قال قائد سلاح الجو الإسرائيلي، أمير إيشل، إن تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وصدر قبل أسبوعين، ووجه اتهامات لإسرائيل بأنها ارتكبت جرائم حرب أثناء العدوان على قطاع غزة في الصيف الماضي، ليس سببا للامتناع عن تكرار القصف الجوي المكثف، في غزة أو لبنان، في حرب قادمة.
فخلال الخمسين يوما للحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، الصيف الماضي، استهدف طيرانها الحربي أكثر من 5200 هدف، بينها بنايات سكنية مأهولة. وكان عدد هذه الغارات أكبر من الغارات التي شنها الطيران الإسرائيلي في العدوانين السابقين، في 2008 و2011، معا.
وقال ضباط في سلاح الجو الإسرائيلي إنه طوال فترة الحرب الأخيرة كانت تحلق 40 طائرة في أجواء القطاع في كل نقطة زمنية، ونفذت أكثر من 100 هدف على الأقل في اليوم. وكانت النتيجة مقتل 1462 مواطنا فلسطينيا ليس ضالعا في القتال بأي شكل.
ونقل تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، الأسبوع الماضي، عن ضباط في الجيش الإسرائيلي قولهم إن الأهداف الفلسطينية التي هوجمت جرى انتقاؤها من خلال ما وصفوه بـ"آلة مُزيّتة"، أي أنه تمت المصادقة على استهدافها بادعاء أن ذلك لا يخالف القانون الدولي.
رغم ذلك، قال ضابط إسرائيلي برتبة عقيد وشارك في التخطيط لضرب هذه الأهداف، إنه "لنفترض أن هناك هدفا (مقاتلا) يجلس في مبنى ما، وهذا نوع من غرفة حرب، ومن أجل تدمير المبنى ينبغي أن نستخدم قنبلة إكس. وبسبب الاكتظاظ في الحي، واضح أن هذه القنبلة ستؤدي إلى أضرار في المباني المجاورة، الأمر الذي يمكن أن يشكل خطرا على سكانها. في حالات كهذه سيختارون قنبلة أصغر، على حساب ضرب غرفة الحرب. ولن ندمرها بالضرورة... لكن يبدو أننا لا نشن غارات بصورة غير تناسبية".
ويشار إلى أن مسألة التناسبية في الغارات كانت أحد الأمور التي أولتها لجنة تقصي الحقائق اهتماما كبيرا، خاصة وأن إسرائيل استمرت في شن غارات في القطاع بقوة شديدة، تسببت بدمار هائل وبسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، "الأمر الذي أثار تساؤلات حول ما إذا كان الحديث يدور عن سياسة أوسع وصادقت عليها أعلى المستويات في حكومة إسرائيل".
واعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يدلين، وهو ضابط طيار حربي، أنه في حال وجود مقاتل فلسطيني في مبنى ويدير عمليات عسكرية منه "فإننا لن نمنحه أية حصانة". لكن يدلين أضاف أنه "إذا كان هدف الغارة قتل ناشط بمستوى صغير، ومن حوله قتل عدد كبير من الأشخاص غير الضالعين في القتال، فإن هذا خطأ خطير".
من جانبه، قال المقدم يوءاف، وهو قائد سرب طيران استطلاعي لغرض التجسس، إنه "دائما يوجد احتمال لأن يتواجد أشخاص (مدنيون) في الهدف المرشح للقصف، وطاقم السرب يلاحظ ذلك في أحيان كثيرة، ويعطي تقريرا حول ذلك، ويوقف الغارة". وأردف أنه "كيفما ننظر إلى الأمر فإنه في نهاية الأمر يقتل أناس في الجانب الآخر. ونحن نرى الأضرار التي حدثت بصورة عفوية (غير مباشرة) والأضرار المباشرة". وقال ضابط آخر إنه "عندما نشن غارة جوية في منطقة مأهولة، فإنها لن تنتهي بدون إصابة أحد". وحذر من أنه في الحرب القادمة ضد حزب الله في لبنان يجب تغيير هذا التوجه.
وفي هذه الأثناء، يواصل الجيش الإسرائيلي إجراء تدريبات استعدادا لحرب مقبلة. وقال ضباط إسرائيليون إنه في حال كان حزب الله هو الخصم في الحرب، فإنه يرجح أن يهاجم سلاح الجو الإسرائيلي آلاف الأهداف في لبنان يوميا، وأن أحد أهداف هجمات جوية مكثفة كهذه هو جعل مليون ونصف مليون لبنان ينزحون من بيوتهم وقراهم في جنوب لبنان.
وتطرق قائد سلاح الجو الإسرائيلي، أمير إيشل، إلى هذا الموضوع قبل شهر. واعتبر أن "العدو اختار أن يضع كل سلاحه في محيط مدني واستخدام المدنيين والبنية التحتية كدروع واقية. وهناك تدور حربنا وليس في أي مكان آخر".
وادعى إيشل أنه "علينا أن نقلص حجم الضرر العفوي المحتمل، لأنه اليوم، وبوجود قدرة لمهاجمة آلاف الأهداف يوميا، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى مقتل الآلاف من غير الضالعين في القتال يوميا. وقبل أي شيء آخر هذا أمر سيء أخلاقيا، وأنا أقول قبل أي مشكلة خارجية حول موضوع الشرعية وما إلى ذلك (أي انتقادات وتحقيقات دولية)، إنه إذا لم نحرص على هذا الأمر، فإنه سيقودنا إلى التفكك الداخلي".