمون في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وأن النقابة لن تتمكن من الدفاع عنهم. وقال رئيس نقابة الأطباء في إسرائيل، الدكتور ليونيد إيدلمان، إن الأطباء الذين سيشاركون في إطعام الأسرى عنوة "ستندد بهم الجالية الطبية في العالم وسيكون من الصعب الدفاع عنهم في حال تقديم دعاوى ضدهم".

ويشار إلى أن إطعام مضربين عن الطعام عنوة يعتبر تعذيباً بكل معنى الكلمة وهو أمر محظور بموجب قواعد آداب المهنة التي وضعتها نقابة الأطباء في إسرائيل والعالم. وحذرت النقابة الأطباء من المشاركة في إطعام الأسرى عنوة مشددة على أن هذا الأمر سيعرضهم للمحاكمة خارج إسرائيل، حتى لو سمح بذلك قانون إسرائيلي. 

وبعثت نقابة الأطباء، الأسبوع الماضي، برسائل إلى جميع الأطباء في الأقسام الباطنية والطوارئ في المستشفيات التي ينقل إليها الأسرى المضربون عن الطعام، وأشارت فيها إلى حظر إطعام الأسرى عنوة. وبدأت النقابة بتفعيل مركز هاتفي لتقديم المساعدة والاستشارة للأطباء الذين يعالجون الأسرى المضربين عن الطعام.

وفي موازاة ذلك، عقدت نقابة الأطباء، مؤخرا، مؤتمرا شارك فيه كبار الأطباء ورؤساء نقابات علمية ومندوبين عن وزارة الصحة الإسرائيلية والصليب الأحمر وضابط الطب الرئيس في سلطة السجون، وتم خلال المؤتمر التأكيد مجددا على الموقف المعارض بشدة لإطعام الأسرى عنوة.

وأكد إيدلمان أن "أخلاقيات مهنة الطب تتغلب على القانون. وحتى لو سنوا القانون الذي يلزم بذلك، فإن على الطبيب أن يرفض. ويعمل أطباء، في أنظمة مستبدة بموجب قوانين وبشكل مخالف مع آداب المهنة، وأدى ذلك إلى حدوث أكثر الأمور فظاعة في التاريخ".

وحذرت المستشارة القانونية لنقابة الأطباء العالمية، المحامية ليئا فافنر، من أنه في حال المصادقة على إطعام الأسرى عنوة، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى عواقب وخيمة فيما يتعلق بعضوية إسرائيل في نقابة الأطباء العالمية. وقالت "سنعمل من أجل عدم حدوث ذلك. لكن لا شك في أن هذا سيناريو مقلق".

 

"قانون غير أخلاقي"

تبين من ردود فعل مسؤولين في جهاز الصحة الإسرائيلي أن هذا الجهاز يعارض بشدة مشروع القانون لإطعام الأسرى عنوة، وأكدوا أن المعاهدات الدولية تشدد على أن الإطعام عنوة هو تعذيب ولا يتماشى مع الأخلاقيات المهنية. ورأى هؤلاء المسؤولون أن مصادرة الصلاحيات من لجان أخلاقيات المهن الطبية وإدخال اعتبارات ليست طبية صرف أمر غير أخلاقي ويشكل نوعا من العقاب  وليس عملا ضروريا من أجل إنقاذ حياة أسرى.

ونقلت "هآرتس"، أمس، عن مدير مستشفى "بيلينسون" ورئيس رابطة مديري المستشفيات في إسرائيل، الدكتور عيران هلبرين، قوله إن "هذا قانون غير أخلاقي، ولا ينبغي أن يكون موجودا بين جدران المستشفيات، ويجب ألا تكون هناك أية علاقة للأطباء بهذا الموضوع. ومهمة الطبيب هي مساعدة المعالَجين، سواء كانوا أسرى أو مجرمين. ولا ينبغي أن يكون الطبيب مبعوثا للمؤسسة (الحاكمة)".

من جانبه، شدد البروفسور رافي فالدمان، وهو طبيب جراح كبير ورئيس رابطة أطباء لحقوق الإنسان، على أن سن القانون هو "عمل لا يجوز ارتكابه. والغباء في كل هذا الموضوع هو أن دولة إسرائيل ستخرج منه بخسارة. فمن جهة، واضح أن أطباء إسرائيل لن يتعاونوا ولن يوافقوا على تنفيذ عمليات إطعام قسري للمضربين عن الطعام ولذلك فإن هدف وزارة الأمن الداخلي لن يتحقق. ومن الجهة الأخرى، فإنه في اللحظة التي سيتم فيها سن هذا القانون سيدمغوننا بوصمة عار على جبيننا وستتحول إسرائيل إلى إحدى الدول الظلامية والمدانة في العالم في مجال حقوق الإنسان".

وجاء في ورقة موقف صادرة عن "المجلس الوطني لأخلاقيات المهن البيولوجية"، وهي الهيئة التي تقدم المشورة في مواضيع الأخلاقيات الطبية للحكومة الإسرائيلية، أن "الاقتراح بأن يتمكن قاض من إصدار قرار بإطعام قسري وفقا لأي اعتبار باستثناء الحفاظ على حياة المضرب عن الطعام، يتعارض مع أخلاقيات المهن الطبية وينبغي رفضه".

وفي موازاة ذلك، تتزايد اعتراضات منظمات دولية لمشروع القانون الذي يدفع نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة نحو سنه. وأصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولديها فرع في إسرائيل، بيانا ضد مشروع قانون إطعام الأسرى عنوة. وينضم الصليب الأحمر الدولي بذلك إلى نقابة الأطباء العالمية، التي طالبت نتنياهو، في نهاية الأسبوع الماضي، بإعادة النظر في مشروع القانون والتراجع عن سنه.

 

 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار" و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"