المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1075
  • برهوم جرايسي

عكس قرار بنك إسرائيل المركزي القاضي بخفض طفيف للفائدة البنكية بنسبة 0.25% (رُبع بالمائة)، حالة القلق من التباطؤ الاقتصادي، الذي تشهده السوق الإسرائيلية في الأشهر الثلاثة الماضية، في ظل العدوان على قطاع غزة، والناجم بشكل كبير عن قلق الجمهور من المستقبل الاقتصادي؛ وقد حذر البنك من أن كلفة الحرب ستكون أعلى من المتوقع، ودعا حكومته إلى انتهاج سياسة مسؤولة في إدارة الميزانية العامة. وفي سياق متصل قال تقرير رسمي إن الفقر في العام 2022 بقي مستقرا مقارنة بالعام 2021، ولكن في تفاصيله، يظهر أن الفقر تراجع بين اليهود وارتفع بنسبة طفيفة بين العرب، رغم ارتفاع نسبة انخراطهم في العمل، وانخفاض معدلات الولادة، بمعنى تقلص حجم العائلات العربية، وهو مقياس أساس في توزيع مدخول العائلة على عدد أفرادها، وبالتالي احتساب مستوى معيشة الأفراد على أساسه.  

وكان قرار بنك إسرائيل المركزي خفض الفائدة البنكية لأول مرّة منذ بدء مسلسل رفعها في نيسان 2022، متوقعا لدى غالبية الخبراء والمحللين، في ضوء انخفاض نسبة التضخم، وحسب التقديرات فإن التضخم المالي في الشهر الأخير من العام المنصرم 2023، الذي سيعلن عنه في منتصف الشهر الجاري، سيكون إما صفرا أو بتراجع طفيف، ليكون التضخم الإجمالي للعام الماضي في حدود السقف الأعلى الذي وضعته السياسة الاقتصادية لبنك إسرائيل في العقدين الأخيرين، أي 3%، وأدناه 1%.

لكن قرار بنك إسرائيل لم يكن خطوة رد على مسار "إيجابي" في حالة الاقتصاد الإسرائيلي، فبحسب كل التحليلات لاحظ بنك إسرائيل كغيره أن تراجع وتيرة التضخم إلى ما دون التوقعات السابقة، ناجم عن حالة تباطؤ في النشاط الاقتصادي، وتراجع الطلب في السوق الإسرائيلية، كرد فعل مباشر للجمهور على حالة عدم الاطمئنان للمستقبل الاقتصادي للعاملين والعائلات، في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة.

وقال محافظ بنك إسرائيل، البروفسور أمير يارون، في مؤتمر صحافي إن "التضخم في إسرائيل هو بالفعل أعلى بقليل من هدف التضخم، ولكن في الأشهر الأخيرة كان هناك انخفاض مستمر في معدل التضخم وقيمته". ورأى أن التقلبات في سعر صرف الدولار ستنعكس على وتيرة التضخم في الاتجاهين. وأضاف أن الاقتصاد يشهد حالة تعاف في بعض الفروع، لكن ما تزال فروع أخرى لا تشهد نشاطا اقتصاديا، عكس حالها في الفترة التي سبقت الحرب.

وآخر توقعات بنك إسرائيل هو أن نفقات الحرب وكذلك خسارة الدخل ستصل الآن إلى 210 مليار شيكل (حوالي 32 مليار دولار) بحلول العام 2025، بالإضافة إلى تقدير بأن الزيادة الدائمة والثابتة في ميزانية الجيش، ستصل إلى 20 مليار شيكل. وزيادة بقيمة 10 مليار شيكل لإعادة إعمار الجنوب.

وفي ما يتعلق بنهج الحكومة في إدارة الميزانية العامة، دعا المحافظ إلى إجراء تعديلات على الميزانية في وقت مبكر من العام الجديد 2024. وقال إن "السياسة التي سيتم اعتمادها للتعامل مع الصعوبات المتعددة لها معنى حاسم على قدرة الاقتصاد على النمو من جديد. يجب على الحكومة اتخاذ التدابير المالية اللازمة للتعامل مع تكاليف الحرب ومع زيادة ميزانية الجيش في السنوات المقبلة، من أجل إعادة الاقتصاد، في أسرع وقت ممكن، إلى مسار النمو المستدام، وعدم التدهور نحو سنوات ضائعة؛ ومبادئ ذلك واضحة: التركيز على نفقات الحرب ومحركات النمو، والتخلي عن جميع النفقات غير الضرورية التي لا تدعم النمو". ومن الممكن القول إن قصد المحافظ بميزانيات لا تدعم النمو، هي الميزانيات التي تدفقها الحكومة على مؤسسات وجمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، وغيرها من الميزانيات ذات الطابع السياسي للجمهور الداعم للحكومة.

الغلاء ما زال قائما وميزانية الحرب أكبر

ورأى المحلل الاقتصادي غاد ليئور في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن قرار بنك إسرائيل شجاع، لأنه صدر في وقت لم ينخفض فيه التضخم بشكل ملحوظ دون السقف الأعلى، وعلى الرغم من أن الغلاء لم يصبح من خلفنا، حسب تعبيره، فقد افتتح العام 2024 بارتفاع سعر وقود السيارات بنسبة 4%، ثم أعلنت سلطة الكهرباء الحكومية عن رفع أسعار الكهرباء ابتداء من شهر شباط المقبل بـ 2.6%، إضافةإلى أن عدة شركات أغذية أعلنت رفع أسعار منتوجاتها بنسب مختلفة.

وقال ليئور: "لهذا فإن من يعتقد أن التضخم بات من خلفنا، فإنه يخطئ، بالذات في ضوء الحرب المستمرة، وما تتسبب به من حالة تباطؤ اقتصادي. ولذا فإن خطوة بنك إسرائيل كانت محسوبة بحذر، وإذا ما سجّل التضخم في الأشهر المقبلة ارتفاعا كبيرا، فإن بنك إسرائيل سيغير الاتجاه".

ويقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن تقديرات بنك إسرائيل تشير إلى عجز في الموازنة العامة بنسبة 5.7% في العام الجاري 2024، وهذا يعني أن بنك إسرائيل يتوقع أن الحكومة لن تكون قادرة على إجراء تعديلات كبيرة في ميزانيتها المقررة سلفا، أي أنها لن تكون قادرة على خفض العجز بشكل كبير، لكنها ستستمر عند المستوى المطلوب. وتتوقع وزارة المالية أنه بدون أي إجراءات تعديل، سيصل العجز في العام 2024 إلى 5.9%، لذا فإن "توقعات بنك إسرائيل تعكس تقييما بأنه لن يتم اتخاذ أي إجراءات مهمة".

وحسب طوكر، فإن هدف بنك إسرائيل هو إقناع الحكومة بتنفيذ إجراءات تعديل للزيادة الدائمة المتوقعة في الإنفاق، بسبب الزيادة المتوقعة في الإنفاق العسكري. ويعرب بنك إسرائيل عن قلقه من أنه إذا لم تتخذ الحكومة أي خطوات، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، المؤشر الأكثر أهمية لحالة ميزانية الدولة، سترتفع إلى مستويات عالية للغاية، تعرّض اقتصاد إسرائيل للخطر.

وقال المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إنه "من المفترض أن يؤدي خفض الفائدة إلى تشجيع النشاط الاقتصادي، مع انتهاء العام 2023 بنمو اقتصادي بنسبة 2% فقط، ويدخل العام 2024 مع توقعات بنك إسرائيل بأن يكون النمو فيه بنسبة مماثلة، 2%. وذلك على افتراض أن الحرب ستستمر بحدة أقل، وستتركز بشكل رئيس على الجبهة الجنوبية. ومن حيث نمو نصيب الفرد من الناتج العام، فإن الحديث يجري عن المراوحة في المكان، في حين أن التوقعات للعام المقبل 2025، هي ارتفاع نصيب الفرد من الناتج بنسبة 5%".

ويتابع بيرتس "من الواضح أن هذا يشكل بالفعل ضررا كبيرا لمستوى المعيشة، لكنه ليس الضرر الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي بمرور الوقت. وتعبر خطوة خفض الفائدة عن ثقة كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي، وأيضا عن قدر كبير من التفاؤل بشأن التطورات الأمنية وسلوك الحكومة في إدارة الميزانية. لكن بنك إسرائيل يشير إلى أن توقعاته تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين بشأن مدة وطبيعة الحرب في قطاع غزة، واحتمال تفاقمها على الجبهة الشمالية، وفيما يتعلق بالقرارات التي ستتخذها الحكومة بشأن الميزانية".

وبرأي بيرتس فإن الهدف من "قرار خفض الفائدة هو التسهيل على الاقتصاد والمستهلكين، وتشجيع النشاط الاقتصادي. وسيتم الشعور بالقرار بسرعة كبيرة من قبل الحاصلين على قروض إسكانية، الذين سيدفعون في الشهر المقبل قسطا شهريا منخفضا، بقدر عدة عشرات من الشيكلات. كما يحتوي القرار أيضا على جرعة من التشجيع للحكومة حتى تقوم بتنفيذ إجراءات تكميلية تسمح للاقتصاد بالتعامل مع عواقب الحرب".

ويضيف: "بمعنى آخر، قرار بنك إسرائيل هو رسالة واضحة جدا من المحافظ أنه إذا لم تقم الحكومة بما هو مطلوب منها: خفض النفقات، وزيادة الكفاءة، وزيادة الإيرادات (زيادة الضرائب)، فإن ثمن الاقتصاد سيرتفع. وسوف يتجلى ذلك في ديون أكبر، ومدفوعات فائدة أعلى، وإمكانية تخفيض التصنيف الذي سيجعل الدين أكثر تكلفة. كان بإمكان بنك إسرائيل تأجيل خفض الفائدة لشهر آخر، كما توقع بعض المتنبئين، لكنه اختار اتخاذ الخطوة الأولى لتشجيع الاقتصاد على أمل أن تتحرك الحكومة في أسرع وقت ممكن وتتخذ الخطوات اللازمة لتحفيز الاقتصاد، وتعزيز الاقتصاد وإعطاء إشارة للأسواق بأنها بدأت تعود إلى رشدها على هذه الجبهة".

الفقر الرسمي يراوح مكانه

أظهر تقرير الفقر الإسرائيلي الرسمي، الذي صدر مع نهاية العام المنصرم 2023، عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني)، عن العام الماضي 2022، أن نسبة الفقر الرسمية العامة، استقرت على حالها على مستوى الأفراد وهي ما يلامس 21% (20.9%)، وأن المتغير فيها هو تراجع نسبة الفقر بين اليهود، وبالذات بين المتدينين المتزمتين (الحريديم)، وارتفاعها بين العرب، فعلى الرغم من أن نسبة التغيرات طفيفة، إلا أنها تطرح السؤال المركزي: كيف يكون أن نسبة الفقر ترتفع لدى العرب، الذين تراجعت لديهم معدل الولادات بشكل كبير، وزاد انخراطهم في سوق العمل أكثر، بينما معدل الولادات لدى الحريديم هو أكثر من الضعف لدى العرب، وانخراطهم في سوق العمل بقي منخفضا، وبالذات عندهم كان تراجع الفقر أوضح من أي شريحة أخرى. وإلى جانب هذا، فإنه يستدل من التقرير أن الفقر لدى العرب أعمق من أي شريحة فقيرة أخرى.

ويقول التقرير إن نسبة الفقر العامة بين الأفراد 20.9%، وبين الأطفال 28.2%، وبين اليهود من دون الحريديم 11.3% مقابل 11.6% في العام 2021، ولدى الحريديم هبطت نسبة الفقر إلى 39.5% مقابل أكثر بقليل من 40% في العام 2021، وكذا بين أطفال الحريديم، هبطت نسبة الفقر إلى 46.7% مقابل 47.3%.

أما بين العرب، فإن نسبة الفقر العامة بلغت 38.9%، مقابل 38.8% في العام 2021، وبين الأطفال العرب 49.1% مقابل 48.9% في العام 2021، ويستدل من قائمة الفقر، بحسب البلدات التي عدد سكانها 5 آلاف نسمة وأكثر، أن الفقر بين العرب في بلدات صحراء النقب، التي فيها أكثر بقليل من 14% من فلسطينيي الداخل، تتجاوز نسبته بين الأفراد 53%، وبين أطفالهم تتجاوز 58%. والنسب المئوية في بلدات النقب العربية، لا تشمل الوضع الاجتماعي في 35 قرية فلسطينية ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بوجودها على الأرض، ويسكن فيها ما لا يقل عن 90 ألف نسمة.  

وعلى مدى السنين، فإن نسبة الفقر بين العرب هي الأعلى، وكانت حجة السلطات الرسمية، لتبرير واقع الحال هو كثرة الولادات بين العرب، وانخفاض مستوى تحصيلهم العلمي، لكن هذه الحجة التي تتمسك بها السلطات تتساقط أمام حقائق السنوات الأخيرة، إذ انهار معدل الولادات للأم العربية من 4.5 ولادة للأم الواحدة، إلى ما دون 3 ولادات، بحسب آخر تقرير لمعدلات الإنجاب، صدر في العام 2022 عن العام 2020، بينما استمر معدل الولادات لدى الحريديم بالارتفاع وبلغ وفق ذاك التقرير 7.2 ولادة للأم الواحدة من الحريديم.

أما الانخراط في سوق العمل فإن معدل انخراط العرب يفوق 78%، للشريحة في جيل العمل (25 إلى 64 عاما)، بينما لدى الحريديم ما تزال دون 50%.

وكذا بالنسبة إلى التحصيل العلمي بشكل عام، فإن كل التقارير الإسرائيلية تشير إلى أن إقبال شبان الحريديم على معاهد التعليم العالي ما زال بنسبة هامشية، بينما وفق معطيات صدرت في الأيام الأخيرة فإن 43% من رخص مزاولة الطب الإسرائيلية في العام 2021 كانت لعرب، و52% من رخص الصيدلة في العام 2022 كانت لعرب، وهذا بحد ذاته يُعدّ بمثابة مؤشر.

ولا تقتصر القضية على نسب فقر عامة، بل هناك ما يدل على أن الفقر لدى العرب أشد عمقا من باقي الفقراء، بمعنى الابتعاد عن خط الفقر، وهذا ما يستدل من استطلاع أجرته مؤسسة الضمان الاجتماعي، وأرفق بتقرير الفقر، إذ تبين أن 30.5% من العائلات عامة أعلنت أنها لم تستطع تمويل كافة مصاريفها الشهرية في العام 2022، مقابل نسبة 26.4% في العام 2021، ونسبة 25.8% في العام 2020. وتبين أيضاً أن حوالي 16% من العائلات العربية أعلنت أنها كانت تتنازل عن وجبة ساخنة لعدم القدرة على تمويلها، مقابل نسبة 4.5% بين اليهود من دون الحريديم، ونسبة 8.3% بين عائلات الحريديم.

وهذه هي الحال، وبنسب أعلى بقليل، في السؤال عن تمويل علاجات طبية وشراء أدوية مدعومة من قانون الصحة العام المعمول به في إسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات