المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يمكن، بالطبع، غسل الكلمات وتلطيفها، ولكن لماذا، حقا، لا نسمي المولود باسمه، خاصة وان هذا المولود لم يعد ولدا ويجرجر الصفة نفسها من مرحلة صباه. ما العمل، الأمر ليس لطيفًا، لكن رغما عنا علينا الاعتراف - لدينا رئيس حكومة كذّاب. صحيح اننا اردنا التصديق، اكثر من مرة، بأن ارئيل شارون يمر بمرحلة فطام من ميزة الكذب التي علقت به قبل سنوات عديدة، منذ ايام بن غوريون، لكن لا علامات تدل على هذا، حتى الساعة.قبل نحو شهر، فاجأ رئيس حكومتنا - مرة أخرى - حين قال لآري شفيط في مقابلة مع "هآرتس"، انه سيكون مستعدا لاخلاء مستوطنات في اطار "التنازلات المؤلمة" الشهيرة، حتى انه حدد بالاسم "بيت ايل"، "شيلو" و "بيت لحم". وسائل الاعلام المنفعلة انقضت - مرة أخرى - على هذا التصريح كأنما اكتشفت غنيمة كبيرة، فأشغلتنا بالسؤال السرمدي حول ما يقصده شارون حقا.

في اليوم الذي نشرت فيه المقابلة، طُلب مني إبداء رأيي في هذا الاكتشاف المدوي الذي يجعل من "أب المستوطنات" مقتلعها. قلت، آنذاك، انني لا أعير هذا التصريح الجديد اي اهمية، لأن نهايته ستكون مماثلة لنهايات كل التصريحات التصالحية التي أطلقها شارون - كما ترى أعيننا، وخلافا لما تسمعه آذاننا من حين الى آخر. ليس عرفات وأبو مازن وحدهما، بل شارون ايضا يتم الحكم عليه تبعا لأفعاله وممارساته، وليس تبعا لتصريحاته.

المقدم في ذلك البرنامج، الذي يبدو دائما كمن يدير شؤون الشرق الأوسط بترهاته، عبر عن خيبة امله العميقة من ردّي. منك انت، بالذات - قال موبخا - توقعت تعقيبا "أقل دوغماتية". عبثا كان ينتظر ان اطلق عقيرتي بقصيدة مديح وتفاؤل حيال مغامرات الرجل المعروف، اكثر شيء، بكونه محرّضا على الحرب، ان امنحه اعتمادا كسياسي سيفاجئنا جميعا.

عند اتهام وسائل الاعلام، ايضا، يكون الرد توبيخا ساخرا: وسائل الاعلام مذنبة، مرة أخرى؟ نعم، هي ايضا مذنبة. كم مرة ستنفخ هذا البالون المليء بالثقوب عن التوقعات من شارون؟ الى متى سيبقى كأنه وعد وأمل كبيران بفجر جديد؟ الف مرة، حتى الآن، خابت آمال الف صحفي لكنهم لا يزالون ماضين في نهجهم: لا بد وأن يفاجىء - أنظر ما قاله لأري شفيط. وفيما هو يقول، ظهرت بضع مناطر استيطانية جديدة، غير قانونية، يدرك مقيموها جيدا بأن في مقدورهم الاعتماد على الدعم غير المحدود من جانب رئيس الحكومة. لا تزال ترن في آذاننا دعوة شارون الى المستوطنين باحتلال التلال، هذه الدعوة التي يلبونها ويحققونها، منذ ذلك الحين، دون اي عوائق.

وعليه، فوسائل الاعلام ايضا - المعذرة والمغفرة - ينبغي ان تضع لنفسها قاعدة اساسية بأن واجب الاثبات هو على ارئيل شارون، طالما بقيت أفعاله عكس تصريحاته. انه يحرض على الحرب طالما لم يخطُ اي خطوة، ولو الأصغر، باتجاه السلام. انه كذّاب طالما لم يتم ضبطه متلبسا بقول الحقيقة ولم يقم باخلاء اي بؤرة استيطان غير قانونية، بين تنازل مؤلم وآخر. وليس من المنطقي منح أي اعتماد لمن لم يسدد ديونه السابقة. لم يمض شهر، حتى اعلن رئيس الحكومة ان اقواله لم تفهم على حقيقتها وكما ينبغي، وانها أخرجت من سياقها - هذا السياق الذي هو الملاذ الدائم للسياسي المحتال: "بيت ايل" ستبقى في مكانها، لا داعي للقلق، وفي "شيلو" سيبقى مستوطنون يهود تحت السيادة الاسرائيلية، ومن السبق الصحفي في "هآرتس" لم يبق أي أثر. وبحضور كولن باول، يقول انه لا يمكن مطالبة المستوطنات بأن تمارس الاجهاض، فهي ايضا تلد، ومن حق ذريتها ان يكون لها بيت - كأنما اذا لم تتوسع المستوطنات، فثمة خطر في ان يسكن أبناء المستوطنات تحت قبة السماء. في الحقيقة، لا شيء مفاجىء في صلابة شارون السياسية: حين يصبّون سيولا من السخرية والاستهزاء على راس عمرام متسناع جراء استقامته، فما العجب في الاستعداد لمسح رأس شارون بالزيت؟ (هآرتس ـ 18/5)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات