المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
رسم تعبيري. (عن: معاريف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 24
  • برهوم جرايسي

بلغ التضخم المالي (الغلاء) في الاقتصاد الإسرائيلي، في العام الماضي 2024، نسبة 3.2%، وهي أعلى من السقف الذي وضعه بنك إسرائيل كسياسة اقتصادية، إلا أن هناك من طرح علامة استغراب من هذه النسبة، على ضوء الغلاء المستفحل، خاصة وأنها جاءت أقل من كل التوقعات السابقة. وتؤكد التقديرات أن وتيرة الغلاء ستستمر لتكون عالية أيضا في العام الجديد، خاصة في الشهر الأول منه (الجاري)، الذي شهد سلسلة إجراءات اقتصادية، وزيادة ضريبة المشتريات، ورفع كلفة خدمات أساسية وغيرها. وفي السياق، أعلنت وزارة المالية أن العجز في الميزانية الإسرائيلية العامة، في العام الماضي، بلغ نسبة 6.9% من حجم الناتج العام، رغم أن آخر تخطيط للحكومة كان 7.7%، وهو ما فاجأ أيضا الحكومة والأوساط الاقتصادية الرسمية والخاصة.

فقد أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، أن التضخم المالي (الغلاء) في العام الماضي 2024، بلغ نسبة 3.2%، بعد أن سجل الشهر الأخير منه، كانون الأول الماضي، تراجعا بنسبة 0.3%.

وجاءت نتيجة التضخم في الشهر الأخير من العام الماضي، أقل من جميع التوقعات التي تراوحت بين صفر و0.1-%. وما زال التضخم فوق السقف الذي حدده بنك إسرائيل المركزي، وهو 3%.

كذلك فإن نسبة التضخم الإجمالية النهائية للعام الماضي، جاءت أدنى من جميع التوقعات الرسمية والمهنية، بقدر ملموس، وهذا ما طرح أسئلة استغراب واستفهام، كما سنرى هنا. فآخر تقدير لبنك إسرائيل المركزي كان أن نسبة التضخم ستكون في العام الماضي في محيط 3.8%، وتقدير مشابه كان لوزارة المالية. لكن في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، تراجع التضخم بنسبة حادة نسبيا، 0.7%، رغم كل التقارير التي تتحدث عن ارتفاع أسعار في معظم جوانب الصرف الحياتية الأساسية.

وتأثر التضخم في شهر كانون الأول الماضي، من تراجع أسعار الخضراوات والفواكه بنسبة 5.6%، والمواصلات بنسبة 0.8%، والأحذية بنسبة مطابقة. فيما ارتفعت أسعار الملبوسات بنسبة قاربت 2%، والمواد الغذائية بنسبة 0.2%. أما على المستوى السنوي، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.3%.

وكان التضخم قد ارتفع في العام 2023 بنسبة 3%، وفي العام 2022 بنسبة 5.3%، وفي العام 2021 بنسبة 2.8%، ما يعني أن التضخم ارتفع في السنوات الأربع الماضية تراكميا، بنسبة حوالى 15.1%.

وطرح المحلل الاقتصادي غاد ليئور، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، علامة استغراب كبيرة، على نسبة التضخم المعلنة، في ضوء موجة الغلاء المستفحلة، وكتب، "شيء غريب جدا يحدث مؤخرا في قطاع الأسعار في إسرائيل. فالجميع يشتكي من ارتفاع الأسعار في كل المجالات تقريبا"، من مواد غذائية إلى معدات بيتية، والصرف على الترفيه والمطاعم وغيرها. "فكيف إذن ينخفض ​​معدل التضخم في إسرائيل فعليا، في ديسمبر، حتى بمعدل مرتفع إلى حد مدهش بلغ 0.3%، وترتفع الأسعار وتقفز حتى قبل أن يتم احتساب الزيادات العديدة التي شهدها كانون الثاني؟".

ويتابع ليئور أنه "بحسب مؤشر شهر كانون الأول، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في إسرائيل بنسبة 0.2% فقط. لكن حتى مديري شبكات تسويق المواد الغذائية والبقالة اعترفوا مؤخرا، بأنه ليس لديهم خيار، ويجب عليهم رفع أسعار مئات المنتجات بنسب تتراوح من 5% إلى 15%.

"لا نعتقد أن مكتب الإحصاء المركزي، التابع لديوان رئيس الحكومة، يعمل على تزييف البيانات أو خداع المواطنين ببيانات أكثر إيجابية. إلا أن ما قد يكون مخفيا وراء البيانات، هو طريقة احتساب الخدمات والمنتجات المختلفة". وأضاف أنه من المفيد جدا إعادة النظر في تركيبة سلة المشتريات، التي على أساسها يتم احتساب التضخم، بشكل يلائم جميع شرائح الجمهور، من الناحيتين الاقتصادية الاجتماعية.

ويقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إنه على الرغم من أن نسبة 3.2% هي أقل من التوقعات المسبقة، فإن هذه هي السنة الثالثة على التوالي التي يكون فيها التضخم مرتفعا، أو عند الحد الأعلى تماما للنطاق المستهدف لبنك إسرائيل المركزي (1% -3%).

ويتابع: لكن معطيات العام الماضي 2024، من شأنها أن تغير بشكل ملموس في مستوى معيشة السكان، وأيضا على صعيد رفاهيتهم، ففي العقد الثاني من سنوات الألفين، من العام 2011 إلى العام 2020، كان معدل التضخم السنوي نصف بالمئة، وخلال هذه السنوات كان التضخم سلبيا، وقالت تقارير إسرائيلية وعالمية إن القوة الشرائية ارتفعت في تلك الفترة. لكن هذا بدأ يتغير لاحقا.

وكتب طوكر: لم يكن تفشي التضخم في العام 2022 مؤقتا، (في تلك السنة بلغ التضخم 5.3%)، كما اعتقد الكثيرون في ذلك الوقت... وإذا كان أي شخص يعتقد أن التضخم سيعود قريبا إلى النسب التي عرفناها في العقد الماضي، أي التضخم الأدنى أو حتى السلبي، فمن المحتمل أن يكون مخطئا.

وبحسب تقديرات قسم الأبحاث في بنك إسرائيل فإنه اعتبارا من الشهر الجاري، كانون الثاني 2025، فإن التضخم سيكون أيضا قريبا من النطاق الأعلى للنطاق المستهدف لبنك إسرائيل. وفي السنوات التالية أيضا، يتوقع كبير الاقتصاديين في وزارة المالية أن يصل متوسط ​​التضخم في عامي 2027 و2028 أيضا إلى 2%. وباختصار، سوف ترتفع مستويات الأسعار بوتيرة أسرع بكثير مما اعتدنا عليه في العقد الماضي. بمعنى أن التضخم المرتفع، مقارنة بالسنوات السابقة، ظاهرة ستبقى معنا. ربما هذا هو الوضع الطبيعي الجديد.

ويرى طوكر أن الجمهور في إسرائيل تنتظره مصاعب اقتصادية، تهدد أساسا مستوى المعيشة، وقدرته الشرائية، وليس فقط الشريحة الأكثر تضررا، الشرائح الفقيرة، بل أيضا الشرائح المتوسطة، بدءا من أدناها.

ويعدد طوكر الإجراءات التي أقرتها الحكومة والكنيست، مثل عدم تعديل التدريج الضريبي في العام الجديد، وهو ما سيقلص القيمة الشرائية لدى ذوي الرواتب بحوالى 3.5%، عدا الغلاء الذي سيكون في العام الجديد، وليس هذا فحسب، بل بحسب طوكر، فإن عدم تعديل التدريج الضريبي سيستمر في العام المقبل 2026، وأن التعديل الذي سيجري في العام 2027، سيكون بنسبة أقل من نسبة التضخم التراكمية حتى ذلك العام.

لكن بالإمكان التقدير هنا، أن الحكومة الحالية، في حال استمرت في الحكم، وهي من ستبلور ميزانية العام 2026، قد تتجه إلى تخفيف الضربات الاقتصادية، لأنه سيكون عام انتخابات. أما في حال جرت انتخابات في مطلع العام المقبل، أو قبله، فإن الحكومة الجديدة قد ترى نفسها في حلٍّ من الضغوط، وتواصل الإجراءات التقشفية، لتسديد فاتورة الحرب.

مفاجأة العجز في الموازنة

وكما ذكر، فقد أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أن العجز في الموازنة العامة، في العام الماضي 2024، بلغ 6.9% من حجم الناتج العام، أي حوالى 136 مليار شيكل، وهو ما يعادل وفق معدل صرف الدولار الحالي، حوالى 37 مليار دولار. إلا أن هذه النسبة "فاجأت إيجابا" الحكومة ومؤسساتها المالية، والأوساط الاقتصادية، لأن آخر تعديل أقرته الحكومة للعجز في شهر تشرين الثاني الماضي، كان نسبة 7.7%، بدلا من نسبة 6.6% التي على أساسها تم اعداد ميزانية العام الماضي، بعد تعديلاتها الأولى.

والمفاجأة المعلنة لا تتوقف عند واقع أن العجز جاء أقل مما أقرته الحكومة، بل أيضا جاء أقل بكثير من توقعات الخبراء والمحللين، الذين غالبيتهم توقعت أن لا يهبط العجز عن نسبة 8%، وهناك من ذهب إلى ما هو أبعد، وقال إن العجز قد يصل إلى 9%.

وقال المحاسب العام في وزارة المالية إن سبب انخفاض نسبة العجز، عما أقرته الحكومة والكنيست قبل نحو شهرين، نابع من زيادة كبيرة في مداخيل الخزينة العامة، وغالبيتها الساحقة من الضرائب، إذ بلغ حجم المداخيل، وفق تقرير أولي، 485 مليار شيكل (132.5 مليار دولار)، بدلا من المخطط 474 مليار شيكل. وبحسب الوزارة فإن هذه الزيادة نابعة من تزايد النشاط الاقتصادي. ونشير إلى أن هذه المعطيات قابلة للتعديل في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، بعد اكتمال حساب كافة التقارير المالية.

ومن شأن نسبة العجز في الميزانية هذه، أن تقلص حجم الدين العام الذي حسب التقديرات سيصل إلى حوالى 69% من حجم الناتج العام، مقابل 60% في العام 2022، وارتفع إلى 62% في العام 2023، بفعل الحرب في الربع الأخير من ذلك العام.

كلفة الحرب

وقال تقرير المحاسب العام إن كلفة الحرب الاجمالية في العام الماضي 2024 بلغت 114 مليار شيكل، منها 100 مليار نفقات عسكرية، و14 مليارا نفقات مدنية، مثل تعويضات وعلاجات وغيرهما. وأضاف أن كلفة الحرب الإجمالية، منذ شنها في شهر تشرين الأول 2023، بلغت 144 مليار شيكل.

ويشار إلى أن الانفاق على الحرب سيتواصل في العام الجاري 2025، حتى وإن توقفت كليا، وهذا من خلال زيادة ميزانية الجيش الإسرائيلي، واستمرار دفع التعويضات والصرف المدني.

وقال المحلل الاقتصادي شلومو تايتلبويم، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إنه على الرغم من فرحة الحكومة والأوساط الاقتصادية بنسبة العجز المعلنة، فإن هذه النسبة ليست مدعاة للفرح، لأن 6.9% هي نسبة عالية، ولا يجيز الاقتصاد الإسرائيلي حتى في ظروف طبيعية تحمّلها.

وأشار إلى أن تخطيط الحكومة للعجز في العام 2024، وقبل اندلاع الحرب كان أقل من 1%، وبالتحديد 0.9%، وهي تعد نسبة من شأنها أن تقلص حجم الدين العام، إلا أن الحرب جاءت وتسببت بقلب كل الأوراق.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات