يكشف انفراد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في اتخاذ قرار تطبيع العلاقات مع الإمارات بالتنسيق مع الإدارة الأميركية مع تغييب شركائه في الحكومة، عن دلالات خفية تُثير الشكوك حول حقيقة كون هذا الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي خياراً استراتيجياً إسرائيلياً ومصلحة إسرائيلية، وتطرح السؤال فيما إذا هو خيار أميركي ينطوي على مصلحة للولايات المتحدة أو مصلحة للرئيس دونالد ترامب وإدارته على وجه الدقة.
فاتفاق التطبيع الإسرائيلي- الإماراتي يكشف للوهلة الأولى عن آلية إسرائيلية جديدة مُتّبعة في إبرام المُعاهدات واتفاقيات "السلام" مع الدول الأخرى، لا سيّما تلك المُصنّفة إسرائيلياً على أنها دول "مُعادية"، حيثُ يُمكن رصد هذا التغيير من خلال تتبُّع الآلية التي اتّبعها بنيامين نتنياهو في اتخاذ قرار تطبيع العلاقة مع دولة الإمارات، وما ترتّب على هذا القرار من نقاشات إسرائيلية دارت في مُعظمها حول قضايا "أمنية وسيادية"، كما عبّر عن ذلك شركاء نتنياهو ومُعارضوه على حدٍ سواء. وقد تركّزت أبرز ردود الفعل في موجة الغضب التي انهالت على نتنياهو من مُعسكر اليمين نفسه، ليس رفضاً للاتفاق بحدّ ذاته؛ فالمبدأ يُشكّل حالة إجماع إسرائيلية كونه يصُبّ في مصالحها وسعيها المحموم لأن تُصبح "دولة طبيعية" في الشرق الأوسط بصرف النظر عن التوصّل لحلّ عادل للقضية الفلسطينية، بل رفضاً لمنح أي دولة، سواءً كانت الإمارات أو غيرها، إمكانية الحصول على أسلحة أو معدّات جديدة من شأنها المساس بمبدأ التفوّق الإسرائيلي ولا سيّما التفوّق النوعي في مجال سلاح الجو، وهو المبدأ الذي حافظت إسرائيل بمساعدة حليفتها الاستراتيجية الولايات المُتحدة تاريخياً عليه، عبر توفير الدعم الحصري لها في هذا المجال، كما في العديد من المجالات الأخرى.
ولعلّ أبرز المسائل التي أثارت حفيظة المستوى الأمني الإسرائيلي هي القضايا الأمنية المُحيطة بالاتفاق، أو تلك التي تمّت مُناقشتها في أثناء المُفاوضات التي سبقته. فقد عبّر رئيس الحكومة البديل ووزير الدفاع بيني غانتس، وقيادة سلاح الجو كذلك، عن استيائهما من الطريقة "الملتوية" و"الخفيّة" التي اتّبعها نتنياهو ورئيس مجلس الأمن القومي في مكتبه مئير بن شبات في المسائل الأمنية المُحيطة بالاتفاق والتي لم يتمّ إعلامهما بها قبل الإعلان عنه. فيما عبّر آخرون من كتلة اليمين عن استيائهم وغضبهم من محاولة نتنياهو الحصول على رصيد سياسي انتخابي على حساب "قضايا قومية" على حدّ تعبيرهم، وفي مُقدّمتها تراجعه، أي نتنياهو، عن "تطبيق السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية مُقابل توقيع الاتفاق مع الإمارات، فيما اعتبره آخرون بمثابة محاولة من نتنياهو لحرف الأنظار والهروب من أزماته الداخلية التي يُعاني منها وفي مُقدّمتها قضايا الفساد التي تُلاحقه والمظاهرات المُطالبة باستقالته بين الفينة والأخرى.
وبصرف النظر عن مدى صحّة الافتراضات السابقة من عدمها، كونها افتراضات إسرائيلية تُعبّر عن مصالح شركاء نتنياهو ومُعارضيه، لا زالت القضايا الأمنية التي تضمّنها الاتفاق، أو على الأقل التي أُثيرت بعد توقيعه، تتصدّر النقاشات الإسرائيلية الدائرة حتى هذه اللحظة، ولعلّ إمكانية حصول الإمارات على مُقاتلات الشبح المعروفة بـ (F-35) من الولايات المُتحدة الأميركية أبرز هذه القضايا. لكن السؤال المطروح هُنا هو: لماذا لم يُطلع نتنياهو شركاءه من حزب "أزرق أبيض" على مضمون الاتفاق؟ وكيف يُمكن تفسير ذلك؟ وهل يُحاول نتنياهو وترامب تحقيق إنجازات فردية من خلال هذا الاتفاق؟
انفراد نتنياهو بالقرار وتغييب شركائه في الائتلاف الحكومي
سارع رئيس الحكومة البديل ووزير الدفاع بيني غانتس إلى مُباركة الاتفاق مع الإمارات فور الإعلان عنه، لكنّه لم يُخفِ في الوقت نفسه استياءه وغضبه من استثناء نتنياهو له وعدم مُشاورته أو إعلامه بتفاصيل الاتفاق قبل الإعلان عنه، بصفته شريكاً سياسياً وبديله المُستقبلي لرئاسة الحكومة في حال استمرّت. ففي تصريحات نقلها موقع (I24) الإخباري قال غانتس "إن ما حدث ليس بالأمر الصحيح، أنا وغابي أشكنازي وزير الخارجية لم يتم إبلاغنا بالاتفاق، ولا بالمفاوضات التي سبقت الإعلان عنه، لم أقم بأي تسريبات كلّ حياتي، التسريبات هي لعبة أشخاص آخرين". وكان نتنياهو في وقتٍ سابق قد كشف لصحيفة "يسرائيل هيوم" أن عدم مُشاركته زعماء حزب "أزرق أبيض" بالاتفاقية يعود "لخشيته من أن يقود تسريب الموضوع لهم إلى نسف الاتفاق، فالهدف كان الحفاظ على سريّة الاتفاق من أجل عدم السماح لإيران والآخرين بنسف هذه الخطوة التي يعمل عليها منذ سنوات؛ غانتس وأشكنازي موجودان هُنا فقط منذ شهرين، وأعضاء أزرق أبيض يمكنهم التحدّث بلا حسيب أو رقيب مع زملائهم وسيقود ذلك في نهاية المطاف إلى ظهور الموضوع للعلن".
تنطوي تصريحات نتنياهو السابقة على دلالات سياسية لها علاقة بأزمة الائتلاف الحكومي المُستمرة والخلاف الدائر بين حزبي الليكود و "أزرق أبيض" حول العديد من القضايا أكثر مما تنطوي على دلالات استراتيجية تُنذر باحتمالية حدوث تغيير حقيقي في آليات وقواعد اتخاذ القرار الإسرائيلي خاصّة في مثل هذه المسائل، لا سيّما وأن تقارير عديدة أشارت إلى ضلوع رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين بشكل كبير في المفاوضات التي جرَت قبل الإعلان عن الاتفاق، وهذا يدلّ على أن المستوى الأمني، وهنا جهاز الموساد على الأقل، كان على علم بالمفاوضات الجارية ولم يكُن خارج الصورة بشكل كلّي، حتى وإن تمّ تجاوز بعض المسؤولين فيه مثل وزير الدفاع وقائد سلاح الجو وعدم إعلامهما بالمُفاوضات التي سبقت الإعلان عن الاتفاق.
إن تفرّد نتنياهو بالمُفاوضات التي سبقت الاتفاق، أو على الأقل تفرّده باختيار الطاقم المُفاوض، واحتكاره لهذا الملف مع استبعاد شركائه من حزب "أزرق أبيض"، مردّه سعي نتنياهو لربّما للحصول على زخم سياسي، من شأنه حرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تواجهه بدءاً بملفات الفساد والمُحاكمة، مروراً بالمُظاهرات المُطالبة باستقالته، وصولاً لتراجعه، السابق للاتفاق، عن فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية وما يترتّب على هذا التراجع من خسارة لعدد لا بأس به من جمهور المستوطنين بشكل خاص، وجمهور اليمين بشكل عام في الانتخابات القادمة التي يُحاول نتنياهو الوصول إليها في الوقت الذي يراه مُناسباً لقطع الطريق أمام تسلّم غانتس رئاسة الحكومة، كما ينصّ على ذلك اتفاق الائتلاف الحكومي.
صفقات الأسلحة والطائرات المتطوّرة تكشف عن خبايا الاتفاق
سارعت وسائل الإعلام العبرية والعالمية فور الإعلان عن الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي حول تطبيع العلاقات فيما بينهما إلى الحديث عن القضايا والمسائل الأمنية المُحيطة بالاتفاق، وهي المسائل التي لم ينصّ عليها الاتفاق صراحةً؛ بل تمّت مُناقشتها خلال المفاوضات الجارية بين الطرفين برعاية الولايات المُتحدة الأميركية كما أوضحت تلك الوسائل.
ولعلّ أبرز هذه القضايا هي إمكانية حصول الإمارات على مُقاتلات الشبح الأميركية المتطوّرة F-35 بعد توقيع الاتفاق، الأمر الذي ترى إسرائيل في تحقّقه مساساً بمبدأ التفوق العسكري الذي تسعى دوماً، وبمُساعدة ودعم حليفتها الولايات المُتحدة الأميركية، للحفاظ عليه باعتباره أحد أهم أُسس العقيدة العسكرية الإسرائيلية منذ تأسيسها. ففي تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" في اليوم التالي للإعلان عن الاتفاق، أوضح التقرير أن تعهّد إدارة ترامب برفع الحظر عن بيع أسلحة متطورة هو الذي أقنع قادة أبو ظبي بالموافقة على تطبيع العلاقات بشكل علني، وأن هذا الاتفاق سيُمكّنها، أي الإمارات، من الحصول على هذه المُقاتلات بالإضافة إلى طائرات مُسيّرة ومعدّات تكنولوجية حديثة.
أثار التقرير السابق، إلى جانب العديد من التقارير المُشابهة التي نُشرت من قِبَل وسائل إعلام عديدة، موجة غضب إسرائيلية داخلية، تجلّت في رفض نتنياهو العلني لما ورد في هذه التقارير واعتبارها عارية عن الصحة؛ وقد سارع مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية في بيان صدر عنه عقب التقرير الذي أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بهذا الخصوص إلى القول بأن "الاتفاق التاريخي مع الإمارات لا يشمل أي موافقة إسرائيلية على صفقة بيع أسلحة بين الولايات المُتحدة والإمارات، وأن الأخبار التي يتم تداولها بهذا الشأن غير صحيحة وتنطوي على مُناكفة سياسية". فيما اعتبر وزير الدفاع غانتس بأنه لا يُمكن المُخاطرة أمنياً في مثل هذا الموضوع، مؤكّداً في الوقت ذاته على ضرورة الحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية ومبدأ التفوّق العسكري" بحسب ما نقلته وكالة (I24) الإخبارية.
وبحسب تقرير صادر عن صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الصفقة بين الولايات والإمارات لا تقتصر على بيع مُقاتلات الشبح المتطوّرة F-35، بل تشمل أيضاً بيع طائرات F-18 Groller المتطورة والتي تتميّز بقدرتها على تعطيل الدفاعات الجوية للدول المُعادية والتي لا تمتلكها إسرائيل بناءً على مصادر شاركت في المفاوضات مع الإمارات. وأثار التقرير ردود أفعال غاضبة لا تقلّ حدةً عن سابقاتها، حيث أشار نتنياهو إلى أن "تكرار الادّعاءات الكاذبة بهذا الخصوص لا يحولها لحقائق"، نافياً أن يكون قد أبدى أي موافقة في أي محطّة من محطّات المفاوضات التي سبقت الاتفاق على بيع مثل هذه الطائرات للإمارات. وهو الأمر الذي نفته صحيفة "نيويورك تايمز" التي أشارت إلى أن نتنياهو قد وافق سرّاً على بيع هذه المُقاتلات إلى الإمارات، على الرغم من مُعارضته العلنية لهذه الخطة، مُشيرةً إلى أن نتنياهو يتّبع سياسة الكذب في هذا الموضوع.
وفي تقرير آخر صادر عن صحيفة "هآرتس"، فإن جاريد كوشنير، أحد كبار مُستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوفد الأميركي الذي توجّه للإمارات، أفاد بأن اجتماعاً قريباً سيجمع نتنياهو وترامب لمُناقشة صفقة مُقاتلات الشبح الأميركية المتطوّرة F-35 بين الولايات المُتحدة والإمارات، وأن "نتنياهو عبّر في آخر لقاء عن ثقته التامة بالرئيس ترامب لفعل ما هو صائب لضمان أمن إسرائيل وتفوّقها".
تُشير التقارير الإخبارية السابقة على سبيل المثال لا الحصر، وتصريحات المستويين الإسرائيلي والأميركي الرسميين بشكل لا يدعُ مجالً للشكّ، إلى وجود قضايا مُبهمة وسريّة تضمّنها الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي برعاية أميركية، وفي مُقدّمتها صفقات الأسلحة والطائرات المُتطورة الأميركية- الإماراتية المُرتقبة، وهذا الأمر يفتح الباب أمام افتراضات قائلة بأن اتفاق تطبيع العلاقات الإسرائيلية- الإماراتية على الرغم من كونه خيارا استراتيجيا إسرائيليا ينطوي على مصالح إسرائيلية سياسية واقتصادية وأمنية وجيوسياسية في المنطقة، فإنه يُعبّر أيضاً عن الرغبة الأميركية في تحقيق بعض المصالح المُرتبطة بترامب وإدارته مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية.
وفي مُقابلة تلفزيونية أُجريت مع وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين على قناة "كان" صرّح بأن "نتنياهو لم يوافق على حصول الإمارات على المُقاتلات الأميركية المتطوّرة على الإطلاق، وأن ما ورد في التقارير والتسريبات مُجرّد إشاعات لا أساس لها من الصحّة". وفي سياق ردّه على اتّهام المُذيع لنتنياهو بأنه غير صادق في موقفه من مُعارضة حصول الإمارات على المُقاتلات الأميركية، وأن مصداقية نتنياهو تظهر فقط في حال تم تفعيل وسائل الضغط التي تمتلكها إسرائيل على إدارة ترامب والكونغرس، وتفعيل ضغط اللوبي الصهيوني في الولايات المُتحدة الأميركية، قال كوهين بأن إسرائيل بقيادة نتنياهو ستفعل كل ما بوسعها للحيلولة دون حصول الإمارات على الأسلحة والطائرات الأميركية المُتطوّرة، والتي تمسّ بمبدأ التفوق العسكري الإسرائيلي.
ترامب ونتنياهو والرغبة بالحصول على زخم سياسي
تُشير العديد من التقارير إلى أن إصرار نتنياهو على وصف الاتفاق مع الإمارات بأنه "تاريخي" على الرغم من تضمّنه، سراً على الأقل، بنوداً من شأنها المساس بمبدأ التفوق العسكري الإسرائيلي كما أشارت لذلك التسريبات حول القضايا الأمنية المُحيطة بالاتفاق، إلى جانب تفضيله، أي نتنياهو، لخطوة تطبيع العلاقات مع الدول العربية على تنفيذ خطّة الضم الإسرائيلية في الوقت الحالي، مردّهما رغبته في حرف الأنظار عن أزماته الداخلية التي تُلاحقه؛ وفي مُقدّمتها ملفات الفساد والمُظاهرات المُطالبة باستقالته بين الفينة والأُخرى، وأيضاً مُحاولة منه للتغطية على فشله، السابق للاتفاق وليس المُترتّب عليه، في تلبية مطالب جمهور المستوطنين الحالمين بفرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية على الرغم من تأكيده المُتكرّر على عدم التراجع في مسألة الضم، وأن ذلك سيحصل بموافقة أميركية في القريب العاجل.
فوفقاً لمصادر إسرائيلية مُقرّبة من الليكود، فإن تراجع نتنياهو، حتى وإن كان بشكل مؤقّت، عن تطبيق "السيادة الإسرائيلية" على الضفة يُعتبر تخلياً واضحاً منه عن فكرة "أرض إسرائيل الكاملة". وهذا التراجع جاء نتيجة المُعارضة الأميركية لهذه الخطوة، على الأقل في الفترة الحالية، بالإضافة إلى مُعارضة حزب "أزرق أبيض" لخطّة الضم، وهو الأمر الذي دفعه للمُضيّ قُدماً في عقيدته الجديدة القديمة، والتي يسعى من خلالها لتصفية القضية الفلسطينية وعزل الفلسطينيين عن عُمقهم العربي من خلال تحقيق "السلام" مع الدول العربية دون التوصّل لحلّ للقضية، مع الاستمرار بإدارة الصراع مع الفلسطينيين ومُراكمة الإنجازات الإسرائيلية من خلال فرض الوقائع على الأرض، وهذا النهج يُمكن الاستدلال عليه من خلال استبدال نتنياهو لمبدأ "الأرض مُقابل السلام" كما نصّت عليه مُبادرة السلام العربية بمبدأ "السلام مُقابل السلام" كما وصف الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي مراراً وتكراراً، بخلاف كلّ الاتفاقيات السابقة التي عقدتها إسرائيل مُقابل تنازلات على الأرض كما حدث مع مصر والأردن، على حدّ تعبيره.
إن هروب نتنياهو من أزماته الداخلية، ورغبته في تحقيق مكاسب سياسية ورصيد انتخابي مُستقبلي من خلال عقد اتفاقات "سلام" مع الدول العربية، مع استمرار تمسّكه بخطّة الضم بشكل علني لإرضاء جمهور المستوطنين الغاضبين من تراجعه عن فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية، لا يختلفُ كثيراً عن رغبة ترامب في الحصول على زخم سياسي قُبيل الانتخابات الأميركية يُساعده أيضاً في التغطية على فشل إدارته وطاقمه في فرض صفقته المعروفة بـ "صفقة القرن" على الفلسطينيين على الأقل هُنا، والاستعاضة عن ذلك بعقد مجموعة من اتفاقيات الاستسلام مع بعض الدول العربية التي لم تكُن في حالة حرب أو عِداء مع إسرائيل وتربطها بها علاقات سريّة منذ وقتٍ طويل. بالإضافة إلى أن ترامب يسعى من خلال هذه الاتفاقيات إلى إرضاء بعض شركات الأسلحة الأميركية الساعية للحصول على المليارات الإماراتية والخليجية مُقابل الأسلحة والطائرات المُتطوّرة، وهو الأمر الذي لا يُمكن تحقيقه بدون موافقة إسرائيلية استناداً للالتزام الأميركي التاريخي بالحفاظ على "أمن إسرائيل" وضمان تفوّقها العسكري النوعي في الشرق الأوسط.
خُلاصة
تُشير المُعطيات الواردة أعلاه بشكل لا يدَع مجالاً للشكّ إلى الدلالات التي ينطوي عليها تفرُّد بنيامين نتنياهو في المُفاوضات التي سبقت الإعلان عن الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي برعاية الولايات المُتحدة. فرغبة نتنياهو في الحصول على زخم سياسي تتضّح، لغاية اللحظة على الأقل، من خلال عدم تحرّكه بشكل جدّي للضغط على الإدارة الأميركية وتفعيل وسائل الضغط على الكونغرس كما فعل قُبيل توقيع الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس باراك أوباما قبل عدّة سنوات.
ان استمرار نتنياهو في وصف الاتفاق مع الإمارات والاتفاقات التي ستليها كما يروّج لذلك هو وطاقم ترامب بأنها "تاريخية" على الرغم من بعض "الثغرات الأمنية" التي يتضمنها الاتفاق بحسب المصادر والتحليلات الإسرائيلية، يُشكّل طوق نجاة يُمكن التمسُّك به للتعويض عن خسارته المُتوقعة بسبب تخلّيه المؤقّت- السابق للاتفاق- عن تطبيق "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية، ومُحاولة منه لتقديم تنازلات شخصية لإدارة ترامب التي أبدَتْ تماهياً غير مسبوق مع توجّهاته لا سيّما في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني، منذُ وصول هذه الإدارة للبيت الأبيض.
وفي الوقت نفسه، لا يُمكن صرف النظر عن المصالح الأميركية التي يتضمّنها الاتفاق، فإلى جانب كونه إنجازاً سياسياً يتمثّل في منح بعض دول المحور المُناهض لإيران مجموعة من الأسلحة المُتطورة وتطبيع علاقات إسرائيل مع دول المنطقة والالتفاف على حقوق الفلسطينيين عبر إقامة اتفاقات ثُنائية بين إسرائيل وبعض الدول العربية تنفيذاً لصفقته المعرفة بـ "صفقة القرن" التي لم يقبل بها الفلسطينيون؛ فهو أيضاً، أي الاتفاق، يحقّق مصالح أميركية اقتصادية، تتمثّل في تلبية ترامب لرغبة شركات الأسلحة الأميركية في الحصول على المليارات الإماراتية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها مُختلف القطاعات الأميركية بالتزامن مع الانتشار الكبير لجائحة كورونا، وقد جاء هذا الاتفاق لإكساب هذه الخطوة شرعية إسرائيلية استناداً لمبدأ التزام الولايات المُتحدة بالحفاظ على "أمن إسرائيل" وضمان تفوّقها العسكري في المنطقة. وأيضاً يُعبّر عن رغبة إدارة ترامب في التغطية على فشلها في فرض صفقتها المعروفة بـ "صفقة القرن"، على الفلسطينيين على الأقل، وبالتالي مُحاولة منها للحصول على زخم سياسي والتظاهر بتحقيق إنجازات تصبُّ في صالح الاقتصاد الأميركي قُبيل الانتخابات المُرتقبة.
غير أن كلّ ما تقدّم لا يلغي حقيقة أن هذا الاتفاق يُعزز من السطوة الأمنية الإسرائيلية في المنطقة، ولا يُقلّل من أهميته السياسية والاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل بوصفها الرابح الأكبر من هذا الاتفاق وغيره في حال استمرّت موجة الانحدار العربي نحو التطبيع المجّاني مع إسرائيل في ظلّ عدم التوصّل لحلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية التي تُعتبر الخاسر من مثل هذه الاتفاقيات التي تُضعف الموقف الفلسطيني وتُجرّده من عمقه العربي، وفي نفس الوقت لا يُمكن اعتبار حصول الإمارات على المُقاتلات والأسلحة الأميركية المتطورة بمثابة إنجاز وانتصار للإمارات التي تعتقد بأنه من المُمكن بناء علاقات "شراكة" و"تعاون" اقتصادي وأمني وسياسي مع إسرائيل التي لا ترى نفسها في الحاضر والمُستقبل سوى كمركز اقتصادي وأمني وعسكري يحتاج لتحويل الدول العربية ودول المنطقة المُجاورة إلى أطراف تعتمد عليه وتُساهم في زيادة تطوّره على كافّة الصُعد.
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, يديعوت أحرونوت, هآرتس, يسرائيل هيوم, مجلس الأمن القومي, باراك, الليكود, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو