صادق قاضي المحكمة المركزية في تل أبيب، دافيد روزين، يوم الخميس الماضي، على الصفقة التي أبرمتها النيابة العامة الإسرائيلية مع شولا زاكين، المديرة السابقة لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت وأمينة سره، في إطار قضية تجاوزات البناء في حي "هوليلاند" في جنوب القدس الغربية والتي باتت معروفة باسم "قضية هوليلاند". وحكم روزين على زاكين بالسجن الفعلي لمدة 11 شهرا، وفرض عليها غرامة مالية بمبلغ 25 ألف شيكل ومصادرة مبلغ 75 ألف شيكل منها.
وأدين أولمرت في هذه القضية بتلقي الرشوة من مقاولي بناء ومالكي الأرض التي أقيمت عليها "هوليلاند"، عندما كان يشغل منصب رئيس بلدية القدس. وحكم القاضي روزين على أولمرت، يوم الثلاثاء الماضي، بالسجن الفعلي لمدة ست سنوات، يبدأ تنفيذها في مطلع أيلول المقبل. وأعلن أولمرت ومحاموه أنهم سيستأنفون على قرار العقوبة إلى المحكمة العليا.
لكن محللين إسرائيليين اعتبروا أن القرار ضد زاكين وإفاداتها التي سمح لها روزين بالإدلاء بها قبل صدور قرار العقوبة بحقها، شكل وفقا للمحلل في صحيفة "هآرتس"، أمير أورن، "ضربة ساحقة وجهها القاضي إلى استئناف أولمرت للمحكمة العليا".
فقد كشفت زاكين في إفادتها عن تفاصيل حول نقل أموال من شاهد الملك في القضية، شموئيل داخنر، الذي توفي العام الماضي، إلى أولمرت، وقالت إنها كانت وسيطة بين داخنر ويوسي أولمرت، شقيق رئيس الحكومة السابق. كذلك اعترفت زاكين بأن أولمرت طلب من داخنر إعطاءها مبلغ 100 ألف دولار، في العام 1997، من أجل أن تشتري الشقة التي تسكن فيها، علما أن هذه مخالفة يسري عليها قانون التقادم، إلا إنها تشير إلى العلاقات بين أولمرت والضالعين في "قضية هوليلاند" التي تعتبر أكبر قضية فساد في تاريخ إسرائيل.
وكان داخنر قد جمع من الضالعين في القضية تبرعات بمبلغ 1.5 مليون ونصف مليون شيكل من أجل تمويل حملة أولمرت الانتخابية. وقالت زاكين في إفادتها أمام المحكمة "كنت آخذ من داخنر وأعطي إيهود وأبلغه بحجم المبلغ، وكان إيهود يعدّ المبلغ ويخرج منه جزءاً لنفسه... وكنت أحوّل المبلغ إلى [صديق أولمرت وشريكه السابق في مكتب المحاماة المحامي] أوري ميسر وكنت أدوّن ذلك في يومياتي من أجل أن تكون هناك متابعة". وقالت زاكين إن هذه المبالغ كان يستخدمها أولمرت لاحتياجاته الشخصية، مثل شراء البدلات والسيجار الفاخر بآلاف الدولارات.
وقالت زاكين إن داخنر أعطاها في إحدى المرات رشوة بمبلغ 100 ألف شيكل "وقد أخذت لنفسي 40 ألفا وأعطيت أولمرت 60 ألفا" وأن "أولمرت أراد أن أتحمل المسؤولية عن المبلغ كله. لقد أعطيته الستين ألفا باليد ويريدني أن أتحمل المسؤولية".
وأضافت زاكين أن يوسي أولمرت تورط في ديون مالية، وأن إيهود طلب من داخنر أن يجمع مالا من أجل تسديدها. ونقلت زاكين عن أولمرت قوله لها إنه "لا يوجد خيار، وعلينا أن نساعده [مساعدة يوسي أولمرت] وإجري اتصالا بينهما لكي يلتقيا" وأكدت أنها "نفذت ذلك".
العقوبات في "قضية هوليلاند"
حكم القاضي روزين على الضالعين في "قضية هوليلاند" بالعقوبات التالية:
أولمرت: كان يتولى منصب رئيس بلدية القدس وبعد ذلك وزير الصناعة والتجارة والتشغيل، في حكومة أريئيل شارون، عندما ارتكب المخالفات التي أدين بها، وهما مخالفتان بتلقي رشى بمبلغ 560 ألف شيكل. العقوبة: 6 سنوات سجن.
أوري شيطريت: مهندس بلدية القدس. أدين بتلقي رشوة بمبلغ 1.4 مليون شيكل. العقوبة: 7 سنوات سجن.
مئير رابين: رجل أعمال وأمين سر شاهد الملك، شموئيل داخنر. وأدين بالتوسط في إعطاء رشى بمبلغ 1.4 مليون شيكل. العقوبة: 5 سنوات سجن.
إليعازر سيمحايوف: عضو مجلس بلدية القدس. أدين بتلقي رشوة بمبلغ 165 ألف شيكل. العقوبة 3.5 سنة سجن.
هيلل تشيرني: المبادر لمشروع "هوليلاند" ومالك الأرض. وأدين بالتوسط وإعطاء رشى بمبلغ 5.6 مليون شيكل. العقوبة: 3.5 سنة سجن.
داني دانكنر: كان يتولى خلال ارتكاب المخالفة منصب نائب رئيس "بنك هبوعليم" ورئيس شركة صناعات الملح. وأدين بالتوسط في إعطاء رشى بمبلغ 1.3 مليون شيكل. العقوبة: 3 سنوات سجن.
أفيغدور كيلنر: انضم إلى مشروع "هوليلاند" كمبادر في فترة متأخرة. وأدين بالتوسط في إعطاء رشى بمبلغ 1.2 مليون شيكل. العقوبة: 3 سنوات سجن.
القاضي: أولمرت خان الثقة
هاجم القاضي روزين بشدة المدانين في "قضية هوليلاند"، وخاصة أولمرت، خلال النطق بقرار العقوبات. ولم يخلُ القرار من عبارات مثل: "مجرمين"، "خائن"، "اشمئزاز"، "خنازيرية" و"نتانة".
وقال روزين خلال النطق بالعقوبة على أولمرت إن "الذي يعطي الرشوة هو رجل فاسد ومفسد، والذي يأخذ الرشوة هو بمثابة خائن، ورجل خان الثقة الممنوحة له، ومن هذه الثقة لا تقوم ولا تكون ولن تكون خدمة عامة سليمة". وحكم روزين بالسجن على أولمرت لست سنوات ومصادرة 560 ألف شيكل منه وفرض عليه غرامة بمبلغ مليون شيكل.
وأضاف القاضي أن "الحديث يدور عمن وصل إلى رأس القمة. أولمرت كان رئيس حكومة إسرائيل. ومن هذا المنصب السامي والمحترم، والذي لا يوجد منصب مهم ومركزي أكثر منه، وصل إلى مكانة مدان بمخالفات جنائية حقيرة وخطرة".
وعقب المدعي العام الإسرائيلي، شاي نيتسان، على قرار الحكم بالقول إن الإدانة والعقوبات "تقودنا إلى الأمل بأن هذه القضية ستؤدي إلى انخفاض كبير في احتمال ارتكاب مخالفات مشابهة في المستقبل".
وأضاف نيتسان أن "قضية هوليلاند هي إحدى قضايا الفساد الأكبر التي اضطرت الشرطة والنيابة إلى مواجهتها حتى اليوم. ومحاكمتهم وإدانتهم وبشكل خاص الأحكام المفروضة عليهم لفترات طويلة، ليسا بالأمر العادي. ولن نتردد في معالجة ظواهر الفساد بقفازات من حديد، مهما تكن مكانة الضالعين فيها".
وعقب الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، على القرار بسجن أولمرت بالقول إن "هذا يوم حزين على الصعيد الشخصي"، معتبرا أن "هذه إجراءات قضائية متبعة في البلدان الديمقراطية. وليس لدي دور في الجهاز القضائي وهو نقي من التأثيرات الشخصية".
كذلك اعتبر رئيس حزب "يوجد مستقبل" ووزير المالية الإسرائيلي، يائير لبيد، القرار بأنه "يوم حزين على الصعيد الشخصي، ولكن في الوقت نفسه هو يوم مهم أظهر فيه الجهاز القضائي أنه لا يوجد شخص فوق القانون".
وعقبت وزيرة العدل، تسيبي ليفني، قائلة إن القرار ليس سهلا لكن "الرسالة بأن لا أحد فوق القانون مهمة، خاصة في مكافحة الفساد السلطوي والعام".
وقال رئيس حزب العمل والمعارضة الإسرائيلية، إسحق هيرتسوغ، إن "قرار الحكم يثبت أنه يوجد جهاز عدلي مستقل وقانون واحد يسري على رئيس حكومة وعلى آخر المواطنين وأن الجميع متساوون أمام القانون". وأضاف أن "هذا يوم حزين على الصعيد الشخصي كمن عرف إيهود أولمرت منذ سنوات طويلة".
اليمين الإسرائيلي رحب بالقرار ضد أولمرت
امتنع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن التعقيب على قرار الحكم بزج سلفه في المنصب، أولمرت، في السجن لست سنوات. وعلى ما يبدو أن هذا الامتناع من جانب نتنياهو لم يأت صدفة، إذ إن أولمرت كان يفكر عشية الانتخابات العامة الأخيرة، في بداية العام الماضي، بالعودة إلى الحلبة السياسية كمرشح لرئاسة الحكومة، لكنه لم يفعل ذلك بسبب القضايا الجنائية المرفوعة ضده، وأرجأ احتمال اتخاذ قرار كهذا إلى الانتخابات المقبلة.
وعلى هذه الخلفية، اعتبر أولمرت في الحلبة السياسية أنه الشخص الوحيد الذي بإمكانه أن يشكل خطرا على حكم نتنياهو واليمين الإسرائيلي. ويذكر أنه بموجب المفاهيم الإسرائيلية، فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، فإن أولمرت هو النقيض لنتنياهو. فقد اقترح أولمرت على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قيام دولة فلسطينية بعد انسحاب إسرائيل من حوالي 94% من مساحة الضفة الغربية مع تبادل أراض، والانسحاب من الأحياء العربية في القدس الشرقية، وعودة رمزية للاجئين. بينما نتنياهو يرفض اقتراحا كهذا جملة وتفصيلا.
وفي الوقت الذي امتنع فيه نتنياهو عن التعقيب على القرار ضد أولمرت، رحب اليمين الإسرائيلي، وخاصة الاستيطاني، بالقرار، واعتبره بمثابة جزاء لأولمرت الذي قدم للفلسطينيين مقترحات، "سخية" بنظره.
ومن الجهة الأخرى، أعربت صحيفة "يسرائيل هَيوم" (إسرائيل اليوم)، التي تم تأسيسها من أجل دعم نتنياهو وسياسته إعلاميا، عن ترحيبها بالقرار ضد أولمرت، واستغلت القرار من أجل مناكفة منافستها وهي صحيفة "يديعوت أحرونوت"، واتهمتها بأنها أيدت أولمرت ودعمته وسعت إلى تبرئته أو تخفيف الحكم ضده على الأقل.
أولمرت مطلع على أكثر المعلومات سرية
أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن سجن أولمرت لن تكون مهمة سهلة بالنسبة لسلطة السجون وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك). وسيعمل هذان الجهازان على عزل أولمرت عن باقي السجناء من أجل منع احتمال تسرب معلومات بالغة السرية، اطلع عليها أولمرت خلال توليه منصب رئيس الحكومة.
وتطرق وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إسحق أهرونوفيتش، إلى هذا الموضوع وقال إنه "بسبب مناصب أولمرت السابقة، والمعلومات الكثيرة التي بحوزته، فإن هذا يلزمنا بأن نستعد بشكل مختلف" لدى دخوله إلى السجن.
وأضاف أن "جهاز الأمن العام سيكون ضالعا في إجراءات سجن أولمرت، وإذا ما اضطررنا لذلك فإن الشاباك سيوفر كل الغلاف المطلوب حول أولمرت إذ إن هذا الأخير عرف وما زال يعرف معلومات كثيرة".
يشار إلى أن أولمرت، كرئيس حكومة سابق، مطلع على الأسرار النووية الإسرائيلية وعلى أكثر الأسرار الاستخباراتية سرية، كما أن معظم العمليات العسكرية السرية التي تنفذها وحدات كوماندوس إسرائيلية خارج الحدود، وخاصة تلك التي تشمل عمليات اغتيال، تتم بعد مصادقة رئيس حكومة إسرائيل عليها.
ووفقا للتقارير الإسرائيلية، فإن هناك عدة سجون بالإمكان سجن أولمرت فيها، مثل سجن "شيكما" في مدينة أشكلون (عسقلان) والذي قبع فيه مُسرّب الأسرار الإسرائيلية النووية، مردخاي فعنونو، معزولا. كذلك يوجد في سجن الرملة "قسم الإكسات"، الذي احتجز فيه يغئال عمير، قاتل رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، إسحق رابين. واشتهر هذا القسم مؤخرا بعد الكشف عن موت "السجين إكس"، وهو بن زيغير، عميل الموساد الذي على ما يبدو سرب أسرارا حول عمله.
وأضافت التقارير أن لدى وزير الأمن الداخلي صلاحية الإعلان عن مكان معين على أنه منشأة اعتقال خارجية، أي خارج السجون، واستخدمت هذه الصلاحية عادة من أجل احتجاز شخص بصورة سرية.
وقال مسؤولون في سلطة السجون إنه في حالة أولمرت بإمكان أهرونوفيتش إصدار تعليمات بسجنه في واحدة من منشآت الاعتقال التابعة للشرطة أو الشاباك.
ورغم أن دخول أولمرت إلى السجن سيتم بعد شهور طويلة، وربما في العام المقبل، بسبب نيته الاستئناف على قرار المحكمة المركزية إلى المحكمة العليا، فإن سلطة السجون تدرس احتمال إقامة قسم جديد وخاص لحبس أولمرت وباقي المدانين في "قضية هوليلاند" فيه.
وقال مسؤول في مصلحة السجون الإسرائيلية إن أولمرت هو "شخصية رفيعة المستوى جدا وجميعنا يعرف أن نشطاء إرهابيين في العالم العربي يريدون المساس به. فهو رئيس الحكومة الذي شن حرب لبنان الثانية، وكان يتولى المنصب عندما تمت تصفية عماد مغنية [القائد العسكري السابق لحزب الله]. وهناك أسباب كثيرة تجعل الكثيرين يريدون المساس به".
هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, مصلحة السجون, يديعوت أحرونوت, هآرتس, شاي, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد