المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 986
  • هشام نفاع

يتبيّن من بحث صدر مؤخراً عن مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي، أن هناك تمييزاً واضحاً في توفير المعلومات الرقمية باللغة العربية، على مواقع المعلومات والخدمات والدفع الخاصة بالحكومة، ووزاراتها، والمؤسسات المختلفة التابعة لها. صحيح أن هناك تفاوتاً بين وزارة وأخرى، ولكنها جميعاً لا تستوفي معايير "المساواة الرقمية" فيما يتعلّق باللغات المستخدمة على مواقعها.

يعرّف البحث مفهوم الفجوة الرقمية بالقول إنه يستخدم لوصف مستويات مختلفة داخل مجموعات متعددة من السكان للميزات التالية:

  1. إمكانية الوصول إلى بنى تحتية رقمية أو امتلاك مثل هذه البنى، حاسوب، هاتف ذكي، برامج، تطبيقات واتصال بالإنترنت.
  2. مهارات رقمية – مهارات لقدرات تعلم وعمل في بيئة محوسبة. بعض المصطلحات الأخرى المتعارف عليها لوصف الفروق بين المجموعات هناك مفهوم "عدم المساواة الرقمية"، "إقصاء رقمي"، و"اضطهاد رقمي".

مع ذلك، فحتى لو توفرت إمكانية الوصول إلى بنى تحتية رقمية وإلى أجهزة رقمية ذات مستوى عال، فإن معيقات اللغة وغياب الملاءمة اللغوية والثقافية تقيّد من إمكانية الوصول إلى المعلومات والخدمات. وإن استخدام مواقع الإنترنت الخاصة بالحكومة وسلطاتها لا يشكل ترفاً بل إنه وسيلة أساسية لتلقي خدمات الحكومة وخصوصا في حالات الطوارئ مثل حالة وباء كورونا التي اضطرت المواطنين في إسرائيل إلى الانتقال لاستهلاك خدمات كثيرة عن بُعد بواسطة الإنترنت. كما أن الخدمة الفعالة عن بعد لها أهمية كبرى، وخصوصا لمجموعات سكانية في مناطق جغرافية طرفية والتي تعاني من محدودية في توفر الخدمات المادية الملموسة، وبالرغم من ذلك فإن العديد من الأبحاث والمسوحات تشير إلى أن قسما محدودا فقط من خدمات الحكومة متوفر باللغة العربية، وهي لغة نحو 20% من المواطنين في البلاد.

10% فقط من صفحات المعلومات

والخدمات الحكومية متوفرة العربية

يورد البحث معطيات حول الموضوع مأخوذة من تقارير المكتب المركزي للإحصاء. ويستدل منه أنه ما زالت هناك مستويات متباينة في قدرات استخدام الإنترنت، بين العرب وبين اليهود، وذلك بالاعتماد على إفادات شخصية لمواطنين. فالمشاركون العرب في استطلاعات المكتب المركزي للإحصاء يفيدون أنهم أقل قدرة واستخداما للإنترنت قياسا بالمستطلعين اليهود، وهم يستخدمون خدمات الحكومة أو الخدمات العامة الرقمية الأخرى أقل من اليهود، والأمر نفسه بالنسبة إلى غايات أخرى مثل البحث عن عمل أو تعليم. غالبية المستطلعين العرب يفيدون أنهم يتصفحون الإنترنت باللغة العربية (نحو 64%) وقسم منهم يتصفحون غالباً باللغة العبرية وذلك بنسبة حوالي 18%.

يتضح من معطيات الاستطلاع الاجتماعي للمكتب المركزي للإحصاء أن 76% من المستطلعين في جيل 20 عاما فما فوق ومستوى تمكنهم من القراءة باللغة العبرية ضعيف (نحو 385 ألف شخص) يفضلون إجراء الاتصالات مع المكاتب الحكومية وجها لوجه. نسبة استخدام الاستمارات الرقمية على الإنترنت والدفع بشكل رقمي من المستطلعين العرب أقل من نصف النسبة التي أفاد بها المستطلعون اليهود.

وفقا لمعطيات منظمة الإنترنت في آذار 2021، فإن 10% فقط بالمعدل من صفحات المعلومات والخدمات التابعة لوزارات الحكومة متوفرة باللغة العربية. هناك تباين بين الوزارات المختلفة، فمثلا أكثر الوزارات توفيرا لمعلومات باللغة العربية هي وزارة حماية البيئة وذلك بنسبة 59% من الصفحات، ولكن في غالبية الوزارات تتراوح النسبة ما بين 21% مثل وزارة الأمن الداخلي، وبين 1%، مثل وزارتي الطاقة ووزارة الثقافة والرياضة بالذات!

إن توفر صفحات الخدمات للمواطن باللغة العربية أعلى من صفحات المعلومات والتي تعادل نحو 38% من صفحات الخدمة. كذلك فإن هناك تباينا في توفر صفحات الخدمات بين الوزارات المختلفة: 126% في وزارة السياحة، أي أن الصفحات بالعربية أكثر من الصفحات بالعبرية. 96% في وزارة الداخلية؛ و82% في وزارة الامن الداخلي؛ وذلك مقابل 28% في وزارة المواصلات و27% في وزارة العدل و7% فقط في وزارة المالية.

عدة "مدن مختلطة" لم توفّر اللغة العربية على مواقعها

 

وفقا لوثيقة من أواخر 2022 لمركز معلومات وأبحاث الكنيست فإن 8 فقط من 26 وزارة حكومية وسلطة تم مسحها، توفر معلومات في اللغة العربية على مواقع الإنترنت الخاصة بها بالنسبة لإمكانية تقديم توجهات وشكاوى إلى وزارة أو سلطة تابعة لها. بموجب هذه المعطيات فإن نسبة المعلومات المتوفرة باللغة العربية تتراوح ما بين 48% في الخوادم الحكومية الكبرى (gov.il) وأقل من 9% فقط في صفحات المعلومات. مثلما يمكن أن نرى من رد ممثل المنظومة الرقمية فليس هناك تقريبا استمارات متوفرة باللغة العربية و2% فقط من خدمات الدفع متوفرة باللغة العربية.

وفقا لتقرير خاص سبق أن أصدره مراقب الدولة حول "المدن المختلطة" فإن المدن حيفا، اللد، نوف هجليل وعكا لم توفر المواقع الخاصة بها باللغة العربية. وعلى الرغم من أن هذه المعلومات جزئية، فإنها تشكل مؤشرا إلى أن موضوع توفير المنالية اللغوية ليس منظما بما فيه الكفاية وليس فقط في مواقع الحكومة، بل أيضا في سلطات محلية وهيئات خدمة أخرى.

في تشرين الأول 2021 أصدرت الحكومة الإسرائيلية القرار رقم 550 حول "الخطة الاقتصادية لتقليص الفجوات في المجتمع العربي حتى العام 2026" وجاء فيها: "هناك فجوة بين المجتمع العربي وبين سائر المجتمع بخصوص استخدام الوسائل الرقمية لأغراضِ غير التصفح في الشبكات الاجتماعية، ومنها استهلاك معلومات، استخدام لأغراض مهنية وما شابه. نحو 40% من المجتمع العربي يستعملون الإنترنت لأغراض العمل مقابل 68% من المجتمع اليهودي، لا يشمل الحريديم. الناطقون باللغة العربية يشكلون 3% فقط من المستخدمين الذين يستهلكون خدمات حكومية، وهي نسبة أقل بأكثر من 6 مرات من نسبتهم بين السكان".

وجاء كذلك أن هذا القرار يضع أمامه هدف "تقليص هذه الفجوات بعدة وسائل من أجل رفع امكانية القدرة الرقمية وتوفير الخدمات الحكومية. النشاطات التي ستتم في نطاق القرار سوف تساعد على زيادة استعمال الخدمات الحكومية بشكل رقمي. وهذا سيساعد على تحسين الخدمات الحكومية للمجتمع العربي وتقوية الثقة". في غضون ذلك يجب الإشارة إلى أنه في الوضع الحالي 10% فقط من صفحات المعلومات في مواقع الإنترنت الحكومية متوفرة باللغة العربية، وهذا يقيد قدرة استخدام المجتمع العربي لهذه الخدمات.

هل بدأ العمل الفعلي على تطبيق تعليمات القرار الحكومي؟

تضمن القرار الحكومي المذكور توجيهات بشأن زيادة مساحة اللغة العربية في مواقع الخدمات الحكومية ومنها ما يتعلق بـ "المنظومة الرقمية الوطنية"، التي تدير شتى المواقع الحكومية ومواقع المؤسسات والسلطات التابعة للوزارات، وقد تم تحديد ميزانية قدرها 4.5 مليون شيكل على امتداد سنوات خطة تقليص الفجوات. وكذلك نص القرار الحكومي على تخصيص مبلغ مشابه لعمل المنظومة الرقمية الوطنية. كذلك، تم إصدار تعليمات وتوجيهات إلى جميع الوزارات الحكومية بتوفير منالية لغوية وثقافية للمجتمع العربي حتى 50% على الأقل من المضمون والخدمات الرقمية المتوفرة في الوزارات، وذلك حتى نهاية العام 2025. القرار الحكومي تعهّد أيضاً بالقيام بنشاطات متعلقة بالمنالية الثقافية للخدمات، من خلال فحص الخدمات والنظر اليها على خلفية الاحتياجات المتميزة للمجتمع العربي، بدءا بمدى صلة الخدمات باحتياجاته وحتى مستوى يدمج ما بين الملاءمة اللغوية للأطياف المختلفة في المجتمع العربي، التصميم الذي يوفر الاحترام المتلائم وما شابه.

وجه القرار الحكومي تعليمات بالقيام بنشاطات وحملات تشجع الوزارات الحكومية والهيئات العامة على توفير المنالية اللغوية والثقافية للمضامين باللغة العربية، بما في ذلك محفزات مالية. وخصصت لذلك ميزانية قدرها 7.5 مليون شيكل على امتداد سنوات الخطة. ونص القانون أيضا على إقامة طاقم فرعي لتطبيق هذه التعليمات ومتابعتها. وهنا يطرح بحث المعهد التابع للكنيست السؤال التالي: ما هي وضعية تطبيق القرار الحكومي 550، وهل تم فعلا تخصيص ميزانيات مثلما نص عليه القرار؟ وهل بدأ العمل الفعلي على تطبيق تعليمات القرار أم أنه ما زال على أبواب الوزارات والسلطات المختلفة؟

البحث يلاحظ أنه في نقاش سابق أجرته لجنة العلوم والتكنولوجيا التابعة للكنيست، في كانون الأول 2018، حول توفير اللغة العربية في المواقع الحكومية، قدمت اللجنة استنتاجات وتوصيات لمواصلة معالجة الموضوع، ومنها إقامة طاقم يشمل ممثلين عن الوزارات يتناول موضوع المنالية باللغة العربية. وأوصت اللجنة كذلك بتقديم تقرير سنوي يتابع أداء وزارات الحكومة في هذا المجال. وبعد مرور نحو 4 سنوات ونيّف يبدو أن حجم توفير المنالية اللغوية باللغة العربية ما زال جزئيا فقط، ويحدّ من إمكانية مجموعة سكانية كبيرة بتلقي خدمات وممارسة حقوق. ولهذا السبب يجدر فحص ما هي المعيقات أمام دفع نشاطات لتوفير الخدمات والمعلومات باللغة العربية – كما يقول البحث.

تقرير الفقر: الفجوات الرقميّة تجد

ترجمة لها في الفجوات الاجتماعية

 

في مقال نشرته "قراءات إسرائيلية"، المجلة متعددة المجالات للعلوم الاجتماعية والإنسانية الصادرة عن الجامعة المفتوحة، تناولت مسألة انعدام المساواة الرقمية في إسرائيل وضرورة إجراء أبحاث حول الموضوع. ومما كتبته: إن الانتقال إلى الاستخدام الواسع للوسائل الرقمية يطرح أسئلة حول تأثيره على انعدام المساواة. ويسأل السؤال: في أية حالات يفاقم هذا الاستخدام الآخذ بالازدياد من درجة اللامساواة، وفي أية حالات يؤدي إلى تقليلها؟ إن اتساع عدم المساواة شائع عادة في صفوف المجموعات السكانية التي تملك إمكانية وصول منخفضة للإنترنت، وتتميز بمستوى منخفض من القدرة الرقمية. على سبيل المثال، طلاب يرغبون في مواصلة تعليمهم في الجامعات في إسرائيل خلال أزمة كورونا وانتقلوا إلى التعليم الرقمي، عانوا من مصاعب في الاتصال بشبكة الإنترنت وإجراء محادثات عبر الفيديو دون تشويش، وضربت مثالا على ذلك طلاباً من النقب.

وتكتب المجلة أنه إلى جانب التحديات والمخاطر المنوطة بالانتقال الرقمي هناك أيضا فرص، مثل إمكانية إجراء ترجمة نوعية أكثر ما بين اللغات. ومن جهة الباحثين يمكن لهذه التقنيات أن توسع الأدوات المتوفرة لديهم من أجل تقصي وتحديد أنماط من انعدام المساواة والتمييز. كذلك، فإن الحيز الرقمي يتميز بمنالية عالية للمعلومات والمعرفة بتكلفة منخفضة نسبيا، مثل إمكانية الوصول إلى بنوك معلومات أو دورات مهنية وأكاديمية وهذا شائع على نحو خاص في دول ذات عدد سكان صغير نسبيا، وإسرائيل واحدة منها. وفيما يتعلق بتلقي الخدمات المتعلقة بتحسين المكانة التشغيلية، وبالتالي الاجتماعية الاقتصادية، تقول المجلة إن الانتقال إلى التعليم الرقمي يعزز من إمكانية الوصول إلى التحصيل العلمي العالي، وهذا يشمل مواقع ليس فيها منالية للإنترنت، ومن شأن ذلك أن يمكّن طلابا يصلون من أماكن هامشية اقتصاديا جغرافيا أو ثقافيا من تلقي تعليم بدون أن يضطروا إلى دفع اثمان اجتماعية أو اقتصادية عالية.

في السياق نفسه تجدر الاشارة إلى أن تقرير الفقر الأخير، الذي صدر في أواخر العام الماضي، تطرق هو الآخر إلى مسألة الفجوات الرقمية بين المجموعات السكانية. فقد تحدث عن وجود 2.6 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، وفيما يتعلق بالتمييز أو انعدام المساواة الرقمي كتب أن الفجوات الرقمية عالية ونتيجة لذلك فإن الطلاب الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الاقتصادية المتدنية سيظلون دائما أقل استعدادا لعالم العمل المستقبلي، وللمهارات الرقمية المطلوبة في يومنا هذا. وسيكونون مطالبين على نحو أكيد ببذل جهود أكبر لكي يتساووا مع سائر المجموعات السكانية. وفي هذه الحالة فإنهم لن يعانوا فقط في فجوات في التعليم بل أيضا من انعدام المساواة في فرص العمل وكذلك في المداخيل والمكانة الاجتماعية الاقتصادية عموماً.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات